q
ANDREW WACHTEL

 

بشكيك ــ عُرِضَت عليّ مؤخرا رئاسة جامعة في كازاخستان تركز في الأساس على الأعمال، والاقتصاد، والقانون، وهي تعلم هذه الموضوعات الدراسية بطريقة ضيقة، وإن كانت شديدة الدقة فكريا. وأنا أنظر في هذا العرض الوظيفي. ولكن عندي بعض الشروط.

فقد اقترحت تحويل الجامعة إلى مؤسسة حيث يواصل الطلاب التركيز في هذه التخصصات الثلاثة، ولكن ينبغي لهم أيضا أن يكملوا "منهاجا أساسيا" في الدراسات الإنسانية، والعلوم الاجتماعية، والعلوم الطبيعية ــ بما في ذلك علوم الكمبيوتر والإحصاء. كما يحتاج الطلاب إلى اختيار موضوع فرعي في أحد العلوم الإنسانية أو الاجتماعية.

والأسباب التي تجعلني أصر على هذا التحول عديدة، لكن السبب الأكثر إلحاحا من منظوري هو الحاجة إلى إعداد خريجي المستقبل لعالَم حيث يلعب الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المعززة بالذكاء الاصطناعي دورا مهيمنا على نحو متزايد. ولتحقيق النجاح في محل العمل في المستقبل، يحتاج الطلاب إلى مهارات جديدة.

على مدار السنوات الخمسين المقبلة، مع اكتساب الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي المزيد من القوة، سوف تتضاءل أهمية العمل البشري بفِعل التكنولوجيات التي تتفوق في الأداء على البشر في كل وظيفة تقريبا. ويتعين على التعليم العالي أن يساعد في إعداد الطلاب لهذا الاحتمال. وعلى افتراض أن الذكاء الاصطناعي سوف يحول مستقبل العمل أثناء حياة طلابنا، فيتعين على المربين والمعلمين أن ينظروا في المهارات التي سيحتاج إليها الطلاب عندما يصبح البشر عاجزين عن منافسة الروبوتات.

ليس من الصعب أن نتنبأ بأن المهام الروتينية ستختفي أولا. وقد بدأ هذا التحول يحدث بالفعل في بعض الدول الغنية، ولكنه سيستغرق وقتا أطول في أماكن مثل كازخستان. ولكن بمجرد ارتفاع وتيرة هذا الاتجاه، سوف يعدل الناس حياتهم وفقا لذلك. طوال قرون من الزمن، كانت المجتمعات تنمو مع توسع الفرص الاقتصادية؛ على سبيل المثال، أصبحت أسر المزارعين أكبر حجما مع تزايد الطلب على المنتجات، وهو الأمر الذي تطلب المزيد من اليد العاملة لتسليم السلع للمستهلكين.

لكن عدد سكان العالَم الحالي غير قابل للاستدامة. ومع تعمق الذكاء الاصطناعي في محل العمل، سوف تختفي الوظائف، وتنحسر فرص العمل، ويتقلص عدد السكان وفقا لذلك. وهو أمر طيب من حيث المبدأ ــ فقد بدأ كوكب الأرض يفيض بسكانه ــ ولكن سيكون من الصعب التعامل مع هذا الاتجاه في الأمد القريب، لأن وتيرة تناقص السكان لن تعوض عن خسارة الوظائف وسط ثروة الروبوتات.

لهذا السبب، يحتاج الجيل القادم من العمل البشري ــ طلاب الجامعات اليوم ــ إلى التدريب المتخصص لكي يزدهر. في الوقت نفسه، وربما أكثر من أي وقت مضى، يحتاج الجيل القادم إلى ذلك النوع من التعليم الذي يسمح لهم بالتفكير على نطاق عريض وخلق روابط غير عادية وغير متوقعة بين مختلف المجالات والميادين.

من الواضح أن قادة الغد سوف يحتاجون إلى إلمام وثيق بأجهزة الكمبيوتر ــ من البرمجة الأساسية إلى الشبكات العصبية ــ لفهم الكيفية التي تعمل بها الآلات التي تتحكم في الإنتاجية والعمليات التحليلية. ولكن الخريجين يحتاجون أيضا إلى الخبرة في عِلم النفس، وإن كان ذلك لمجرد فهم كيف يختلف "دماغ" الكمبيوتر عن أدمغتهم. وسوف يحتاج عمال المستقبل إلى التدريب في مجال الأخلاقيات، لمساعدتهم في الإبحار عبر عالَم حيث لم يعد من الممكن اعتبار قيمة البشر أمرا مفروغا منه.

ويجب أن يبدأ المعلمون الذي يعدون الطلاب لهذا المستقبل الآن. وينبغي لدارسي تخصصات إدارة الأعمال أن يدرسوا التاريخ الاقتصادي والسياسي لتجنب التحول إلى جبريين عميان. ويتعين على أهل الاقتصاد أن يتعلموا من طلاب الهندسة، لأنهم سيصبحون المهندسين الذين يبنون مستقبل قوة العمل. وينبغي لطلاب القانون أن يركزوا على تقاطع البيانات الضخمة مع حقوق الإنسان، حتى يتسنى لهم أن يكتسبوا البصيرة اللازمة للدفاع عن الناس ضد القوى التي ربما تسعى إلى تحويل الأفراد إلى أجزاء يمكن التخلص منها.

وحتى الطلاب الذين يدرسون التخصصات الخَلّاقة وتلك التي تتعامل مع الترفيه وأوقات الفراغ يجب أن يتعلموا بطليقة مختلفة. ففي عالَم يهيمن عليه الذكاء الاصطناعي، يحتاج الناس إلى إدارة أوقاتهم الإضافية. فنحن لن نتوقف عن لعب التنس لمجرد أن الروبوتات بدأت تفوز ببطولة ويمبلدون؛ لكن المهارات التنظيمية ومهارات الاتصال الجديدة ستكون مطلوبة للمساعدة في الإبحار عبر التغيرات التي تطرأ على الكيفية التي يمارس بها البشر الإبداع واللعب. وسوف تتطلب إدارة هذه الصناعات مهارات جديدة مصممة خصيصا لعالَم يحكمه الذكاء الاصطناعي بشكل كامل.

قد لا يبدو مستقبل الغد مماثلا للسيناريوهات التي أتصورها، لأنه قد يكون أشد تعطيلا للنظم القائمة؛ ولا أحد يدري حقا. لكن التعليم العالي مسؤول عن إعداد الطلاب لكل سيناريو محتمل ــ حتى تلك السيناريوهات التي تبدو اليوم غير معقولة. وأفضل استراتيجية ينتهجها المعلمون في أي مجال، وفي أي وقت، هي تعليم المهارات التي تجعل البشر أكثر إنسانية، وليس تدريب الطلاب على التفوق على التكنولوجيات الجديدة.

أينما كنت أعمل في مجال التعليم، فسوف يظل إعداد الشباب لمستقبلهم وظيفتي دوما. واليوم، يبدو أن ذلك المستقبل ستهيمن عليه الآلات. ولكي ننجح جميعا، يجب أن يتطور المعلمون ــ والجامعات التي يعملون فيها.

* أندرو واكتيل، رئيس الجامعة الأمريكية في آسيا الوسطى
https://www.project-syndicate.org

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق