q

تجربة إطلاق الصاروخ الباليستي الذي أجرتها كوريا الشمالية مؤخراً، ماتزال محط اهتمام واسع خصوصا وان هذه التجربة وما يرى بعض المراقبين، هي أول تحدي مباشر للمجتمع الدولي منذ تولي دونالد ترامب الرئاسة في الولايات المتحدة في 20 يناير كانون الثاني، كما انها جاءت عقب اجتماع قمة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الياباني تشينزو آبي، وبعد أن أكد بشدة وأكثر من مرة التزام الولايات المتحدة بضمان دفاع قوي ضد تهديد كوريا الشمالية، كما تأتي أيضا بعد مكالمة هاتفية لترامب مع الرئيس الصيني شي جين بينغ. هذه التطورات يمكن ان تسهم بخلق ازمة كبيرة وخطيرة، حيث اثارت التقارير بشأن التجربة ردود فعل قوية ضد بيونغ يانغ. وقال مكتب الرئاسة في كوريا الجنوبية إنه دعا إلى اجتماع للأمن القومي لمناقشة الامر. وعبرت اليابان عن احتجاجها القوي على هذه الخطوة من جانب كوريا الشمالية. من جانبها، شجبت وزارة الخارجية الفرنسية، في بيان قصير، التجربة الصاروخية لكوريا الشمالية، معتبرة إياها انتهاكا لقرارات مجلس الأمن الدولي.

كانت بيونغ يانغ قد أجرت عددا من التجارب النووية خلال العام الماضي. وفي يناير/ كانون الأول الماضي، قال زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، إن بلاده باتت قريبة من اختبار صواريخ بعيدة المدى قادرة على حمل رؤوس نووية. وتواصل التجارب الصاروخية والنوورية المتكررة لكوريا الشمالية وتصريحاتها الهجومية تأجيج التوتر بالمنطقة. وخلال زيارة إلى كوريا الجنوبية، من جانب اخر اكد وزير الخارجية الاميركي ريكس تيلرسون ان بلاده يمكن أن تستخدم كل ترسانتها العسكرية، بما في ذلك الأسلحة النووية، للدفاع عن حليفتيها اليابان وكوريا الجنوبية إذا لزم الأمر، وذلك اثر اطلاق كوريا الشمالية صاروخا بالستيا.

وفي بيان مشترك مع نظيريه الكوري الجنوبي والياباني قال تيلرسون أن "الولايات المتحدة لا تزال على التزامها الدفاعي لحليفتيها جمهورية كوريا واليابان، بما في ذلك التزامها بتوفير الردع الواسع معزز بقدراتها الكاملة في الدفاعين النووي والتقليدي". وجاء في البيان أن تيلرسون ونظيريه الكوري الجنوبي يو بيونغ-سي والياباني فوميو كيشيدا "يدينون بأشد العبارات" التجربة التي أجريت "بتجاهل سافر" لقرارات مجلس الأمن الدولي المتعددة. واضاف أن الدول الثلاث ستعمل لضمان مواجهة أي انتهاكات مستقبلية "برد دولي أقوى"، مطالبة بيونغ يانغ بالتخلي عن برامجها النووية والصاروخية. وتنتشر قوات اميركية بأعداد كبيرة في اليابان وكوريا الجنوبية منذ عقود، إلا أن التزامها الدفاعي يعقد العلاقات مع الصين، حليف كوريا الشمالية الرئيسي.

خيارات التصدي

الى جانب ذلك ورغم ما قطعه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على نفسه من تعهدات خلال حملته الانتخابية من انتهاج سياسة أكثر تشددا مع كوريا الشمالية جاء رده العلني المتحفظ على إطلاق بيونجيانج أول صاروخ باليستي في عهده ليؤكد أن الخيارات الحازمة في جعبته للحد من برامجها الصاروخية والنووية قليلة. ويبدو حتى الآن أن الردود التي تبحثها إدارة ترامب لا تختلف كثيرا عما اتبعه سلفه باراك أوباما وتتراوح بين فرض عقوبات جديدة واستعراض القوة الأمريكية حسبما جاء على لسان أحد المسؤولين في الإدارة.

