q

ترى واشنطن أن منطقة الشرق الأوسط الحيوية لم تعد مستقرة وتسير شيئاً فشيئاً نحو مصير مجهول، ولا مخلص لهذه المنطقة من أزماتها وسقوطها الوشيك غير "السعودية".. بهذه الطريقة بدأت إدارة ترامب تصدر السعودية على أنها وسيلة الخلاص الوحيدة.

من الرياض، وخلال لقائه الأخير بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، كشف وزير الدفاع الامريكي جيم ماتيس عن هذه الرؤيا الجديدة التي بدأت تتبناها واشنطن تجاه السعودية بالقول: "السعودية تبذل جهوداً لإعادة الاستقرار الى هذه المنطقة الحيوية من العالم".

واشنطن واثقة تماماً من أن رؤيتها حيال السعودية ليست بالواقعية أبداً، وتعلم جيداً أن بلداً يعيش أزمات وصراعات داخلية كثيرة، ويفتقر إلى أدنى درجات التعامل الدبلوماسي مع الداخل والخارج، أضعف بكثير من أن يعيد للشرق الأوسط حيويته المفقودة.

غير أن الشيء الوحيد الذي يثير شهية واشنطن لدعم الرياض، وهو أن الأخيرة تعتبر خصماً مناوئاً لإيران التي بدأت تحاربها عبر جبهات متعددة في سوريا واليمن والعراق وغيرها من دول المنطقة، ومن مصلحة الولايات المتحدة أن تدعم حرب الاستنزاف هذه التي بدأت تشغل إيران كثيراً، وتسهم في إنعاش المزيد من الازمات في الشرق الاوسط التي ستكون مبرراً كافياً لأن تكون واشنطن لاعباً ومتحكماً قوياً فيها، فهي الطرف الوحيد القادر على إدارة الأزمات وجني ثمارها.

لكن، ما شكل هذا الدعم الذي تراهن عليه إدارة ترامب؟

الدعم العسكري

بصراحة شديدة يقول زير الدفاع الأمريكي: "من مصلحتنا وجود قوات مسلحة واستخبارات سعودية قوية".. إذاً، واشطن تراهن على عنف الرياض لا دبلوماسيتها في الشرق الأوسط!.

في اليمن مثلاً، لم تنجح الرياض في إيجاد حلولاً دبلوماسية لإنهاء حربها هناك، وفشلت في ذلك مرات عديدة، أما حليفتها واشنطن فمقتنعة جداً بضرورة زيادة الضغط العسكري في اليمن لضمان إجبار الحوثيين "كمتمردين" إلى طاولة الحوار والتفاوض، وكل ذلك يأتي في إطار الدعم العسكري.

وقتل ما يقرب من 4800 مدني باليمن منذ بدأت أحدث جولات القتال في مارس آذار 2015 وسقط معظمهم جراء ضربات نفذها التحالف الذي تقوده السعودية حسبما ذكرت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في مارس آذار.

وتقوم الولايات المتحدة التي تشن طائراتها ضربات ضد الحوثيين في اليمن، بنقل معلومات استخبارية إلى التحالف العربي بقيادة الرياض في هذا البلد وتزوده بالوقود والأسلحة، علما أن أوباما قام في كانون الأول/ديسمبر بتعليق نقل ذخائر دقيقة التوجيه إلى الرياض بسبب المخاوف من سقوط ضحايا في صفوف المدنيين.

لكن الانتقادات الدولية التي تعرض لها التحالف على خلفية العدد الكبير من الضحايا المدنيين الذين سقطوا في عمليات له تزيد التردد الاميركي في تقديم مزيد من الدعم العسكري، كما يروّج عبر الإعلام.

وكان من المفترض الإعلان عن صفقة بيع أسلحة الشهر الماضي لكن اعتراض مشرعين أمريكيين أغلبهم من الديمقراطيين وجماعات مدافعة عن حقوق الإنسان زاد الأمر تعقيدا.

ومن بين الأشياء المطروحة في إطار صفقات التسليح، أنظمة توجيه بقيمة 390 مليون دولار تقريبا من إنتاج شركة ريثيون من شأنها تحويل القذائف غير الموجهة التي تسقط بفعل الجاذبية إلى ذخائر موجهة من المفترض أن تكون أكثر دقة في التصويب.

تعهدات

لكن في الوقت ذاته، تريد الولايات المتحدة الحصول على تعهدات جديدة من السعودية بتحسين عمليات الاستهداف بحيث تقلل لأقصى درجة ممكنة من سقوط قتلى مدنيين في الحرب الدائرة باليمن وذلك في وقت تبحث فيه الإدارة الأمريكية استئناف بيع الرياض ذخائر موجهة بدقة.

وقال مسؤول أمريكي لوكالة رويترز، طلب عدم ذكر اسمه، "نريد من السعوديين أن يبدوا التزامهم باستخدام هذه الأشياء استخداما ملائما."

كما لم توضح الادارة الاميركية اذا كانت ستعود عن قرارها تعليق تزويد السعودية قنابل دقيقة التوجيه، الامر الذي بادرت اليه ادارة باراك اوباما في كانون الاول/ديسمبر على خلفية قلقها حيال عدد الضحايا المدنيين في اليمن.

لكن بإمكان إدارة ترامب إعادة تزويد القوات السعودية بهذه القنابل، أو تقديم مساندة عسكرية أكثر فاعلية في البلد الفقير وسط حالة من الجمود العسكري في ظل عجز القوات الحكومية عن تحقيق اختراقات كبيرة رغم المساندة التي تلقاها من الرياض والتحالف العربي.

وفي مقابل الدعم العسكري، ترغب واشنطن بحسب المسؤول في وزارة الدفاع، في أن تعزز السعودية دورها في التحالف الدولي ضد تنظيم داعش في العراق وسوريا، خصوصا عبر زيادة ضرباتها الجوية وتقديم مساعدات إنسانية أكبر.

السعودية تتجاهل نصائح امريكا

قال السناتور الديمقراطي كريس ميرفي "السعوديون شركاء مهمون في الشرق الأوسط، لكنهم مستمرون في تجاهل نصحنا حين يتعلق الأمر باختيار الأهداف وحماية المدنيين".

وكانت واشنطن قد ضغطت على الرياض من قبل لتوخي قدر أكبر من الحرص في عملية الاستهداف والالتزام بقوائم "عدم الضرب" التي تضم المناطق المحظور ضربها وإجراء تحقيق فوري في الأنباء المتعلقة بسقوط ضحايا مدنيين.

وطلبت مجموعة من أعضاء الكونجرس الأمريكي مزيدا من المعلومات من إدارة الرئيس دونالد ترامب بشأن البيع المحتمل لذخائر دقيقة التوجيه للسعودية معبرين عن قلقهم بشأن الضحايا المدنيين في الحملة التي تقودها الرياض في اليمن والتي أجلت الصفقة العام الماضي.

ووقع 30 عضوا في الكونجرس، معظمهم ديمقراطيون، رسالة إلى وزير الخارجية ريكس تيلرسون ووزير الدفاع جيمس ماتيس مشيرين إلى توقعات بأن الإدارة تعتزم المضي قدما في الصفقة.

ويرى محللون إن الرياض وحلفاء آخرين في الخليج يرون ترامب رئيسا قوياً سيعزز دور واشنطن كشريكة استراتيجية وسيساعد على احتواء خصومة الرياض مع إيران في منطقة محورية لأمن الولايات المتحدة ومصالحها في مجال الطاقة.

اضف تعليق