q

المشهد السياسي في فرنسا قد يشهد وبحسب بعض المراقبين، تطورات جديدة ومهمة في المستقبل القريب، حيث ترجح التقديرات كما نقلت بعض المصادر، فوز الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون برهانه الجريء القاضي بإحراز أكثرية نيابية بحزب بالكاد بلغ عامه الأول. وهو ما قد يمكنه من وضع برنامجه ووعوده الانتخابية موضع التنفيذ. ويتوقع استطلاعات الرأي أن يحصل حزب ماركون مع شريكه الحزب الديمقراطي الذي يرأسه وزير العدل فرنسوا بايرو، على الأغلبية، إلا أن التحديات ما تزال مستمرة بسبب الحملات الانتخابية وفضائح فساد التي طالت أحد أقرب المقربين إليه وهو ريشار فران، وزير التخطيط المحلي.

وتحوم حول الأخير الذي لعب دورًا رئيسيًا في إيصال ماكرون إلى قصر الإليزيه شبهات المحسوبية وسوء استخدام السلطة في عملية عقارية تمت في عام 2011 عندما كان يرأس مجموعة من شركات التأمين العاملة غرب فرنسا. وبينت استطلاعات الرأي أن أكثرية من الفرنسيين 52 % ترغب في أن يتخلى ماكرون عن الوزير فران الذي يشغل في الوقت عينه منصب أمين عام حزب الجمهورية إلى الأمام ، وتنسحب هذه الأكثرية على مناصري ماكرون والمنتسبين إلى حزبه الجديد بسب الخوف من أن تشوه فضائح فران صورة العهد الجديد ورغبته في إدخال الشفافية إلى العمل السياسي.

وبعد انتهاء هذه الانتخابات وفي حال فوز الحزب الجديد، يرى بعض المراقبين ان صورة فرنسا السياسية قد انقلبت رأسًا على عقب، والمنتظر أن تشهد الفترة التي تليها تغيرات جذرية، وخصوصًا انقسامات في الحزبين الرئيسيين اللذين تعاقبا على السلطة في فرنسا منذ إطلاق الجمهورية الخامسة قبل ستين عامًا، وهما الحزب الاشتراكي وحزب اليمين التقليدي المسمى حاليًا الجمهوريون.

ويتوقع المراقبون أن ينشق الحزب الاشتراكي إلى قسمين: جناحه اليساري الذي سيكون في المعارضة الراديكالية والمعتدل الذي سيحاول التقرب من العهد الجديد، كذلك يتوقع أن ينشق حزب الجمهوريون بين تيار براغماتي جاهز للتعامل مع ماكرون وآخر جذري معارض يمثل اليمين المتشدد الذي يمثله لوران فوكييز الساعي لترؤس الحزب بعد الانتخابات.

اكثرية برلمانية

وفي هذا الشأن ترجح التقديرات فوز الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون باكثرية نيابية. حيث تحرك ماكرون بسرعة منذ تنصيبه في 14 أيار/مايو، فالتقى المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل وافتتح مشاركته في القمم الدولية بمصافحة حازمة مع نظيره الاميركي دونالد ترامب وأدلى بتصريحات قاسية تجاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وبعد إعلان ترامب سحب بلاده من اتفاق باريس للمناخ، تصدر ماكرون الإدانات الاوروبية وحوّر شعار حملة ترامب في تغريدة نشرها بالانكليزية تقول "لنجعل كوكبنا عظيما مجددا".

ونفذ الرئيس الوسطي البالغ 39 عاما وعدا قطعه أثناء الحملة وهو تشكيل حكومة مختلطة من اليسار واليمين والوسط تتجاوز المحاور الحزبية. لكن نقطة واحدة عكرت انطلاقته وهي الجدل بشأن أحد وزرائه المعينين اخيرا، ريشار فيران الذي يدور حوله تحقيق بشأن صفقة عقارات. ومن المقرر تنظيم الانتخابات التشريعية في 11 و18 حزيران/يونيو، ويحتاج ماكرون الذي لم يتول أي منصب بالانتخاب قبل توليه الرئاسة الى اكثرية نيابية لتطبيق إصلاحاته الطموحة. وصدر استطلاع للرأي توقع توسيع ماكرون تقدمه استعدادا للانتخابات مع مواصلة الناخبين التخلي عن الاحزاب التقليدية لصالح حزبه الوسطي "الجمهورية الى الامام" الذي أسسه في نيسان/ابريل في إطار ترشحه للرئاسة.

