q
إسلاميات - الإمام الشيرازي

اللاعنف والسلام

من قاموس الامام الشيرازي

اللاعنف من مصاديق السلم والسلام، ذلك مايؤكد عليه المرجع الراحل الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره) في مختلف الميادين السياسية والإعلامية والاقتصادية والاجتماعية والعائلية والعسكرية وغيرها.

وهذا الاقتران ينطلق من كون السلم والسلام يحمل معاني واسعة، لاتقتصر فقط على معناه الضيق في مقابل الحرب أو العنف فقط.

و(السلم والسلام) بمعناهما الأعم والشمولي على حد تعبير الامام الراحل، (يقتضيان الأمن والعافية، والاستقرار والازدهار، وكل ما يوجب تقدم الحياة وتطورها، ووضعها في أبعادها الصحيحة، صحية واجتماعية، واقتصادية وسياسية، وعسكرية وإعلامية، وغيرها).

وهو (قدس سره) يزيل من الاذهان ما ارتبط بتلك المفردة، واقتصارها على المسائل السياسية عند ورودها، فكثرة استخدام كلمة (السلام) في وسائل الإعلام مقرونة بالمسائل السياسية لعلها توحي بأنه من مصطلحاتها ومفرداتها، والصحيح أنه مصطلح عام فلا يقتصر استعمالـه في المجال السياسي فحسب، بل لـه علاقة في كل مجالات العلم والمعرفة، ولـه دور في مختلف الحياة الإنسانية، إذ ما من أمر يتعلق بشؤون الإنسان إلا وللسلام علاقة فيه.

اما اللاعنف فهو طريقة معينة في الفعل تعتمد قوة الحق في المحاجَجة والإقناع بدلاً من العنف والقوة المجردة.

ظهر مصطلح "لاعنف" أول مرة سنة 1920 لتسمِّي به الصحافةُ الحركةَ السياسيةَ التي أطلقها المهاتما غاندي ضد الاستعمار الإنكليزي للهند. واللاعنف هو منهج فعل نوعي يتيح الصراع ضد العنف باتِّباع أسلوب غير عنيف. إنه نوع من المقاومة السلمية أو تعويل على المقاومة السلبية ، سماه غاندي "سلاح الضعفاء"؛ وهو الذي يتجنب العنف دون أن يتمكن دومًا من اقتلاعه من جذوره، ويحد منه دون أن يستطيع دومًا منعه من الاندلاع والتفجر والانتشار.

تستخدم أساليب العمل اللاعنفي من قبل طيف واسع من الناس يأتون من خلفيات متنوعة. ففلاح لا يملك أرضاً يزرعها في البرازيل قد يحتل بدون عنف قطعة أرض لأهداف عملية بحتة. فإذا لم يقم بذلك فما من شك أن عائلته ستجوع. "الراهب" البوذي في تايلاند يمنح الأشجار في الغابة منزلة كاهن اتباعاً للتقاليد البوذية في محاولة لمنع تدمير الغابة. عامل في إنجلترا قد يشارك في إضراب وفق التقاليد الاجتماعية والسياسية والنقابية في ثقافته. كل هؤلاء يستخدمون أساليب العمل اللاعنفي من زوايا مختلفة.

في الغرب تم استخدام الكفاح اللاعنفي بكثرة من أجل حقوق العمال، والسلام، والبيئة، وحركات حقوق المرأة وهي القطاعات التي لا تدعمها سلطة سياسية رئيسية. وقد لا يعلم البعض لكن الكفاح اللاعنفي لعب دوراً وما زال في تقليل سلطة الأنظمة السياسية في العالم الثالث وفي بلدان الكتلة الشرقية السابقة. ويقول والتر وينك: "في عام 1989، شهد ما يزيد على مليار ونصف المليار من البشر ثورات لاعنفية حققت نجاحات تفوق التصور... وإذا ما جمعنا كل الدول التي تأثرت بأحداث وحركات لاعنفية إلى بعضها البعض خلال القرن الحالي"، منها (الفلبين، جنوب أفريقيا، إيران... حركة التحرر في الهند)، "فإن الرقم سيزيد عن ثلاثة مليارات، وتزيد نسبة هؤلاء عن خمسين بالمئة من البشر، مما يدحض المقولات المتكررة التي تزعم بأن اللاعنف لا يحقق شيئاً في واقع الحياة".

يتألف العمل اللاعنفي من ثلاثة أصناف. أولها هو التظاهر والإقناع، وهو يشمل تسيير المظاهرات والتجمعات العامة، وله أدوات مثل اللافتات، الشموع، الزهور. الصنف الثاني هو العصيان، أو الامتناع عن التعاون أو عدم الطاعة، وهو سلوك استراتيجي متعمد يرفض التعاون مع الظلم، الصنف الثالث هو التدخل اللاعنفي وهو سلوك لاعنفي متعمد يستخدم غالباً التدخل المادي لمواجهة موقف أو حدث ظالم. مثل الاعتصام، احتلال المواقع، المرابطة حول الأشجار.

الإضراب عن الطعام، الإضرابات، والتجمعات والعرائض والتواقيع، الامتناع عن دفع الضرائب، العرقلة، الحصار، الامتناع عن الخدمة العسكرية، والمظاهرات العامة هي بعض الوسائل التي تم اعتمادها في الحركات اللاعنفية.

يجب أن يتم اختيار تكتيكات العمل بانتباه، وأن يؤخذ في الحسبان اختلاف الظروف السياسية والثقافية، والنظر إلى الأمر وفق خطة أو إستراتيجية أوسع. ويمكن أن تكون قائمة جين شارب مصدراً هاماً وملهماً لاساليب العمل اللاعنفي، وهي تضم 198 فكرة للعمل اللاعنفي.

يذكر الباحث والناشط جورج ليكي بأن هناك 3 استخدامات أو تطبيقات للعمل اللاعنفي:

    الدفاع (مثل الدفاع عن الأحياء أو البلد من محتل خارجي).

    التغيير (وهو أشهر أنواع العمل اللاعنفي ويهدف إلى إجراء إصلاحات أو ثورة للتغيير).

    التدخل لحماية طرف آخر.

التطبيق الثالث المذكور، والذي ينص على التدخل لحماية طرف آخر، عبر الحدود مثلاً لمنع إعلان حرب ومن أجل فرض حل سلمي للصراعات، واجه فشلاً عند التطبيق (على الأقل من ناحية منع الهجوم) كما كان الحال في غزو العراق، لكن حالات أخرى واجهت مستويات معقولة من النجاح. وتكون الأساليب الرئيسية المتبعة هي التجمع الأعزل والمسالم مع مرافقة أجهزة ووسائل الإعلام والمراقبين من منظمات حقوق الإنسان.

حدد الامام الشيرازي عشرون نقطة كمنهج للسلم واللاعنف في كتاباته هي:

1. تطبيق الحكومة لمنهج السلم واللاعنف مع الشعب، فلا يجوز استعمال العنف مع الشعب أو غيره إلا في ما أقره الشارع المقدس وبالمقدار المقرر فقط.

2. تطبيق الحكومة لمنهج السلم واللاعنف مع المعارضة، فلا يجوز مصادرة حريتها في مختلف المجالات.

3. أن تجعل الحكومة سياساتها الخارجية مبنية على منهج السلم واللاعنف مع دول الجوار والدول الإسلامية والدول الأخرى.

4. مراعاة الحكومة منهج السلم واللاعنف مع الأقليات الدينية الموجودة في بلاد المسلمين.

5. عدم تشجيع الدول الإسلامية جماعات العنف والإرهاب ودعمها.

6. أن تجعل الحكومة شعارها القولي والفعلي هو السلم واللاعنف.

7. نشر وبيان الأسلوب السلمي لحكومة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ودفع الشبهات التي ترد على الإسلام وتتهمه بأنه دين العنف.

8. عدم ممارسة التعذيب للإقرار بالذنب حتى مع المجرمين لأنه من مصاديق العنف.

9. لا يجوز إخراج مسلم من بلد إسلامي بحجة عدم انتمائه لذلك البلد.

10. فضح الظالمين الذين يمارسون العنف تجاه الناس بأسلوب سلمي، أي يجب استعمال اللاعنف حتى مع الأعداء.

11. الاستشارة في إدارة شؤون البلاد من مصاديق السلم واللاعنف.

12. مراعاة السلم واللاعنف في وضع القوانين وتطبيقها.

13. مراعاة السلم واللاعنف في وسائل الإعلام بكافة أشكالها.

14. مراعاة أسلوب السلم واللاعنف في قضايا العقيدة ومع أهل الأديان الأخرى.

15. مراعاة السلم واللاعنف في أخلاق المسلم، فيبتعد عن الأخلاق السيئة كالحسد والغيبة والنميمة والتهمة والغصب والقتل والكذب والرياء وغيرها فهي من مصاديق العنف.

16. يلزم على المنظمات العالمية لحقوق الإنسان والأمم المتحدة أن تعمل على رفع أعمال العنف وعدم التغاضي عنها بحجة إنها من الشؤون الداخلية للدول.

17. مراعاة السلم واللاعنف في وضع البرنامج الاقتصادي للدولة.

18. مراعاة السلم واللاعنف في قضايا النكاح والطلاق.

19. يجب تشكيل لجان للقضاء على الإرهاب العالمي بالطرق السلمية لا بالإرهاب المماثل.

20. مراعاة السلم واللاعنف في إدارة المؤسسات، ذلك إن الحب المتبادل بين المدير والمدار، والمسؤول والمسؤول عليه، وبين الحاكم وشعبه هو أسس السلم والسلام الإداري.

 

اضف تعليق