q

يبدو أن "التجارة الإلكترونية" أصبحت صداعا مستمرا في رأس منظمة التجارة العالمية فمنذ سنوات طويلة والتجارة الإلكترونية تقع في منطقة "رمادية" ودون قوانين موحدة برغم أنها تدر سنويا 23 تريليون دولار وفقا لتقديرات 2016، والتقى الدول الأعضاء خلال اجتماع في جنيف أمس على تقرير ما إذا كان ينبغي على الكيان التجاري، الذي يتحكم بنسبة 98 في المائة من التجارة العالمية، القضاء على "المنطقة الرمادية" التي تلف سوق التجارة الإلكترونية، وأن تكون لها رقابة وإشراف أكبر على هذه السوق، وطلب روبرتو أزفيدو، المدير العام للمنظمة من عدة دول أعضاء مناقشة ما إذا كان يجب بحث القضايا المتعلقة بالتجارة الإلكترونية، خاصة القوانين واللوائح التي تنظمها، خلال الاجتماع الوزاري الحادي عشر للمنظمة في بوينس آيريس.

وذكرت وفود حضرت الاجتماع أنها ناقشت الدعم السياسي غير المؤكد لأي إتفاقات تجارية متعددة الأطراف، لكن رغم ذلك، فإن وفودا حضرت الاجتماع تأمل أن يقدم الاجتماع الوزاري رؤية أوضح حول مستقبل عمل التجارة الإلكترونية في إطار منظمة التجارة، ربما على شكل برنامج عمل جديد، يختلف عن برامج العمل السابقة، وجميعها قديمة تعود لبداية الألفية الثالثة بل حتى إلى تسعينيات القرن الماضي التي تم طرحها عند ظهور أول ملامح خيوط شبكة التجارة الإلكترونية التي أصبحت الآن أكثر تعقيدا، وليس واضحا حتى الآن ما إذا، أو كيف، يمكن لبرنامج عمل جديد للتجارة الإلكترونية أن يتضارب مع البنية التحتية الموجودة حاليا التي نظمت أعمال التجارة الإلكترونية لمنظمة التجارة العالمية على مدى العقدين الماضيين.

وفي عام 1998، حث وزراء تجارة الدول الأعضاء في منظمة التجارة المجلس العام للمنظمة على الشروع في وضع برنامج عمل لفحص القضايا التجارية كافة الناشئة عن عالم التجارة الإلكترونية (الحديث في وقته)، والاتفاق على وضع مذكرة تفاهم مؤقتة حول تصورات نسب الرسوم الجمركية في التجارة الإلكترونية للدول الأعضاء كافة، وفي العام ذاته، تبنى أعضاء المنظمة إعلانا حول التجارة الإلكترونية يقضي بأن تبحث الدول الأعضاء دور المنظمة في السوق الوليدة آنذاك للمعاملات التجارية عبر الإنترنت، وحث الإعلان، على نحو خاص، الدول الأعضاء للنظر في جميع المسائل المتصلة بالتجارة التي تدخل في إطار التجارة الإلكترونية، لكن ينبغي عليها تجنب فرض تعريفات جمركية على النشاطات التجارية الإلكترونية.

ومنذ ذلك الحين، لم تنتج مناقشات أعضاء المنظمة عن التجارة الإلكترونية عن الكثير، وتعثرت المناقشات وجرت أقدامها بصعوبة في عدة مجالات أهمها: حول ما إذا كان ينبغي اعتبار التجارة الإلكترونية "سلعة" أو "خدمة"، أو ربما حتى الاثنتين معا، كما بقي غير واضح ما إذا كان يتعين إدارة التجارة الإلكترونية تحت إطار الاتفاقية العامة للتجارة في الخدمات، أو الاتفاقية العامة بشأن التعريفات والتجارة، لكن النهج القديم لمنظمة التجارة حول التجارة الإلكترونية الذي عفا عليه الزمن، سرعان ما أخذ طريق التغير السريع عندما بدأت الحكومات، ومؤسسات الأعمال، وحتى المصارف توجيه الدعوات المتلاحقة لمنظمة التجارة لتلعب دورا أكبر في قضايا التجارة الجديدة الناشئة مع بداية القرن الحادي والعشرين، ورمى أزفيدو، بثقله خلف هذا المجهود واجتمع مع مشاهير التجارة الإلكترونية مثل مارك زكربيج رئيس شركة فيسبوك، وجاك ما مؤسس شركة علي بابا، لفهم آفاق ومنظور هذه الصناعة.

