q

رغم ان العراق لم يكمل تحرير كامل اراضيه مع استمرار التهديد الارهابي، لمدن مهمة ومساحات شاسعة تنشط فيها الخلايا الارهابية، لكن اصواتا كثيرة ارتفعت مطالبة بالإسراع في طي صفحة الحشد الشعبي وانهاء وجوده لدواع مختلفة، فهناك من طالب بدمج (المنضبطين) منه في الاجهزة العسكرية والامنية والغاء وجوده الحالي كمؤسسة قتالية لها تشكيلها المستقل والموازي لعمل الجيش والقوات العسكرية والامنية الاخرى، وهناك من يدعو لحل الحشد وتوديع عناصره بكلمات الشكر والثناء بادعاء عدم الحاجة اليه بعدما انجز العراق تحرير ثمانين بالمائة من اراضيه التي سقطت تحت سيطرة داعش.

فيما يصر كثيرون على الاحتفاظ بجاهزية وقوة هيئة الحشد والاعتماد عليها في الواجبات العسكرية والامنية لاستمرار الضرورة الامنية ولان وجود مؤسسة الحشد اصبح مشرعنا بقوة القانون كما ان الوقائع برهنت على اهمية بقاء الحشد لفاعليته العسكرية والقتالية الكبيرة وللرصيد الشعبي والغطاء شرعي والقانوني، والاهم من ذلك ان الحشد برهن عمليا على قدرة العمل التطوعي وفاعلية الاندفاع الشعبي في مقابل مؤسسات حكومية كبيرة وضخمة تعاني كليا او جزئيا من الفساد وضعف الفاعلية وبطئ الحركة، وهي المسببات التي استوجبت ولادة الحشد استجابة لنداء المرجعية الشهير، غداة وصول ارتال داعش لتخوم بغداد.

المتخوفون من الحشد لهم دوافع سياسية وامنية وحسابات بعيدة المدى يتداخل فيها التحريض والتخويف ويهيمن فيها التفكير الطائفي والصراعات الاقليمية والحساسيات المذهبية والاصطفافات المحورية.

لقد صنف الحشد منذ اليوم الاول على انه (ميليشيات) يرتبط بعضها بإيران كونها ساهمت مساهمة كبيرة في تأسيس وتعزيز وتنمية بعض الفصائل (التي انضوت لاحقا تحت عنوان الحشد وكان وجودها سابقا لولادة الحشد بعد الفتوى الشهيرة ) ومدها بالدعم والمشورة والسلاح في سياق رؤية جيوسياسة عقائدية ترى ان الدول والانظمة التي اخترقتها تنظيمات التطرف والارهاب ستبقى هشة وضعيفة وقرارها السياسي والامني مرتهن بالمعادلات الداخلية المضطربة وبالاملاءات الاقليمية والدولية، وحسابات المحاور والمصالح، وبالتالي لن تنجح قوة في مواجهة التمدد الارهابي الا قوى شعبية عقائدية مندفعة بالوازع الديني والنداء الشرعي والتكوين الايديولوجي، الذي يرفض الحسابات والمعادلات السياسية ويعلنها صريحة في مواجهة القوى التي تسببت في ظهور جماعات الارهاب واتساع هيمنتها وظهورها في مناطق شاسعة.

ايران المتزعمة والداعمة لما يعرف بمحور المقاومة هذا، تواجه رفضا وتحالفا واسعا من قوى اقليمية ودولية عديدة تنظر بتوجس وريبة لكل تيار او فصيل يحمل السلاح ويقيم علاقات مودة وتعاون وارتباط بالجمهورية الاسلامية وبالذات مع قائد فيلقها المتجول اللواء قاسم سليماني، هناك مسعى حثيث للاطاحة بمنجزات هذا المحور في مواجهة الارهاب نكاية بايران ولتجريدها من اذرعها المتحركة من خلال مساواة افعال هذا المحور بأفعال منظمات الارهاب كالقاعدة وداعش والنصرة وتجريمه وشيطنته وتحميله مسؤولية التغول الارهابي على قاعدة التحريض المذهبي والانتماء الطائفي.

