q

مثل صاعقة خريفية نزل خبر استقالة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، على اللبنايين والعرب، فادخل المنطقة في حالة من الانذار القصوى بانتظار الخطوة اللاحقة، التي قد تاتي من الرياض مجددا حيث نفض الحريري يده من حكومة بلاده، ملقيا باللائمة على ايران وحزب الله كما عودنا المحور السعودي، والخطر الاكبر بتوسيع المواجهة من خلال اسناد الخطوات اللاحقة من مكان اخر بحرب تشنها اسرائيل مستغلة حالة الفوضى او اجراءات اقتصادية وعقابية خلف المحيط الهادئ بجرة قلم من الرئيس الامريكي دونالد ترامب.

الحريري برر استقالته التي اعلنها من العاصمة السعودية الرياض، بحالة الإحباط والتشرذم في لبنان واستهداف الأمن الإقليمي من لبنان الذي لا يمكن الرضا به تحت اي ظرف، وتهجم على حزب الله متهما اياه باستخدامه ضد اللبنانيين والسوريين من قبل ايران، وهو ما تسبب بمشاكل مع المحيط العربي، ويرى منه الحريري تنفيذا لرغبة ايرانية لتدمير العالم العربي. فايران بحسب خطاب الاستقالة قد اورثت العرب الخراب والفتن وهو شر سيرد عليها في يوم من الايام.

من يقرأ هذه السطور القليلة التي تلخص خطاب الاستقالة للحريري سوف يتنفس طعم السياسات السعودية ورغباتها في الانتقام من حزب الله من خلال تخريب اجواء الاستقرار في لبنان التي تفاخر بها حسن نصر الله قبل شهر تقريبا، وتعكير صفو الاحتفالات بما يسميه حزب الله "الانتصار على مآمرة اسقاط محور المقاومة"، لا سيما وان الحريري قد التقى الأسبوع الماضي، في الرياض، مع وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي، ثامر السبهان، بعد يومين من تصريحات للاخير استغرب فيها صمت الحكومة اللبنانية تجاه ممارسات حزب الله ضد المملكة. وقد علق السبهان على اللقاء السابق عبر موقع تويتر وقال انه اجتماع مطول ومثمر، واشار الى انه تم "الاتفاق على كثير من الامور التي تهم الشعب اللبناني الصالح، وباذن الله القادم افضل"، دون أن يفصح عن الأمور الذي تم الاتفاق عليها خلال الاجتماع.

اذن هي هو قرار للحريري لكنها رسالة سعودية لحزب الله وايران بان اللعبة لم تنتهي بعد، والقادم قد يكون اصعب بكثير مما يتصور المستعجلون للاحتفال بالقضاء على داعش والجماعات المسلحة الاخرى في سوريا، فاذا استطاع حزب الله وايران وسوريا وروسيا السيطرة على ما تبقى من ركام سوريا وبناياتها المهدمة بعد سبع سنوات من الحرب المدمرة، فقد يواجهون مصيرا اكثر وحشية في لبنان، والحرب هنا تكمن في تاليب الشعب ضد حزب الله، من خلال تعكير الاجواء السياسية والاجتماعية بما يؤدي على زعزعة الامن الاقتصادي، الذي يمثل اخر ملجأ للمواطن اللبناني.

الاستقالة تعبر في مضمونها عن تزايد الصلات بين السعودية وما يسمى بـ"الدول السنية" من جهة واسرائيل من جهة اخرى، التي تبحث عن وسيلة لبث الرعب بين صفوف قيادات حزب الله دون اطلاق رصاصة واحدة. هكذا يرى حلفاء ايران. فالحرب العسكرية ضد لبنان باتت مستبعدة وهذا ما تؤكده التقارير الصحفية اليومية ومراكز الدراسات الاسرائيلية التي تكشف كل يوم عن ضعف تل ابيب في مواجهة صواريخ حزب الله المتقدمة جدا، فضلا عن محاصرتها من كل جوانبها سواء من غزة او لبنان او الجولان المحتل.

لكن في المقابل تبدو الخطوة سوء تقدير استراتيجي من قبل السعودية، اذ لا نزال نذكر يوم اوقفت الرياض صفقة الاسلحة الفرنسية للجيش اللبناني والتي كانت تهدف الى تقوية الجيش بما يؤدي الى تحقيق السيادة على كامل البلاد بغض النظر عن تطور قدرات حزب الله، والسبب في ايقافها كان ايضا الضغط على حزب الله وتاليب الراي العام ضده، الا ان النتائج كانت عكسية، فايقاف الصفقة كان بمثابة اجبار للجيش على التعاون مع حزب الله لتحرير بعض المناطق من الجماعات الارهابية التي سيطرت على امناطق الحدودية بين لبنان وسوريا وهو ما حدث بالفعل، ومنذ ذلك الحين اطلقت قيادات حزب الله شعارها الجديد ثلاثية "الجيش_الشعب_المقاومة"، في اشارة الى التعاون القوي بين اضلاع هذا المثلث.

الحرب في سوريا والعراق تغلق حساباتها الاخيرة وسوف يترتب على ذلك تفرغ حزب الله وايران للمواجهات الاخرى التي لم تحسم مع السعودية، على غرار الحرب ضد اليمن او الازمة في البحرين مضافا اليها الازمة الخليجية مع قطر التي قد تتصاعد بعد الاحداث الاخيرة وتدفع قطر للدخول بقوة من اجل التنكيل بالرياض، وجعلها تتجرع مرارة الحصار الاقتصادي الذي فرض عليها. والراي العام الذي تريد الرياض تحشيده ضد محور ايران قد تسحبه "قناة الجزيرة" للاتجاه الاخر.

الحريري قد يصبح عبد ربه منصور هادي جديد ولبنان قد تصبح يمن جديد و"حزب الله2" الذي حذر منه محمد بن سلمان ولي العهد السعودي قاصدا تنامي قدرات الحوثيين وازدياد خطرهم على الامن القومي السعودي، قد ينمو بسرعة بفعل المساعدات التي ستوجهها ايران لرد التصعيد في لبنان، وقد يجد محمد بن سلمان نفسه محاطا بمجموعة من الازمات التي ستصعب عليه اتمام مشاريعه الاقتصادية الكبرى التي اطلقها مؤخرا، بل ان هذا السلوك السياسي يجعل الكثير من المتابعين يشككون في وجود تخطيط سعودي استرتيجي ازاء ما يحدث في المنطقة، وليت الامور تقف عند هذا الحد فشعوب المنطقة تريد فاصلا تستريح به من مسلسل الحروب والتازيم المتواصل.

اضف تعليق