وفي هذا الوقت، قدمت ثماني دول أعضاء في منظمة التجارة، بينها الصين، وباكستان، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، سلسلة من الأوراق في عام 2016 وضعت فيها مفاهيمها حول شكل اتفاقية مستقبلية للتجارة الإلكترونية، ونظرت الأوراق، التي تباينت في مضمونها ونطاقها، في أحكام التجارة الإلكترونية مثل تسهيل تدفق البيانات العابرة للحدود، ومبادئ الحياد الصافي في المعلومات، وحماية التشفير، وكلمات المرور وغيرها من التعزيزات الأمنية، وتشجيع الآليات المبتكرة للتشفير، ومعايير أمن الفضاء الحاسوبي، ومتطلبات الخصوصيات المحلية، وحماية خصوصية المستهلك، ومنع فرض الرسوم الجمركية على سلع التجارة الإلكترونية، وتأمين مبادئ أساسية تقوم على عدم التمييز، وتأمين شبكة إنترنت مجانية ومفتوحة، ومنع العوائق على التجارة الإلكترونية، وضمان المنافسة الحرة بين الشبكات، وبناء إطار عام للتجارة الإلكترونية قابل للتكيف مع المبتكرات الجديدة، وتوحيد المفاهيم والمصطلحات المعنية بالتجارة الإلكترونية، وحماية المستهلك من الاحتيال، وتأمين أساليب مبتكرة للتحقق من هويات الأطراف المتعاملة بالتجارة الإلكترونية، وتأسيس مقاييس عالمية للتشغيل التفاعلي - الانسيابي للتجارة الإلكترونية، وتأمين إجراءات جمركية سريعة وأكثر شفافية للتجارة الإلكترونية، وضمان مشاركة واسعة وشفافة لأصحاب المصلحة في وضع وتطوير معايير وأنظمة ولوائح التجارة الإلكترونية.

ويعتزم المدير العام لمنظمة التجارة العالمية تقديم جدول أعمال للتجارة الإلكترونية بالمشاركة مع المجموعات الدولية الأخرى، مثل الاتحاد الدولي للاتصالات السلكية واللاسلكية، التي تتحكم بشبكة الاتصالات، ومنظمة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد"، التي تتولى الربط بين التجارة الإلكترونية والتنمية، ومن المقرر أن تستضيف "أونكتاد" الشهر المقبل، اجتماعا في جنيف لمدة خمسة أيام تحت شعار "أسبوع التجارة الإلكترونية" لمناقشة قضايا تتعلق بوضع حلول للدفع الإلكتروني، والاتصال واسع النطاق، وحماية المستهلك.

وعلمت "الاقتصادية" من الأمانة العامة للمنظمة أن عمل المنظمة في مجال التجارة الإلكترونية سيتلقى أيضا دعما من مجموعة تضم عشرين فريق عمل في التجارة والاستثمار، التي ستبحث التأثيرات الاقتصادية للتقنيات الرقمية في قمة العشرين التي ستعقد في هامبورج الألمانية.

وستناقش المنظمة أيضا قضايا تتعلق بالربط الإلكتروني في مؤتمر حول "المعونة للتجارة"، يشار إلى أن التجارة الإلكترونية حققت ازدهارا متسارعا خلال السنوات الماضية، خاصة في الولايات المتحدة، والصين، والاتحاد الأوروبي، إذ تشير الأرقام غير الرسمية، إلى أن شركتين أمريكيتين فقط، هما "أبل"، و"إي باي" سجلتا مبيعات بقيمة 342 مليون دولار من مبيعات التجزئة الإلكترونية في 2015.

ترقب المهتمون بالتجارة الإلكترونية انطلاق أول معرض لها بالرياض الشهر المقبل، ويضم أكبر وأقوى منصات العرض التي تهتم بالمستهلك، ويهدف لنشر ثقافة ما يسمى بـ"العالم الافتراضي"، وذلك خلال 2017 بفندق الفورسيزون في مدينة الرياض، ويأتي ذلك الإقبال على المعرض لكونه يقام لأول مرة على مستوى التطبيقات الإلكترونية بجمع أكبر وأقوى منصات العرض الإلكترونية من شركات محلية وخليجية وعالمية التي سوف تعرف بنفسها من خلال الجناح الخاص بها في المعرض، وتجمع أكبر شريحة مستهدفة من رواد التواصل الاجتماعي، وإبراز دورها في نشر ثقافة ما يُسمى اليوم بـ"العالم الافتراضي".

وسيكون المعرض فرصة للتاجر الصغير وحصوله على الدعم من قبل مشاركة الكثير من الشركات الراعية للمعرض، وتسويقها لأهم وأبرز الخدمات والمنتجات للمجتمع، كما يسعى المنظمون لمواكبة التغيرات المتسارعة والمساهمة في دفع عجلة التنمية وتحقيق رؤية المملكة 2030، ودعت اللجنة المنظمة، المهتمين بالتجارة الإلكترونية والتسويق الرقمي بالتسجيل في المعرض الذي يعد أكبر حدث للتجارة الإلكترونية من نوعه؛ نظرًا للتطور الكبير والنمو المتزايد الذي تشهده صناعة التجارة الإلكترونية في المملكة خلال السنوات الأخيرة؛ حيث تشير الدراسات التسويقية والأبحاث إلى أن حجم التجارة الإلكترونية في السعودية سيتجاوز 20 مليار ريال في عام 2017م؛ حيث بلغت نسبة النمو السنوي 12%، ومتوقع أن يصل حجمها إلى 32 مليار ريال بحلول 2021م، ويعود ذلك لعدة أسباب منها زيادة عدد مستخدمي الإنترنت، وكذلك دخول عدة شركات من مختلف الأنشطة التجارية في مجال التجارة الإلكترونية.

وتواصل اللجنة المنظمة استقبال مشاركات التطبيقات الإلكترونية في المعرض؛ حيث دعت الشركات التقنية التي تمتلك تطبيقات للمشاركة ببوث، لعرض تطبيقاتها للزوار الذي يتوقع أن يتجاوز الحضور خلال أيام المعرض أكثر من 50 ألف زائر، والتعريف بها وبما تحتويه التطبيقات.

اضف تعليق