q
طيف واسع من الاتجاهات تمتد من الأصالة التي ترفض أي مزاوجة ثم الاتجاه التوفيقي واخيراً الذي يدعو إلى استعارة الديمقراطية في وجهها المعاش بلا أي رجوع إلى الشورى وبات هذا التعدد من أهم مشاكل إعاقة البناء السياسي المعاصر ولقد سعت الأنظمة في فترة تاريخية سابقة إلى بناء أنظمة توفيقية...

مقدمة

مما لا شك فيه أن دائرة واسعة من الفقهاء واهل النظر يؤمنون بوجود نظام سياسي إسلامي عادل يراعي كرامة وحقوق الإنسان اصطلحت على تسمية الأدبيات السياسية المعاصرة بأنه نظام الشورى. وفي نفس الوقت يعتقد الجميع بان هذا الشكل الراقي للحكم انتهى بعد سيطرة النظام الاستبدادي بدأ من سيطرة الأمويين على السلطة ومنذ تلك الحقبة عاش المجتمع المسلم فترة طويلة تحت هيمنة الاستبداد الذي لا يعترف للأمة بأية حقوق، كما انه وتبعاً لذلك يمنع الكثير من أنماط التفكير والاعتقاد التي لا تتلائم مع توجهات السلطة ويعالج كل قضايا الخلاف بواسطة استخدام العنف والتصفيات الجسدية مما قاد إلى تأصيل العنف ومنحة شرعية في حل الخلافات والامساك بزمام الحكم مع ضمان خلق طواعية رعايا الدولة.

ولعل من الثابت هو أن الإسلام يرفض هذا اللون من السلوك الهادف لتحقيق سيطرة الدولة ولا يرى للسلطة حق الطاعة إلا بعد البيعة التي يجب أن تكون طوعية ونابعة من رضى تام لأن الرضى قاعدة عامة في جميع ما يتعلق بالإنسان فلا يحق اخذ مال أو تصرف دون رضى صاحبه وكل ما وقع من الإنسان دون قصد واختيار فهو باطل.

ويرجع جميع المسلمين إلى معرفة القواعد واطر العلاقات إلى فترة الرسول (ص) وإلى الأئمة (ع) وثم الفقهاء. فهي الأساس في معرفة طبيعة النظام الشورائي والتطبيق الاشمل لهذه القاعدة.

لكن وصول الأمويين أبدل هذه الطريقة بطريقة شرعنة السيطرة بالقوة وعندما أقرت السلطة أسلوب السيطرة فكأنها أعلنت عن إمكانية لجوء أي طامع بالسلطة إلى اللجوء إليها للاستحواذ عليها وبذلك يسود قانون الغلبة بين فئات المجتمع وهو يعني بالضمن أن الرادع الوحيد عن طلب السلطة هو الضعف والعجز.

نتائج الاستبداد

ولقد قادت هذه الشرعنة إلى أضرار فادحة لم تكن واضحة الأبعاد في العصور الإسلامية الأولى لقوة الدولة إلا أن ذلك صار جلياً في فترات لاحقة. في البداية أدت إلى خلق الحوافز لجميع الفئات للبحث عن فرصة فنتج عن ذلك تربص طبقات المجتمع بانتظار السانحة مما أعطى للقانون والذرائع الأخرى دوراً ثانوياً وانفتح باب الصراع الدموي على مصراعيه إلى أن أدى في عصور لاحقة إلى انتهاء مركزية الدولة وبروز دويلات صغيرة تتحكم بمساحات من الدولة في نفس الوقت أفضى ذلك إلى نشوء سلطات لا تمثل الا نفسها وتقوم علناً بالتحكم واحتكار المنافع والمصالح ويغض النظر عن الأضرار التي تنال بقية طبقات المجتمع فضلاً عن استخدام الدين والقيم لإغراض تبريريه بدلاً عن دوره الفعلي في قيادة الحركة الاجتماعية برمتها واعداد القانون الذي يفترض فيه الهيمنة على العلاقات واعتماده كفيصل في التقاطعات والخلافات مما يؤدي في النهاية إلى سيادة الاستقرار والأمن الاجتماعي.

