q

وانا اضغط بسن قلمي هذا على الورق، هنالك روحٌ بريئة قد خُطفت لتودع الدنيا التي ربما كان فيها انسانٌ ناجحٌ وزوجٌ صالحٌ، ودّع الدنيا مع غصّة ألمٍ وآهاتٌ موجوعةٌ ودموعٌ ساخنةٌ ذرفها والداه، فالطريقة التي راح ضحيتها هذا الطفل تُفقد العقل توازنه وتزيد من توتر الأعصاب وتثير الأسى لاستهتار البعض بأرواح الناس، كانت ثمة طلقة طائشة خرجت من بندقية صاحبها الذي انفعلَ لمجريات مناسبة فرح، وتعبيراً عن سعادته اطلق عياراته النارية في الهواء غير آبهٍ بعواقبها الوخيمة في حال اخطأ التصويب، كخطئه حين قتل طفلا في الخامسة من عمره واصاب طفلين اخرين في محافظة ذي قار كما حدث مؤخرا .

إنها ظاهرة بدأت بالتزايد وربما يعود السبب لعدم وجود انضباط امني صارم وكذلك التهاون والضعف في تطبيق القوانين وتوفر الأسلحة غير المرخصة. ولخطورة هذه الظاهرة واستفحالها في الآونة الاخيرة أجرت (شبكة النبأ المعلوماتية) استطلاعا للرأي لمعرفة أصول هذه الظاهرة ومعرفة آراء الناس حولها ومن هو ضد او مع هذه الظاهرة.

كانت البداية مع الشيخ (مسلم الزبيدي) الذي قال: فعلا، انها ظاهرة سلبية بدأت بالتزايد مخلفة قتلى وجرحى لا ذنب لهم، والسؤال هنا ماذا يختلف هؤلاء عن الارهاب الداعشي؟. وهي قريبة ان تكون عمدا اكثر منها من دون قصد لان الشخص الذي يطلق العيارات النارية داخل منطقة سكنية يعلم انها ستقع على احد البيوت او الأشخاص ونسبة الضرر عالية، وقد ذكرهم الله في كتابه العزيز بقوله: (منْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ)(المائدة32). وهذه الآية تثبت أنهم قتلة ومسرفون ولذلك فقد حرّم بعض المراجع الدينيين هذه الظاهرة محملين مطلق الأعيرة النارية المسؤولية الشرعية لما يتسبب به من قتل الناس أو جرحهم. وأنا ضدها تماما .

إطلاق النار كوسيلة إعلام

في حين ان مدرس التاريخ (محمد عيسى) قال: إنها ظاهرة تنتشر في العالم العربي وترجع اصول هذا الفعل المسيء منذ دخول وانتشار الاسلحة في الوطن العربي فاستخدمت كوسيلة اعلام يقوم بها من يكون لديه مناسبة فرح او حزن يعلم بها قومه في الوقت الذي لم تكن فيه وسائل تواصل، وكانت بدايتها في المناطق البدوية ثم انتقلت الى الريف وبعدها الى المدن، وهي متوارثة الى يومنا هذا وفي العراق انتشرت هذه الظاهرة ابان الحكم الدكتاتوري عند الفئة المتنفذة في الدولة والعشائر البعيدة عن عيون السلطة وبنفس الوقت ممنوعة ومقيدة بقانون صارم يطبقه الجميع في المدن، لكنها بدأت بالانتشار بعد 2003 بسبب ضعف قوة الدولة بتطبيق القوانين، وطبعا انا ضدها.

الدكتور (فائق طعمة أخصائي امراض عصبية ونفسية) له رأي قال فيه: انا ضدها كونها ظاهرة سلبية وليس لها اصل شرعي او قانوني، وتكثر في الدول التي تعرضت للحروب فيكون الرجل قد شب على حمل السلاح ومحبٌ له، و نفسيا فأن أغلب مطلقي العيارات النارية يعانون من حالات مرضية يريدون لفت انظار الناس ويبينون شجاعتهم ليس إلاّ .

ام محمد (موظفة خدمة في مدرسةٍ ابتدائية) روت لنا قصتها بحزنٍ وألمٍ حين قالت: بسبب طلقة طائشة اطلقها جارنا بمناسبة زواج أخيه دخل اخي الأصغر في غيبوبة لمدة 20 يوما ليتوفى بعدها في احدى الصباحات المشؤومة واكثرها حزنا ورفض والدي التنازل عن القاتل وعشنا في دوامة من العذاب والمشاكل مع جيراننا الذين كانوا سابقا اهلنا ومحبين لنا لمدة سنتين، بعدها تم الصلح وتنازل والدي عنهم، انا ضد الاطلاقات النارية انها ترعبني كلما سمعتها تذكرت حادثة اخي رحمه الله.

بينما الشاب صالح حمد له رأي مختلف قال فيه: انا اعتبر الاطلاقات النارية وسيلة تعبير عن حزنٍ او فرحٍ وهي عادةٌ ورثناها من الاجداد والاباء فما المانع اذا كان حامل السلاح بالغ ومتمكن وحذر، فأنا مثلا أطلقت العيارات النارية في كثيرٍ من المناسبات منها (العراضة) وهو تعبير تضامن بين العشائر عندما يزور وفد عشائري لوجهاء عشيرة اخرى حين يكون لديهم مناسبة فرح او حزن ولم أسبب أي ضرر، رغم اننا نستخدم بهكذا مناسبات الاسلحة المتوسطة والخفيفة.

ما هو دور مجالس المحافظات؟؟

الطالبة (فاطمة علي في جامعة اهل البيت ع) قالت: أكيد أنا ضد الطلقة العمياء التي تقتل او تجرح كل من يكون امامها بدون سبب وتحول الافراح الى احزان والزغاريد الى صياح.

أما الشاب (مصطفى حسن خريج آداب انكليزي) قال: لقد اطلقت عيارا ناريا في مناسبة فوز المنتخب العراقي بكأس اسيا وكنت اجدها مسألة عادية وطريقة تعبير ممتعة لكن عندما سمعت بتحريمها من قبل المراجع الدينية اتخذتُ قرارا بأن لا أعيد الكرة مرة ثانية قط، وانا ضدها خصوصا ونحن نسمع بحالات الوفاة التي باتت تكثر في الآونة الاخيرة.

وقد اتخذت بعض مجالس المحافظات في العراق ومنها ميسان عدة اجراءات للحد من انتشار هذه الظاهرة الخطيرة كفرض عقوبة مالية على مطلقي العيارات النارية في المناسبات وعقوبات قانونية بالسجن عدة اشهر وكذلك ما قامت به اللجان الحكومية والبرلمانية المعنية بهذا الشأن منذ سنوات سابقة بتوقيع مواثيق مع شيوخ ووجهاء العشائر بمنع أفراد العشيرة وتبرئهم ممن يطلق النار في المناسبات، لكن تلك التوقيعات والقوانين لم توفق ولم تجدي أي نفع!!.

لذا نتمنى من الحكومة المتمثلة بالأجهزة الامنية في المحافظات بالرقابة واتخاذ الإجراءات المشددة بحق أي شخص يثبت تورطه بإطلاق العيارات النارية وعدم الخضوع للتأثيرات السياسية والعشائرية كذلك التكاتف لإظهار اضرار هذه الظاهرة من قبل مؤسسات المجتمع المدني والاعلام بوسائله (المرئية والسمعية) والسعي الحقيقي للحد من ظاهرة الاستهتار والاستهانة بأرواح الناس.

اضف تعليق