q

التطرف الديني هو من اكبر الازمات التي واجهها المجتمع العربي بصورة عامة والمجتمع العراقي بصورة خاصة حيث لا يمكن حصره بجهة معينة او فئة معينة ومنطقة معينة ومن الملاحظ للعيان ان المنتمون الى المجموعات الارهابية هم المتطرفين لكن التطرف يتمدد داخل فئات متعددة في المجتمع لا تكون ظاهرة للفرد ولا يمكن معرفتها ومن اين تنبع، حيث ان الكشف عن التطرف وجذوره الذي يتجلى بالعنف والارهاب ومعرفة اسبابه هو موضوع الساعة اليوم وهو من اشد الموضوعات خطورة، حيث ان ما ابتلت به الامة الاسلامية اليوم هو الغلو والعنف والتطرف وهو ما اشد ما ابتلت به على مر العصور والازمان والذي ابتلت به اهل الاهواء الذين زاغت قلوبهم الضعيفة عن الحق واتباعه حيث كانت النتيجة الحتمية لذلك هي وقوع الخلافات بين اهل الاهواء وشدة النزاعات والتناحرات حيث تفرقوا الى نزع متناحرة همها الوحيد هي ارغام خصمها على اعتناق ما اتت به من مذاهب فاسدة ومدمرة باي وسيلة كانت حتى وان كانت القتل والتدمير وابشع ما تتصورون فراحوا يفعلون ما يحلو لهم من الاجرام والتكفير فبدأوا يفجرون ويعيثون في الارض فساداً حيث يظهر فيهم التطرف افراداً وتفريداً وان قضية العنف والصراعات التي تؤدي الى هذه التحديات والكوارث ليس امراً نادر الحدوث لا يتوقع الفرد حدوثة ووقوعه في المجتمعات، بل ان التغيرات التي ظهرت على المجتمعات والصراعات الدامية والمنعطفات الكبرى كثيراً ما تقترن بأحداث وصراعات مدمرة ودامية بل تضرب بجذورها في اعماق التاريخ والناظر في اهل التطرف يجمعهم قاسم مشترك وتربط بينهم خصائص ويفرقون بأوصاف تكون مطردة فيهم. من خلال اجماعهم على ارتكاب افظع الجرائم باسم الدين، حيث ان التطرف وبواعثه ومشتقاته المتمثلة بالإرهاب والعنف لم يأت اعتباطاً ولم ينشأ جزافاً بل له اسبابه ودواعيه. ومعرفة هذه الاسباب غاية في الاهمية حيث ان معرفة الاسباب تحدد نوع العلاج فلا علاج الا بعد تشخيص ومعرفة السبب والاسباب فما اذن هذه الاسباب والبواعث التي ادت الى هذا الفكر الضال في المجتمع العراقي حصراً؟ ومن خلال ذلك سوف نتناول اولاً: مفاهيم الدراسة والتي تمثلت ب مفهوم التطرف، والدين، والتطرف الديني كونهما المفتاح الاساسي لدراستنا هذه وثانياً: الاثار الاجتماعية للتطرف الديني وثالثاً: مظاهر التطرف الديني، ورابعاً: قراء تحليلية للموضوع، واخيرا وليس اخراً تناولنا مجموعة من النتائج والتوصيات التي تخص الدراسة.

اولاً: مفاهيم الدراسة

مفهوم التطرف

هو اتخاذ الفرد موقفاً متشدداً يتسم في القطيعة في استجابة للمواقف الاجتماعية التي تهمه والموجودة في بيئته التي يعيش فيها هنا والآن، وقد يكون التطرف ايجابياً في القبول التام، او سلبياً في اتجاه الرفض التام، ويقع حد الاعتدال في منتصف المسافة بينهما(1).

يرتبط التطرف بالعديد من المصطلحات، منها الدوجماطيقية والتعصب. إن التطرف وفقاً للتعريفات العلمية يرتبط بالكلمة الانجليزية (Dogmatism)(2) اي الجمود العقائدي والانغلاق العقلي. والتطرف بهذا المعنى هو اسلوب مغلق للتفكير يتسم بعدم القدرة على تقبل اي معتقدات تختلف عن معتقدات الشخص او الجماعة او التسامح معها(3).

