q

الإرهاب التكفيري الذي اشتعلت نيرانه واجتاحت العالم جرائمه، منذ أكثر خمسة عشر عاماً، قد عمّ شره الجميع، لكن وبحسب مراكز دراسات دولية، فإن أكثر من 95% من أعماله الإجرامية كانت ضد الشيعة في عموم بلاد الأرض، وقد تزامن مع ذلك، حملة إعلامية ضخمة بعدد وسائلها وإمكانياتها، دأبت على تشويه الشيعة (إيماناً وفقهاً وتاريخاً وثقافة وأخلاقاً)، فضلاً عن الحروب السياسية والاقتصادية التي شنتها حكومات مستبدة وباغية ضد الشيعة (أفراداً ومجتمعات).

وقد قابل الشيعة ذلك، بصبر جميل، وبورع وحلم نبيل، فاكتفوا بالدفاع من جهة، والتسامح من جهة أخرى، لكن بعد أن مرت سنون عجاف أتخمت بموت زؤام، وقد أسرفت العصابات التكفيرية بإرهابها، وبلغ خطرها مبلغاً، انتفض حشد من الشباب الحسيني لردّ العدوان وتحرير الأرض، ومذ أن انطلق هذا الحشد الأبيّ كان النصر حليفه، وقد أنجز ما عجزت عنه جيوش ودول، وقد أبهرت انتصاراته مراكز الفكر الاستراتيجي، كما لفتت أنظار شعوب في أصقاع بعيدة، وغالباً ما يُسْتَصحب الحديث عن الحشد الشعبي وانتصاراته بمشاهد الزيارة الأربعينية الفريدة والمدهشة.

صَبْرُ الشيعة على الأذى، وتورعهم عن الانتقام، في الوقت أن لهم قوة كامنة هائلة لسحق العدو والانتصار الخاطف عليه، لفت عقول كبار علماء الأديان والنفس والتربية والاجتماع والتعليم، ومنهم مَنْ زار العراق للتعرف على ثقافة أهل البيت التي تختزن كل هذا الثراء الإنساني والأخلاقي والبطولي.

من جهة أخرى، فإن الظاهرة الحسينية التي تغطي معظم المشهد الشيعي، ومنه الجاليات الشيعية في العالم، دفعت دولة أوربية إلى تدريس قصة الإمام الحسين (عليه السلام) في فصل مستقل بعنوان (ثورة الحسين) وفصل آخر، في مرحلة دراسية أخرى، حول التشيع وقصة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ومسألة الانتظار.

وفي دولة أوربية أخرى، سيتم تدريس علوم أهل البيت (عليهم السلام) في المدارس، في العام 2018، بعد أن صدر التشريع القانوني بذلك. وفي زمن الخوف، والتوجس من كل أحد، وخاصة المسلم، فإن حكومات الدول تتعامل على أساس راسخ من الثقة بأن الشيعة محصّنون ضد الأفكار المتطرفة.

وهذا الواقع الجديد، ينبغي أن يُستثمر في نشر ثقافة أهل البيت، بلغات عدّة، وإيصالها إلى شتى بلاد العالم (شرقاً وغرباً) الذي يعاني من أزمات في مختلف مفاصل الحياة، ابتداء من الإنسان (فرداً وأسرة ومجتمعاً)، مروراً بالبيئة التي يعيش فيها هذا الإنسان، وصولاً إلى حياته التي أصبحت مهددة في كل ساعة وفي أي مكان.

يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله): إنّ فكر أهل البيت (عليهم السلام) قمّة، ولكن يجب إيصاله للناس وببلاغ مبين، كما يذكر ذلك القرآن الكريم، أي بلاغاً مقنعاً، فإذا وصل هذا النوع من البلاغ المبين المقنع، فسيقبله الناس، لأن المعاندين من الناس هم قلّة، ممن وصفهم القرآن الكريم، بقوله (عزّ وجل): (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ)(النمل/14). ويقول (دام ظله): فالمهم والأهم اليوم هو نشر فكر أهل البيت (عليهم السلام).

إن انتصار العراق هو انتصار لعقيدة محمد وآل محمد على عقيدة فاسدة ومأزومة، عقيدة أوغلت في جرائم شنيعة ومجازر فضيعة، وأراقت دماء زكية وأزهقت نفوساً بريئة، وعاثت في الأرض خراباً ودماراً.

وإن انتصار العراق على أعتى قوة إرهابية وعصابة إجرامية وجماعة متوحشة، استهدفت العراق بماضيه وحاضره ومستقبله، ما كان ليتحقق إلا بقبضات وتضحيات رجال توكلوا على الله مالك الملك، وتمسكوا بإنسانية نبي الإسلام الذي جاء رحمة للعالمين، وأحبّوا أهل بيته صلوات الله عليهم، الذين حبهم: منجى من كل هم وغم وكرب، ومنهج انتصار، وفوز بخير الدارين. (وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ)(آل عمران/126).

اضف تعليق