q

أصبح المشهد السياسي في الجزائر أكثر غموضا، بسبب استمرار الخلافات والصراعات الداخلية وتنامي الشائعات عن حرب مستعرة بين أقطاب النظام، كما نقلت بعض المصادر لتحديد مرشح خليفة لرئيس البلاد، عبد العزيز بوتفليقة، المريض، والذي تنتهي ولايته الرئاسية الرابعة في مايو/أيار 2019، هذه الصراعات اصبحت اليوم مصدر قلق داخل الجزائر، خصوصا بعد ان ازدادت المطالب بإقالة الرئيس بوتفليقة العاجز عن ادارة الحكم بسبب ظروفه الصحية. من قبل بعض الجهات والاطراف المعارضة، ومنهم وزير التجارة الأسبق، نور الدين بوكروح، الذي قد يواجه متاعب في الأيام القريبة قد تصل إلى حد مثوله أمام القضاء، بسبب ما قاله في مقاله الأخير، إن الجيش الجزائري تحول إلى جيش الرئيس ووزير الدفاع الذي غير الدستور عدة مرات ليخيطه على مقاسه بل وليلتصق بجلده كما بعض ملابس الرياضيين والفنانين.

كما اتهم بوكروح، العسكريين الذين شغلوا مناصبا عليا في القيادة قبل ذهابهم إلى التقاعد، بتسليم الوطن لجهلة وناهبين، بعد أن كونوا هم أيضا ثرواتهم ومساراتهم المهنية خلال عقود من الحيل وسيلان دم الجزائريين. ووصفهم بأنهم هم الجبناء وليس المواطنين اللذين جعلتم منهم أناسا مسلمين مكتفين، وتأملون منهم اليوم أن يثوروا لينتقموا لكم لسقوطكم، وما أسقطتكم حرب بل سقطتم لأنكم وجدتم جحا أمكر منكم. وهو ما يرفضه انصار بوتفليقة الذين اكدوا، أن رئيس الجمهورية وهو خط الأمان وأساس الاستقرار في البلاد، وفيما يخص اخر تطورات المشهد السياسي في هذا البلد الذي يعاني ايضا من ازمات ومشكلات اقتصادية واجتماعية متفاقمة، فقد ارتفعت الأصوات في الجزائر مطالبة الدولة بتفعيل بنود الماد 102 من الدستور الجزائري، بسبب عدم قدرة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على القيام بالمهام المنوطة به كرئيس للبلاد.

وتقول المادة 102 :1 "إذا استحال على رئيس الجمهوريّة أن يمارس مهامه بسبب مرض خطير ومزمن، يجتمع المجلس الدّستوريّ وجوبا، وبعد أن يتثبّت من حقيقة هذا المانع بكلّ الوسائل الملائمة، يقترح بالإجماع على البرلمان التّصريح بثبوت المانع‮. ‬ ويُعلِن البرلمان، المنعقد بغرفتيه المجتمعتين معا، ثبوت المانع لرئيس الجمهوريّة بأغلبيّة ثلثي ‮(2/3) ‬أعضائه، ويكلّف بتولّي رئاسة الدّولة بالنّيابة مدّة أقصاها خمسة وأربعون (45) يوما رئيس مجلس الأمّة الّذي يمارس صلاحيّاته مع مراعاة أحكام المادّة‮ ‬ 104‮ ‬من الدّستور"‮.‬

وفي حالة استمرار المانع بعد انقضاء خمسة وأربعين (45) يوما، "يُعلَن الشّغور بالاستقالة وجوبا حسب الإجراء المنصوص عليه في الفقرتين السّابقتين وطبقا لأحكام الفقرات الآتية من هذه المادّة‮".‬ وفي حالة استقالة رئيس الجمهوريّة أو وفاته، يجتمع المجلس الدّستوريّ وجوبا ويُثبِت الشّغور النّهائيّ لرئاسة الجمهوريّة‮.‬ وتُبلّغ فورا شهادة التّصريح بالشّغور النّهائيّ إلى البرلمان الّذي يجتمع وجوبا‮.‬ وحسب المادة، يتولّى رئيس مجلس الأمّة مهام رئيس الدّولة لمدّة أقصاها تسعون (90) يوما، تنظّم خلالها ‮ ‬انتخابات رئاسيّة‮.‬

