q

منذ العام 2003 ظهرت عدة مفردات جديدة تداولها العراقيون في مختلف مجالات حياتهم، وهي مسألة طبيعية جدا، بسبب التغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي حدثت بعد ذلك العام، مما ادى الى تغييرات على مستوى اللغة وخصوصا المفردات المتداولة.

الاضطرابات والازمات الكبرى كما لاحظ كثير من الباحثين، تعمل على تسريع هذه العملية، عملية التغييرات اللغوية وخصوصا المفردات..

ويستشهد هؤلاء الباحثين والمهتمين بالدراسات اللغوية واللسانية، بفترات من تاريخ الحكم الاستعماري الاوربي في اسيا وافريقيا، خصوصا من العام 1870 الى خمسينيات القرن العشرين، والتي انتجت مجموعة مفردات كاملة للسيطرة والتدرج والتبعية.

ومثلها مافعلته سنوات الحرب الباردة من اواخر الاربعينيات الى العام 1991 حيث انتجت بصورة مساوية، طائفة واسعة من مفردات الازدراء والمديح وتلك التي تشير الى الاماكن: (الكلاب الراكضة – رفاق السفر – زهريي اللون – دعاة الطريق الرأسمالي)، من دون اغفال الاشارة الى اماكن منسية الان مثل (كبانكو – بيبنغ – فورموزا – الجزائر الفرنسية – جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية). واختفت المآسي المرتبطة بأماكن على غرار (نقطة التفتيش تشارلي – خليج الخنازير) الى جانب نقاط الالتهاب الاستعمارية مثل (كفاشودا – اغادير – مانتشوكوو). وانتقلت عبارات من نوع (الخطوات الواسعة – الكادر – محبي السلام – نمر من ورق – تحريفي – مدسوس) الى حالة نصف ابهام. وفقد فعل مصطلح (انشق) الكثير من قوته على غرار فعل انحرف. قليلون هم الان الذين يتحدثون عن (القواعد الحمراء – المسيرات الطويلة). وبصورة مساوية، قليلون هم الذين يستطيعون تعريف (المكارثي – التيتوي – البراودري) في حين ان الستالينية والترويكا تبدوان حيتين. كما يورد ذلك مائة فريد هاليداي في كتابه (مائة وهم حول الشرق الاوسط).

وقد لوحظت كثيرا هذه العلاقة بين المفردات والجمل وبين الصراعات السياسية في القرن العشرين.

ويذهب عدد اخر من الباحثين المهتمين، الى ان باللغة وحدها يتم تشكيل الرأي العام لخلق اتجاهات معينة تخدم قضية ما. وباللغة وحدها، تبتدع ذرائع الحروب، فالذرائع والاكاذيب نتاج لغوي بحت، ينتمي الى واقع متخيل. في غياب هذا الواقع تنتفي مبررات الحرب.

كل تحدي فرضته منعطفات عملية التغيير في العراق، حمل معه عددا من المفردات اللغوية، عمل اصحابها في الداخل على الترويج لها، ومنهم من استعارها من الخطاب الاعلامي العربي او العالمي، تبعا لاختلافات تلك الجهات الاعلامية والاجندات التي تحركها.

في معظم المفاصل الرئيسية، وكاتب السطور من المتابعين لما تناوله الاعلام حولها، لم يستطع الشيعة في العراق، نخبا وقواعد ورغم جميع الفضائيات التي يمتلكوها من السيطرة على الفضاء الاعلامي العام، لانهم حديثي تجربة في ذلك، ولانهم ايضا، وهو الاهم، وسط طوفان اعلامي عربي يرفض ما الت اليه صورة العراق دولة وحكومة، وانتقالها من السنة الى الشيعة بعد ذلك العام.

السياسة والإعلام، في جوهرهما، لعبة كلمات. وقد أسفرت دراسات كثيرة في مجالات الاتصال السياسي وتحليل الخطاب عن التأثير واسع النطاق للنعوت والتوصيفات في رسم المشهد السياسي وتعبئة الرأي العام والحث على العمل.

