q

تعد مسألة التبادل الثقافي من المسائل المهمة التي يعتمد عليها تطور البلد على الصعيدين العلمي والعملي، فمن خلالها تتمكن الدول من تبادل المعلومات والخبرات وكل الأبعاد الايجابية التي تعود بالنفع على الأمم.

فالهدف الأول من التبادل هو ترميم ثقافة الدولة والعمل بجدية في بناء العناصر الثقافية غير المكتملة، فمثلاً لو كنا نعيش في بيئة تعمل بجدٍ تحت أسس وقوانين معينة ثم ومن جراء التبادل تعرفنا على أسس دول أخرى تعطي أهمية كبيرة للوقت وتمجد ساعات العمل بصورة راقية، فمن هنا نستلهم منهم أهمية وقت العمل، وابداء الاحترام للعمل المنظم تحت أسس وقتية تعود بالنفع على الفرد العامل والمجتمع.

وعلى أثره يتبين لنا بأن التبادل هو امر ضروري وواجب لارتقاء الدول والشعوب، وان أي امة لا يمكنها الاستغناء عن الاستفادة من الأمم الأخرى في كل المجالات والأصعدة وبالأخص المجال الثقافي الذي يحتاج الى آفاق واسعة تمتد الى تواريخ ومساحات غير محدودة.

وان فكرة التبادل ليست بالأمر الجديد، اذ ان كثيراُ ما نسمع عن انتشار الدين والعادات والتقاليد بين بلدان معينة، إذ ان هذا الانتقال الديني والقبلي كان يحصل على أثر الرحلات والتجارات الحاصلة في ذلك الوقت.

فقد كان التجار او السواح الذين يرتادون بلد معين ينقلون معهم عادات أمتهم وازيائهم وحتى اخلاقهم وطبائعهم، وكان يعتبر هذا التبادل من اهم المبادلات الاقتصادية وتجارة البضائع، مما أدى الى تغيير دين في دولة كاملة، فقد تم نقل الإسلام الى اندونيسيا وماليزيا من خلال السلوك الشخصي للمسافرين.

ولكن ما نشاهده اليوم في ظل التقدم العلمي من تبادل ثقافي لا يمت بالإيجابية والانتفاع أي صلة، فتشابه المصطلحات سبب خلالاً ديناميكياً على المواطن البسيط الذي يريد التطور بأي طريقة، وبأي معلومة خارجية تصادفه.

فالغزو الثقافي يعنى بشن قوة سياسية او اقتصادية حرباً على المبادئ الثقافية لشعب معين، وذلك لتنفيذ الأهداف السياسية الخاصة والتحكم بعقول الناس حسب اهوائهم الشخصية واذواقهم السامة، وعن طريقها يتم فرض أشياء جديدة ورؤى غير منطقية على دولة معينة بهدف السيطرة على عقول شعبها وترسيخ الثقافة الجديدة التي تهدف الى نخر الأمة من الداخل.

فعلى وجه العموم، الأمور والمعلومات التي تدخل على الأمة المغزية لا تكون صالحة ولا إيجابية، ولن تعود بالنفع على البلد والشعب في كل حالاته، لأن الهجوم الثقافي يعطي الشعب الوجه الثقافي الذي يخدم مصالحه فقط ولا تقدم أي شيء نافع للطرف الآخر، فيعكس صورة سلبية ربما لا تتلاءم مع العادات والأسس الدينية التي كان يعيشها الشعب، وفي كل الأحوال لا يحصل هذا الهجوم الا عندما تكون الأمة ضعيفة وغير قادرة على ردع القوة الخارجية والسيطرة على اركان دولتها من الداخل، فيبدأ العدو بنخر الثقافة من الداخل، ليتمكن من السيطرة على الأمة والتحكم بالعقول الموجودة كيفما تشاء.

وان القوة الإسلامية في المنطقة هي قوة ثقافية معنوية تجلت بصفاء الروح الداخلي، والسر وراء المقاومة والقتال الذي نشاهده من شبابنا في جبهات العلم والقتال، ففكرة ان يضع الانسان روحه بين كفيه ويقدمه الى الإسلام ليس بالأمر السهل ابداً، وإذا ما دلَّ على شيء فإنه يدل على الخلفية الثقافية التي نشأت في الإنسان منذ نعومة اظفاره.

فعندما عرف العدو سر هذا الصفاء الروحي الذي يتمتع به الشاب واستوعب تأثير الثقافة الإسلامية على نشأته، كان لابد ان يدمر هذه الخلفية الثقافية وينال منها بأية طريقة، بداية من الأخلاق والإيمان والعلم والاعتقادات بمكنونات الوجود، وصولاً الى الشهادة والجهاد، فبالتالي القضاء على هذه النقاط يمثل القضاء على المجتمع.

والخطوة الأولى التي يبدأ بها العدو ليزعزع الثقافة في نفوس أهلها، هي خطوة التشكيك والترديد، لأن فكرة اسقاط الثقافة دفعة واحدة هي امر صعب وغير قابل للنجاح، ولكن نخرها بطريقة بطيئة وهادئة هي الأنجح حتى وان كانت على المدى الطويل، لهذا السبب يلجأ العدو الى مرحلة التشكيك ليتمكن من زرع اليأس والشك في نفوس اهم شريحة الا وهي شريحة الشباب.

