q

فائز بين أكراد العراق بعد أسابيع من مقامرة رئيس إقليم كردستان العراق مسعود برزاني بالحكم الذاتي في استفتاء جسور على الاستقلال، وكان ثمن خسارة الرهان باهظا على جميع الأطراف المعنية، واضطر برزاني لإعلان أنه سيترك الرئاسة وأغضب خصومه السياسيون الأكراد قاعدة تأييدهم الشعبية كما يشعر الأكراد الذين صوتوا بأغلبية ساحقة لصالح الانفصال عن العراق بأنهم بعيدون عن حلم الاستقلال أكثر من أي وقت مضى. بحسب رويترز.

ويقول محللون إن إيران هي الفائزة في نهاية الأمر. ويعتقد على نطاق واسع أن طهران أيدت ونسقت الهجوم الذي شنه رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في 16 أكتوبر تشرين الأول لاستعادة السيطرة على المناطق التي تقودها السلطات الكردية بما في ذلك مدينة كركوك الغنية بالنفط.

وقال حسن شعبان وهو معلق سياسي في بغداد وناشط في مجال حقوق الإنسان ”إيران أحسنت اللعب أكثر من الإدارة الأمريكية وكانت القوة الأساسية التي أدت إلى الاتفاق لتسليم كركوك“، وتحول ميزان القوى في شمال العراق مما كشف عن نفوذ الأكراد المحدود في أي مفاوضات مستقبلا. كما كشف عن الدور المهيمن الذي لعبته إيران في تغيير مصير المنطقة الكردية، وأصبحت إيران في وضع يسمح باستغلال العواقب السياسية والسعي لانتقال مركز السلطة من أربيل عاصمة الإقليم، حيث هيمن برزاني والحزب الديمقراطي الكردستاني إلى حلفائها الأكراد في مدينة السليمانية.

وقال ريناد منصور وهو خبير في شؤون العراق بمؤسسة تشاتام هاوس البحثية ”كانت إيران دوما تسبق الاستفتاء بخطوة“، وأضاف أن الإيرانيين كانوا يعرفون أن برزاني لن يؤجل الاستفتاء أبدا. وقال ”كان الإيرانيون يخططون بينما كان الأمريكيون يتخبطون“، وأشار مسؤول إيراني كبير إلى أن طهران نصحت برزاني بعدم إجراء الاستفتاء لكنه لم ينصت لها، ونقلت وكالة مهر للأنباء يوم الثلاثاء عن علي شامخاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني قوله ”نحن نصحنا برزاني بعدم إجراء الاستفتاء وحذرناه من تداعياته على الأكراد وعليه شخصيا ولكن للأسف الشديد كانت تصله معلومات خاطئة حول مكانته الاجتماعية عند أكراد العراق وقرر إجراء الاستفتاء“.

تدخل إيراني

والقائد العسكري الإيراني الميجر جنرال قاسم سليماني حليف منذ سنوات لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني الخصم الرئيسي للحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة برزاني، لكن الاستفتاء زاد القائد الإيراني القوي قربا من المشهد السياسي الكردي وأظهر كيف امتد نفوذ إيران لما هو أبعد من الحكومة المركزية في بغداد.

وقال مسؤولون أكراد وعراقيون إن سليماني نصح الزعماء الأكراد في شمال العراق قبل الاستفتاء بسحب قواتهم من كركوك وإلا سيواجهون هجوما ”شرسا“ من القوات العراقية ومقاتلين مدعومين من إيران.

ودفع التحذير مقاتلي البشمركة الأكراد إلى الانسحاب من معظم المناطق وعمق الشقاق بين قاعدة نفوذ برزاني في أربيل وعشيرة الطالباني المنافسة في السليمانية والحليفة منذ وقت طويل لإيران.

وعبر سياسيون عراقيون عن قلقهم من تنامي نفوذ إيران لكنهم أثنوا على العبادي لأنه كبح جماح الطموحات الكردية، وقال الشيخ أحمد العبيدي من مجلس عشائر كركوك “نحن نشعر بالقلق لرؤية أذرع الأخطبوط تمتد بعمق في الشمال.

”إذا تكرر نفس التدخل في المناطق الكردية عندها فالأسوأ قادم وسيسود عدم الاستقرار. رأينا جميعا المشاكل التي حصلت في أجزاء أخرى من العراق ومن ضمنها المناطق ذات الأغلبية السنية والناتجة عن تدخل إيران“.