من تلك المفردات التي رددها الكثيرون، داخليا وخارجيا، مفردة (الميليشيا) والتي اقترنت دائما باي جماعة شيعية تحمل السلاح مدافعة عن نفسها، وخصوصا في عام 2005، مقابل تسمية المقاومة الوطنية الشريفة، للجماعات السنية المسلحة، والتي وضعت الجميع في مرمى نيرانها (امريكان وشيعة عراقيون) قبل ان يستفحل جنونها وتوجه نيرانها الى ابناء طائفتها في مدنهم وهم السنة، مما سمح بظهور القاعدة بقيادة ابو مصعب الزرقاوي، ليتم تأسيس قوات من ابناء العشائر اصطلح على تسميتها بقوات الصحوة.. ولم تطلق عليها تسمية ميليشيا رغم التشابه في التأسيس والادوار والوظائف.

ما الذي تعنيه كلمة ميليشيا؟

قوة مسلحة تتكون من مواطنين. ويرجع نظام الميليشيات إلى فكرة أن واجب المواطن الدفاع عن وطنه. وهناك تبرير آخر لوجوب إنشاء ميليشيات وهو حماية البلاد من تعسف محتمل للحكومة أو لجيش محترف. وينص التعديل الثاني لدستور الولايات المتحدة على: ميليشيا منظمة تنظيما جيدا ضرورية لأمن دولة حرة كما لا يجب انتهاك حق الناس في امتلاك الأسلحة. ولقد عوضت ميليشيات الدولة بحرس وطني سنة 1916. لكن برز في التسعينيات مرة ثانية اهتمام بميليشيات المواطنين وشكلت العديد من الولايات تنظيما من هذه التنظيمات. ويسيطر على بعض هذه التنظيمات وطنيون من اليمين ومؤمنون بنظريات المؤامرة حيث يرون أن الحكومة أصبحت مستبدة ولذا وجب اتخاذ إجراءات لحماية أنفسهم قبل فوات الأوان

وكلمة ميليشيا مشتقّة من كلمة militia اللاتينية، ومعناها الأصلي هو: "خدمة عسكرية، حملة، عملية عسكرية، حرب". وهي مشتقّة من miles أو milites، أي "جندي، رجل مسلح، أو رجل محارب".

وبالاستناد إلى عدد من الموسوعات والمعاجم، يتبيّن أنّ كلمة ميليشيا (milice بالفرنسية، أو militia باللاتينية) يمكن أن تشير إلى حالات مختلفة. غير أنّ المعنى الأكثر تحديدا هو "تنظيم مسلّح رسمي أو خاصّ".

وتشير كلمة ميليشيا، لدى مقارنتها بالجيش النظامي، إلى الطابع غير الدائم للنشاط الميليشيوي.

قد تنشأ ميليشيا مكوّنة من رجال ونساء مسلّحين هدفها مناصرة الدولة في حال وقوع أزمة أو حرب. ويذكر على سبيل المثال الميليشيا الفرنسية (Milice Française) بالنسبة إلى حكومة فيشي، أو الميليشيا البروليتارية الريفية في الثورة البولشفية والتي تحوّلت في ما بعد جهاز التفتيش الداخلي في الاتّحاد السوفياتي. ولا تزال عبارة "ميليشيا" حتى يومنا هذا تعني الشرطة في روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا.

تنتظّم بعض الحركات الثورية المضادة ضمن ميليشيات بناء على موافقة ضمنية من حكومات بلادها، مثل فرق المتطوّعين الألمانية (Freikorps) التي تألّفت من عسكريين قدامى سرّحوا من الخدمة بعد الحرب العالمية الأولى فحاربوا الشيوعيين الروس والبولونيين بين 1919 و1921.

عندما يخضع بلد ما للاحتلال ويُهزم جيشه النظامي، تتنظّم الجماعات المسلحة ضمن ميليشيات لمحاربة الغزاة. تلك كانت، على سبيل المثال لا الحصر، حال أنصار تيتو، أو الميليشيات الملكية الخاصّة بالجنرال درازا ميهايلوفيتش في يوغوسلافيا، أو جيش الأنصار المناهض للفاشيّة Elas في اليونان، أو أيضا ميليشيات الجيش الشعبي التابعة لماو تسي تونغ في "المسيرة الطويلة" أو النضال ضدّ اليابانيين.

قد تكون الميليشيا العنصر الأساس في تنظيم دفاعي ما، كما هي الحال في سويسرا حيث يتدرّب المدنيون على المشاركة في مهمّات عسكرية إلى جانب نشاطاتهم المدنية، في إشراف جنود محترفين.

وتستخدم دول عدّة نظام احتياط طوعيّا ميليشيويّا، كما هي الحال في الولايات المتحدّة مع الحرس الوطني، أو في أسوج أو في المملكة المتّحدّة.

اضف تعليق