q

اخيرا، نفذ ترامب وعده للّوبي الصهيوني، ووقع امر نقل السفارة الاميركية من تل ابيب الى القدس.. للعلم، ان قرار نقل السفارة اقره الكونغرس الاميركي العام 2002 ولم يجرؤ على تنفيذه أي من الرؤساء الاميركيين الذين تعاقبوا على البيت الابيض، منذ ذلك الحين، على الرغم من انه ظل يتصدر حملاتهم الانتخابية. والسبب هو ان قررا كهذا يحرج اميركا، بصفتها راعية لعملية السلام، والاهم من ذلك، يضعها امام استحقاق حاسم، يتمثل بحل الدولتين، وهو ما يتعارض مع توجهات اليمين الاسرائيلي، الذي يرى ان ارض فلسطين برمتها ارث تاريخي لليهود، ويجب ان يكون كذلك. نذكر هنا بما قاله بن غوريون في حزيران من العام 1938 امام قيادة الوكالة اليهودية عن نيته بازالة التقسيم (العربي اليهودي) والاستيلاء على فلسطين كلها بعد ان تقوى شوكتهم بتأسيس وطن لهم. وهو ما اكده ايضا، مناحيم بيغن بعد يوم واحد من التقسيم، أي في يوم 30-11- 1947 في تصريحات للراديو عندما كان، وقتذاك، احد زعماء المعارضة في الحركة الصهيونية، عن بطلان التقسيم، وان فلسطين كلها بما في ذلك شرق الاردن ملكا لليهود، وستبقى كذلك للابد.

لماذا ظل قرار نقل السفارة الاميركية الى القدس يحرج الادارات الاميركية؟ السبب الذي ربما لا يعرفه الكثيرون، ان قرار الجمعية العامة للامم المتحدة بتاريخ 29-11-1947 الذي قسّم فلسطين الى دولتين (عربية ويهودية) ترك امر القدس وبيت لحم تحت الوصاية الدولية، بعد ان اعطي العرب نسبة 3/42 بالمائة من الارض و7/ 57 بالمائة لليهود. في ذلك الوقت كان عدد الدول الاعضاء في الامم المتحدة 57 دولة فقط وليس كما هو العدد اليوم. والشيء الذي يدركه الصهاينة ان حسم هذا الامر، حينذاك، سياتي على غير ما يريد اليمين الصهيوني، لذلك تركت هذه المسالة عائمة، كسبا للوقت لحين توفر الفرصة الملائمة لتنفيذ ما خطط له مسبقا، وهو ما حصل فعلا في العام 1967 وما تلاه من حروب اسرائيلية مبرمجة مهدت لما وصلنا اليه.

اما احراج الادارات الاميركية فيأتي من كون نقل السفارة، يعني حسم وضع القدس بشكل مجتزأ وتعسفي بعد ان ظل معلقا، لان العرب الذين وافقوا على حل الدولتين، وضعوا العالم امام استحقاق ملزم، يتمثل بجعل القدس الشرقية عاصمة لفلسطين مقابل الاعتراف باسرائيل، ما يعني ان الحلم الصهيوني في الاستيلاء على كامل فلسطين سيتبدد، وهو امر لا يمكن ان يقبله الصهاينة، بعد ان ينتهي وضع القدس الاستثنائي، والذي كان الهدف من جعله كذلك تكتيكا صهيونيا الى حين، كما اشرنا.

لا شك ان هذا الهدف لم يعد العمل عليه في الكواليس، بل في العلن وهو ما يتجلى اليوم، من خلال تجاهل ترامب، الضمني، لحقيقة كون القدس الشرقية للعرب، وفقا لمبدا التقسيم الذي صار تنفيذه ملزما وفقا لقرارات الامم المتحدة، ويعني ايضا ان نقل السفارة الاميركية للقدس الغربية، يجب ان يقابله تنفيذ اميركي لحل الدولتين ووجود سفارة اميركية في القدس الشرقية، أي في الدولة الفلسطينية التي تعد مسالة اقامتها محور عملية السلام التي وصلت الى نهاياتها، وهو ما لا يجب ان يكون، وفقا لرؤية اليمين الصهيوني، وحلمه الطوباوي بالسيطرة على كامل الاراضي الفلسطينية، لانها ارث يهودي!

نحن نرى ان العرب والمسلمين عليهم ان يركزوا على هذه المسالة، بدلا من بيانات الشجب والاستنكار، كونها غير مجدية، وان الامم المتحدة باتت امام استحقاق قانوني واخلاقي، وضع مصداقيتها على المحك، أي ان تحسم امرها في اقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية، لقطع الطريق على اليمين الصهيوني، الذي يبدو انه وضع جدولا زمنيا، يخطو فيه خطوة كبيرة باتجاه هذا الحلم، كل خمسين عاما. فمنذ العام 1897 الذي شهد المؤتمر الصهيوني الاول، في مدينة بازل السويسرية، والذي خطط لاقامة دولة اسرائيل، ونجح بعد خمسين عاما، أي في العام 1947 بمساعدة بريطانيا، ليصل اليوم، وبعد خمسين عاما على نكسة حزيران الى الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل، بمساعدة اميركية، ولا ندري ماذا سيحصل بعد خمسين عاما اخرى.. او اقل من ذلك، طالما ان التداعيات المريرة في واقعنا العربي المتهالك تسير بنا نحو المجهول، ليس على مستوى جدلنا الطويل مع الصهاينة ومن يقف وراءهم، وانما على مختلف المستويات الاخرى.

اضف تعليق