وطبيعي أن يؤدي هذا المسار إلى تردى متتابع ومتواصل ويمنع أي محاولة للسير بالاتجاه المعاكس وأن تتفاقم السلبيات إلى أن صارت المجتمعات الإسلامية تعرف بالتخلف وتوصف به وخصوصاً حينما بدأت عمليات المقارنة مع الأوضاع التي سادت في العالم الغربي الذي بدأ حديثاً وقوياً ويقرع بقوة على أسوار الحضارة الإسلامية ويهدد بإزالتها.

الشورى في الفكر المعاصر

ومن هنا انطلق الفكر الإسلامي للبحث عن أسباب هذا التردي وعلاقته بالنظم الاستبدادية التي سيطرت خلال التاريخ السابق وسبل الخلاص منه مما عرف بفكر اليقظة أو فكر الأنوار تشبيهاً لها بفترة الأنوار التي سبقت النهضة الغربية.

ولقد كان من نتائج ذلك التأكيد على وثاقة الصلة بين التخلف والاستبداد وأن العلاج يكون بالقضاء على الاستبداد وببناء أنظمة دستورية بدلا من الملكيات المطلقة التي كانت حاكمة في عصر الأنوار ولهذا كثر الحديث عن المشروطية والديمقراطية وما هو أثرها وابعادها ومدى علاقتها بنظام الشورى الإسلامي.

وهكذا (ارتبط مفهوم الديمقراطية مع فكرة الشورى في الفكر الإسلامي المعاصر ضمن محاولات التجديد المعاصرة)(1)، لكن هذه المحاولات لم ترى في الديمقراطية أو الشورى مجرد نظام سياسي ناجح في إدارة شؤون الدولة ويسهل أيضاً عمليات انــتقال السلطة بصورة سلمية بل لأنها من أهم أدوات الأمن الاجتماعي والقضاء على التوترات والصراعات بين فئات المجتمع التي قد تكون غير متطابقة ولهذا صارت (بؤرة الاهتمام باعتبارها مدخلاً لأية تطورات أخرى مثل التنمية أو الوحدة الوطنية أو الاستقرار الداخلي أو السلام)(2).

إشكاليات التطبيق

وهكذا احتل الحديث عن النظام الشورائي مساحة واسعة من السجال الفكري الدائر لاختيار السبل المتاحة والموصلة إلى النهضة الإسلامية إلى الصورة التي تختزنها التجربة الإسلامية في التراث والتي لم تكن تحمل أي شكل عملي معاصر مطبق ومعاش والتي انقطعت بعد سيطرة الاستبداد فهذا بالطبع لا يتم الا بالمزاوجة بينها وبين الصورة المشابهة والمطلقة في العالم الغربي والتي تنتمي إلى تجربة اجتماعية وسياسية خاصة مخالفة ومغايرة كلياً.

ولهذا انطوت عملية المزاوجة على (إشكالية أساسية تنعكس على كل المجهودات التأصيلية والاجتهادات وخاصة حين يسعى المفكرون والمنظرون الإسلاميون عموماً إلى استخدام أدوات ومناهج إسلامية أصولية فاللجوء إلى القياس أو الرأي أو الاستصحاب لا يحل التناقض لأن مفهومي الديمقراطية والشورى ينتميان إلى بيئتين مختلفتين. ولهما عناصر وجزئيات ومكونات مختلفة ومتباينة تطورت ضمن صيرورات تاريخية وظروف اجتماعية مختلفة تماماً. لذلك يظل انتزاع أي مفهوم من سياق بنيته الفكرية عملية معقدة، وفي بعض الأحيان تضر بالاثنين إذا يفرغ من مضمونه الأصلي، وفي الوقت نفسه يصعب دمجه أو تمثيله في البنية الأخرى).(3)

وهكذا يصبح تأصيل الديمقراطية باعتبارها نظاما حيا معاشا في واقع عاش فترات طويــلة من الاستبداد من خلال أطر فكرية وقانونية إسلامية (شورى) أول مشكلة تواجه المشروع وتتفرع بدورها إلى إطارين الأول نظري والثاني عملي.

