q

يواجه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون جملة من التحديات الداخلية، التي ازدادت بحسب بعض الخبراء بعد الانتخابات الاخيرة لمجلس مجلس الشيوخ الفرنسي التي خسرها حزب ماكرون، وهو ما قد يعقد تبني بعض الاصلاحات الاساسية التي وعد بها، كما ان شعبية رئيس الدولة الشاب تراجعت بشدة في الفترة السابقة. ويريد الرئيس الفرنسي ان يمرر اصلاحات دستورية مهمة في غضون صيف 2018 بينها خفض عدد البرلمانيين الى ثلثيهما حاليا. وتحتاج هذه الاصلاحات الى موافقة ثلاثة أخماس البرلمان (الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ) اي 555 برلمانيا. ومع 400 نائب في الجمعية الوطنية من مؤيدي ماكرون بينهم 313 من حزبه، يحتاج إلى إقناع نحو 160 سناتورا.

والامر ليس محسوما سلفا لكن في حال تعطل تمرير المشاريع في البرلمان، اعلن رئيس الدولة انه سينظم استفتاء. ويامل مجلس الشيوخ المؤسسة التي عادة ما يطغى عليها التكتم مع معدل اعمار من 64 عاما، ان يكون حاضرا بشكل أوضح في ولاية ماكرون. ويتفق المراقبون كما نقلت بعض المصادر، على أن هناك العديد من العوامل التي ساهمت في تراجع شعبية الرئيس الفرنسي، أولها إصلاح قانون العمل الذي وقعه ماكرون، وأثار جدلا واسعا في الشارع الفرنسي، وينص الإصلاح على تحديد سقف للتعويضات في حال الخلاف، وتقليص مهل الطعون لإجراء وإتاحة التفاوض خارج النقابة لأقل من 50 أجيرا.

ويؤكد ماكرون، أن هذه التعديلات تهدف إلى النهوض بالقطاع الخاص وجلب الاستثمارات عبر تخفيض الضرائب وتزويد الشركات بالمرونة وتشجيعها على التوظيف في ظل ارتفاع معدلات البطالة التي بلغت 9.6%. إلا أن هذا القانون قد قوبل بانتقادات واسعة على المستوى الشعبي، حيث شهدت المدن الفرنسية تظاهرات ضخمة احتجاجا على هذا القانون كان أبرزها تلك التي نظمها الاتحاد العمالي وضمت مئات آلاف المعارضين، والمظاهرة التي دعا إليها حزب "فرنسا المتمردة" بقيادة جون لوك ميلانشون، ورفع فيها المتظاهرون من جميع أنحاء فرنسا لافتات كتب عليها "نريد العيش، وليس البقاء على قيد الحياة".

وثاني العوامل المساهمة في تراجع شعبية الرئيس الفرنسي تمثلت، وفقا للمراقبين، في بعض الإجراءات التي تبنتها الحكومة لخفض الإنفاق الحكومي بحوالى 13 مليار يورو، لتتوافق مع معايير الاتحاد الأوروبي القاضية بأن تكون نسبة العجز 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وكان من أبرز تللك الإجراءات رفع الدعم عن السكن لبعض الأسر المحتاجة والبالغ 5%، وكذلك إيقاف صرف 5 يورو من مساهمة الدولة في مصاريف الأدوات المدرسية للأسر الفقيرة. فضلا عن قرار الرئيس بخفض النفقات العسكرية بـ850 مليون يورو، وإعلانه عن أنه سيخفض من موازنة الجيش أيضًا 2% حتى عام 2025، وهو الأمر الذي لم يلق قبولا لدى قيادات أركان الجيش الفرنسي وأدت إلى استقالة وزير الدفاع الفرنسي الجنرال بيير دو فيليبيه في يوليو الماضي.