وفي واقع الامر ان من يخشى نجاحات هذا المحور يعزو مخاوفه الى احتمال تمكن القوى التي تحمل ايديولوجيته من ملء الفراغ الامني وانتزاع القرار السياسي أسوة بما حصل في لبنان واليمن وبالتالي فهناك ردود افعال محتملة دافعها الخوف من المستقبل القريب فضلا عن البعيد.

اما اللاعبون المحليون في العراق فمنهم من يبرر مواقفه من عدم انضباط البعض ممن استفاد من مظلة الحشد لتعزيز وجوده المسلح على حساب الدولة ومن احتمال عدم قدرة الدولة على حصر السلاح بيدها مما يؤدي الى تعدد مراكز القرار الامني وانفلات استخدام السلاح وانتشار مظاهر التسلح والفوضى وتشكل دويلات داخل الدولة، اضافة الى احتمال توظيف رصيد الحشد المعنوي لتحقيق حضور سياسي كبير في الانتخابات القادمة على حساب قوى تظن انها لازالت قوية وذات قاعدة شعبية كبيرة، مما يعزز من مساعي وطموحات بعض هذه الفصائل الساعية الى الفوز بمناصب مهمة ربما يكون منها منصب رئيس الوزراء.

اذن ثمة خصوم كثر للحشد محليين واقليميين ودوليين بعضهم يعلن ارائه وبعضهم يحجم عنها تاركا للإعلام مسؤولية نبش هذه الملفات وتحريك اخرى، متصيدا فعلا من هنا وتصريحا من هناك.

المدافعون عن الحشد من غير المنخرطين سياسيا وفكريا في مشروعه، يرونه (قصة نجاح ) ومشروع تضحية وايثار ومدرسة شعبية في تحمل مسؤولية الدفاع عن الوطن والشعب والمقدسات بالاضافة الى الدوافع الناشئة من حالة التقديس التي ترتبط بمقولات المرجعية والفتوى والشهادة وتضحيات وايثار عوائل الشهداء ويزيد هذا الفريق من حججه بنجاح فكرة تأطير الحشد قانونيا ومؤسساتيا لضبط سلاحه وتقييد حركته ليكون من مؤسسات الدولة المقننة والخاضعة لكل الاشتراطات والقوانين والتعليمات النافذة بما فيها المتعلق بالنشاط السياسي والطموح السلطوي.

لكن ذلك التفاؤل لايلغي مخاوف جدية على قرار الدولة السيادي وسياستها الخارجية ومواقفها العامة اذ ان البعض يجاهر علنا بان ولاءه خارج الحدود ومواقفه لاتمليها المصلحة الوطنية العراقية وحدها.

لدينا تقابل في وجهات النظر سيكون مادة دسمة للجدل السياسي والتصعيد الاعلامي كلما ضغطت القوى الاقليمية باتجاه تكريس حضورها ونفوذها في الساحة العراقية، بكل مايترتب على هذا التنافس والصراع من استحقاقات عملية ومرتبط بمدى قدرة واندفاع انصار المحورين في تعميق هذا التنافس والصراع.

يبقى الحشد اذن مادة للصراع السياسي في الايام القادمة وأحد القضايا التي ستأخذ حيزا كبيرا من التصعيد والاهتمام، كلما نجح العراق في استعادة المزيد من اراضيه، وكلما كان للحشد حضور مؤثر في العمليات القادمة وفي المشهد السياسي، سيما وان بعض فصائله لايريد ان ينضبط بسياسة الحكومة الحالية خاصة فيما يتعلق بالقتال خارج حدود العراق، وتسعى لمزاولة النشاط السياسي متأبطة البنادق مع علمها بمنافاة ذلك مع القانون، انها مساحة من الفعل والتجاذب والتنافر تحدد وجهة ومستقبل (دور الحشد) بل مستقبل العراق.

* ابراهيم العبادي كاتب صحفي، عضو ملتقى النبأ للحوار

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق