q

لم يكن إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن القدس عاصمة إسرائيل محل صدفة بقدر إرتباطه بعدة معطيات، من بينها: إنحسار تنظيم داعش في المنطقة والتبدلات التي تشهدها محاورها سواء بالنسبة لإيران أو تركيا والمملكة العربية السعودية، وهذا بحد ذاته يصيغ ملامح جديدة للحراك الإقليمي الذي تشهده المنطقة برمتها.

إذ كان لإنتصار القوات العراقية ضد تنظيم داعش الإرهابي ثم تمدد سيطرة النظام السوري بالمقارنة مع الأراضي التي كانت تخضع لسيطرة النصرة وتنظيم داعش الإرهابي نهاية مهمة ضد التطرف العنيف الذي شهدته المنطقة، ورغم أن الإستفتاء الكُردي كان في محصلته ملامح للتعاون بين تركيا وإيران والعراق إلا أن ملامح هذا التعاون قد تتبدد بسبب إحتمالات الصراع الذي ستشهده المنطقة بعد إعلان القدس عاصمة لإسرائيل، خصوصاً وأن الفواعل من غير الدول خصوصاً في محور المقاومة والممانعة سوف يؤدون أدواراً جديدة تتناسب مع هذا الإعلان من الناحية القيمية والعسكرية.

محاور جديدة بسياسات مختلفة

ليس من السهل أن تتعامل دول الإعتدال كما يسميها البعض مع إعلان ترامب بنفس المنهجية التي كانت تعمل بها مع الولايات المتحدة وإسرائيل في السابق، فدول الإعتدال لا تتمكن من مجاراة هذا الإعلان بشكل مرن دون أن يكون لها موقف معارض رغم أن سياساتها لن تصل إلى نفس مستوى السياسات التي قد تصدر من إيران وحلفاءها الإقليميين بإستثناء تركيا التي أعلنت بشكل واضح موقفها المعارض من سياسات ترامب في المنطقة ورفضها الكامل لإعلان القدس عاصمة لإسرائيل.

إلى جانب ذلك، فإن محور الممانعة والمقاومة سوف تكون له فرصة جديدة للتعامل مع الأحداث الجديدة، فالولايات المتحدة نسفت مشاريع التسوية بقرار إعلان القدس علاوةً على أنها ساهمت في إنعاش مشروع المقاومة بعد إنحسار تنظيم داعش والإنتصار عليه. فالمحاولات التي إعتمدت من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل لإضعاف محور المقاومة من خلال سوريا انعكس بشكل سلبي عليها رغم أنه أستنزف الموارد الكامنة لهذا المحور في الحرب التي تم خوضها في سوريا والدعم الذي قدم للعراق في آن واحد.

من المؤكد أن المحاور الأساسية لإيران حزب الله وحماس سوف تجدد نشاطها تجاه إسرائيل وسوف تعمل على إنتاج أوضاع جديدة في المنطقة تنقل منحى الإستقرار فيها إلى نحو أكبر من الفوضى وعدم الإنضباط.

وإستناداً لذلك ستتجه التفاعلات إلى حد كبير إلى مشهد الفوضى بواسطة اللاعبين من غير الدول، إذ أن نشاط فصائل المقاومة في مرحلة مابعد تنظيم داعش سيتجه نحو إسرائيل وهذا ما يفسر تحليل العديد من الباحثين في إرتباط داعش بإسرائيل منذ عام ٢٠١٤. إذ يعتقد بعض السياسيين في إسرائيل أن إنهيار سوريا واستنزاف قدرات فصائل المقاومة في الحرب على تنظيم داعش سيكون له أثر كبير في إضعاف هذا المحور وعدم قدرته على تجديد المقاومة من جديد تجاه أي مشروع إقليمي في المنطقة.

الولايات المتحدة وأوروبا تحولات معقدة

رغم أن خيار الحل بالدولتين بين إسرائيل وفلسطين لم يحقق أي نوع من التسوية أو إنهاء الصراع بين الأطراف إلا أنه حافظ على مستوى من الهدوء لصالح إسرائيل طوال السنوات السابقة، إلا أن إعتقاد ترامب بضرورة حسم هذا الملف جاء لجملة من التحولات المعقدة في داخل الولايات المتحدة وكذلك في أوروبا، إذ أن أدوار فرنسا على سبيل الخصوص في أزمة الحريري وبعدها التعامل مع الأكراد كان يتطلب إنتاج سياسات جديدة للولايات المتحدة في المنطقة تحافظ بها على معايير التفاعلات. إلى جانب الوضع الداخلي في الولايات المتحدة والذي يعاني من أزمات إندماج داخلي تصاعدت مع فوز الرئيس دونالد ترامب، ولعل محاولة بعض الولايات الإنفصال عن الإتحاد الفيدرالي خير دليل على ذلك.

إن عدم إعتقاد ترامب بحل الدولتين هو الذي برر لمستشاريه وإدارته قراره بشأن تحويل القدس إلى عاصمة إسرائيل إذ يعتقد أن التقارب مع إسرائيل سوف يضمن بشكل كبير نجاح سياساته العشوائية تجاه العالم خصوصاً تجاه القوى التعديلية الذي بدأ دورها يتزايد في الآونة الأخيرة. فضلاً عن أن حالة الفوضى والتشتت التي تعيشها المنطقة قد تخفف من حدة التداعيات المتوقعة بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، فدول المنطقة الإسلامية والعربية تعاني من صراعات مستحكمة وعداء قيمي بين محاورها الرئيسة سوف يعزز من إنشغالها بعيداً عن فلسطين. وكذلك فإن الدول الرئيسة قد تجعلها المساومات في إتجاه يصعب توحيد موقفها تجاه هذا الإعلان، فإيران لديها عدة جبهات عسكرية في سوريا واليمن والعراق فضلاً عن الإتفاق النووي الذي قد يؤدي فشله إلى عودة العقوبات الإقتصادية والمالية من جديد عليها. ومن ثم فإن تطويق دول المنطقة بعدة أزمات وصراعات هو كفيل بإضعاف خيار المواجهة.

إن إعلان القدس عاصمة لإسرائيل سوف يدعم سياسات ترامب في البيت الأبيض ويهيأ له الدعم اللازم لتجديد سياسات الهيمنة الأمريكية تجاه البيئة العالمية.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001–2017Ⓒ
http://mcsr.net

اضف تعليق