ففي الإطار النظري لابد من الإجابة على سؤال (هل هناك ضرورة لإدراج مفهوم الديمقراطية ضمن بنية الفكر الإسلامي ام يمكن لمفهوم الشورى أن يكون مقابلاً أو بديلاً كاملاً يغني عن استعارة ذلك المفهوم الأجنبي؟)(4)

وعند محاولة الإجابة يتبعثر الفكر إلى طيف واسع من الاتجاهات تمتد من الأصالة التي ترفض أي مزاوجة ثم الاتجاه التوفيقي واخيراً الذي يدعو إلى استعارة الديمقراطية في وجهها المعاش بلا أي رجوع إلى الشورى وبات هذا التعدد من أهم مشاكل إعاقة البناء السياسي المعاصر ولقد سعت الأنظمة في فترة تاريخية سابقة إلى بناء أنظمة توفيقية وقامت باستعارة القوانين والمؤسسات وجاءت هذه المساعي لتشكل سابقة للمحاولات الفعلية التي لا تزال تتلمس طريقها إلى التطبيق خصوصاً بعد أن انتهت الأنظمة الشمولية في العالم إلى الإفلاس ولشدة المعاناة في العالم الإسلامي التي نالت الجماهير والنخب حتى غدت الديمقراطية والشورى مطلباً واسعاً ترغب رؤيته حياً جميع طبقات المجتمع الإسلامي وليس هناك تفاوت الا في قضية الأصالة أو العودة إلى النموذج الأصيل الذي لا يتعارض مع الجذر الثقافي للأمة.

فيكون هذا التوجه هو أحد الجوامع والمشتركات بين اغلب الاتجاهات الفكرية السائدة على أن نفس التوجه الديمقراطي وان كان جاء معاً الا أنه ينتشر بين عدة أطر أيدلوجية تتفاوت في الكثير من المعالم بحيث لا يمكن أن تتشكل دولة ديمقراطية في ظل الجامع الديمقراطي بسبب تناقض بقية التفاصيل والتوجهات وعلى صعيد التطبيق تعد هذه الإشكالية من أهم الإشكاليات التي تعصف بالواقع في البلدان الإسلامية ولهذا تحتاج هذه المجتمعات إلى اكتشاف جامع يمكن بواسطته استيعاب جميع أشكال التباينات وقد سبق لأشكال الــتطبيقات الديمقراطية أن عانت من هذه الإشكالية ففي التيارات العلمانية نلاحظ قيام السلطات بممارسة الديكتاتورية مع الاتجاهات الإسلامية ويمكن أن يحدث العكس في ظل سيطرة التيار الإسلامي.

الشورى والاستقرار السياسي

ومن هنا فان العودة إلى البحث عن حلول في الإطار النظري يسمى ضرورة كما أن محاولات الـتطبيق بالكيفية السابقة تحتاج إلى اكتشاف إطار نظري يقضـي على أجواء الصراع لأن الشورى أو الديمقراطية لا يمكن تطــبيقها إلا في أجواء يحكمها القانون والسلام.

ومن هنا فان مهمة الفكر السياسي هذه المرة تتمثل بالتفكير في إنتاج مؤسسة سياسية تدار بواسطة العلماني أو الإسلامي أو أي اتجاه آخر دون أن تفضي إلى مشاكل تنتج من اختلاف أيدلوجية الاتجاه الذي يمسك بالسلطة والذي غالباً ما ينشأ من محاولة إفناء الآخر.

الجامع بين التنوعات

وإذا كان الأمر كذلك فإننا لا نجد جامعا سوى الدين كجامع ثقافي يمكن أن يشكل قاسماً بين التيارات ذلك أن اللا دين يحتاج إلى تجريد أوسع طبقات المجتمع من ثقافتها ومن معتقداتها وهذا أمر غير ممكن فعلاً بينما يحظى عكسه إلا وهو الدين بقبول حتمي من قبل النخب الإسلامية ومن قبل الجماهير بينما لا تتقاطع اغلب النخب العلمانية معه ولكنها لا تتبناه كطريق لتحقيق التنمية أو للعبور من التخلف إلى التقدم وتكون النتيجة أن الدين سيمثل الإطار الذي يمثل الأكثرية ولذلك فانه يجب أن يشكل الفضاء الذي يسمح بتعايش الاتجاهات الفكرية المتعارضة بعد التخلص من عقدة الديكتاتورية المتمثلة بالرغبة بإلغاء الآخر.