مفهوم الدين

هو نسق من الافكار والمعتقدات الغيبية التي تنظم علاقات بني الانسان بعظهم مع البعض الاخر وعلاقاتهم مع ما وراء الطبيعة. وهذا التنظيم الاجتماعي لا يقتصر على جماعية اجتماعية دون غيرها وان كانت من الجماعات الاجتماعية غير المتدينة او ملحدة او غير ذلك من السمات التي تشير الى انعدام وجود علاقة بين الانسان وما وراء الطبيعة. (4)

ويعرف الدين ايضاً على انه نسق منطقي من القيم الاجتماعية ينظم الحياة الاجتماعية على وفق الاسس التي ارادها الخالق لأفراد المجتمع المؤمن به. (5)

مفهوم التطرف الديني

التطرف الديني هو الظلام الأسود الذي يسود العالم اليوم، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا، والتطرف الديني موجود في كل الديانات، لكن بالذات في الديانات السماوية، وبالخصوص في المسيحية والإسلام. حيث يعني التطرف الديني أو التعصب، هو تعصب شخص أو جماعة لدين معين أو حتى لمذهب في دين معين. (6)

يتبنى التطرف الديني عدة اتجاهات ومن بين هذه الاتجاهات اي الاتجاه الاكثر تأثيراً هو التعصب اي التعصب للجماعة التي ينتمي اليها وهذه اهم ميزة للمتطرفين حيث ان التعصب يعني حالة من الكراهية تتسم بالجمود وعدم المرونة حيث يعبر صاحبه عنه بذلك وقد يكون في بعض الاحيان موجه الى جماعة بأكملها او فرد يمثل هذه الجماعة حيث ان المتطرفون هم الاكثر ميولاً الى تبني النظرة التعصبية اي التعصب هي اهم سمة من سمات المتطرفين حيث يعني ذلك الانحراف عن معيار العقلانية بكل ما تعنيه الكلمة اي التصرف ضمن اطار القوالب النمطية.

ثانياً: الاثار الاجتماعية للتطرف الديني

باعتبار ان التطرف حالة من الانغلاق العقلي والجمود الفكري وتعطيل القدرات الذهنية عن الابتكار وايجاد الحلول للمشكلات المتغيرة في عالم سريع التغير، حيث ان انتشار هذه الحالة مهدداً ليس لتطور المجتمع وتنميته فقط وانما لنقائه واستمراريته، ومن خلال كل ما لاحظناه من حالات يرثى لها لا بد ان ندرك ان التطرف الديني هو سبب ونتيجة في نفس الوقت للتخلف والركود الذي يراد للمجمع العراقي. وتتلخص اثار التطرف الخطيرة فيما يلي:-

1-التدهور في الانتاج، حيث ان اهم عنصر في قوى الانتاج هو الانسان الذي هو العامل الوحيد الذي لا بد لكي يطور انتاجه من ان تتطور قدراته العقلية بحيث يكون قادراً على الابداع والابتكار والتجديد، فإذا ما كان اسيرا لأفكار جامدة من خلال عجزه عن التفكير وإعمال العقل فسيجعله ذلك متمسكاً بالأساليب البالية العتيقة في الانتاج، وفي تنظيم العمليات الانتاجية.

2-ان التطرف دائماً يرتبط بالتعصب الاعمى والعنف المضاد، الذي يؤدي في النهاية الى صراعات مدمرة داخل المجتمع، من خلال ارتباطه بالتدهور الثقافي والفكري والعلمي والفني لأنه قتل للإنسان باعتباره كائناً مبدعاً، وايضاً يمثل التطرف دائماً حنيناً إلى الماضي والعودة إلى الوراء، أي أنه يكون دائماً ذا منحى رجعي أو محافظ على أحسن الأحوال، وبالتالي فإنه يجر العلاقات الاجتماعية إلى أوضاع بالية لا تلائم تقدم العصر(7).