ويرى المراقبون، أن الرئيس ماكرون قد عمد السير عكس الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا أولاند في تأجيل الإصلاحات، وفضل أن يبدأ بصدمة كهربائية إصلاحية وهو ما أثر سلبيا على شعبيته. في نفس السياق، يعتقد المراقبون بأن الأسلوب الذي فرضه ماكرون فور توليه الحكم والمعتمد على تقنين الحديث والتعامل مع الإعلام وجعل هذا التعامل مقتصرًا بشكل أساسي عليه قد ساهم أيضا في تراجع شعبيته، حيث إن مواقفه وخططه الإصلاحية تحتاج دائما إلى الكثير من الشرح والتوضيح لإقناع الفرنسيين بجدواها على رغم مما تنطوي عليه من صعوبات. وعلى هذا الأساس قرر ماكرون تكثيف إطلالاته الإعلامية والإدلاء بعدة مقابلات مع وسائل إعلام فرنسية إضافة إلى مداخلتين يجريهما شهريًا ويتحدث خلالهما مباشرة إلى الفرنسيين.

أول هزيمة انتخابية

وفي هذا الشأن مني الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأول هزيمة انتخابية له بعد ظهور أولى نتائج الانتخابات الجزئية لمجلس الشيوخ الفرنسي، حيث تمكن اليمين من تعزيز الأكثرية التي كان يتمتع بها أصلا. وتفيد أولى النتائج أن حزب الجمهوريين اليميني الذي كان يملك 142 سناتورا أنهوا ولاياتهم قد كسب مزيدا من المقاعد، في حين أن حركة الرئيس "الجمهورية إلى الامام" التي كان لها 29 مقعدا، لن تخرج سوى بما بين "20 إلى 30" سناتورا. أما الحزب الاشتراكي الذي يعاني من شبه انهيار وتفكك بعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية، فقد قاوم وحصل على نتائج أفضل مما كان متوقعا.

إلا أن هذه الهزيمة لحركة ماكرون كانت متوقعة بسبب طبيعة النظام الانتخابي غير المباشر لتجديد 171 مقعدا من مقاعد مجلس الشيوخ الـ348، وهي لن تمنع ماكرون من أي يحكم، لكنها قد تعقد إقرار بعض الإصلاحات الأساسية التي وعد بها ماكرون "لتحديث" فرنسا. وبعد نشوة الفوز الكبيرة إثر الانتخابات التشريعية في حزيران/يونيو، كانت حركة الجمهورية إلى الأمام تأمل بتحقيق خرق في مجلس الشيوخ. إلا أنها أعاد حساباتها حتى قبل موعد الانتخابات بعد أن تراجعت بشكل كبير شعبية الرئيس ماكرون في استطلاعات الرأي، وظهرت أولى المشاكل التي اعترضت ولايته الرئاسية.

واكتفى رئيس كتلة حركة ماكرون فرانسوا باتريا بالقول "لا أستطيع القول إن الانتخابات شكلت نجاحا لنا"، وأعلن أنه لا يتوقع سوى نتيجة تراوح بين "20 إلى 30" سناتورا. وتابع "لقد انطلقنا من صفحة بيضاء، ولم يكن بإمكاننا لا أن ننتصر ولا أن ننهزم. الانتخابات الفعلية بالنسبة إلينا في مجلس الشيوخ ستكون عام 2020 بعد أن تكون قد أجريت الانتخابات البلدية والإقليمية والمحلية".

واعتبرت بريزا خياري العضو في القيادة الموقتة لحركة الجمهورية إلى الأمام أن نتيجة الانتخابات هي عبارة عن "اليقظة الأخيرة للعالم القديم". والنظام الانتخابي الخاص بمجلس الشيوخ يفسر النتيجة غير الملائمة لماكرون. فمن يحق لهم انتخاب مجلس الشيوخ هم 76359 شخصا من "الناخبين الكبار (نواب، أعضاء مجالس بلدية، ومنتخبون محليون) انبثقوا من الانتخابات البلدية الأخيرة التي فاز بها اليمين عندما لم تكن حركة الجمهورية إلى الأمام أصلا موجودة.

وقد اتخذت الحكومة خلال الأسابيع القليلة الماضية سلسلة قرارات لم ترق لأعضاء المجالس المحلية، مثل إلغاء هبات بقيمة 300 مليون يورو إلى التعاونيات وخفض عدد الموظفين الذين يتلقون مساعدات. إلا أن عدم تمتع ماكرون بأكثرية داخل مجلس الشيوخ لن يمنعه من الحكم. ففي فرنسا يستطيع مجلس الشيوخ تأخير اعتماد مشاريع قوانين تقدمها الحكومة، إلا أن الكلمة الأخيرة تعود إلى النواب أعضاء الجمعية الوطنية. بحسب فرانس برس.

