q
ثقافة وإعلام - صحافة

هل جيل الألفية كسالى؟

تصورات خاطئة عن نظرة أبناء جيل الألفية للعمل

جاسيكا هولاند-صحفية

 

انطبعت في أذهان الناس صورة نمطية عن أبناء جيل الألفية تحملك على الاعتقاد أنهم كسالى، وسريعو الغضب، ودائمو التنقل بين الوظائف. الصحفية جاسيكا هولاند تلقي الضوء على التصورات الخاطئة عن أبناء جيل الألفية.

إذا كتبت في محرك البحث غوغل "أبناء جيل الألفية"، ستجد أن كلمة "كسالى" ستظهر بين أول ثلاثة مقترحات تعرضها خاصية الإكمال التلقائي لكلمات البحث.

إذ أن الصورة الراسخة في أذهان الكثير من الناس عن أبناء جيل الألفية، الذين ولدوا في الفترة ما بين مطلع الثمانينيات وأواخر التسعينيات من القرن الماضي، هي أنهم سريعو الضجر، ويلهثون وراء إرضاء الذات الفوري، ويؤثرون التنقل من وظيفة إلى أخرى عن البقاء في شركة واحدة طوال حياتهم العملية. أي أنهم ليسوا الموظفين المثاليين.

ولكن دراسات موسعة أجريت في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة هذا العام أثبتت العكس. فقد اتضح أن أبناء جيل الألفية ليسوا أقل التزاما وإخلاصا في العمل من نظرائهم الأكبر سنا، عندما كانوا في نفس المرحلة العمرية، إن لم يكن أبناء جيل الألفية أكثر التزاما منهم. وفوق ذلك، تبين أن أبناء جيل الألفية لا يكافؤون على إخلاصهم للعمل.

ما الذي يدفعنا لرفض نصائح الآخرين؟

وصدر تقرير عن مؤسسة "ريزولوشن"، للأبحاث في بريطانيا في فبراير/شباط، جاء فيه أن واحدا فقط من بين كل 25 شخصا من أبناء جيل الألفية في المملكة المتحدة ينتقل من وظيفة لأخرى كل عام في منتصف مرحلة العشرينيات العمرية.

في حين أفاد التقرير أن أبناء الجيل السابق لجيل الألفية، أو الجيل الذي يعرف باسم "إكس"، ينزعون للتنقل بين الشركات أكثر من أبناء جيل الألفية في نفس المرحلة العمرية بنحو الضعف، لأنهم كانوا يحققون مزايا مالية أفضل.

ويقترن التنقل الوظيفي في المعتاد بزيادة في الراتب بنحو 15 في المئة مع كل تغيير للوظيفة، بالإضافة إلى ما يجنيه الموظف من فرص لتعلم مهارات جديدة، وتحديد نوعية المنشآت التي تناسب تطلعاته.

وفي الوقت نفسه، أشار تقرير المؤسسة إلى أن الزيادات في الرواتب التي كانت تمنحها الشركات للموظفين الذين يفضلون البقاء فيها لفترة طويلة تقلصت في الأونة الأخيرة وتكاد تكون منعدمة. وقد بات هذا الاتجاه لإلغاء الزيادات أكثر وضوحا، ليس في المملكة المتحدة فحسب، إنما في بلدان أخرى أيضا.

ونشر مركز "بيو" للأبحاث، وهو مؤسسة بحثية محايدة في العاصمة الأمريكية واشنطن، نتائج مشابهة، استنادا إلى بيانات وزارة العمل الأمريكية. وتوصل التقرير إلى أن الموظفين الأمريكيين في الفئة العمرية الممتدة من سن 18 إلى 35 عاما، ليسوا أقل حرصا على البقاء في شركة واحدة من نظرائهم الأكبر سنا من أبناء الجيل "إكس"، عندما كانوا في نفس المرحلة العمرية.

كيف تتميز عن الآخرين وتسوق مهاراتك؟

وأشار التقرير إلى أن سجلات إنجازات أبناء جيل الألفية، من بين الحاصلين على شهادات جامعية، لدى الشركات أطول من سجلات نظرائهم من أبناء الجيل الذي يسبقهم عندما كانوا في نفس المرحلة العمرية.

تقول لاورا غاردينر، من كبار المحللين السياسيين بمؤسسة "ريزولوشن"، وشاركت في إعداد تقرير عن تراجع معدل تنقل أبناء جيل الألفية بين الوظائف في المملكة المتحدة: "إن تأثير الأسباب الاقتصادية يبدو جليا للعيان. ومن المعروف أن الشباب أكثر تنقلا بين الوظائف من نظرائهم الأكبر سنا. وقد تراجع معدل التنقل الوظيفي في الآونة الأخيرة بين جميع الفئات العمرية، وإن كان قد تراجع بوتيرة أسرع بين الشباب".

وتضيف أن إحجام الشباب عن التنقل الوظيفي الأن "كان له أثر كبير على الرواتب التي يتقاضونها. فلأول مرة في التاريخ، يتقاضى الشباب الآن نفس الأجور التي كان يتقاضاها أبناء الجيل الذي يسبقهم في نفس المرحلة العمرية منذ 15 عاما مضى".

