q

هل سيعمل الإسلام على إزالة الأنظمة السائدة حاليا من الوجود بالكامل، ومن ثم العمل على تطبيق نظريته التي تتحدث عنها الكثير من المؤلفات الإسلامية؟ ام انه سيقوم بإجراء التعديل على تلك الأنظمة السائدة؟

تلك الانظمة هي النظام الرأسمالي القائم على ملكية رأس المال وتحقيق الربح المادي مهما كانت الآثار، والذي كانت تقوده سابقا المملكة المتحدة والآن الولايات المتحدة الأمريكية. والنظام الاشتراكي القائم على ملكية الدولة لكل وسائل الإنتاج وصولا لما يعرف على حد تعبير بعض الكتاب بـ "دكتاتورية الدولة"، لتحقيق الربح الاجتماعي، والذي كان سائدا بقيادة الاتحاد السوفيتي الذي انهار في تسعينات القرن الماضي.

وبالتأكيد ان لكل نظام بعض الاستثناءات، اي توجد داخل النظام الرأسمالي وسائل إنتاج مملوكة للدولة وكذا الحال في النظام الاشتراكي توجد ملكية خاصة. أما الإسلام فهو يؤمن بكل شيء في الحياة الدنيا، الملكية الخاصة والملكية العامة، وكل له حدوده الخاصة ولا يجعل من الربح المادي هدفا له مهما كانت الآثار، لان الإسلام يعامل الربح وكل شيء على انه وسيلة لبلوغ الحياة السعيدة في الدنيا والآخرة.

بالتأكيد لا يتم إزالة تلك الأنظمة بالكامل بقدر ما يتم إجراء التعديل عليها وصولا لما يروم الإسلام تحقيقه، وما يؤكد هذا الكلام السؤال الذي طرح على المرجع الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي "ماذا يفعل لتعديل اقتصاد تلك البلاد (اقتصاد امريكا الرأسمالي وروسيا الاشتراكي)؟" وهذا يعني أن الإسلام يهدف إلى إجراء التعديلات على تلك الأنظمة للوصول إلى تطبيق النظرية التي جاء بها. هذا السؤال أجاب عنه في كتابه "الاقتصاد" في ص140 والذي كان بالشكل الآتي:

اولا: توزيع المال على خمسة أمور

وهي العمل الجسدي والفكري وامتلاك المواد والعلاقات الاجتماعية وشرائط المكان والزمان. فيجعل بذلك المقدار المال له ويجري في غيره قانون (من أين لك هذا؟) وذلك على خلاف الشيوعي الذي يتساءل (من اين لك هذا) في كل امواله، وعلى خلاف الرأسمالي الذي يتركه وشأنه ولا يسأل عنه، ولو وجد عنده ألوف أضعاف مقدار حقه الفكري والجسدي.

الإسلام ينظر إلى المال الذي يمتلكه الإنسان على أساس العمل، سواء كان جسديا ام فكريا، ويرفض فكرة انفصال المال عن العمل لأنه يرى أن النقود وسيلة لتسهيل عملية التبادل التجاري وليس لتوليد النقود.

ويذكر أيضا أن هناك أشخاص رأسماليون يمتلكون الكثير والكثير من الأموال، ولعله اذا حسبنا حقهم الشرعي الفكري والعملي وسائر حقوقهم لم تكن لديهم هذه الاموال، فالبقية يجب أن ترد على الأمة، كما أن كثيرا من أفراد الحزب الشيوعي الروسي والصيني يملكون أكثر من ملكية الف عامل في روسيا.

فإذا جرى على هؤلاء قانون من اين لك هذا؟ في الزائد عن حقهم الفكري والعملي إلى آخره، وظهر المزيد، كان اللازم ان يرد على أصحابها الشرعيين المسروق منهم المال ان عرفوا، وإلا كان الزائد من نصيب بيت المال، حيث يصرفه في الفقراء المستضعفين والمصالح العامة، والمراد بهم الذين استثمرهم غيرهم، إما من جهة اخذ الفرص من أيديهم اي ان هؤلاء الرأسماليين والاشتراكيين لديهم القدرة على احتكار فرص العمل و توجيهها بما يخدم مصالحهم فلا يحصل الفقراء على حقوقهم في الحصول على العمل كي يعيلوا أنفسهم وعوائلهم، ليصبحوا أسرى للمتحكمين اقتصاديا، وأما من جهة عدم إعطائهم حقهم عندما عملوا عندهم.

