q
ملفات - عاشوراء

زيارة الأربعين سبيل المؤمنين

على الرغم من تعدد المناسبات التي يزار فيها الإمام الحسين(ع) حتى شملت بأطرافها أيام السنة، إلا أن لزيارة الأربعينية طابعا خاصا أخذ يتبلور مع امتداد السنين ومرور الأيام.

ويمكن أن تذكر بعض الوجوه في سبب اكتساب زيارة الأربعين هذه الأهمية وامتيازها عن غيرها من زيارات الإمام الحسين(ع)، منها:

1) تخصيصها بالاهتمام والذكر في روايات المعصومين في أكثر من مورد، منها:

(أ) ما رواه الشيخ الطوسي بإسناده عن الامام الحسن العسكري أنه قال: علامات المؤمن خمس: صلاة إحدى والخمسين وزيارة الأربعين، والتختم باليمين وتعفير الجبين، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم.

والمقصود بـ (زيارة الأربعين) هي زيارة الإمام الحسين(ع) في العشرين من شهر صفر. فقد رواها الشيخ الطوسي في مصباح المتهجد في أعمال شهر صفر بقوله "وفي اليوم العشرين منه كان رجوع حرم سيدنا أبي عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام من الشام إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وآله، وهو اليوم الذي ورد فيه جابر بن عبد الله بن حرام الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله ورضي عنه من المدينة إلى كربلاء لزيارة قبر أبي عبد الله عليه السلام، فكان أول من زاره من الناس، ويستحب زيارته عليه السلام فيه وهي زيارة الأربعين".

ثم فرَّع الشيخ الطوسي (أعلى الله مقامه) على كلامه المتقدم بفاء التفريع وقال: فروي عن أبي محمد العسكري عليه السلام أنه قال.. وذكر الخبر.

(ب) روي عن صفوان بن مهران "في زيارة الإمام الحسين(ع) في العشرين من صفر، قال: قال لي مولاي الصادق صلوات الله عليه: في زيارة الأربعين تزور عند ارتفاع النهار.. ثم تلا الزيارة".

(ج) ما رواه عطا عن جابر بن عبد الله الانصاري، قال: كنت مع جابر يوم العشرين من صفر، فلما وصلنا الغاضرية اغتسل في شريعتها ولبس قميصا كان معه طاهرا ثم قال لي: أ معك شيء من الطيب يا عطا؟ قلت: سعد. فجعل منه على راسه وسائر جسده ثم مشى حافيا حتى وقف عند رأس الحسين، وكبر ثلاثا، ثم خرَّ مغشيا عليه، فلما أفاق سمعته يقول:.. ثم تلا الزيارة.

2) هي أول زيارة للحسين (ع) من قبل أهل البيت(ع) بعد واقعة الطف، وفي أجواء المصاب والمحنة. وكان ذلك يوم رجوع موكب بنات الوحي مع الإمام زين العابدين(ع) إلى كربلاء، يوم أربعينية الإمام الحسين(ع)، وهم في حال شديدة من التعب والإرهاق وشدة المصاب والفجيعة، والتقوا عند القبر الشريف بجابر بن عبد الله الأنصاري ومن جاء معه لزيارة قبر الإمام الحسين(ع)، حاملين معهم رؤوس الشهداء الشريفة لردها إلى حيث الأجساد الطاهرة، في يوم العشرين من صفر كما جاء في الروايات.

وقد شكلت تلك الأحداث نقطة انطلاق زيارة الأربعين لسيد الشهداء تمثلت باجتماع أهل ذلك السواد عليهم، فتوافدوا بالحزن والبكاء واللطم وندب الشهداء، وأقاموا على ذلك أياما. ومن يومها أصبحت كربلاء قبلة للزائرين يؤمها الملايين من المؤمنين من مختلف بلدان المعمورة.

3) انها تبرز البعد الإعلامي لنهضة الإمام الحسين(ع)، وكانت بدايته عقيب واقعة الطف مباشرة، من قبل الإمام زين العابدين(ع) والعقيلة زينب (ع) ومن معها من بنات الوحي، حين كانوا سفراء تعريف بأهداف ثورة الإمام الحسين(ع) بعد شهادته، في الكوفة والشام والمدينة وما بينها من محطات، مع ما كانت تحمله خطبهم من ميزات إعلامية، في بيان منزلة أهل البيت(ع) ومكانتهم ومراتبهم التي رتبهم الله فيها، وما أتى أعداؤهم من عظيم جرم باستلاب حقوقهم وانتهاك حرماتهم وسفك دمائهم وسوقهم بنات رسول الله(ص) من بلد إلى بلد، ليظهر أمام المجتمع الإسلامي خروج بني أمية ومن أسس لحكمهم، عن واقع الإسلام وبعدهم عن الشريعة وصاحب الشريعة(ص).

4) ما لهذه الزيارة من آثار أخلاقية وعقائدية وفقهية وسياسية تفوق –في الجملة– سائر زياراته(ع). فإن الإنسان يجد نفسه، أيام هذه الزيارة، في ظروف ومشاهدات وأحاسيس ومشاعر تنقله إلى عالم القديسين، فكل شيء مختلف أيام زيارة الأربعين، سواء في جانب الجود والبذخ والعطاء، أو في جانب الالتزام بالفرائض والواجبات وأحكام الشريعة المقدسة والتعاليم الإلهية، أو في الجانب الأخلاقي من التسامح والإيثار والعفو وكظم الغيظ والأخلاق السامية والقيم النبيلة ومعاني التضحية والفداء. حتى يتخرج المؤمن من هذه الدورة الحسينية وقد تعبأت نفسه بكل القيم والمبادئ التي قدم لأجلها سيد الشهداء تلك النفوس الطواهر الزواكي قربانا لوجه الله تعالى وإعلاء لكلمته.

اضف تعليق