q

ملف انفصال إقليم كتالونيا عن إسبانيا، يعد اليوم من اهم واصعب الملفات خصوصا وان المعطيات الاخيرة وكما يرى بعض المراقبين تشير الى ان الازمة الحالية يمكن ان تتفاقم بشكل كبير، خصوصا وان إدارة الإقليم تسعى الى فرض قراراتها وهو ما ترفضه الحكومة المركزية في إسبانيا، التي ستفقد بسبب هذا الانفصال مساحة من الأرض تقدر بحوالي 33 ألف كيلومتر مربع هي مساحة الإقليم الكتالوني، الذي يسكنه 7,5 مليون نسمة يمثلون 14% من إجمالي سكان البلاد. الامر الذي سينعكس سلبا على الاقتصاد الاسباني، فقدان كتالونيا سيتسبب في حرمانها من قوة اقتصادية كبيرة ومن مصدر حيوي للضرائب، يظهر الأمر الأخير بوضوح إذا ما علمنا أن كتالونيا هي المقر الرئيسي للعديد من المجموعات والشركات العملاقة والمعاهد الكبيرة.

ويبلغ إجمالي الناتج القومي لإقليم كتالونيا 210 مليون يورو. وهو ما يجعل حصة كل مواطن كتالوني حوالي 27 ألف يورو سنويًا، ويعنى هذا أن إسبانيا ستخسر حوالي 19% من إجمالي ناتجها القومي. إسبانيا ستخسر أيضًا حوالي 26% من صادراتها التي كانت تتم نتيجة مواد مصنعة في إقليم كتالونيا، هذا بالإضافة إلى أن كتالونيا تتحكم في 70% من حركة النقل والمواصلات الخاصة بالتجارة الخارجية لإسبانيا. في حالة تحول كتالونيا لدولة مستقلة فإن تكلفة نقل البضائع الإسبانية للتصدير سترتفع مما يؤدي لقلة الصادرات وضعف الاقتصاد الإسباني الضعيف أساسًا. كما ان كتالونيا تنتج أيضًا 45% من إجمالي المواد التكنولوجية المصدرة مثل السيارات والأجهزة الإلكترونية.

المشكلة تظهر بقوة أيضًا نتيجة الوقت غير الملائم. فإسبانيا التي تعتبر إحدى أهم ركائز منطقة اليورو، تعاني حاليًا من أزمة اقتصادية كبيرة نتيجة صراعها مع تكاليف الاقتراض التي لا تستطيع تحملها، وارتفاع مستوى العجز العام مما تسبب بغضب شعبي نتيجة التأثيرات السلبية المنعكسة والمتمثلة في ارتفاع نسبة البطالة وتدابير التقشف الصارمة التي أثرت على الخدمات العامة.

واستقلال إقليم كتالونيا سيتسبب ايضا في خسائر كبيرة للإقليم على المدى القريب. فطبقًا لما ذكره محافظ البنك المركزي الإسباني لويس ليندي فإن استقلال الإقليم يعني خروجه من منطقة اليورو وسيفقد الإقليم قدرته على الدخول إلى النظام الائتماني للبنك الأوروبي المركزي. محافظ البنك حذر أيضًا من إمكانية أن تعاني كتالونيا من أزمة اقتصادية شبيهة بالأزمة الاقتصادية الخاصة باليونان.

خطاب نادر

وفي هذا الشأن اتهم العاهل الإسباني، الملك فيليبي السادس، المسؤولين الانفصاليين في كتالونيا، بأنهم وضعوا أنفسهم "على هامش القانون والديمقراطية"، مشدداً على وجوب أن "تكفل الدولة النظام الدستوري"، وقال الملك فيليبي السادس، في خطاب نادر إلى الأمة عبر التلفزيون، بعد يومين على استفتاء تقرير المصير الذي أجراه إقليم كتالونيا، على الرغم من أن مدريد حظرته، إن "هذه السلطات (الكتالونية) وضعت نفسها بطريقة واضحة وقطعية وبالكامل على هامش القانون والديمقراطية".