ثانيا: إعطاء الإرث

وبذلك تتفتت الثروة ويحصل كل واحد من الاولاد والاقرباء على نصيبه من الأموال، لا ان يسترد بعض الورثة كالولد الكبير. وأشار في مكان آخر إلى إن الثروة ينبغي تفتيتها لعدة أمور، فالكثير من الورثة يعملون مع المورث في تحصيل المال، فيكون المال حاصل عمل الجميع وبالتالي فكل من عمل له حق به، كما إن كفاءة العاملين تزداد بشكل أكبر إذا علموا أن ما حصلوه يرثه من بعدهم ورثتهم، والعكس صحيح في حال علموا أن ما حصلوا عليه لم يرثه ورثتهم ستنخفض كفاءتهم في العمل فينخفض الإنتاج، كما إن الإرث يكفل إدارة أيتام الميت وزوجته بالمسكن والملبس والمأكل وسائر الحوائج.

والإرث هو إرادة المورث في ما سعى فكما له أن يعطي ماله لمن شاء في حياته في ظل النظام الرأسمالي، كذلك له الحق في الإسلام أن يعطي ماله لمن يشاء بعد موته، عكس بعض الأنظمة التي تفرض ضرائب التركات، وان الإرث يزيد من رابطة القرابة والتماسك الاجتماعي، وهو لقاء خدمة الأقرباء للموروث، حيث أنهم يخدمونه في حال مرضه وعجزه وشيخوخته بما إن المال صرف لأجل نفس المورث ولراحته ولعزته...إلخ.

ثالثا: ابطال قوانينها (الرأسماليين والاشتراكيين) في الارض

وجعل الأرض للكل حسب تكافؤ الفرص والقابلية العمرانية، فمن كان قد عمر أكثر من حقه اخذ منه ما عمره، وهذا ما صرح به الرسول الكريم محمد(ص) حيث قال "من أحيى أرضا ميتة فهي له" وقال "الأرض لله ولمن عمرها". فالأرض ينبغي أن ترجع إلى حالتها الطبيعية حتى يستفيد منها الكل حسب التوزيع العادل لا المساواة.

رابعا: تحطيم الاحتكارات وإلغاء الامتيازات القانونية

فالكل يقدر أن يعمل مع من يشاء كيف ما يشاء والضرب على الايادي التي تلعب بالأسواق حسب الموازين الشرعية.

خامسا: اخذ الخمس والزكاة

وبذلك يكون ربع أموال الأغنياء للدولة، لتقوم بالمشاريع العمرانية وغيرها ولا يبقى فقير ولا عاطل ولا حاجة معطلة. حيث أشار القرآن الكريم في سورة النور (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)(56) ويشير في آية أخرى من سورة التوبة (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (103)

سادسا: تعطيل كل أقسام الأرباح والمعاملات المحرمة

كالتي تأتي من الخمر والقمار والملهى والرقص والمخدرات والزنا والربا وغيرها، وكذلك الأرباح التي تأتي من الاقتصاد المهرب والمنحرف مثل استهلاك الجيل الحاضر المعادن والموارد المدخرة للأجيال القادمة.

سابعا: تحطيم الجيش غير الشعبي وإيقاف السلام الاستعلائي

والذي به يختل أمر الإنسان ويوجب ارهابه وصرف الاموال في الدمار، إذ الجيش اسراء بيد السادة، والشعوب تعيش عيشة الرعب من جهة السلاح المتراكم في مخازن امريكا وروسيا وما في فلكهما، وتصرف ملايين بل مليارات الدولارات، في حين يعيش الإنسان في عوز وفقر مدقع، ويقول الامام الشيرازي، "رأيت في إحصائية ان كل يوم يصرف مليار دولار لأجل السلاح والتسليح"، هذا في زمان تأليف كتابه فما بالك اليوم!! فكم من التريليونات تصرف على هذا المجال ولا تبالي؟

ثامنا: إعطاء العامل والفلاح وسائر طبقات العمال كالمعلمين والموظفين وغيرهم بقدر حقهم

حيث إن كلا من روسيا وأمريكا وما في فلكهما يسرقون حق العامل، فأكثر الحق يذهب في كيس قلة مختارة، وهم الدولة في روسيا والتجار في أمريكا. أما الطبقات العاملة فهم لا يجدون حقوقهم كاملة.

تاسعاً: توقيف الإجحاف فلا يحق لأحد طرفي المعاملة، أن يجحف في المعاملة بأخذ المزيد من حقه، فمثلاً الخباز لا حق له في أن يستغل حاجة المشترين فيبيع الخبز لهم بأكثر من قيمته، وكذلك في سائر البضائع.

والحاصل: إن الإسلام في برنامجه الاقتصادي، ينجي المستثمرين من الظلم، وينجي المستضعفين من براثن المستغلين في كل الشؤون، والتي منها الشؤون الاقتصادية، وقلنا ينجي المستثمرين، لان الاستثمار أيضاً نوع من المرض الذي يبتلى به الإنسان فيفسد عليه حياته وينغص عيشه، فإنه كالشارب من ماء البحر لا يزيده الشرب إلا ظمأ، إذا اتخذ من الاستثمار هدفاً وليس وسيلةً.

* مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث/2002 – 2017 Ⓒ
http://shrsc.com

اضف تعليق