3-وجود قوى خارجية مؤثرة بشكل مباشر وغير مباشر في حركة المجتمع العراقي وفي الوقت نفسه مدعمة للتطرف الديني ومتحالفة معه بشكل ظاهر او مستتر.

4-وجود قوى او جماعات اقتصادية واجتماعية محلية تدعم التنظيمات المتطرفة وتمولها للسيطرة على الاقتصاد العراقي كهدف رئيس يتم تحقيقه من خلال مؤسسات مالية تقف وراء تمويل هذه الجماعات ودعمها اقتصادياً.

5-وجود اهداف سياسية وراء الاهداف الدينية من قبل التنظيمات المتطرفة ولجوؤها إلى العنف لتحقيقها، وتردي الاحوال الاقتصادية والثقافية ومعاناة الجماهير من خلال استثراء القيم الفاسدة في المجتمع العراقي والافتقار الى مشروع قومي او هدف عام يمثل أملاً حقيقياً في مستقبل أفضل للناس(8).

ان الاثار الاجتماعية للتطرف الديني كثيرة ولا يمكن حصرها فهي تؤدي الى دمار المجتمع بأكمله والتي تتمثل بنشوء الافكار الضالة وظهور التناقض في حياة الناس وما يجدونه من مفارقات عجيبة بين ما يسمعون وما يشاهدون، من خلال ظهور التناقضات الكبيرة في ما يقرأه المرء وما يراه وما يتعلمه وما يعيشه وما يقال وما يعمل وما يدرس من خلال احداث اختلالاً كبيراً في التصورات وارتباكاً في الأفكار، والتي تؤدي الى تفكك المجتمع وعدم ترابطه، وعجزه عن التفكير في حلول مشكلاته وعن تطوير ذاته ويصبح مجتمعاً تابعاً ويفقد استقلاليته وتحديد مصيره ومستقبله.

ومن خلال استنزاف الطاقات البشرية كافة في الصراعات والعداءات من خلال عدم تكامل المجتمع. حيث اختلفت المنظورات الفكرية والتفسيرات الاجتماعية في تحديد العوامل المؤدية الى التطرف الديني في المجتمع العراقي فكلاً كان يبينها حسب فكرة معينة تتوالى له وحسب وضع معين يظهر امامه حيث ان اسباب التطرف كثيرة ومتعددة تظهر كالبركان لا يمكن السيطرة عليها فهي تبدأ بتدمير كل شيء يظهر امامها وان التخلص منها امر مرير جداً.

ان التطرف الديني ظاهرة مركبة ومعقدة واسبابها كثيرة ليس فقط التي ذكرناها فهي متداخلة مع بعضها البعض فمنها ما هو سياسي ومنها ما هو اجتماعي ومنها ما هو تربوي ومنها ما هو اقتصادي او نفسي والى اخره، حيث ان البعد عن شريعة الله سبحانه وتعالى هو سبب الضلالة والعمى والشقاء الذي نعاني منه الآن حيث ان البعد عن القواعد الدينية هو سبب للشقاء في شئون الحياة كلها حيث يتمثل الشقاء بالإرهاب والعنف والتطرف.

ثالثاً: مظاهر التطرف الديني

ان من اهم مظاهر التطرف الديني هي: -

1- سوء الفهم عن الدين والتعصب للرأي وعدم الاعتراف بالرأي الاخر وخاصة في الامور الاجتهادية فبسبب سوء الفهم هذا يجعل المتطرف الامور الاجتهادية اموراً مقطوعة ليس فيها إلا قولاً واحداً وهو قوله ورأيه ويرى المتطرف نفسه هو وحده على حق وما عداه على الضلال.

2- ومن دلائل التطرف هي التعصب للرأي تعصباً لا يعترف معه للأخرين بوجود وجمود الشخص على فهمه جموداً لا يسمح له برؤية واضحة لمصالح الخلق، حيث انه يجيز لنفسه ان يجتهد في اعوص المسائل وأغمض القضايا ويفتي فيها ما يلوح له من رأي. وافق فيه او خالف.

3- ومن أخطر مظاهر التطرف انتشاراً هي الفكر التكفيري في المجتمعات المسلمة حيث ان اصحاب هذا الفكر يسرفون في تضليل الناس وتكفيرهم ويستبيحون دمائهم واموالهم.

4- العنف في التعامل والخشونة في الأسلوب دون التعامل بالحسنى والحوار والاعتراف بالرأي الآخر. (9)

يتضح من خلال ما سبق ان للتطرف الديني مظاهر عدة يتسم بها ومن خلال تلك المظاهر تبين ان سوء الظن بالأخرين والنظرة التشاؤمية التي يتبناها المتطرفين هي من اهم سماتهم حيث ان هؤلاء المتطرفين لا يروا الاعمال الحسنة لهؤلاء الاشخاص ويقومون بتضخم سيئاتهم فالأصل من ذلك كله هو الاتهام والإدانة وقد يكون مصدر ذلك كله هو الثقة الزائدة بالنفس. التي تؤدي في مراحل لاحقة بالمتطرف الى ازدراء الغير. حيث يبلغ مداه حتى يسقط في عصمة الاخرين ويقوم بسلب اموالهم ويستبيح دماؤهم وهو في كل ثقة يدعى بانهم متهمون بالخروج عن الدين وهو الذي يعمل على ضياع الدين وانهياره بأفعاله الشنيعة تلك، حيث تصل دائرة التطرف مداها وامتدادها في حكم الأقلية على الأكثرية بالكفر والإلحاد، ومما نلاحظه في مجتمعاتنا العربية ومجتمعنا العراقي ان ظاهرة التطرف هذه ليست وليدة العصر بل هي متجددة ومتكررة حيث انها وقعت في مختلف العصور وفي كل الديانات السماوية، ومن مظاهر التطرف الاخرى التي تكون واضحة للعيان والتي نلاحظها كثيراً في الآونة الاخيرة هي العزلة عن المجتمع اي تكوين مجتمع خاص بهم من خلال تبني وظيفتين الاولى تجنب المتطرفون المنكرات التي تملأ جوانب المجتمع، وحمايتهم من ان يشاركوا في نهج الجالية والوظيفة الاخرى هي تكوين مجتمع خاص بهم تطبق فيه افكارهم السوداء ومعتقداهم المدمرة حيث تتسع دائرة هذا المجتمع شيئاً فشيئاً حتى تستطيع السيطرة على المجتمع بأكمله من الداخل والخارج، ومن خلال ما لا حضناه ان الوظيفتين امتزجت بين الدين والسياسة حيث كانت الوظيفة الاولى فكرية دينية والوظيفة الثانية سياسية حركية.

نستطيع جلياً رصد اغلب مظاهر التطرف أعلاه لدى الجماعات المتطرفة التي تحاول فرض معتقداتها على افراد المجتمع ادعاءً منها انها تقوم بحراسة الدين وتطبيق شرائعه حيث تعد هذه الحالة من اشد انواع التطرف وهذه هي الطامة الكبرى التي سيطرة على المجتمعات في الآونة الاخيرة هي القتل والتخريب من اجل حماية الدين من خلال تكفير فئة او مذهب او طائفة ومصادرة حق ابنائها في الحياة من خلال اطلاق فتاوي التكفير واهدار الدماء والقتل عليها، وانتشرت هذه الجماعات بكثرة في الدول العربية ومن ضمنها البلد المقصود اليوم بالدراسة هذه هو العراق.

رابعاً: اسباب التطرف الديني وبواعثه في المجتمع العراقي (قراءة تحليلية)

يتضح ان التطرف الديني ظاهرة عامة تصيب المجتمعات بأكملها اي انها تصيب كل الاديان في كل زمان ومكان الشرقية منها والغربية ... والتطرف الديني ليس وليد اليوم ولا حديث العهد وانما له جذوره التاريخية فهو موجود في كل الازمان التي مرت، حيث انه لا يمكن فهم التطرف إلا بفهم طبيعة التنظيمات الدينية التي هي مخاض لهذا الفكر، حيث تعمل هذه التنظيمات على فرض طريقة معينة في الحياة على اعضاءها تهدف الى النقاء الخلقي والروحي، وفي نفس الوقت الى الاحساس بالهوية والذاتية والتمايز.