وحذَّر من أن قادة الإقليم "بتصرفهم غير المسؤول قد يعرضون الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي لكتالونيا ولإسبانيا بأسرها للخطر". واعتبر أن الهدف النهائي من وراء الاستفتاء الذي أجراه الإقليم هو "إعلان الاستقلال بطريقة غير شرعية". وأضاف الملك الذي اعتلى العرش في 2014، أنه إزاء كل ما تقدم فإنه "من مسؤولية السلطات الشرعية في الدولة أن تكفل النظام الدستوري، وسير المؤسسات بصورة طبيعية، واحترام دولة القانون والحكم الذاتي لكتالونيا".

وبموجب المادة 155 من الدستور، التي لم يتم تفعيلها بعدُ، يحق للحكومة المركزية أن تُجبر إقليماً من أقاليم البلاد على احترام واجباته الدستورية إذا ما انتهكها، أو إذا "شكَّلت خطراً كبيراً على المصلحة العامة للدولة". وتعتبر الحكومة الإسبانية والمحاكم في إسبانيا الاستفتاء على الاستقلال غير شرعي، فيما تحمِّل مدريد السلطات الكتالونية مسؤولية إثارة التوتر. واتهمت وزارة الداخلية الإسبانية، حكومة كتالونيا بـ"التحريض على التمرد"، بعدما تعرضت قوات الشرطة التي تم إرسالها لمنع الاستفتاء إلى مضايقات من قبل المتظاهرين. وقال وزير الداخلية خوان ايغناسيو زويدو: "نرى أكثر فأكثر كيف تدفع حكومة كتالونيا السكان نحو الهاوية، وتحرِّض على التمرُّد في الشوارع"، مضيفاً أن حكومته ستتخذ إجراءات لمنع "المضايقات" بحق الشرطة الوطنية.

من جانب اخر قال رئيس حكومة إقليم كتالونيا، كارليس بيغديمونت، إن " الإقليم سيعلن استقلاله عن إسبانيا في غضون أيام". وأضاف بيغديمونت في أول مقابلة له منذ الاستفتاء على انفصال كتالونيا لبي بي سي أن " حكومته ستعمل خلال في الايام المقبلة". وخرج مئات الآلاف في إقليم كاتالونيا في احتجاجات ضد عنف الشرطة الإسبانية خلال التصويت على الاستفتاء الذي أدى إلى إصابة نحو 900 شخص. وردا على سؤال بشأن الخيارات التي سيلجأ إليها إذا تدخلت الحكومة الإسبانية وسيطرت على حكومة كاتالونيا، قال بيغديمونت إن ذلك سيكون "خطأ سيُغير كل شيء." وأشار بيغديمونت إلى أنه لا يوجد حاليا اتصال بين الحكومة في مدريد وحكومة الإقليم.

عنف الشرطة

في السياق ذاته شارك 700 ألف شخص في مظاهرات عدة في مدينة برشلونة احتجاجا على أعمال العنف التي قامت بها الشرطة الإسبانية لمنع استفتاء لتقرير المصير في كاتالونيا، بحسب ما أعلنت شرطة بلدية المدينة. ورفع المتظاهرون لافتات كتب عليها "قوات الاحتلال اخرجي" و"الشوارع ستبقى دوما لنا"، في حين صدحت حناجرهم بهتافات مناهضة للشرطة الوطنية والحرس المدني. وقالت إحدى المتظاهرات وتدعى ميريام لاو (35 عاما) لوكالة الأنباء الفرنسية "انظروا، لن تكون هناك عودة إلى الوراء".

وحاول آلاف المتظاهرين التوجه إلى مقر الشرطة الوطنية لكن عناصرها نصبوا حواجز حالت دون اقترابهم. وهتف المتظاهرون على مقربة من المبنى أن "هذا المبنى سيصبح مكتبة عامة"، وردد أحدهم "تحيا الأرض..." ليكمل البقية "حرة". من جانب اخر بدأت كاتالونيا بما فيها نادي "إف سي" برشلونة، إضرابا عاما للدفاع عن "حقوقها" والتنديد بعنف قوات الأمن على هامش استفتاء تقرير المصير المحظور في حين تتسع الهوة على ما يبدو أكثر مع مدريد. وتأتي هذه التعبئة الكبيرة التي تتخللها مظاهرات، بعد يومين من تنظيم الاستفتاء. واقتحمت الشرطة الإسبانية والحرس المدني مئة مكتب تصويت لمصادرة صناديق الاقتراع ومعداته، لكن ذلك لم يحدث دون عنف. وخلق الاستفتاء الذي شارك فيه عدد كبير من الكاتالونيين الأزمة السياسية الأعمق التي تمر بها إسبانيا منذ إرساء الديمقراطية فيها العام 1977.

