q

كثيرا ما تستفزني ردود بعض القراء على عدد من المواضيع المتعلقة بالعراق، وخاصة تلك الموضوعات التي عنوانها من قبيل (تظاهرة في المكان الفلاني ضد موضوع معين)، او تجمع لجماعة ما تطالب بالويل والثبور، وغيرها من عناوين.

الردود التي تستفزني هي التي تؤكد ان العراقيين سيقومون بالثورة، ضد من كان السبب في مايمرون به وما يعانون منه، ومبررات الثورة لأصحاب تلك الردود كثيرة ومتنوعة، اولها هو المبرر الطائفي، ثم القومي، وبعدها بدرجات متفاوتة الاقتصادي والاجتماعي.

وجه الاستفزاز في تلك الردود، انها تطمح الى تحقيق ما يشبه معجزة مستحيلة، بسبب من ازدواجية يعيشها العراقيون والعرب والمسلمون..

هذه الازدواجية لاتنحصر في بعدها الاخلاقي والاجتماعي فقط، بل هي نفسية بالدرجة الاساس، وهي مرض لايمكن الشفاء منه، حتى لو اجتمع عليه كل اطباء النفس في العالم.

من امثلة تلك الازدواجية، ما سمعته من حديث بين اثنين، يقول الاول لصاحبه:

نحن لايفيدنا حاكما غير صدام حسين، حيث في عهده، لم يكن الفساد بهذا الشكل الذي عليه، ولم يكن لدينا ارهاب من داعش وغيرها، اضافة الى مجموعة اخرى من الهذيانات التي يوردها لصاحبه بكل اقتناع في مايقوله. لكنه فجاة يقول لصاحبه:

هؤلاء الذين يحكموننا الان، يجب عليهم ان يستنوا بسنة الامام علي (عليه السلام) في حكمه، ويجب ان يقتدوا بما كان يقوم به.

هل يمكن الجمع بين متناقضين في الوقت نفسه؟

نعم، وفعلها هذا المتحدث الجهبذي..

فهو ضد حكام العراق في الوقت الحالي، وهو مع صدام حسين في طريقة حكمه، وهو مع علي بن ابي طالب (عليه السلام) في ما يطمح ان يكون عليه حكام اليوم في العراق.

وبعبارة اخرى، هو مع الاستبداد الذي يمثله صدام، ومع العدالة التي يمثلها بن ابي طالب..

وهذا المتحدث يقترب من حالة يقين قطعية لاتقبل الجدال او النقاش في مايؤمن به.

فهو في وعيه يتمثل تلك الصورة التي كان عليها عهد صدام حسين، ولا يكلف نفسه عناء مساءلتها، فهو ربما من بهائم كثيرة، كانت تأكل وتتناسل وتنام، ولا يهمها كم حجم العبودية او الحيونة التي يعيشها في يومه، او يعيشها غيره من الملايين، ومن هو المتسبب بتلك الحيونة، وفقدان الحس الاخلاقي والانساني الذي يستدعي الثورة على الظلم.

وهو نفسه الحس الذي يغيب عن ملايين العرب والمسلمين، ولهذا لايستطيعون الثورة على ظالميهم، وان ثاروا يعيدون انتاج اليات الظلم نفسها.

مثل اخر عربي هذه المرة ومن تونس، حيث قام نشطاء فلسطينيون برفقة نشطاء من حول العالم، برفع صور لصدام حسين والرئيس المصري الأسبق جمال عبدالناصر إلى جانب صور أخرى لأحمد ياسين وفيديل كاسترو خلال فعاليات المنتدى الاجتماعي العالمي في تونس.

تناقض اخر اليس كذلك؟ منتدى اجتماعي عالمي، يعقده أعضاء الحركة العالمية لمناهضة العولمة بهدف تنسيق حملاتهم العالمية، وتبادل وتطوير المعلومات حول الاستراتيجيات التي يعملون وفقا لها، إضافة إلى التعارف فيما بين الحركات الناشطة في مختلف أنحاء العالم وماهية القضايا التي يتبنونها.

هل يعقل ان يرفع من يسمون انفسهم ناشطين للدفاع عن قضايا اجتماعية من قبيل العدالة او المساواة صورا لمستبدين من قبيل صدام حسين وجمال عبد الناصر وكاسترو؟ وهل ليس لدى الفلسطينيين من رموز اخرى حملوا لواء الدفاع عن العدالة والمساواة شعراء وكتاب ومفكرين؟ لماذا لم يرفعوا صورا لمحمود درويش او سميح القاسم مثلا؟ ولماذا لم يرفعوا صورا لقادة ثورات حقيقية في فلسطين وغيرها من الدول العربية ضد المستعمرين؟

هل مثل هؤلاء الناشطين هم فعلا يحملون قضايا نبيلة ويدافعون عنها، ورموزهم قد اوغلت في رذائل الاستبداد والطغيان، وقادت بلدانها الى الخراب؟

هل لمثل من يرفع صورا للمجرمين والقتلة والمستبدين ان يمتلك حسا اخلاقيا او انسانيا يعول عليه؟

لا عجب ممن يبايع البغدادي خليفة للمسلمين، ويسير خلفه الى حتفه، دون مساءلة او تفكير.

لاننا نتشبه بمن يستبد بنا ونرفع صوره عاليا، مع شعارات قتلها ودفنها اصحاب تلك الصور في زمن حكمهم واستبدادهم.

هل تسمح لنا تلك الازدواجية يوما ان نتخلص من عبوديتنا وحيوتنا ونثور فعلا؟

ولا بعد ألف عام.

اضف تعليق