وغالباً ما يتقبل أفرادها هذه الأوامر بدون مناقشة، لذا فأن التطرف كظاهرة هو نوع من القلق الزائد الذي يعاني منه المتطرف إما لفراغ فكري يشعر به او لنظرة تشاؤمية بداخله او طاعة عمياء لأحد القادة الدينيين، محاولة منهم وحسب تفكيرهم هو وضع حل لإعادة الإسلام الى مكانه في المجتمع الإسلامي، من خلال العنف الذي يعتبر احد وسائل التطرف حيث ان مظاهره واهدافه وغاياته وكل سبله واساليبه معروفة منذ الالاف السنين فهو يأتي بالأفكار نفسها والوسائل والأهداف نفسها، لتدمير الامة الاسلامية وتحطيمها وفقدها لهويتها وتاريخها ولكرامتها، حيث ان التطرف دائماً يرتبط بالتعصب الاعمى والانغلاق الفكري وعدم قبول الرأي الآخر حيث يؤدي به الى سلسلة غير منتهية من العنف الذي يؤدي في النهاية الى صراعات مدمرة داخل المجتمع العراقي .

ان التطرف الديني يؤدي الى عجز المجتمع في التفكير على حل مشكلاته وتطوير ذاته حتى يصبح مجتمعاً مضطرباً وغير مستقل، لذا يتطلب منا تطوير الثقافة الاسلامية والتطوير الحقيقي للتعليم وتشجيع النقاش والحوار والبعد عن الغلو في فهم النصوص الدينية والربط بين العطاء للمجتمع والعطاء للفرد.

حيث ان هذه العصابات التكفيرية(داعش) التي تأتي في كل زمن معين بالقاب معينة واليوم سيطرت علينا سيطرة تامة وبدأت تجتاح المجتمع بأكمله حيث فقد المجتمع العراقي سيطرته على تلك العصابات التي بدأت تنهمر كالبركان ملتهمه كل شيء امامها، مثل الظلام الأسود حيث لهم الأثر الكبير في تشويه صورة الإسلام أمام العالم حيث انها ظاهرة مركبة ومتشابهة الجوانب ومعقدة ومن ثم لا يمكن تشخيصها وعلاجها في إطار منظور واحد فقط مهما كانت اهميته، بل لا بد من مراعاة مختلف الجوانب معاً في إطار النظرة الشمولية المتكاملة.

لذا فأننا مطالبون بإيصال هذا الاسلام الى كل انحاء العالم بلين ورحمة، لقوله تعالى : ((وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين))، حيث ان الاسباب التي تؤدي الى التعصب الديني متعددة ومنها الانحراف عن معايير العدالة والعقلانية، فكثير منهم من يؤمنون بالدين بعيد عن تحكم العقل فهم يصرون على رأيهم ولا يزنون الآراء بميزان العدالة والعقلانية حيث ان من اهم ما يعترفون به هي اشكالية عدم تقبل الآخر والتي تجعل الشخص يرى الآخر على انه العدو او الخصم المخالف دائماً وهم يرون دائماً ويؤمنون قطعياً ان فئتهم هي الفئة الناجية من دون البشر اي الغاء كل شيء يؤدي الى الحوار بذلك من خلال تعطيل فعالية العقل، ومن خلال ما سبق نستنتج ان الفكر المتطرف شأنه شأن اي نسق معرفي، بمثابة ظاهرة اجتماعية تتأثر وتؤثر في غيرها من الظواهر، مرتبطة الى حد كبير بالظروف التاريخية والسياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها من ظروف يتعرض لها المجتمع بأكمله.

في ختام هذا التحليل الموجز لظاهرة التطرف الديني في المجتمع العراقي، يتضح لنا ان الكثير من البلدان العربية بصورة عامة ومجتمعنا العراقي بصورة خاصة لم تكتف بتهميش الجماعات الاسلامية وعدم الاكتراث منها بل عملت على الوقوف ضدها وتصدت لأربابها وعملت على حصر نشاطاتها وجمدت عطائها حتى في بعض البلدان التي تدعي الديمقراطية وحرية الرأي.