ولن يكون بالإمكان تجاهل مجلس الشيوخ في حال كان المطلوب تعديل الدستور. والرئيس ماكرون يريد إقرار إصلاحات دستورية بحلول صيف 2018 تتضمن خفض عدد النواب بنسبة الثلث. وهذا التعديل يحتاج إلى موافقة ثلاثة أخماس أعضاء الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ، أي 555 نائبا وسناتورا. وإذا كان يستطيع الاعتماد على تأييد نحو400 نائب بينهم 313 من حزب الجمهورية إلى الأمام فلا بد له من إقناع 160 سناتورا للتمكن من تعديل الدستور، وهذا سيجبره على التفاوض مع الأحزاب الأخرى. ولم يتردد ماكرون بالقول إنه في حال تمت عرقلة إصلاحاته في البرلمان فسيلجأ إلى سلاح الاستفتاء.

ماكرون واليسار الراديكالي

الى جانب ذلك تظاهر آلاف في باريس ضد اصلاح قانون العمل الذي وقعه الرئيس ايمانويل ماكرون، بناء على دعوة من زعيم اليسار الراديكالي جان لوك ميلانشون مرددين "لا للانقلاب". ووعد رئيس حزب "فرنسا المتمردة" اثناء وصوله الى مكان التظاهرةب "اعصار اجتماعي" من معارضي الاصلاح الذي يؤيده الرئيس الفرنسي.

وبدأت التظاهرة بهتافات "المقاومة، المقاومة". ورفع ناشطون من جميع انحاء فرنسا لافتات كتب عليها "نريد العيش، وليس البقاء على قيد الحياة" و "لا يوجد شيء جيد في ماكرون". ووقع الرئيس الفرنسي الذي لا ينوي التراجع قيد انملة رسميا امام الكاميرات النصوص الخمسة التي تعدل قانون العمل المعقد ويبلغ حجمه من اكثر من 3 الاف صفحة. والإصلاح يضفي مرونة اكثر على سوق العمل في بلد يعاني من معدل بطالة نسبته 9,6 في المئة بعض ويساعد في بعض حالات التسريح من الوظيفة، ويتيح للشركات التفاوض بشأن ظروف عملها بشكل مباشر مع موظفيها.

وتم التفاوض على النص خلال فصل الصيف مع نقابات العمال وأصحاب العمل لكن من دون إقناع منتقديه، الذين يتمسكون بحقوقهم الاجتماعية المكتسبة التي تحققت بشق الأنفس. وابرز الغاضبين الاتحاد العمالي العام، إحدى النقابات الرئيسية، الذي سبق ان نظم يومين من الاضرابات والتظاهرات في جميع أنحاء فرنسا حققت نجاحا متفاوتا.

ويامل ميلانشون الذي حل رابعا في الانتخابات بنسبة نحو 20% من الأصوات بان تكون المشاركة السبت افضل من المرات السابقة. ولدى رمز اليسار الراديكالي (66 عاما) فضاء سياسي جديد منذ فوز ماكرون في الانتخابات الرئاسية وتفكك الأحزاب التقليدية، فالحزب الاشتراكي انهزم بشكل مؤلم في الانتخابات، كما ان اليمين منقسم حيال الدعم الذي سيمنحه للإصلاحات في حين لا يزال اليمين المتطرف يواجه مشاكل بسبب هزيمة مارين لوبن في الجولة الثانية. بحسب فرانس برس.