وكشف الاستطلاع الذي أجرته ايبسوس ستيريا لصالح معهد سيفيبوف للابحاث وشمل حوالى 15 الف ناخب، حصول حزب ماكرون على 31% من نوايا التصويت في الدورة الاولى، مقابل 24% في اواخر نيسان/ابريل. وتلاه حزب "الجمهوريون" اليميني الذي لم يحرز أكثر من 22% بعدما كان يأمل في استعادة موقعه في الانتخابات التشريعية بعد خروج مرشحه الرئاسي فرنسوا فيون من الدورة الاولى في الرئاسيات. وبعيدا خلفهما حصل الحزب الاشتراكي برئاسة سلف ماكرون، فرنسوا هولاند، على نسبة 8,5% من نوايا التصويت.

اما حزب الجبهة الوطنية اليمين المتطرف الذي ترأسه منافسة ماكرون الخاسرة في الاستحقاق الرئاسي مارين لوبن فتراجع ثلاث نقاط وجمع 18%. وقال فريديريك دابي من معهد ايفوب لاستطلاعات الرأي ان ماكرون يستفيد من "تعاطف قوي جدا". وأوضح دابي "المفاجئ ان ماكرون في الصدارة في كل مكان، باستثناء انصار الجبهة الوطنية، وذلك يشمل اليمين حيث ينال 80% من الأصوات المؤيدة". بحسب فرانس برس.

وتوقع استطلاع آخر للرأي نشر الخميس شمل 1940 ناخبا وأجرته مؤسسة اوبينيون واي فوز حزب ماكرون بـ335 الى 355 مقعدا من اصل577 في الجمعية الوطنية (البرلمان)، متجاوزا بكثير اكثرية 289 التي يحتاجها الرئيس لتنفيذ مشروعه. وقال المحلل السياسي في معهد بولينغ فوكس لاستطلاعات الراي جيروم سانت ماري "اتوقع ان يحرز ماكرون أكثرية واضحة جدا"، مضيفا ان حزب الرئيس يستفيد من "غياب معارضة موحدة مع اربعة اجزاب سياسية متفاوتة الأحجام وشديدة الانقسام". ونجح ماكرون في احتذاب شخصيات بارزة من اليمين واليسار، كما اعرب بعض الممتنعين عن الانضمام اليه عن الاستعداد لدعم جزء من برنامجه على الاقل. وقال سانت ماري ان ماكرون "لبى ببراعة تطلعات الشعب الفرنسي الى حكومة وحدة".

تحقيقات جديدة

الى جانب ذلك فتح الادعاء العام الفرنسي تحقيقا في التعاملات المالية لرئيس حملة الرئيس إيمانويل ماكرون الانتخابية الناجحة مما يلقي الضوء من جديد على الفساد في عام الانتخابات المفعم بالأحداث. ويأتي التحقيق قبل أيام من الانتخابات البرلمانية التي يأمل ماكرون (39 عاما) أن يفوز فيها حزبه السياسي الجديد بالسيطرة على الجمعية الوطنية ليحكم قبضته على السلطة بعد انتخابه رئيسا في السابع من مايو أيار.

ويأتي كذلك بعد بضعة أسابيع فقط من الحملة الرئاسية التي أثيرت خلالها مزاعم بالفساد ضد اثنين من منافسي ماكرون وفي الوقت الذي تستعد فيه حكومة الرئيس الجديد لسن تشريع جديد لمحاربة الفساد. وقال المدعي العام في مدينة برست إنه قرر فتح التحقيق بعد نشر سلسلة من التقارير الإعلامية عن أعمال وتعاملات مالية يقوم بها ريشار فيران وزير التخطيط الإقليمي في حكومة ماكرون الجديدة وهو اشتراكي سابق أصبح واحدا من مؤيديه الأوائل.

ودعا الساسة المعارضون فيران لتقديم استقالته لكن المدعي العام إيريك ماتياس قد قرر مبدئيا عدم متابعة الأمر. لكنه قال إن تواتر المزيد من المعلومات عن طريق الأخبار المنشورة في الأيام القليلة الماضية يبرر تغيير موقفه. وتتركز هذه الأخبار على إدارة فيران لمجموعة تأمين صحي في بريتاني قبل ستة أعوام وبالتحديد قراره استئجار مقر إداري من زوجته.