حيث ان هذه الامور إذا جاءت في صالح تيار اسلامي او جماعة اصلاحية سرعان ما يتحول الامر الى المنع والقمع والتصدي والتحدي حتى وان كانت الجماعة معتدلة ومتسامحة ومتنورة وهذا من شأنه ان يولد التيارات السرية والتوجهات المناهضة وردت الفعل الغاضبة التي لا تجد ما تصب فيه غضبها وتفرغ فيه شحنات عواطفها من خلال اللجوء الى صهوة الإرهاب.

وهذا ما نلاحظه في مجتمعنا العراقي والكثير من المجتمعات العربية التي اصبحت ضحية للإرهاب والتطرف بسبب كل هذه الممانعات والممارسات التي تأتي من الجهات الحكومية السياسية والاجتماعية التي تكون المنبع الاساسي التي تنبعث منه هذه الجماعات التكفيرية اي سوء التصرف والفهم الخاطئ والمصالح الشخصية هي التي باءت بالمجتمعات ودمرتها، وذلك ما تمثل واقعاً حياً مشاهداً في كثير من البلدان، حيث كلما اهمل ارباب المسئولية رعاياهم او قصروا مع شعوبهم او تشاغلوا عن محكوميتهم فذلك مفتاح الضياع وطريق المهالك ومتنفس الضلال (كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته) ومثل ما وضحت سابقاً ان الابتعاد عن حماية الشعب والتركيز على المصالح الدنيئة هي مركز الدمار والهلاك والضياع وهي التي ترمي بالأفراد الى التورط والانتماء لتلك المجموعات الارهابية وتسهيل المهمة عليها في تبسيط يدها وسيطرتها على الشعب بأكمله.

الاستنتاجات

1ـ تبين من خلال ما درسناه وجود قوى خارجية ومنظمات دولية مدعمة للتطرف الديني ومتحالفة معه بشكل ظاهر او مستتر والعمل على تمويل تلك الجماعات المتطرفة مادياً اي دعمها اقتصادياً حتى تقوي نفوذها في تدمير المجتمع والتأثير عليه بشكل سلبي من خلال العمل على تدمير الاقتصاد العراقي والسيطرة عليه سيطرة تامة.

2- تبين من خلال ما سبق ان ظاهرة التطرف الديني ظاهرة قديمة العهد وفي كل زمن تأتي بوضع معين حيث تأتي بدافع الاهداف الدينية وتوجد وراء تلك الاهداف الدينية اهداف سياسية من قبل التنظيمات المتطرفة ومن خلال لجوؤها الى العنف لتحقيقها.

3- ان لهذه الظاهرة اثر كبير في تردي الاوضاع والاحوال الاقتصادية والثقافية ومعاناة الجماهير واستثراء القيم الفاسدة في المجتمع العراقي من خلال الافتقار الى مشروع قومي او هدف عام يمثل أملاً حقيقياً في مستقبل افضل للناس.

التوصيات

1ـ ضبط الخطاب الديني والتوافق فيما بين المؤسسات الدينية على خطاب واضح ومعتدل ينبذ العنف، وينأ عن التطرف، ووضع ضوابط معينة لإعلاء المنبر كون المؤسسات الدينية هي من اهم عوامل الضبط التي تحمي المجتمعات من كل مخاطر ممكن ان تحدث حتى وان كان تأثيرها بدأ يتضاءل في الآونة الاخيرة فيجب احياء ضوابطها من جديد.

2-الترويج للتسامح الذي هو اساس السلم الأهلي من خلال قيام الدولة بتأمين التنوع من خلال ادارته من قبل التشريعات المناسبة وتحقيق مصالحة وطنية تحفظ حقوق جميع المواطنين وتأسيس مشروع وطني ويجب ان تكون الدولة على حياد بين فئات المجتمع (تقف على مسافة واحدة من الجميع) من خلال محاسبة ومعاقبة من يروج للتطرف والعنف من خلال القوانين والقضاء وتعزيز التواصل بين الحكومات المحلية والمواطنين.

