q
راج بيرسود/ بيتر بروجن

 

لندن ــ من الواضح أن فضيحة الاعتداء الجنسي التي تورط فيها هارفي وينشتاين لن تفقد زخمها قريبا. بل على العكس من ذلك تماما: تحقق الشرطة في المملكة المتحدة الآن في عِدة ادعاءات تتعلق بمنتج الأفلام الحائز على جائزة أوسكار. ورغم أن وينشتاين "أنكر بشكل قاطع" الادعاءات التي تتهمه بمحاولة ممارسة الجنس مع أشخاص دون رضاهم، ورغم عدم إلقاء القبض عليه، فإن أكثر من عشرين امرأة ــ وبينهن الممثلات أنجيلينا جولي، وجوينيث بالترو، وروز ماكجوان ــ اتهمنه علنا بالتحرش بهن. والواقع أن الادعاءات تمتد على مدار ثلاثة عقود تقريبا.

تجاهد هوليود في محاولة تفسير الكيفية التي سمحت لواحد من أبرز شخصياتها بالإفلات من العقاب على مثل هذا السلوك طوال تلك الفترة. ويقدم لنا وودي ألين خيطا مهما. فعلى الرغم من عمله مع وينشتاين في عِدة أفلام، يزعم ألين أنه لم ينم إلى عِلمه قط أي ادعاء بإساءة المعاملة. ويضيف ألين في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية: "ما كان أحد ليوجه إليه مثل هذا الاتهام، لأن ذلك لن يخدم مصلحته، والمصلحة هي أن تصنع فيلمك". كما أدلى آخرون ممن عملوا مع وينشتاين على مر السنين بتصريحات مماثلة.

تُرى هل يكون هذا هو المعادل في هوليود لما يسميه رجال الشرطة "جدار الصمت الأزرق"، أو أن الأمر ينطوي على شيء أكثر ارتباطا بالمرض؟

ربما يمكننا العثور على إحدى الإجابات في نتائج بحث نفسي حديث. وفقا لعلماء في الولايات المتحدة وإسرائيل، هناك سمات شخصية معينة ــ "الثالوث الخبيث" الذي يتألف من النرجسية، والسيكوباتية (اعتلال نفسي)، والمكيافيلية ــ ترتبط بشكل أكثر شيوعا بالسلوك البذيء المسيء جنسيا.

ومن النتائج المثيرة للاهتمام التي توصل إليها هذا البحث، والتي نشرت في عام 2016 في مجلة الشخصية والفروق الفردية، أن السمات الشخصية المرتبطة بالنزوع إلى التحرش ربما تكون "تكيفات نفسية ذاتية" تسمح للأفراد باستغلال "مواضع ملائمة" في المجتمع. بعبارة أخرى، ربما يسعى بعض المفترسين جنسيا إلى العمل في مهن تنتمي إلى صناعات بعينها تسمح لهم باستغلال الآخرين.

كما وجد الباحثون أن الاستعداد الذي يجعل شخصا ما ناجحا ربما يشمل أيضا السمات الشخصية التي تفسر ميله إلى الاستغلال. فالسمات المطلوبة للفوز بجائزة الأوسكار على سبيل المثال ربما تكون مشابهة لسمات الأفراد الذين يقيمون عددا كبيرا من العلاقات الجنسية التي لا تتطلب قدرا كبيرا من الالتزام.

وفي خطوة أبعد، يشير البحث إلى أننا لا ينبغي لنا أن نندهش عندما نجد نظيرا مماثلا في العديد من زوايا المجتمع الأخرى. فليس في هوليود فقط ربما تعمل نفس السمات التي تجعل من شخص ما نجما على جعله شخصا مسيئا.

