q

هل تريد أن يسامحك الرب على إفراطك في معصيته؟ هل تبحث عن ثروة؟ عن حياة طيبة خالية من المشاكل؟.. أكتب أمانيك كلها، وانقطع إلى الله في ليالي القدر الثلاث أو في إحداهن، ومن ثم اطلب منه تحقيق ما تتمنى وحدد مصير القادم من حياتك، فإنها لليلة استثنائية تنعدم فيها المسافة بين الأرض والسماء.

نعم، إنها ليلة تحديد المصير، وليس من الحكمة أبداً أن يدخل الإنسان هذه الليلة ويخرج منها دون أن يحقق أي انجاز أخروي أو يستثمر ساعاتها بطلب المزيد من نعيم الدنيا. إنها فرصة وطبيعة الإنسان استغلال الفرص دائماً فلا تضيعها.

في العشر الأواخر من شهر رمضان، كان رسول الله (ص)، كما يروي علي بن أبي طالب (ع)، يطوي "فراشه ويشد مئزره" استعداداً لهذه الليالي التي لا ينبغي أن تمر مرور الكرام على أي إنسان مؤمن.

يحدثنا علي بن أبي طالب (ع) عن إجراءات أشد كان يأتي بها رسول الله من أجل إحياء هذه الليالي العظيمة، يقول: "كَانَ يُوقِظُ أَهْلَهُ لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وعِشْرِينَ، وكَانَ يَرُشُّ وُجُوهَ النِّيَامِ بِالْمَاءِ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ".

إذاً.. هي ليلة جديرة بالاهتمام حتى من قبل الأنبياء الذين نعرفهم نحن البشر كمخلوقات نورانية لا يخطئون ولا يقترفون ذنباً أبداً، ورغم ذلك يصر سيدهم محمد (ص) على إحياء هذه الليلة مع عائلته رغبةً بما فيها.

اليقظة في هذه الليلة تعني ألا تعيش لحظة الحرمان التي يجتهد كل إنسان بالهروب من الشعور بألمها، وهذا ما تبيّنه لنا سيدة نساء العالمين، فاطمة الزهراء (ع)، التي تقول: " مَحْرُومٌ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا" -أي ليلة القدر-، ولهذا كانت لا تدع أحداً من أهلها ينام تلك الليلة أسوة بأبيها، وفي الرواية أنها كانت "تداويهم بقلة الطعام وتتأهب لها -ليلة القدر- من النهار.

وانت تتلو قوله تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} ستعرف جيداً إنها ليلة إزاء عمرك كله جاءت لتمحو كل ما كتبناه من شقاء في ذاكرتنا الخفية التي لا يعرفها سوى الله وملائكته. ألف شهر يقابلها 83 عاماً، وهو المعدل الطبيعي لعمر أي إنسان، وكأن الله يريد أن يقول لها: "يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا.. لا تيأسوا.. إليكم هذا العرض الخاص قيام ليلة واحدة ثمنٌ لغفران ذنوب عشرات السنين".

ليلة واحدة، كفيلة بنسيان ألم الضمير وأذى النفس وهما يرددان على مسامعك كل لحظة ذات القائمة التي تضم أعداداً هائلة من الأخطاء التي لا تغتفر ولا يمكن نسيانها أو حتى إصلاحها من دون هذه الليلة.

الدعاء، نجم ساطعٌ هذه، إنه قارب النجاة لنا جميعاً، الحبل الذي يربطنا بالله ويمنحنها فرصة الشعور بقربه. في ليلة القدر ينبغي ألاّ نمل أبداً من ترديد ما نعرفه من الأدعية المأثورة وغيرها. ندعو لأقاربنا لأصدقائنا ولخلاص شعوبنا مما تمر به من مآسٍ باتت تهدم حياتنا وتهددنا بالزوال.

وإذا ما نال منك التعب أو الملل أو التكاسل وانت تطوي ساعات الليل متهجداً متبتلاً، فحاول أن تكون ذاكراً لربك داعياً إيها على أي هيئة تستسيغها او تحبها، فإن أجهدتك صلاة مئة ركعة وأنت قائم، حاول أن تؤدي ما تبقى منها وأنت جالس، وإن لم تستطع أيضاً فعلى فراشك، كما يفصل ذلك الإمام الصادق (ع) لأحد أصحابه، وكان يفترض في اسئلته عدم القدرة على قيام ليلة القدر وإحيائها، لكن الإمام كان يشدد عليه في كل إجاباته بضرورة إحياء هذه الليلة.

أخيراً.. سيزول تعبك وتزول آلامك كلها عندما تنظر إلى ليلة القدر وإحيائها من زاوية الربح والخسارة، فالعرض الإلهي السنوي مغرٍ جداً والرابح من استغل هذا العرض. من زاوية أخرى فأنا وأنت سجناء ذنوبنا وها قد جاءنا العفو والحرية بانتظارنا.

اضف تعليق