وحين يصل الأمر إلى بحث موقف النخب فإنها أما نخب إسلامية أو علمانية وبالنسبة للنخب الإسلامية لا توجد مشكلة ويمكن للنخب العلمانية أن ترجع إلى أيدلوجياتها التي غالباً لا ترفض الدين ولا تقف ضده ولكنها لا تحاول استنباط الحلول من خلاله لذا يمكنها قبوله كجامع من خلال أرضية عدم التناقض معه وبالتالي مع بقية فئات المجتمع.

ولعل المرجع لهذا النوع من القبول هو التجربة الاجتماعية الطويلة الأمد التي فرضت خلال عدة قرون حقائق غير قابلة للنقض الا وهي عدم قدرة أي من التيارات للانفراد بالسيطرة على الواقع وأن محاولة ذلك لن ينتج سوى الصراع الدامي الطويل الأمد والذي لا يسفر عن حسم الصراع لصالح أي من الأطراف خصوصاً أن هذا الصراع ليس فقط لا يسفر عن حالة من عدم الحسم بل يؤدي إلى إفشال كل برامج التنمية والنهوض ويؤدي إلى تكريس حالة الركض وراء أحلام طوباوية غير قابلة للتحقق لكن إذا تحقق الاستقرار والأمن الاجتماعي ستتمكن الجماهير من تبني الحلول الواقعية بناءاً على الوعي والتجربة الناضجة وليس على أساس الشعارات وأحلام اليقظة.

ولكل ما أوردناه ستحل أطروحة الشورى موقفاً هاماً لأنها ستتمتع بالأصالة التي تفضلها التيارات الإسلامية بأنواعها التوفيقية أو التي ترفض التوفيق ويمكن لها أيضاً أن تكون مقبولة من قبل التيارات العلمانية لأنها تشكل وتستوعب جميع تفاصيل الديمقراطية وجوهرها لأنها في كل الأحوال مشروع لا يزال في صورته النظرية التي ستصل إلى صورتها الناضجة من خلال التطبيق الناجح والذي لابد له من أن يتحرى الجوانب القابلة للتحقيق وليس الصور المثالية التي يطمح لها هذا الاتجاه أو ذاك.

وفي النهاية فإن الصورة النهائية ستكون ملكا للخبراء الذين يصوغون القوانين بحيث يأتي معبراً عن الروح الشورائية والديمقراطية خصوصاً أنها في اصل وجودها تنطوي على نقاط اشتراك جوهرية ويمكن لخبير القانون العلماني أن لا يعارض تعاليم الدين فيماً يتعلق بالجانب السياسي الذي يرى اغلب منظري ومفكري الطرفين أن الدين ترك اغلب تفاصيله مفتوحة لطبيعة العصر يمليها أهله تبعاً لمصالحه وهكذا يكون الفضاء الإسلامي قابلاً لاستيعاب تنوعات مجتمعاته التي نتجت من خلاله الصيرورة الاجتماعية وخلال تاريخ عريق يضيف في كل مقطع تنوعاً جديداً إلى الواقع فيتغير تباعاً.

الاشتراك بين الديمقراطية والشورى

ويحاول اغلب الذين تصدوا لبحث قضية الشورى التأكيد على وجود مبادئ أساسية يقرها الدين الإسلامي وتشكل أساس الشورى الإسلامية ويؤكدون أيضاً تطابقها مع أسس الديمقراطية من قبيل سيادة القانون الإسلامي (والقانون من أهم مظاهر الديمقراطية في الحكم واحترام حقوق الإنسان ومدى سعتها أو ضيقها)(5)، ولهذا فانه (يفترض (القانون الدستوري) في الدولة الخاضعة للقانون النتائج التالية: 1ـ أن الحكام هم في خدمة الشعب... إذ لا فاصلة بين الحاكم والمواطن سوى المسؤولية والدور الوظيفة. 2ـ أن أمن المواطنين وضمان سلامتهم والحفاظ على مصالحهم العامة من التهديدات الداخلية والخارجية من أهم أهدافها. 3ـ أيجاد مقومات القوة والبقاء والكرامة الاجتماعية والسياسية في الشعب والنظام)(6).