فيلجأ العدو الى خطوات خبيثة تتمثل بتمجيد الخطوط المعارضة للثقافة الحالية التي تمارسها بعض الجهات لمصالحهم الخاصة، والاستهزاء بإنتاج وفعاليات شبابنا حتى وان كان انتاجاً عظيما، وهذه الحركات غالباً ما تكون حركات داخلية، لكيلا تثير الشكوك حول مصدرها وتشوش على العامة، غايتها الأساسية في ضرب الثقافة الإسلامية.

فمثلاً التهاون بالقدرات الإبداعية وعدم احتضان الطاقات الشبابية جميعها تؤدي الى خلق مشاعر اليأس عند شريحة الشباب مما يدفعهم الى التنحي او التشكيك بقدراتهم وابداعاتهم الذاتية مما يسبب حاجزاً يحد من تطورهم وتقدمهم في مختلف المجالات الثقافية، في حين الجهات او الشخصيات التي لا تنجز شيئاً مهماً تحصل على فرص كبيرة وشهرة فادحة لا تتلاءم مع كيفية او نوعية المادة المقدمة، الاّ ان المادة او الشخصية تلقى اهتماماُ ورواجاً لكونها تنتمي وتمثل الفكر الفلاني المضاد الى الفكر الإسلامي المعاصر.

وبالتأكيد هذه هي احدى الاعيب الحرب الناعمة التي بدأت تنخر المجتمع من الداخل، ففيما مضى كان العدو معروف النسب ومكشوف الوجه، يشهر سلاحه امامنا ويحاربنا وجهاً لوجه، امّا اليوم فأساليب وطرق القتال قد تغيرت، فبات العدو يعيش بيننا، يأكل وينام ويمارس افعاله السوداء ويشعل الفتن بكل الأساليب الناعمة التي لا تخطر على البال، فأكبر الهجمات التي ابتليت بها الأمة اغلبها كانت داخلية، وظهرت من أوساط الأمة دون ان نشعر بها، او نحترس من ضرباتها.

فالأمر ليس بالأمر السهل، لأن في ظل هذه التطورات التي نمر بها الاّ ان العدو يسيطر علينا من جميع الجهات، يدخل الينا عن طريق فكرة او كتاب، او تلفزيون او إذاعة، او فبركة اخبار، او تضليل اعلامي وما شابه ذلك، يزرع الشك في عقول الناس ويعمل عليها الى ان يتمكن منهم.

وقد قال احد دعاة الفكر بأن الاستعمار الثقافي حريص على إنشاء أجيال فارغة لا تنطلق من مبدأ ولا تنتهي لغاية يكفي أن تحركها الغرائز التي تحرك الحيوان مع قليل أو كثير من المعارف النظرية التي لا تعلو بها همّة ولا يتنضّر بها جبين، واغلب شعوب العالم الثالث من هذا الصنف الهابط.

ولتوخي الحذر من هذه الضربات من المهم جداً ان نمتلك الخلفية الرصينة التي تحفظ لنا النهج الثقافي الإسلامي الصحيح دون ان تتأثر العامة بالعوامل الخارجية.

كما ان فتح الآفاق الواسعة للمبدعين والمثقفين يوسع من الدائرة الثقافية في البلد، على ان تتوفر في المقابل فرص مهمة للشريحة المبدعة تحتضن من خلالها الطاقات وتصقل بصورة احترافية لكي تتمكن من تقديم ما لديها من ابداع، وتثبت وجودها الحقيقي في الساحة الثقافية.

ومن النقاط المهمة التي تحافظ على ثقافة الأمة من الانحطاط هو عدم السماح للثقافات الدخيلة من الوصول الى بوصلة الحق لأن جلَّ تركيزهم سيكون على اضعاف الإيمان وتشتيت العقائد السامية ومحو الآمال من نفوس الشباب، ومن الضروري جداً تخصيص جهات معينة تراقب الكتب والبرامج والمقالات التي تطرح في الساحة الثقافية لتحلل الأهداف التي على أساسها تبنت تلك الجهات ترويج الثقافة وطرحها بصورتها المباشرة وغير المباشرة.

كما ان هنالك أفلام ومسلسلات تحتوي على كمية كبيرة من الرسائل السلبية والمبادئ الخاطئة التي تبني نفسها بنفسها بطريقة تلقائية وتدخل الى البيوت وتنتشر بين الاوساط دون ان ينتبه اليها الناس، فمن الضروري ان تخضع الأفلام والمسلسلات الى الرقابة الخاصة قبل عرضها على الفضائيات.

وفي كل الأحوال يبقى الميدان الثقافي هو أخطر الميادين الحالية، وبمثابة الفرصة الذهبية التي يستنظرها العدو ليهج عن طريقها ويحقق مناه في السيطرة على العقول، وتبقى خطوة الحفاظ على هذا الميدان هو اعداد خالص العدّة لهكذا هجمات فكرية، حتى نتمكن من هزيمة هذا الفكر الخبيث الذي يحاول الالتفات حول عنق الإسلام في العالم.

اضف تعليق


التعليقات

محمد علي
شكراً على اختيار هذا الموضوع المهم، وللتذكير؛ الغزو الثقافي والفكري بدأ في اليوم الاول الذي قرأ فيه الغربيون القرآن الكريم وكتب الحديث والسيرة وعرفوا ما فيه من أسس للتقدم الحضاري، فعملوا على محاربته من الداخل.2017-11-19