تغير الأزمان

لم يكشف هذان التقريران عن الأسباب الحقيقية لتراجع معدلات التنقل الوظيفي بين الشباب الآن. وذكر ريتشارد فراي، أحد كبار الباحثين في مركز بيو للأبحاث، في ملخص للبيانات كتبه على مدونة المركز أن هذا التراجع، "قد يكون بسبب قلة الفرص المتاحة أمام الشباب للحصول على وظيفة أفضل لدى شركة مختلفة"، على حد وصفه.

وأشارت غاردينر إلى أن الشباب ربما أصبحوا أقل جرأة على خوض المخاطر لأن هذا الجيل قد بلغ مرحلة الشباب في خضم الأزمة المالية العالمية. هذا بالإضافة إلى عوامل أخرى مثل انتشار عقود العمل التي لا تنص على حد أدنى لساعات العمل، وزيادة العمالة المؤقتة، والتحول الحاصل في بريطانيا من اقتصاد قائم على التصنيع إلى اقتصاد قائم على الخدمات.

وتقول: "كل هذا ساهم في تراجع الثقة، والقدرة على المساومة لدى الشباب".

المهارة التي استلهمها العالم من اليابانيين

وذكر باحثون في شركة ديلويت للخدمات المالية، التي تنشر استطلاعا سنويا لآراء أبناء جيل الألفية، أن الأوضاع السياسية والاجتماعية غير المستقرة في الدول المتقدمة في الوقت الراهن كشفت في الشهور الـ 12 الأخيرة فقط عن مدى تطلّع الشباب لتحقيق الأمان الوظيفي.

وأوضح استطلاع للرأي عام 2017، شارك فيه 8.000 شاب من جيل الألفية حول العالم، أن أبناء جيل الألفية في البلدان المتقدمة أصبحوا أقل استعدادا لترك وظائفهم في العامين المقبلين، وأكثر حرصا على البقاء في الوظيفة لخمس سنوات أو أكثر، مقارنة بالعام السابق.

وجاء في التقرير: "تشير البيانات المسجلة لدينا أن الأوضاع المتقلّبة ربما تزيد من رغبة أبناء جيل الألفية في تحقيق المزيد من الاستقرار."

وفي ضوء هذه الأوضاع، تضاءلت أعداد الوظائف المتاحة بعقود طويلة الأجل التي تنص على زيادات منتظمة في الرواتب، وارتفعت معدلات القلق والتوتر خشية تكرار الأزمة المالية العالمية، وزادت المخاوف من المستقبل. أضف إلى ذلك أن أبناء جيل الألفية بلغوا سنا يخططون فيه لشراء منزل، والزواج، وإنجاب الأبناء.

يقول غريتشين ليفينغستون من مركز بيو للأبحاث، إن نساء جيل الألفية أنجبن ما يزيد بقليل على ثمانية مواليد من بين كل عشرة مواليد في عام 2015. ولهذا ليس من المستغرب أن تهتم هذه المجموعة من الآباء والأمهات بالاستقرار المالي.

الرغبات والصور النمطية

وتشير الصور النمطية عن أبناء جيل الألفية إلى أنهم لا يهتمون بمؤشرات النجاح التقليدية. ولكن غاردينر تقول إن الرغبات الأساسية لتوفير ضروريات الاستقرار، وهي المنزل ومدخرات التقاعد، ومهنة كريمة، وعائلة، "تكاد لا تختلف على الإطلاق من جيل لآخر".

وتوافقها الرأي جينيفر ديل، إحدى كبار علماء الأبحاث بمركز "الريادة الخلاقة" بمدينة سان دييغو في ولاية كاليفورنيا، ومؤلفة كتاب "ما الذي يريده أبناء جيل الألفية من العمل"، وتقول: "لا أجد اختلافا في القيم الأساسية بين جيل وآخر، ربما يلجؤون لطرق مختلفة للتعبير عن القيم التي يتبنونها، ولكن أهدافهم في الحياة وفي العمل تكاد تكون متطابقة".

هل يمكن اكتساب "الكاريزما"؟

في ظل زيادة أسعار المنازل، وارتفاع تكاليف التعليم الجامعي في الكثير من البلدان، باتت هذه الأهداف بعيدة المنال لأبناء جيل الألفية. ولعل هذا عامل آخر يزيد من رغبة أبناء هذا الجيل في ترسيخ أقدامهم في شركة واحدة.

وفقا لاستطلاع للرأي عن أبناء جيل الألفية أجرته شركة ديلويت عام 2017، يفضل سبعة أفراد من بين كل عشرة من أبناء جيل الألفية الذي يعيشون في البلدان ذات الاقتصادات الناضجة، التي تتميز بتباطؤ النمو الاقتصادي، عقود العمل الدائمة في مقابل العمل المستقل، وعلل أغلبهم تفضيل العمل الدائم بالرغبة في تأمين "الأمان الوظيفي"، و"الدخل الثابت".

تقول ديل: "تغيرت نظرة الشباب للحياة منذ سبعينيات القرن الماضي، لتواكب التغيرات التي شهدها العالم". وتضيف أن إلقاء اللوم على الشباب ووصفهم بأنهم متهاونون في العمل "هو الصورة النمطية للشباب، وقد وُصف أبناء الجيل إكس السابق أيضا بالتواني والتقصير في بداية انخراطهم في سوق العمل".

وتشير الأدلة إلى أن البيئة القاسية بشكل غير مسبوق التي اضطر أبناء جيل الألفية للعمل فيها، هي التي تعيقهم عن تحقيق تطلعاتهم، وليس نظرتهم للعمل.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق