q

ورد في أحوال أحد ملوك الفرس "القاجار" إنه كان يحب صيد الثعلب، فكان يركب على فرسه ويركض، في بعض الأحيان كان يطول الأمر يوما كاملا، وهو في هذه الحالة راكضا وراء الثعلب المسكين كي يصيده، وبعد يوم شاق من المطاردة المتواصلة، كان الثعلب يستسلم أخيرا ويُطرَح على الأرض من فرط التعب بسبب المطاردة الطويلة.

وبعد أن تتم عملية الصيد بنجاح، كان الأمير يأمر الخدم أن يشدّوا جرساً على رقبة الثعلب وبعد ذلك كان يتركه ليذهب، ولأن الثعلب كان متعباً من الركض، ولكن رأسه في مكانه وجلده أيضاً لم يستخدم لأجل شيء، لذلك كان الثعلب يركض فرحاً ويبتعد عن الذين اصطادوه، لكنه لم يدرك خطورة الأمر الذي هو فيه بعد تعليق الجرس في رقبته إلا بعد مدة من ابتعاده.

فأينما كان يذهب الثعلب، فإن صوت الجرس يعلو أكثر فأكثر، ويسبب ضجيجا ورنينا قاتلا، وبالإضافة الى معاناة قرع الجرس المستمر، فإن الأرنب عندما كان يسعى لاصطياد فريسة ما لأجل الأكل، فإن الصيد يفر قبل أن يستطيع الاقتراب منه بسبب قرع الجرس، وهكذا سيظل الثعلب "جائعاً" بصورة قاتلة.

كذلك فإن صوت الجرس يسبب إزعاجاً لشريك حياته أيضا، وهكذا سيظل "وحيداً".

والأسوأ من هذا كله، فإن صوت الجرس يفقده صوابه، ويدفعه صوب الجنون وسيظل "تائها" لا يعرف أين مكانه بالضبط.

وهذا ما يفعله كثير من الأشخاص في عالم اليوم، إنه يركض وراء نفسه، ويحبس نفسه في سجن مملوء بالوهم والفراغ، ويضجّ في رأسه جرساً من الأفكار السلبية التي يعلقها في رقبته ويحملها معه في كل مكان، مع استمرار الضجيج بطريقة لا تُطاق...

وهكذا يبتعد هذا الشخص المنشغل بالأفكار السلبية عن الجميع، ويبقى جائعاً ولا يشعر بأن هناك أحدا يستطيع أن يتحمله أو يعطيه الاهتمام المطلوب أو يبادله المشاعر من أي نوع كانت، فيبقى وحيداً لأنه سوف يبتعد عن شريك حياته بسبب أفكاره السلبية، حيث لا يمكن العيش مع شخص يتّهم الكون والمكان!.

ويبقى تائها لا يدري ماذا يفعل وينزعج من نفسه ويلومها ويلقي عليها كل الأسباب التي أوصلته الى هذا الحال الغريب، وربما يقدم على الانتحار لأنه يجد نفسه شيئا إضافياً في هذا الكون ولا مكان له من الإعراب، لذلك سوف يسعى لأن يزيل هذا الهمّ من الوجود.

أسباب الفكر السوداوي

هناك أسباب تؤدي الى التفكير السلبي منها:

- قلة الإيمان بالله تعالى، فالشخص الذي يبتعد عن الله ستكون حياته مكتئبة، وغالبا ما يتربّص به الشيطان، فيستطيع بسهولة أن يؤثر على أفكاره وحياته، كما ورد في القرآن الكريم: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا).

- عدم الثقة بالنفس، حيث يشعر الشخص بأن وجوده ليس له معنى، أو لا يصلح لأي شيء ولا يستطيع أن يقوم بأي شيء بطريقة جيدة.

- الانتقادات غير المفيدة والتهكم الذي يضعف الإنسان، حيث يتعرض له من قبل أفراد مجتمعه.

- تضخيم نقاط الضعف لدى الفرد، والاهتمام المبالغ به حيث تجعله يراوح في نفس المكان حتى آخر أيام حياته، فهو لا يتقدم ولا يرتقي قطّ.

- مقارنة النفس مع الآخرين والتجسس على حياتهم.

- إنه يتخذ المواقف السلبية منذ الصغر، حيث توقفه عن التقدم الى الأمام.

- غالبا ما يميل الى الارتباط مع أشخاص السلبيين لمصادقتهم، فيتأثر ويؤثر بهم.

- مشاهدة الأفلام الحزينة، وقراءة النصوص السلبية التي لا تقدم ولا تضيف أي شيء لحياة الفرد غير الاكتئاب والخسارة.

- عدم تحديد الأهداف وتزاحم الأفكار وزيادة القلق والخوف حيث تصنع شخصية سوداوية مزدحمة بالأفكار السلبية المدمّرة.

كيف نتخلص من الأفكار السلبية؟

من الجوانب المؤكَّدة أن كل شخص يمر بمرحلة ضيق في رحلته الحياتية الطويلة، ولكن أن يحمل الفرد الأفكار السوداوية معه على الدوام، فتلك مشكلة يجب أن يبحث عن الحل له والمسارعة في التخلص منها، لأن ضغوطات الحياة مستمرة وتدفع المرء بأن يبتعد عن الصفاء والطمأنينة، ويظل كالغارق في البحر لا يعرف ماذا عليه أن يفعل رغم إتقانه للسباحة، لكن الأمواج سوف تقضي عليه بسهولة، وهكذا فإن أفكارنا باستطاعتها القضاء علينا إن استسلمنا وخضعنا لها، فالأفكار السلبية تعيق الإنسان عن التقدم وتهمس في نفسه وسمعه بأنه فاشل ولا يستطيع أن يتقدم خطوة واحدة الى أمام.

ولعله من أفضل طرق الخلاص هو تلاوة الدعاء لأنها طريقة مختصرة لكل شيء، فبالدعاء والتوكل على الله يصل الإنسان الى ما يبتغي في لمح البصر، إذا أراد شيئا يقول له كن فيكون، ولكن يجب أن يعرف الإنسان بأن النجاح والشخصية المتزنة المتفوقة على الآخرين، تحتاج الى البرمجة لأن الثبات والانسجام لا يحصل بين ليلة وضحاها، بل يحتاج صبر ومثابرة والى عمل مستمر.

ويجب أن يقضي الإنسان على أوقات فراغه، لأن العزلة الدائمة والفراغ المستمر، يكون بمثابة المرتع الخصب لتناسل وتكاثر الأفكار السلبية، ويجب المشاركة في دورات التنمية وقراءة الكتب لاكتساب مهارة التفكير الايجابي.

إذاً التفكير السلبي باستطاعته القضاء على حياة الإنسان، وتدمير مستقبله، لذلك يحثّنا ديننا الكريم على عدم اليأس والقنوط، لأن الحياة تصبح صعبة وقاسية مع اليأس، وهنا أتذكر ذلك الكتاب الجميل (دع القلق وابدأ الحياة) لكاتبه دايل كارنيجي، حيث يمنح الإنسان دفق هائل من الأمل والتفاعل مع الحياة، ولنقرأ ماذا يقول كفاح فياض: على المرء أن يختار أفكاره كما يختار ملابسه وكتبه وأصدقائه ومسكنه...

أخيراً فلنتخلص من الجرس الذي يسبب لنا الإزعاج، ونعيش بسلام بعيداً عن الجوع والوحدة والتيه والضياع في الفكر اليائس!.

اضف تعليق