إقالة الرئيس

من جانب اخر وفي مقال نشرته صحيفة "الوطن" الناطقة بالفرنسية، طالب علماء الاجتماع محمد هناد وعيسى قادري ورتيبة حاج موسى والمؤرخ دحو جربال والكاتب مصطفى بن فوليد والصحافي شريف رزقي ب"انتخابات رئاسية مبكرة في الأشهر المقبلة". وقال موقعو المقال إن "الوضع الصحي للرئيس في تدهور مستمر. والدليل على ذلك إنه لم يعد يمارس مهامه الدستورية بشكل فعال ومتواصل وشفاف"، فهو "لم يعد قادرا على استقبال نظرائه الأجانب بشكل لائق كما أنه لا يقوم بأي رحلات رسمية خارج البلاد".

وقال معدو المقال إن "المقربين من الرئيس" يؤكدون باستمرار إنه "لا يزال يتمتع بكل القدرات لممارسة الحكم (حتى إلى ما بعد 2019!)"، في إشارة إلى نية الرئيس المعلنة بالترشح لولاية خامسة، "إلا أننا لم نعد نرى أو نسمع الرئيس أبدا تقريبا". وكانت عريضة على الإنترنت دعت قبلا المجلس الدستوري الى "التثبّت من المانع" الذي يحول دون أداء الرئيس مهامه بسبب ظروفه الصحية، كما ينص على ذلك الفصل 102 من الدستور. كما انطلقت في أواخر آب/أغسطس الماضي حملة في هذا الصدد تصدرها حزب "الجيل الجديد" المعارض.

ويرى بعض المحللين أن بوتفليقة يعاني من الوهن بسبب تقدمه في السن وعواقب الجلطة لكنه لا يزال يتمتع بقدراته العقلية ويواصل ممارسة الحكم. وأعيد إطلاق الجدل حول "الشغور" في السلطة في آب/اغسطس إثر اقالة رئيس الوزراء عبد المجيد تبون بعد تعيينه قبل ثلاثة أشهر فقط، في ما اعتبره بعض المعارضين محاولة من "جهة ما" لاستغلال "ضعف" رئيس الدولة. إلا أن عودة الجدل ولو أنها لا تزال خافتة أثارت امتعاض رئيسي مجلسي الشعب والأمة اللذين تدخلا الاثنين للدفاع عن الرئيس عند استئناف جلسات البرلمان.

وحذر رئيس المجلس الشعبي الوطني سعيد بوحجة من أن إقالة الرئيس ستكون بمثابة "قفزة نحو المجهول". وشدد رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صلاح على أن "الرئيس بصحة جيدة ويؤدي مهامه الدستورية بشكل عادي". وصرح جلالي سفيان رئيس حزب الجيل الجديد الذي خاض حملة ضد ترشح الرئيس لولاية رابعة، في مقابلة مع موقع "كل شيء عن الجزائر" (تي اس اه) الإخباري أن رئيسي مجلس الشعب والأمة "منافقان"، مضيفا "نريد رؤية الرئيس... ولن نصدق إلا ما سنراه".

وقال أحمد آدمي مسؤول الاتصالات في حزب طلائع الحريات بزعامة علي بنفليس رئيس الوزراء الأسبق للموقع نفسه "إذا كان الرئيس فعلا بصحة جيدة كما يقولون فليدل بكلمة لمدة خمس دقائق أمام شعبه". وبعد أن كان بوتفليقة الذي يبلغ من العمر 80 عاما، يتمتع بنشاط مفرط عند انتخابه للمرة الأولى في العام 1999، أصيب في العام 2013 بجلطة دماغية أثرت على قدرته في النطق والحركة. بحسب فرانس برس.

وتدور تكهنات عدة حول وضعه الصحي، إلا أنها لم تحل دون إعادة انتخابه لولاية رئاسية رابعة في 2014 ليصبح الرئيس الذي يشغل منصبه لأطول مدة في تاريخ البلاد. وظهر بوتفليقة المتواري عن الأنظار منذ مطلع العام، لعشرات الثواني على التلفزيون الرسمي خلال جلسة لمجلس الوزراء. وبدا جامد الوجه وهو يقلب ببطء ملفا بحضور أعضاء الحكومة الجديدة وثم وهو جالس بين الوزراء الواقفين لالتقاط "الصورة الجماعية" التقليدية. وفي شباط/فبراير، اضطرت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل إلى إرجاء زيارة إلى الجزائر في اللحظة الأخيرة. وقدر مراقبون مؤخرا أن الرئيس الفرنسي الجديد إيمانويل ماكرون لم يقم بعد بزيارته المرتقبة إلى الجزائر لأن نظيره غير قادر على استقباله.