والمسألة الأخرى هي تعيين ابنه لمدة أربعة أشهر كمساعد له يحصل على راتبه من أموال البرلمان. ونفى فيران ارتكاب أي مخالفات وتعيين أفراد الأسرة كمساعدين برلمانيين غير مجرم في فرنسا على عكس دول أخرى. وخرجت حملة السياسي المحافظ فرنسوا فيون الرئاسية عن مسارها بسبب مزاعم فساد وهو الآن قيد تحقيق رسمي ليس لأنه دفع أجورا لأفراد من أسرته من أموال عامة ولكن بسبب مزاعم عن أن زوجته بالتحديد لم تقم بعمل تستحق عليه ما تقاضته من أموال. بحسب رويترز.

ومن المقرر أن يحظر التشريع الجديد المقترح لتنظيم الممارسات السياسية على أعضاء البرلمان تعيين أفراد أسرهم. ويجري كذلك التحقيق مع مارين لو بان اليمينية المتطرفة التي خاضت سباق انتخابات الرئاسة فيما يتعلق بتعيين نشطاء من حزبها كمساعدين في البرلمان الأوروبي. ولم يتحدث ماكرون علنا عن المزاعم المحيطة بفيران لكن متحدثا من حكومته قال في وقت سابق إنه حث الوزراء على إظهار التضامن مع الرجل الذي رأس فريق حملته الانتخابية. وفي فرنسا لا يعني فتح تحقيق أولي أن المتهم مذنب ولكن للادعاء أن يبت، بعد هذا الإجراء الأولي، فيما إذا كان هناك أساس لفتح تحقيق شامل.

مراجعات دستورية

من جهة اخرى تعتزم الحكومة الفرنسية مراجعة الدستور وسن قوانين لإعادة الثقة بالعمل في القطاع العام وذلك في إطار مشروع تطبيق المبادئ الأخلاقية في الحياة السياسية. ويأتي ذلك بعد أن طالت قضية الوظائف الوهمية بعض رجال السياسة في فرنسا على غرار المرشح السابق للانتخابات الرئاسية فرانسوا فيون ووزير تماسك الأراضي ريشار فيران في حكومة الرئيس ماكرون.

في إطار مشروع تطبيق المبادئ الأخلاقية في الحياة السياسية الذي وعد به الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال حملته الانتخابية، تعتزم الحكومة الفرنسية منع الوزراء واالبرلمانيين من توظيف أفراد أسرهم، حسب ما أعلن وزير العدل فرانسوا بايرو. وصرح بايرو أن الحكومة تنوي "إعادة ثقة المواطنين بالعمل في القطاع العام" بفضل قانونين ومراجعة الدستور في وقت ألقت قضايا تتعلق ببعض المرشحين بظلالها على الحملة الأخيرة للانتخابات الرئاسية، وفتح تحقيق أولي بحق وزير.

وكانت شعبية مرشح اليمين فرنسوا فيون الذي كان الأوفر حظا في السباق إلى قصر الإليزيه الذي فاز به ماكرون في السابع من أيار/مايو، تراجعت بعد معلومات صحفية عن وظائف وهمية مفترضة لزوجته واثنين من أولاده كمساعدين برلمانيين. يذكر أن عادة توظيف أفراد الأسرة لم تكن محظورة حتى الآن في فرنسا. لكن شبهات الوظائف الوهمية ورواتب بمئات آلاف اليوروهات التي دفعت من الأموال العامة لطخت سمعة المرشح الذي اتهم في آذار/مارس بـ"اختلاس أموال عامة" و"سوء استخدام ممتلكات عامة". وزوجته متهمة أيضا في هذه القضية. بحسب فرانس برس.

معسكر ماكرون أيضا لم يسلم من الشبهات، فقد طالت قضية وظائف وهمية أحد وزرائه فيما يسعى الرئيس الجديد إلى تطبيق المبادئ الأخلاقية في الحياة السياسية. و أعلن القضاء الفرنسي فتح تحقيق أولي في ملف عقاري بحق ريشار فيران الوزير القريب من الرئيس ماكرون و كشفت الصحف أن شريكة فيران استفادت من عملية منح عقد إيجار لشركة تأمين في وقت كان هو مديرها العام بين 1998 و2012. وثمة جانب آخر في القضية يتصل بتوظيف الوزير ابنه لبضعة أشهر كمساعد برلماني. لكن الوزير نفى بشدة هذه الاتهامات ورفض الاستقالة.

اضف تعليق