نُشِرَت دراسة "الثالوث الخبيث" قبل فترة طويلة من خروج الادعاءات ضد وينشتاين إلى دائرة الضوء، ولكنها تظل تشكل التحقيق الأكثر شمولا في شخصيات المتحرشين جنسيا. قام الباحثون ــ من جامعة أوكلاند وجامعة جورجيا في الولايات المتحدة، وكلية سابير الأكاديمية في إسرائيل ــ باستطلاع أكثر من 2500 من الرجال والنساء في إسرائيل. وقد أظهر الأشخاص الذين يميلون إلى استغلال الآخرين عددا من السمات الشخصية، بما في ذلك الصلابة والقسوة، وعدم الرضا والعصبية، والخداع، والأنانية والغرور، والافتقار إلى الصراحة أو التواضع، والاهتمام المفرط بالمواهب والأهداف الشخصية.

وتمثل هذه السمة الأخيرة ــ المعروفة أيضا بالنرجسية ــ عنصرا رئيسيا في الثالوث الخبيث. يميل النرجسي إلى الاقتناع بعظمته وجلاله، ويعتقد أن الآخرين ينبغي لهم أن يشعروا بالفخر لمجرد كونهم في صحبته ــ حتى وإن كان ذلك ينطوي على تطورات جنسية غير مرغوبة.

من ناحية أخرى، يعتقد المكيافيليون أن أفضل طريقة للتفاعل مع الآخرين هي إخبارهم بما يريدون الاستماع إليه. ومن الممكن أن يؤدي قصورهم المسيطر إلى نمط من الزملاء والأصدقاء المخادعين على نحو مستمر، وهو ما قد يفسر لماذا تنخرط شخصية المكيافيلي في التحرش الجنسي ولماذا يسعى إلى إقامة علاقات جنسية قصيرة الأمد. وهو يعتقد أنه ببساطة أكثر مكرا ودهاءً من أن يُمسَك به.

عندما يُكشَف النقاب عن المسيئين، فإنهم يسعون عادة إلى تحويل اللوم إلى آخرين. والواقع أن ادعاء الإصابة بخلل مثل "الإدمان الجنسي"، أو الدخول إلى مصحة لإعادة التأهيل لتلقي "العلاج"، كما فعل وينشتاين وفقا للتقارير، يتناسب مع الاستجابة المكيافيلية الكلاسيكية.

إذا صحت الادعاءات، فإن وينشتاين يُعَد المثال المتطرف للمتحرش جنسيا و"الثالوث الخبيث". ولكن هذه التركيبة من السمات الشخصية ليست نادرة إلى هذا الحد. بل إن مفترسين أقوياء ربما يتربصون الآن حول أقرب مبرد للمياه. تشير دراسة استقصائية أجريت في عام 1994 على موظفين فيدراليين في الولايات المتحدة، والتي استشهدت بها دراسة "الثالوث الخبيث"، إلى أن 44% من العاملات الإناث، ونحو 19% من العمال الذكور، ذكروا أنهم تعرضوا للتحرش الجنسي أثناء العمل في العامين المنصرمين.

وكما تُذَكِّرنا دراسة عام 2016، فإن التحرش الجنسي لا يتعلق دائما بمحاولة تأمين الجنس. بل إن المحركات النفسية ــ بما في ذلك الحاجة إلى تعزيز شعور المرء بقيمته، وجاذبيته، أو ذكوريته ــ ربما تحرك نزعة إساءة استغلال السلطة من قِبَل المفترسين جنسيا في السيطرة على الأخرين أو إهانتهم.

وما قد يكون وثيق الصلة بشكل خاص بقضية وينشتاين، أيا كانت النتيجة، هو أن هوليود ذاتها أشبه بفقاعة من القوة النرجسية. وربما يزعم علماء النفس أن هذه السِمة تفسر تعامي بعض الناس عن السلوك المنحرف الذي يمارسه زملاؤهم.

من الواضح أن التحرش الجنسي هو محل التركيز المباشر في قضية وينشتاين، كما ينبغي له، وذلك نظرا لجسامة الجرائم المزعومة والضيق الذي تسببه للضحايا. ولكن من منظور علماء النفس، الذين يسعون إلى فهم العلاقة الظاهرية بين النجاح واستغلال الآخرين، لا يشكل سقوط وينشتاين الواضح سوى غيض من فيض تحليلي.

* راج بيرسود، طبيب نفسي في لندن/ بيتر بروجن، طبيب نفسي في لندن
https://www.project-syndicate.org

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق