q

يغفل الكثير من القادة وأصحاب السلطة بأشكالها كافة، مبدأ تحسين الإنتاج الذي يعتمد نظام التحفيز، ولعل أحد أهم أركان هذا البند، هو التحفيز بالأمل، فعندما يكون الإنسان في حالة أمل فإنه يكون في حال نفسي ومعنوي أفضل، وهذا الشرط يساعده على الإنتاج بأبدع الصور الممكنة، لذلك دعا مختصون الى أهمية أن تتم عملية زراعة الأمل في كيان الإنسان طفلا فمراهقا فشابا فكهلا، وهكذا تكون حالة الأمل محفزة للإبداع والإنتاج المتميز.

وأثبت علم الاجتماع أن الشخصية المبنية بالأمل والمغروسة في تربته، هي الأكثر قدرة من سواها على تحسين مستلزمات العيش، وهناك دراسات كثيرة رافقتها التجارب العملية، أثبتت أن التشجيع والإطراء يضاعف قدرات الطفل ويُسهم في إطلاق مواهبه، ويجعله مستعدا لمواكبة التطور السريع الذي يشهده عالم التكنولوجيا والعلوم الحديثة وسواها. وقد أكد علماء النفس والاجتماع، أن الردع غير المدروس والمبالغ به للطفل يعني تحجيما لقدراته، ومواهبه ومهاراته، على العكس تماما من أسلوب التشجيع، وإشاعة ثقافة الأمل بين النشء الجديد، حيث يكون المجتمع هو المستفيد الأول من هذا الأسلوب التربوي الذي يهدف الى دفع الطفل الى إظهار مواهبه وطاقاته دونما تردد، من خلال زرع السلوك التلقائي في شخصيته بعد توفير القواعد الفكرية والعملية التي تساعد على رفد شخصية الفرد بالأمل المنتِج.

يقول أصحاب الشأن، أن هنالك مقومات معينة تساعد على أن يكون المجتمع متفائل منتج صبور ويتحلى بالإصرار على التفوق، ويؤكد العلماء المختصون، أن بناء الطفل من بداية حياته على أسس سليمة سوف يساعد على بناء شخصية متفائلة منتجة في وقت واحد، وتكون الحاضنة الأولى للطفل مسؤولة على نحو مباشر في تشكيل شخصيته، وجعلها منتجة متفاعلة او العكس، ونعني بها العائلة، إذ يتابع الطفل طريقة التعامل العائلي معه وهو يفهم المشاعر والحركات والكلمات التي يشعرها ويراها ويسمعها من الأب والأم والآخرين، وعلى ضوء ذلك يمكن أن يكون مضطربا قلقا، او مطمئنا منسجما، فالجو العائلي الذي تصنعه العائلة يمثل بيئة أولى لصناعة شخصية الإنسان، لذا ينبغي أن يحرص الأبوان على زرع الأمل في كيان الطفل منذ بواكير حياته، وجعل نشأته تلقائية بعيدة عن التعقيد والتزييف والكذب، علما أن مرحلة الطفولة هي المرحلة الأساس التي تتشكل فيها شخصية الإنسان.

الكشف عن الذات أولا

وقد (أثبتت الدراسات والأبحاث العلمية أن مرحلة الطفولة المبكرة في حياة الطفل تشكل الملامح الأساسية لشخصيته، وترسم الخطوط العريضة لما سيكون عليه مستقبله، ففي هذه المرحلة يحاول اكتشاف كل ما حوله ويتعرف على البيئة المحيطة به ويفحص كل شيء تقع عليه عيناه عن طريق قاموس مدركاته)، وهو في هذه المرحلة يختزن الحركات والأصوات ويركز على تفاصيل الأفعال التي تبدر من الأب أو الأمر ويتأثر بها بصورة مباشرة.

وقد تخصص كثير من العلماء في الكشف عن ذات الإنسان بدءا من الطفولة صعودا الى المراحل الأكبر، إذ يقول أحد الخبراء المعنيين بتربية الطفل (إن الاضطرابات النفسية التي يتعرض لها الأطفال مصدرها الأساسي الظروف والبيئة المحيطة، فالطفل الذي لا يجد البيئة التي تشبع له احتياجاته ويشعر بأنه غير مرغوب فيه، يصبح سيئ التوافق مضطربا نفسياً، أما الطفل الذي يجد الحب والحنان من والديه فيشعر بالسعادة والطمأنينة والرضا، لأن الطفل بطبيعته يستطيع أن يلمس هذا الحب في بسمة سعيدة أو فى نظرة حب تشعره بدفء الحياة وجمالها)، فالأمل يمكن ينبغي أن يكون العمود الأساس الذي يرتكز عليه بناء شخصية الطفل، حتى يغادر الناس اليأس، ويتطلعون الى مراحل البناء الأفضل.

وفي هذا الشأن يركز العلماء على هذه النقطة المهمة ويعدونها حجر الزاوية في هذا المجال، إذ أن إشاعة ثقافة الأمل بين الأطفال وتشجيعهم وعدم كبح تطلعاتهم وأحلامهم، سوف تساعد على بناء شخصية متوازنة، وهي تشكل رصدا مهما للبناء المجتمعي السليم، لهذا مطلوب من المحيط العائلي أولا أن يوفر الأمان والشعور بالسعادة والاستقرار للطفل، ثم مساعدته على إطلاق قدراته، وينبغي من العائلة والمحيط المدرسي ومحيط العمل، تجنب أسلوب الكبح والردع غير المبرر، لأنه يسهم بخلق شخصية منكفئة مستسلمة مقيّدة لا يمكنها إطلاق قدراتها ولا مواهبها ولا إمكانياتها التي غالبا ما تبقى حبيسة في أعماق الطفل/ الإنسان، لأنه لم يلق التشجيع ولا الإطراء ولا الأمل من العائلة او المدرسة او محيط العمل، وفي حالة كهذه يكون الإنسان مكبلا بقيود روتينية مهيمنة تؤدي به الى الانسلاخ من الواقع والارتماء في أحضان الأمل الكاذب، فنحن لا نريد أملا بلا عمل أو بلا تخطيط، وما نبتغي الوصول إليه أملا صادقا قائما على حقائق مثبتة، حتى يصبح الطفل الإنسان مؤمنا بحياته وشغوفا بالحاضر والمستقبل0

بناء شعب صبور واعٍ

لذلك من غير الممكن للأمم المتطلعة الى التفوق والاستقرار، أن تترك شخصيته الإنسان كيفما اتفق، وفي هذه الحالة قد تتشكل شخصيته في ضوء ثقافة الكبح والقمع والمنع والتكميم، وهي ثقافة يمكن ملاحظتها في مجتمعنا العراقي، حيث يتصور ولي الأمر أنه يربي ابنه عندما يتم ردعه حتى لو تم ذلك بأسلوب عفوي، لكنه في جميع الأحوال يعيق الطفل عن إظهار مواهبه وقدراته، ويستمر هذا النمط من السلوك حتى مراحل متقدمة من عمر الإنسان بسبب افتقاده لمشاعر الحب والتشجيع والاطمئنان في العائلة أو سواها، لهذا ينبغي أن يكون هنالك حرص كبير ومنتظم ومدروس لزرع الأمل في شخصية الطفل صعودا الى الفئات الأعلى، فالمطلوب هو بناء شعب متطور صبور واع وقوي مسلح بالأمل وقادر على مواصلة مشوار الحياة بتميز وتفرد والمضي دائما الى أمام.

يقول احد المختصين في هذا الجانب (إن الطفل بحاجة إلى الشعور بالاطمئنان والأمان والهدوء النفسي داخل أسرته فهي التي تحميه من أى مخاوف أو متاعب يشعر بها والطفل حين ينظر إلى والديه يقتدي بهما وعلى خطواتهما يسير ومنهما يتعلم الحب والخير والحنو والصدق والالتزام. فالطفل يقارن بين ما يقال وبين السلوك الحقيقي فإذا وجد تناقضاً بين ما يقال له وما يتم عمله بالفعل يصاب بالتمزق والاضطراب النفسي ويفقد القدرة على التوازن والتمييز وفى النهاية لابد أن يدرك الوالدان هذه الحقيقة ويكونا مثالاً لكل الصفات الجميلة والطيبة حتى يشب الطفل على ذلك).

وهكذا يتضح بأننا نحتاج كمجتمع يتطلع الى حياة أفضل، أن نشيع ثقافة الأمل بين أطفالنا وشبابنا، وأن يكون التشجيع جزاءً من سلوكنا اليومي مع الآخرين، وأن يحضر الإطراء دائما فيما يتعلق بما يقوم به أطفالنا من فعاليات مختلفة، أما إذا احتاج الأمر الى التصحيح، فيجب أن يتم ذلك بألفاظ هادئة ومتوازنة لا تحجّم من مواهب الطفل، ولا تجعله يتجنب الإفصاح عن قدراته ومواهبه، وحين تسود ثقافة الأمل والتشجيع، سوف تسود علاقات متوازنة بين الجميع تساعد على إظهار المواهب دونما تردد او خوف أو تراجع، وهو امر يصب بالنتيجة، في مسار بناء المجتمع السليم التطور القائم على مواكبة العصر وما يستجد فيه من تطورات ينبغي مسايرتها ومعرفة الكيفية التي تستدعي التعاطي الصحيح معها.

اضف تعليق