وقال فريدريك ساويكي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بانثيون-السوربون إن "رهان ميلانشون هو أن يكون الخصم الرئيسي لماكرون"، مؤكدا الأهمية الرمزية ل "صورة زعيم محاط بالآلاف" في ساحة الباستيل، رمز الثورة الفرنسية عام 1789، حيث بدأت التظاهرة. من جهتها، قالت كليمنتين أوتان، النائبة عن حزب ميلانشون ان الامر "يتعلق باستعراض للقوة بشكل شبه ملموس". بدوره، قال دافيد جيرو المتحدث باسم الشباب في الحزب ان "ايمانويل ماكرون يعمد الى اهانة الناس الذين يختلفون معه. وفي مواجهة هذا التحدي، تؤكد السلطات عزمها على المضي في اجراءاتها. وكان ماكرون قال في وقت سابق "اؤمن بالديموقراطية ولكن الديموقراطية ليست الشارع". واضاف "اذ احترم الذين يتظاهرون، فانني احترم ايضا الناخبين الفرنسيين الذين صوتوا من اجل التغيير".

رئيس الاثرياء

على صعيد متصل أطلق الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون المتهم بإعطاء الاولوية للأكثر ثراء مبادرته الاجتماعية بلقاء في اميان شمال فرنسا مع عمال مصنع طبعت مشاكلهم الحملة الانتخابية الرئاسية. وكان الرئيس المنتخب في ايار/مايو وعد بالعودة إلى المدينة مسقط رأسه وخصوصا الى معمل لمجموعة "ويرلبول" الأميركية للأدوات الكهربائية المنزلية حيث تلقى اثناء حملته الانتخابية استقبالا غاضبا بين الدورتين الرئاسيتين.

فبعدما كان المصنع مهددا بالاغلاق آنذاك، اشترته شركة "دبليو ان" التي يفترض ان تحدث فيه 277 وظيفة جديدة. لذلك بدت الأجواء أكثر ارتياحا مع هذه الزيارة الثانية لماكرون الذي وفد للتحادث مع العمال والممثلين النقابيين. وصرح ممثل نقابة الاتحاد الفرنسي الديموقراطي للعمل باتريس سينوكيه مرحبا "لدينا اليوم شركة جديدة ستتخذ مقرا في الموقع، وهذا يسعدنا طبعا. (الرئيس) ماكرون وعد بالعودة، وها هو ينفذ وعده".

كذلك أشاد نائب حزب اليسار المتطرف "فرنسا المتمردة" فرانسوا روفان بموقف السلطات العامة "الحريص" مضيفا "لكن يجب الا ننسى الاضرار التي تسببت بها العولمة وما زالت". واعتبر ماكرون (39 عاما) ان الزيارة تندرج في اطار أوسع لمبادرة في المستوى الاجتماعي بعد ان انتقد مؤخرا باعتباره "رئيس الاثرياء". وفي وقت تشدد فيه النقابات لهجتها ضد اصلاح قانون العمل، تعرض ماكرون ايضا للنقد بسبب مشروعه لاصلاح الضرائب وخصوصا الاداء على الثروة الذي يريد ان يقصره على الاملاك العقارية.

ونفى ماكرون في تصريحات صحافية في اميان ممارسة سياسة لفائدة الاثرياء. وقال "الكثير من الناس الذين ينددون (بالاثرياء) هم من الاثرياء احيانا اذا تمعنا في الاحصائيات، ففي بلادنا تصبح ثريا بسرعة كبيرة". وأضاف "من هم الناس الذين يستثمرون؟ هم اناس مستعدون للمخاطرة ويكسبون حين يأتي جراء هذه المخاطر، نجاح" منتقدا "هذه التعابير الجاهزة التي يحب اصحاب المشاعر الحزينة من الفرنسيين الغرق فيها". بحسب فرانس برس.

وتابع "كما تعرفون بقينا لسنوات نفرض ضرائب بشكل جيد على الناس التي تنجح ثم شددنا الاجراءات في سوق العمل. فماذا فعلنا؟ خطط اجتماعية جيدة مع الكثير من العمال الوقتيين". واضاف "انا لا اريد هذا لبلدي وخصوصا لمنطقتي" في اشارة الى اميان حيث ولد. وصرح الخبير في معهد هاريس انتراكتيف جان دانيال ليفي ان "ايمانويل ماكرون شهد تحسنا في استطلاعات الرأي في ايلول/سبتمبر وخصوصا في أوساط اليمين، وبنسبة أقل بكثير بين الفئات الشعبية. بالتالي من مصلحته الامساك بزمام الامور في هذا المجال والتواصل مع المواطنين، وهذا امر نجح فيه حتى الان".

اضف تعليق