3-توظيف الحملات التطوعية والتي يعمل بها المجتمع المدني ذلك ان الناشط المدني يحاول ان يفتح النوافذ على آفاق جديدة، من خلال التأكيد على الشراكات بين منظمات المجتمع المدني والاعلام وتطوير الأعلام الخلاق والمبتكر وذوي المحتوى المدروس، والعمل على كسب الاعلاميين لتبني خطاب وافكار المجتمع المدني وخاصة الاعلاميين المؤمنين بالقضية على ان تكون عملية التكاتف مع مواطنين يحملون روح التطوع.

4ــــــ صياغة البرامج التعليمية والثقافية الشبابية والذي يكون الهدف منها هو التركيز على ثقافة التعددية وتعزيزها والتنوع والتعايش السلمي بين اطياف المجتمع كافة، من خلال تنمية روح القيادة والثقة من خلال تشجيع الشباب على التطوع في خدمة المصلحة العامة والتركيز على فئة الشباب في هذه الامور كون الشباب هم الاكثر تأثيراً بعمليات التطرف الديني والعنف والارهاب، وكونهم هم الفئة المستهدفة دائماً من قبل حواضن التطرف والعمل على ابعادهم عن هذه الحواضن وبخاصة في الجوامع والمدارس والاماكن العامة وتوعيتهم وتحصينهم ضد عمليات التطرف هذه.

5ــــــــ ينبغي ايضاً الاهتمام بالنساء والتي يجب ان لا ننسى هذه الفئة من المجتمع، الناشطات في منظمات المجتمع المدني الخاصة بالمرأة لأن تلك المنظمات (وبعكس المؤسسات الحكومية) تستطيع الوصول بسهولة الى شرائح متعددة من النساء، وبالتالي سوف تنجح في إشراك النساء ومن مختلف البيئات والأعمار في ورش ودورات تثقيفية لمكافحة التطرف الفكري والعنف.

-------------------------------
المصادر
1ـ طه أحمد المستكاوي، العلاقة بين التطرف والاعتدال في الاتجاهات الدينية وبعض سمات الشخصية، رسالة ماجستير، غير منشورة، كلية الآداب، جامعة عين الشمس،1982.
2- ((Dogmatism كلمة يونانية الاصل تعني التعصب لفكرة معينة من قبل مجموعة دون قبول النقاش فيها او الاتيان بأي دليل ينقضها أي (الجمود العقائدي).
3- سمير نعيم احمد، المحددات الاقتصادية والاجتماعية للتطرف الديني، في كتاب (الدين في المجتمع العربي)، مركز دراسات الوحدة العربية، الجمعية العربية لعلم الاجتماع، بيروت، 1990.
4- محمد احمد بيومي، علم الاجتماع الديني، دار المعرفة الجامعية، الاسكندرية، ط2، 1985.
5ـ مجلة القادسية للعلوم الانسانية، المجلد 16، العدد 2، حزيران 2013،بحث د. صلاح كاظم جابر، دينية القيم الطائفية ودورها في اسطرة العقلية العراقية، كلية الآداب/ جامعة القادسية.
6ـ سلطان حميد الجسمي، التطرف الديني اسبابه وتداعياته، فبراير 2015. مقال منشور http://swtmowatn.com/news.php?sid=18&nid=730693
7- Saad Eldin, E., anatomy of Egypt Militants Islamic groups: international journal of Middle East studies, in 12N.4, 1980
8ــ د. طاهر محمد منصوري، الجلسة الاولى ظاهرة التطرف الديني والفكري في المجتمعات المسلمة وآثرها على الوحدة والتنمية- نقلاً عن د. يوسف القرضاوي، الصحوة الاسلامية بين الجهود والتطرف، الفصل الاول مظاهر التطرف.
9ــ محمد ياسر الخواجة، التطرف الديني ومظاهره الفكرية والسلوكية، مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والابحاث ، قسم الدين وقضايا المجتمع، الرباط ، المملكة المغربية.

اضف تعليق