الجيش الجزائري

الى جانب ذلك تصاعدت في الجزائر مؤخراً أصوات تطالب المؤسسة العسكرية بالتدخل لتفعيل أحد مواد الدستور والتي تقضي بإزاحة الرئيس من منصبه حال تعذر قيامه بأداء مهام وظيفته وإعلان منصب الرئيس شاغراً والدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة، حيث يفترض أن تعقد انتخابات الرئاسة في عام 2019. يأتي ذلك على خلفية الحديث عن تدهور الحالة الصحية للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الذي يحكم الجزائر منذ العام 1999. وطالب سياسيون جزائريون الجيش بتطبيق المادة 102 من الدستور التي تنص على تنظيم انتخابات مبكرة بسبب عجز الرئيس أو وفاته.

لكن المؤسسة العسكرية لم تترك الأمر يمر دون رد منها، وبسرعة نشرت مجلة "الجيش" الأسبوعية الناطقة باسم القوات المسلحة الجزائرية افتتاحية أكدت فيها على التزام الجيش بالشرعية. رفضت أغلب المعارضة الجزائرية فكرة استمرار بوتفليقة في الحكم حتى انتهاء ولايته في 2019، ومنهم رئيس حزب "جيل جديد" جيلالي سفيان الذي قال إن الرئيس لم يعد في مستوى التحديات التي تواجهها الجزائر وأن الرجل مريض تماماً وغير قادر على حمل ثقل المسؤولية وقراره بالبقاء ليس موقف رجل مسؤول.

نور الدين بوكروح رئيس حزب التجديد الجزائري سابقا ووزير التجارة في بداية عهد بوتفليقة، وأحد قادة المطالبين بإقالة بوتفليقة اعتبر أن رد مؤسسة الجيش الجزائري اختصه بالهجوم بل وبالتهديد خاصة أنه أحد أبرز الداعين لإقالة بوتفليقة ما دعاه لنشر رد مطول على صفحته بموقع فيسبوك: هؤلاء يعارضون اقالة بوتفليقة، تزعم المدافعين عن بقاء بوتفليقة في منصبه رئيس الوزراء أحمد أويحيى، ورئيس البرلمان السعيد بوحجة، ورئيس مجلس الأمة عبدالقادر بن صالح، والأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطنى جمال ولد عباس، معتبرين أن دعوات إجراء انتخابات رئاسية مبكرة تتجاوز الأخلاقيات السياسية وتتجاهل المنطق الدستورى، فيما قال ولد عباس، الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم إن "بوتفليقة يستمد قوته من الشعب وليس من الصالونات". بحسب فرانس برس.

الرد السريع والقاطع من المؤسسة العسكرية الجزائرية جاء ليؤكد على استمرار التوافق بين المؤسستين (الجيش والرئاسة) نافياً بذلك ما يقال عن وجود صراعات بين أجنحة الحكم في الجزائر، لكن في خلفية المشهد وقائع قد يفسرها البعض بخلاف ما تبدو للعيان. فلا زالت إقالة او استقالة أمين عام حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم عمار سعداني (67 عاما) في اكتوبر من العام الماضي من منصبه بدعوى "الظروف الصحية" وتعيين الوزير السابق جمال ولد عباس خلفا له (82 عاما وأكبر أعصاء المكتب السياسي سناَ) تلقي بظلالها على المشهد حالة الضبابية في المشهد السياسي مع ضعف الاحزاب السياسية والتكهنات بوجود صراعات خفية بين اجنحة الحكم تدفع بالبعض للواجهة وتزيح آخرين من المشهد مع وجود رئيس مريض ـ أصيب بجلطة دماغية في عام 2013- وحديث عن دائرة ضيقة تتخذ القرار نيابة عنه وتسيطر على مفاصل الدولة دعت عدداً من الكتاب والمحللين السياسيين للتحذير من وضع اجتماعي وسياسي قابل للانفجار في أي لحظة خاصة مع غياب سيناريو واضح لفترة "ما بعد بوتفليقة".