ويتمتع القانون الإسلامي بميزات عن القوانين الوضعية بنقاط قوة إضافية منها (أن قوانين الإسلام إنسانية أممية في الحكم لا تؤمن بالجنسيات والقوميات والعنصريات المختلفة)(7).

كما تتجلى ديمقراطية الإسلام بجملة عناصر هي (1ـ الحياة الحرة المرفهة 2ـ الأمن والسلام 3ـ تقرير المصير)(8).

وإذا ثبت لدينا وجوه نواحي عديدة تتفق فيها الديمقراطية والشورى فحينها يمكن للجميع تبنى النظام الديمقراطي بجوهره ومراميه وغاياته وحتى أشكاله المتعددة مما يتيح فرصا أوسع لاختيار الشكل الأكثر انسجاماً مع البنية الاجتماعية الإسلامية.

التفكيك بين النظام والعقائد

كما يمكن الوصول إلى حالة اكثر كمال عبر تثبيت النظام السياسي كصيغة يتفق عليها جميع الفرقاء والتفكيك بينه وبين العقيدة فالفرد يقبل النظام السياسي دون أن يتعارض ذلك مع عقيدته السياسية أو المذهبية.

وبواسطة التفكيك بين العقيدة السياسية وبين النظام السياسي الذي يعيش في ظله جميع أبناء المجتمع سواء كانت مذاهب دينية أو مذاهب سياسية سيتم استيعاب التنوع في إطار وحدة مقبولة لدى الجميع تكون طريقاً للاندماج الاجتماعي الذي يعد أكبر المشاكل التي تواجه التنمية والاستقرار.

شورى الفقهاء كحل لمعضلة الاستبداد

وبالنسبة للمذهب الشيعي يمكن أن يــشكل نموذج شورى الفقهاء صيغة ناجحة لبناء مؤسسة شيعية قادرة على التعايش مع السلطات أو الاستقلال دون أن تفقد خصوصياتها المذهبة كما يمكن أن تعمم لتصبح نموذجاً أوسع إذا قبلت من قبل الأطراف الأخرى باعتبارها صيغة عملية قابلة للتطبيق وتنطوي على مواصفات عدة تعطيها فرصة الحياة اكثر من سواها واول هذه المواصفات هي كونها أصيلة أي أنها لا تستعير أي شيء خارج البناء الموروث فالحوزة الشيعية الفت وجود المراجع وجود المرجع الأعلى الذي يصبح كذلك لأنه من اعلم العلماء الموجودين فضلاً عن الصفات الأخرى وهذا الأمر لا يأتي اعتباطا بل يقربه العلماء واهل الفضل ولهذا السبب فانه يحصل على اكبر عدد من المقلدين وبسبب هذا الوضع فانه سيكون زعيماً للأكثرية ويوجد إلى جانبه عدد آخر من العلماء الذين يأتون بعده من ناحية عدد المقلدين وهكذا يمكن أن يمثل هذا الواقع نوعين من الصيغ المعروفة هي صيغة الحزب المرجعي أو صيغة التمثيل النيابي فيكون المرجع إما نائباً عن مقلديه الذين يطيعون فتاواه أو زعيماً لهم باعتبارهم حزباً وبالتالي فانهم يعملون بفتاواه بغض النظر عن هذا الاعتبار أو ذاك.

وتأتي الأطروحة لتضيف تعديلاً بسيطاً على هذا الواقع إذ تجعل عملية اختيار الزعيم أو المرجع الأعلى تتم بواسطة مجلس يتم فيه التشاور لإدارة شؤون المذهب وخصوصاً بالنسبة للمقاطع الخطرة في التاريخ والتي تحتاج إلى وحدة قرار وللتخفيف من ضغط المواجهات الذي يخوضها بعض العلماء مع القوى المستبدة عندما يكون الموقف جماعياً وموقفا لجميع اتباع مذهب أهل البيت.

