q
الورش (الإبداعية) لا طائل فيه لمن لا يجد الموهبة في فطرته. وهي لا تصنع كاتباً مبدعاً، لأن الإبداع يعني التفرد والخلق. وقد يتعلّم البعض تقنيات الكتابة النمطية الى هذا الحد أو ذاك في مثل هذه الورش ، ولكن الكتابة النمطية هي عجز عن الإبداع الحقيقي...

انتشرت في العالم العربي خلال السنوات الأخيرة ظاهرة إقامة الورش (الإبداعية) لتعليم فن الكتابة السردية لمن يطمح أن يكون كاتباً قصصياً أو روائياً. والحق أن فكرة إقامة مثل هذا النوع من الورش تعود الى البلاشفة الروس الذين أرادوا –في السنوات التي تلت ثورة اكتوبر 1917 - تعليم العمال والفلاحين الشباب ، من خريجي المدارس الإعدادية تقنيات الكتابة الأدبية وخاصة النثر الفني ، ليحلوا محل الأدباء (البورجوازيين) حسب زعمهم. ولكن هذه التجربة فشلت فشلاً ذريعاً ولم تخلق أي روائي أو قصصي مبدع حقيقي ، الا من كان في الأصل صاحب (موهبة) أدبية.

الموهبة –فطرة مطبوعة تظهر في سنوات الشباب المبكرة وتصقل مع اكتساب الخبرة ، وقد تتحول بإدمان المزاولة وطول العلاج الى مهارة لا يمكن لمعظم الناس الوصول إليها ، وهي تسمح لصاحبها تحقيق أكبر قدر من النجاح في مجال تجليها. قد يكون الشخص موهوبا في عدة مجالات من النشاط الإنساني ، ولكن الموهبة غالباً ما تقتصر على مجال أو نشاط واحد.

واصل كلمة موهبة (تالينت) في اللغتين الإنجليزية والفرنسية و(تالانت) في اللغة الروسية ، يرجع الى اسم عملة فضية يونانية قديمة (حوالي 400 سنة ق.م). وفي العهد الجديد (الجزء الثاني من الكتاب المقدس لدى المسيحيين) مثال عن العبيد الثلاثة الذين أعطاهم مالكهم عددًا من (المواهب الفضية) قبل سفره ، وطلب منهم التصرف بها خلال فترة غيابه. دفن أحد العبيد موهبته في الأرض ، وتمكن الثاني والثالث – من استثمارها في زيادة رؤوس أموالهما. وبعد عودة المالك ، سأل عبيده الثلاثة عما فعلوا بمواهبهم. استخرج العبد الأول موهبتة الوحيدة من تحت الأرض ، فعاقبه المالك بإستعادة الموهبة منه وأعطاها لعبد آخر ، كان قادرا على مضاعفة مواهبه أكثر من أي شخص آخر.. وقدم العبدان الآخران موهبتهما مع أرباحهما ، فأشاد بهما المالك ووعد بتكليفهما بمهمة الإشراف على الكثير من ممتلكاته لكونهما مخلصين. وفي العصور الحديثة انتشرت كلمة "الموهبة" بالمعنى المجازي: كهبة ربانية، او فرصة ينبغي عدم اهمالها ، بل السعي للاستفادة منها في سبيل خلق شيء جديد.

الورش (الإبداعية) لا طائل فيه لمن لا يجد الموهبة في فطرته. وهي لا تصنع كاتباً مبدعاً، لأن الإبداع يعني التفرد والخلق. وقد يتعلّم البعض تقنيات الكتابة النمطية الى هذا الحد أو ذاك في مثل هذه الورش ، ولكن الكتابة النمطية هي عجز عن الإبداع الحقيقي ، ان لم تكن قتلاً للموهبة عن طريق توجيهها الى كتابة نمطية لا قيمة لها. فالإبداع هو أن تخلق عالمك الإفتراضي الخاص الذي لا يشبه أي عالم آخر. وأسلوبك المتميز الذي لا يمكن تقليده. وكما يقول (بيفون) الأسلوب هو الإنسان..

ذات مرة كان الكاتب سنكلير لويس يحاضر عن المهارات الأدبية في احدى الورش (الأبداعية) ووجه سؤالاً الى الطلبة المتدربين:

- هل أنتم جادون في أن تصبحوا كتاباً؟

فأجابوا بصوت واحد: أجل

فرد عليهم سنكلير قائلاً: اذن لماذا أنتم هنا ولستم في بيوتكم لتكتبوا!

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق


التعليقات

الكاتب الأديب جمال بركات
مصر
فكرة تصنيع الأدباء فكرة محكوم عليها بألف فشل لأن الإبداع موهبة تصقل بالدراسة والثقافة
وحكاية الورش الأدبية التي كثيرا ماسمعنا عنها وعمن يديرونها وأدركنا أنهم يبيعون للبعض الوهم والخرافة
فكيف بمن لم يعترف به في الأساس كمبدع أن يجلس على مقعد أستاذ معلم يصنع مبدعين..هذا بحق سخافة
أحبائي
دعوة محبة
أدعو سيادتكم الى حسن الحديث وآدابه...واحترام بعضنا البعض
ونشر ثقافة الحب والخير والجمال والتسامح والعطاء بيننا في الأرض
جمال بركات...مركز ثقافة الألفية الثالثة2018-12-10