q

أن تقول رأيك كما تؤمن وترغب بلا ضغوط، تلك هي غاية لا مجال للتنازل عنها، فأي قبول بشروط قامعة تعد غير مرحَّب بها، فحرية التعبير، حق أساسي من حقوق الإنسان تقوم عليه جميع الحريات المدنية وهو حجر الزاوية في الديمقراطية، وقد أُسندت إلى اليونسكو مهمة حماية وتعزيز حرية التعبير، سواء بالوسائل الشبكية وغيرها، ويدعو ميثاق اليونسكو الدول الأعضاء إلى الارتقاء بتبادل المعارف والتفاهم فيما بين الشعوب، من خلال حرية تداول الأفكار عن طريق الكلمة والصورة، وهو ما يتيح فرصة مناسبة لتطوير حق حرية التعبير للعراقيين على نحو العموم.

وفي الأغلب الأعمّ يتشبث حاملو العقول الكبيرة بهذا الحق، ذلك أن حرية التعبير تشكا حقاً أساسياً من حقوق الإنسان، تنص عليه المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتماشياً مع الحريات الأخرى الملازمة لها من حرية المعلومات وحرية الصحافة، فإن حرية التعبير تسهم في الحصول على سائر الحقوق، لذلك فإن حقوق الإنسان تشمل الوسائل الشبكية وغير الشبكية على السواء، ومن ثم فإن اليونسكو ملتزمة بدراسة القضايا الخاصة بحرية التعبير، وحرمة الأمور الشخصية، والانتفاع بالمعلومات، والأبعاد الأخلاقية عبر الإنترنت، ومن خلال وسائل التواصل المتاحة عالمياً.

فالحرية في التعبير كما يجدها المهتمون إطارا قانونيا أخلاقيا لحماية الأفكار والآراء عن طريق الكلام أو الكتابة أو تقديم الأعمال الفنية من دون رقابة أو قيود حكومية، بشرط أن لا يمثل طريقة ومضمون الأفكار أو الآراء ما يمكن اعتباره خرقاً لقوانين وأعراف الدولة أو المجموعة التي سمحت بحرية التعبير ويصاحب حرية الرأي والتعبير على الأغلب بعض أنواع الحقوق والحدود مثل حق حرية العبادة وحرية الصحافة وحرية التظاهرات السلمية، وحق الإدلاء بالرأي الشخصي من دون أية مضايقات من أي نوع كان.

في الواقع هناك مشكلة تتداخل فيها حرية التعبير مع الحدود المانعة لها، فإلى أي حد يُسمَح بها، وما هي الضوابط التي ترسم حدودها، لذلك فإن حدود حرية الرأي والتعبير يُنظَر لها على أنها من القضايا الشائكة والحساسة إذ أن الحدود التي ترسمها الدول أو المجاميع المانحة لهذه الحرية قد تتغير وفقا للظروف الأمنية والنسبة السكانية للأعراق والطوائف والديانات المختلفة التي تعيش ضمن الدولة أو المجموعة وأحيانا قد تلعب ظروف خارج نطاق الدولة أو المجموعة دورا في تغيير حدود الحريات.

في العراق حينما نستنطق التاريخ المنظور أو القريب، فإن هذا الركن الأساس من الحقوق المدنية يكاد يكون في حكم الملغي، فالمواطن هنا لم يذق طعم القول الصريح، ولم يتنعّم في حقبة ما أو نظام سياسي سابق بالقول الحر كما يؤمن به، وقد لوحق العراقيون عبر حقب وأنظمة متعاقبة كي لا يتمكنوا من التعبير عمّا يؤمنون به، خاصة إذا كان ينتمي الى الفكر المعارض للحكم، وقد يكون هذا هو السبب الذي حدا بالعديد من الشخصيات الفكرية والثقافية الدينية والسياسية، بالتركيز على أن أهم ما أثمرت عنه المرحلة الآنية هي تجريب العراقيين لحرية التعبير لأول مرة بلا منغصات وملاحقات.

ولكن هل ثمة ما يعكّر صفو هذا الحق الذي ينبغي أن يبقى محميّاً كأهم ما أنجزته المرحلة الآنية للعراقيين، بالفعل ثمة ما يسيء لهذا الحق، فهناك مثلا من لا يروق له القول بأن أهم ما تمخضت عنه التجربة السياسية هو تمكين الناس من قول ما يشاءون قوله بحرية، وأكثر هذا وذاك، توجد صراعات وتخندق حدث في الطبقة السياسية، أساء للركن الأهم الذي تحقق للعراقيين في عهدهم الجديد، فالمزايدات، وإثارة الصراعات من أجل مكاسب سياسية لهذا الفريق أو ذاك، قد أثّر بالسلب على هذا المنجز اليتيم للنظام السياسي الآني.

كيف أثر هذا التخندق السياسي على حرية التعبير؟، يُنقل في هذه الأيام أن مجلس النواب العراق يستعد لقراءة قانون حرية التعبير، والتصويت عليه في جلسة قريبة، وهناك من يرفض هذه الخطوة، لوجود تعديلات ينبغي أن يتم التوافق عليها قبل إجراء التصويت، لكننا كمواطنين غير معنيين بصراع الكتل والأحزاب السياسية حول هذه النقطة أو تلك، لأننا لا نريد أن تكون حريتنا والمكسب الأهم الذي حصلنا عليه تحت رحمة المزايدات السياسية، وتحت وابل الخلافات التي تخفي وراءها مصالح لا تعني الشعب العراقي من بعيد أو قريب، لأنها في واقع الحال لا تعدو كونها مصالح مادية وسياسية تتركز على الأموال والمناصب، مما لا يعني الشعب في أي حال من الأحوال.

بالنتيجة من المعيب أن يزج بالشعب في صراع لا يعنيه وفي تخندق لا يخدمه في شيء، فالمهم بالنسبة للعراقيين أولا وأخيرا أن تُصان حرية التعبير، وأن يبقى المواطن قادرا على قول ما يرغب قوله في وسائل الإعلام والصحافة والكتب وسوى ذلك من وسائل تستوعب حرية التعبير بأنواعها وأشكالها من دون أن تكون عرضة لصراعات معلنة وخفية وتخندق مفضوح رائحته تزكم الأنوف، سؤالنا هو هل تتنبه الكوكبة السياسية الى هذا الوضع، وهل تبادر بالفعل لحماية أندر منجز حصل عليه العراقيون في المرحلة الآنية؟.

تلك هي المهمة الأصعب في نظرنا، فإن سها وانشغل سياسيو العهد الجديد بمآربهم، وواصلوا التخندق السياسي والإساءة الى (حرية التعبير)، فإنهم بذلك يغامرون بآخر زورق يمكن أن يبقيهم على قيد الوجود في بحر المعضلات التي يعج بها الواقع العراقي، ربما يتأتى صبر العراقيين على ما يعانونه كونهم قادرون دائما على التعبير عن آرائهم ف مدار صيانة حرية الرأي، وأنهم يلمسون إمكانية الاحتجاج والاعتراض ضد الحكومة وغيرها على أخطائها وتقصيرها هنا أو هناك، أما إذا تم سلب هذا الحق منهم، فسوف يكون الأمر كمن يسلب آخر أمل للعراقيين بنظام أضمن وغد أفضل!؟.

اضف تعليق