ما بعد بوتفليقة

على صعيد متصل تتعدد أسماء المرشحين لخلافة الرئيس الجزائري، لكن أكثر الأسماء بروزاً هو السعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس الذي يتردد اسمه كثيراَ في الأوساط السياسية على أنه الحاكم الفعلي للجزائر. وفي مقابلة لــ DW عربية مع الدكتور اسماعيل معراف الخبير الجزائري في الشؤون الاستراتيجية وسؤاله عن رؤيته لجزائر ما بعد بوتفليقه قال إنه يبدو أن الغرب لا يمانع من تكرار سيناريو راؤول ـ كاسترو أيانتقال السلطة من الشقيق الأكبر إلى الشقيق الأصغر لكن حتى هذا الخيار يعد اختراقاً للقرار السيادي الجزائري وخصوصاً من فرنسا التي تجثم على الاقتصاد الجزائري"، مضيفاً أن لقاء الرئيس الفرنسي ماكرون مع القيادات الجزائرية في أكتوبر أو نوفمبر غالباً ما سيرسم في هذا اللقاء مستقبل جزائر ما بعد بوتفليقة

وأضاف أن الشارع الجزائري اليوم في غيبوبة ومنوم بشكل غير مسبوق لكن الحكومة الآن في أزمة اقتصادية خانقة وإذا ما تلاقت الأزمة الاقتصادية مع إقرار سيناريو ولاية الأخ الشقيق لمقاليد الحكم فقد يصطدم ذلك بالشارع الذي ربما قد ينتفض بعكس كل التوقعات كما حدث في الخامس من اكتوبر 1988 حيث انتفض الشعب بسبب تردي الاحوال الاقتصادية وانتشار البطالة والإقصاء السياسي والبيروقراطية.

لكن الصادق بوقطاية عضو المكتب السياسي لحزب جبهة التحرير الوطني الجزائري كان له رأي مختلف، فقال إن الحزب يرفض تماما ًمسالة المادة 102 من الدستور الجديد بزعم أن الرئيس بوتفليقة غير قادر صحياً على إدارة شئون الدولة مضيفاً أنها أطروحات واهية ويجانبها الصواب لأن الجزائر دولة ديمقراطية وبها تعددية سياسية ورئيس الجمهورية مدني انتخبه شعب الجزائر بإرادة حرة ويمارس مهامه بكل إرادة وعزيمة. وقال إن السيناريو الوحيد المطروح هو "أن يتم الرئيس فترة ولايته في عام 2019 وهنا على كل من يرى نفسه مؤهلا لقيادة هذا البلد العظيم أن يتقدم في هذا التاريخ ويرشح نفسه لمنصب الرئاسة ويقدم نفسه للشعب الجزائري المخول دون سواه بمنح السلطة لمن يشاء"

ويقول الدكتور معراف إن "فرنسا اليوم للأسف هي التي تتحكم في القرارات السياسية الجزائرية وعلى الرغم من أن شقيق الرئيس قد يبدو هو المتحكم فعلياً الآن في الأمور من خلف الستار لكن لا يمكنه أن يتصرف كما يحلو له لكنه يدير الأمور مع مجموعة من كبار الضباط الذين لديهم الكثير من الصفقات المتعلقة بالاقصاد الوطني ومتورطين في قضايا فساد كبيرة وبالتالي من مصلحة فرنسا بل وأمريكا أيضاً بقاء الوضع على ما هو عليه والمناسب تماما لمصالحهم".

فيما يقول بوقطاية إن قرار مثل هذا منوط فقط بالشعب الجزائري وليس أحد غيره مضيفاً أن الرئيس الجزائري يمارس مهامه الدستورية بكل إرادة وقوة وقد ترأس أول أمس اجتماع مجلس الوزراء واتخذ العديد من القرارات ووافق على خطة الحكومة التي ستطرح أمام البرلمان بغرفتيه الاثنين المقبل، وأضاف أن السيد "السعيد بوتفليقة" شقيق الرئيس الجزائري هو مستشار للرئيس فقط ولم يوقع في أي يوم من الأيام على أي قرار في أي مستوى من المستويات وهو لم يقل في يوم أنه مترشح لمنصب الرئاسة.

اضف تعليق