الأصالة في أسس الأطروحة

ومن الواضح أن هذه الأطروحة تتأسس على الاعتقاد بأن النظام الإسلامي نظام شورائي وأن الشورى بالكيفية السابقة نظام سياسي وليست عملية استيناس بآراء بعض الخبراء أو أهل الاطلاع وأن هذا الأخير جزء من العملية لأن الشورى هي (1ـ أن الشورى مبدأ إسلامي عام لا يختص فقط بالمجال السياسي بل حتى في الحياة الأسرية والاجتماعية 2ـ أن للشورى مجالات الأول: مشورة الحاكم المسلم للمسلمين في الأمور المتعلقة بهم، والثاني: مشورة المسلمين فيما بينهم على إدارة شؤونهم، فهي دعوة الطرفين إلى الشورى طرف الحاكم وطرف الرعية 3ـ مبدأ التشاور قائم في الأمور المتعلقة بشؤون المسلمين دون الأحكام الشرعية التي ورد فيها النص)(9).

وبالإضافة إلى هذا فإن هذا الاعتقاد بناءً على دلالة الآيات والروايات التي يستنبط منها وفق الطرق العلمية في استنباط الأحكام على واجبه (وجوب اخذ الآذن بالتـــصرف، فكل شـــيء يرتبط بــــشؤون الأمة لابد من الاستشارة فيه سواء في اصل الجعل أو تابعه)(10).

أما بالنسبة لمواردها فأنها لا تمثل المحرمات والواجبات (أما في سائر الشؤون الشخصية منها، فتستحب المشورة فيها، وفي الشؤون الاجتماعية تجب مشورة الحاكم مجيئاً إلى الحكم وتنفيذاً لامر دون أمر. أما وجوب المشورة في مجيء الحاكم إلى الحكم فلأنه تسلط على الناس، والناس لا يصح التسلط عليهم الا برضاهم، أما الصغرى فواضح واما الكبرى فلقاعدة السلطنة الناس مسلطون على أموالهم وانفسهم ـ هذا بالإضافة إلى وجوب كون الحاكم جامعاً للشرائط المقررة في الشريعة الإسلامية)(11).

الفقه والأطروحة

وعلى هذا فأن الدعوة قائمة بناءاً على مباني فقهية ويمكن للفقهاء بحثها كذلك وبالتالي تسويقها كأطروحة سياسية تبشر بحل للمشكلة الرئيسة في العالم الإسلامي الا وهي مشكلة الأنظمة الاستبدادية والصراع بين الفئات الاجتماعية التي تختلف في الرؤى السياسية.

وهي أيضاً تعتمد رؤية النظام المتعدد الأحزاب ولذلك فإنها تتناغم من الاتساع في الأيدلوجية حتى يمكن لها أن تكون أرضية لاستيعاب الأحزاب العلمانية وفق عملية تكييف مقبولة لكنها لــحد الآن لا تبين بوضوح فيما إذا كان الشيعة يعيشون في دولة مستقلة محكومة بالمذهب أو إذا كانوا يعيشون ضمن مجتمع متعدد المذاهب وكيف يمكن إيجاد العنصر المشترك الذي يتم تأسيس النظام السياسي على ضوءه هذه الإجابات يمكن العثور عليها في تفاصيل الأطروحة ويمكن الإشارة إليها لاحقاً عندما يصار إلى بحث المزيد من الجوانب التفصيلية.

* مقال نشر في مجلة النبأ-العدد 43- ذو الحجة 1420/آذار 2000

..............................
الهوامش
(1) التيارات الإسلامية وقضية الديمقراطية ـ الدكتور حيدر إبراهيم علي ـ صادر عن مركز دراسات الوحدة العربية، ص139.
(2) نفس المصدر، ص178.
(3) المصدر السابق، ص139.
(4) المصدر السابق، ص157.
(5) الحكومة الديمقراطية أصولها ومناهجها، فاضل الصفار، ص34، دار المحجة البيضاء.
(6) المصدر السابق، ص39.
(7) المصدر السابق، ص54.
(8) المصدر السابق، ص؟؟
(9) الشورى في الإسلام ـ الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي، ص20.
(10) المصدر السابق، ص23.
(11) المصدر السابق، ص35.

اضف تعليق