وأكد قادة كاتالونيا التي تبلغ مساحتها 30 ألف كلم مربعا ويقطنها 16 بالمئة من سكان إسبانيا، أنهم ينوون جديا إعلان الاستقلال بعد التأكد من فوز مؤيدي الاستقلال في الاستفتاء بأكثر من 90 بالمئة من الأصوات وفق نتائج غير نهائية. وكانت نقابات صغيرة دعت في الأصل لهذا الإضراب. لكن بعد أعمال العنف التي تطلبت تقديم مساعدة طبية لأكثر من 800 شخص، قررت النقابات الكبيرة الانضمام إلى الإضراب لإظهار وحدة الصف في مواجهة هذه الاعتداءات. كما دعت للإضراب الجمعيات والأحزاب الداعية لاستقلال كاتالونيا والتي تملك قدرة كبيرة على التعبئة.

وقال رئيس كاتالونيا كارليس بيغديمونت التي يسعى من خلال الإضراب أن يظهر أن المجتمع يدعمه في صراعه مع سلطات مدريد للحصول على الأقل على استفتاء لتقرير المصير، "أنا مقتنع بأن دعوة الإضراب ستلقى تجاوبا كبيرا". وعمليا فإن الإضراب مقرر في ميناء برشلونة والجامعات العامة ووسائل النقل ومتحف الفن المعاصر والأوبرا وحتى الكاتدرائية الشهيرة "ساغرادا فاميليا". ويريد المنظمون أن يكون الإضراب تظاهرة "سلام".

ويأتي الإضراب بعد تعاظم الحراك الاجتماعي في الأسابيع الأخيرة في كاتالونيا. وبعد الاعتقالات وعمليات التفتيش التي استهدفت تنظيم الاستفتاء منتصف أيلول/سبتمبر، وعدت الجمعيات الداعية للاستقلال بـ "تعبئة دائمة" للمجتمع ضد ما وصفته بـ "قلة الاحترام" و"الإهانة" الدائمتين من قبل مدريد. في المقابل تصم الحكومة الإسبانية المحافظة آذانها إزاء الانتقادات وتندد من جانبها بـ "التلاعب" بالحشود.

ورسالة الإضراب موجهة أيضا إلى المجتمع الدولي لطلب مساعدة كاتالونيا على "ضمان حقوق" مواطنيها. وطلب رئيس كاتالونيا الاثنين "وساطة دولية" في النزاع بين برشلونة ومدريد. ولزم رئيس الحكومة الإسبانية ماريانو راخوي الصمت. واجتمع راخوي مع قادة الحزب الاشتراكي وحزب المواطنة (وسط معارض لاستقلال كاتالونيا) لبحث "التحدي الخطير الذي تطرحه" هذه الأزمة.

وتنامت مشاعر الاستقلال في كاتالونيا منذ 2010 في ظل أزمة اقتصادية وإلغاء جزئي من المحكمة الدستورية لوضع كان يمنح كاتالونيا سلطات أوسع. ومنذ 2012 تزايد عدد الكاتالونيين الذين يطالبون مدريد بتنظيم استفتاء لتقرير المصير من أجل حسم النقاش، وذلك رغم انقسام سكان كاتالونيا إزاء الاستقلال. لكن حكومة راخوي لا ترغب مطلقا في الخوض في الأمر مشيرة إلى أن هذا الخيار غير منصوص عليه في الدستور. بحسب فرانس برس.

لكن الاتحاد الأوروبي طلب من راخوي أن يعتمد الحوار. وعبرت الأمم المتحدة عن نيتها التحقيق حول أعمال العنف في حين عبرت برلين وباريس عن دعمهما لوحدة مملكة إسبانيا. وأعلن البرلمان الأوروبي أنه سيجري نقاشا حول الوضع في كاتالونيا. لكن في البلاد يبدو أن الهوة تتعمق أكثر لتتجاوز الإطار السياسي.

اضف تعليق