وفي كلمة للأكراد الذين ضعفت روحهم المعنوية بعد هزائم ميدانية كبيرة قال برزاني يوم الأحد إنه سيتنحى وذلك بعد شهر واحد من الاستفتاء الذي دافع عنه في وجه معارضة إقليمية ودولية، واتهم برزاني أعداءه ”بالخيانة العظمى“ لأنهم سلموا كركوك للقوات العراقية دون مقاومة فيما وجه خصومه نفس الاتهام له لأنه أجرى الاستفتاء.

خلافة غير واضحة

وقضى الاستفتاء وما أدى إليه من عقاب عسكري وسياسي عراقي للأكراد بدعم من إيران وتركيا على القوة النسبية التي تمتع بها الأكراد منذ سنوات، وألقي باللوم على برزاني سواء من جانب خصومه السياسيين وأبرزهم عشيرة الطالباني المتحالفة مع إيران أو حلفائه الغربيين الذين غضبوا لإصراره على إجراء الاستفتاء رغم نصائحهم.

واتفق المشرعون الأكراد يوم الأحد على توزيع سلطات برزاني الرئاسية بين البرلمان والقضاء والحكومة في ظل غياب انتخابات رئاسية وشيكة وعدم تعيين خليفة له.

ولا يزال برزاني رئيسا للحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يهيمن على البرلمان والحكومة وسيظل عضوا في المجلس السياسي الأعلى وهو هيئة غير حكومية مبهمة تأسست بعد الاستفتاء. وبذلك سيحتفظ برزاني بقدرته على التأثير في السياسة.

وبهذا يمكن أن يخفف برزاني من حدة الفوضى السياسية المتصاعدة. لكن موقفه يسلط الضوء على الغموض بشأن من سيكون مسؤولا في مفاوضات مهمة مع بغداد بشأن مستقبل المنطقة، وعزز برزاني سلطة منصبه منذ أن أصبح رئيسا في 2005 كما قوى المؤهلات السياسية لأفراد في عائلته، وكان من المرجح قبل الاستفتاء أن يصبح مسرور ابن برزاني خليفته لكن دعم مسرور للاستفتاء أضره.

وبدلا من ذلك تصدر نيجيرفان برزاني، ابن أخي مسعود برزاني ورئيس إدارة الإقليم، المشهد. وحصل نيجيرفان على بعض سلطات برزاني الرئاسية بعد توزيعها وحافظ على علاقاته بالمعارضة الكردية مما جعله مرشحا يحظى بقبول أكبر لرأب الصدوع في المنطقة. كما أن نيجيرفان على علاقة وثيقة بالرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

وأثنت الولايات المتحدة يوم الاثنين على قرار برزاني التنحي وقالت إنه سيتعاون ”بنشاط“ مع نيجيرفان ونائبه قوباد الطالباني وهو عضو في فصيل سياسي منافس يتمتع رئيس الوزراء بعلاقة طيبة معه.

ولم يتضح من سيكون الرئيس المقبل لحكومة إقليم كردستان العراق. وإلى جانب التوصل إلى تسوية فيما بين الأكراد يجب أن يوضع نفوذ بغداد وإيران في الاعتبار، ويقول مسؤولون أكراد كبار من الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني إن الخيار الأفضل بالنسبة لهم هو تقديم جبهة موحدة في المفاوضات مع بغداد لكن هذا الأمر يبدو الآن ضربا من المستحيل.

وتسيطر القوات العراقية التي تضم فصائل شيعية مدعومة من إيران على المعابر الحدودية في الشمال وطرق التجارة المهمة بالنسبة للأكراد. ووجه استسلام كركوك عسكريا ضربة قاصمة للأكراد على المستوى المعنوي والمالي إذ انخفضت عائدات المنطقة من تصدير النفط إلى النصف بين ليلة وضحاها.

وتعاني عشيرة الطالباني من أزمة خلافة خاصة بها بعد وفاة الرئيس السابق جلال الطالباني، وقال منصور من معهد تشاتام هاوس ”رأت إيران في الطالباني حليفها الكردي يتفكك“. وأضاف أن إيران بحاجة إلى خليفة واضح لضمان استمرار نفوذها.

ويتنافس أبناء وأقارب آخرون على القيادة في أعقاب الاستفتاء. لكن أنصار حزب الاتحاد الوطني الكردستاني عبروا عن قدر كبير من الإحباط إزاء الطريقة التي أدار بها زعماؤهم أزمة كركوك، وقال قيادي في البشمركة متحالف مع حزب الاتحاد الوطني الكردستاني طالبا عدم ذكر اسمه خشية تعرضه للعقاب ”خاننا زعماؤنا في كركوك ومنعونا من قتال الفصائل (الشيعية العراقية). باعونا لإيران من أجل مصلحتهم“.

اضف تعليق