بل إن فكرة تصعيد الضغط على الصين لكبح جماح كوريا الشمالية جربتها إدارات أمريكية متعاقبة دون طائل. غير أن بكين لا تبدي أي بادرة على التخفيف من حدة مقاومتها في عهد الرئيس الأمريكي الجديد الذي انتقدها فيما يخص التجارة والعملات وبحر الصين الجنوبي المتنازع عليه. أما الردود التي تمثل تحولات كبرى على الاختبارات الصاروخية فستكون إما الرد العسكري المباشر أو التفاوض. لكن لا يبدو أن أيا منهما مطروح على المائدة لأن الأول فيه مجازفة بحرب إقليمية والثاني سيعتبر مكافأة لبيونجيانج على سوء السلوك. كما أن أيا من الردين لا يضمن تحقيق النجاح.

وقالت بوني جليزر الخبيرة في شؤون آسيا بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن "خيارات ترامب محدودة." وعلى غير المتوقع جاءت تعليقات ترامب الأولية العلنية على إطلاق ما يعتقد أنه صاروخ ذو مدى فوق المتوسط من طراز موسودان متحفظا ومقتضبا بالمقارنة مع لهجته الحادة سابقا تجاه إيران منذ تولى منصبه في 20 يناير كانون الثاني الماضي.

وبنبرة رزينة في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الياباني الزائر شينزو آبي قال ترامب للصحفيين في بالم بيتش بولاية فلوريدا "أود فقط أن يفهم الجميع وأن يدرك تماما أن الولايات المتحدة الأمريكية تقف خلف اليابان حليفنا الكبير مئة في المئة." ولم يذكر الرئيس الأمريكي كوريا الشمالية ولم تصدر عنه أي بادرة على خطط لرد انتقامي على ما اعتبره كثيرون اختبارا مبكرا للإدارة الجديدة.

وعلى النقيض من ذلك أطلق ترامب في يناير كانون الثاني تغريدة تقول "لن يحدث" بعد أن قال الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون إن بلاده توشك على اختبار صاروخ باليستي عابر للقارات. وأصر ستيفن ميلر المستشار بالبيت الأبيض في برنامج "هذا الأسبوع" على قناة (إيه.بي.سي) أن تعليق ترامب الذي جاء في جملة واحدة "إبداء مهم للتضامن" مع اليابان. وقال لبرنامج "فوكس نيوز صنداي" إن الإدارة ستدعم حلفاءها في المنطقة في مواجهة "العداء المتزايد" من جانب كوريا الشمالية.

وفي حين أنه لا يمكن لأحد استبعاد أن يلجأ ترامب إلى تويتر بانتقادات شديدة اللهجة مثلما يفعل في كثير من الأحيان فقد قال بعض المحللين إن رده الأولي الخافت نسبيا قد يظهر أن مساعديه أقنعوه بألا يقع في فخ تنصبه له بيونجيانج فيطلق تهديدات من الصعب تنفيذها لاسيما في وقت ما زالت فيه استراتيجيته في كوريا الشمالية قيد الصياغة. وسبق أن قال مساعدو ترامب إنهم سينتهجون نهجا فيه قدر أكبر من تأكيد الذات من سياسة أوباما التي أطلق عليها "الصبر الاستراتيجي" واشتملت على تصعيد العقوبات تدريجيا والضغط الدبلوماسي. غير أن الإدارة الجديدة لم توضح كيف ستحقق ذلك.

وقال المسؤول الأمريكي إن إدارة ترامب كانت تتوقع "استفزازا" من كوريا الشمالية وستدرس مختلف الخيارات المتاحة للرد عليه لكن هذه الخيارات ستبدي الحزم الأمريكي وفي الوقت نفسه تتحاشى التصعيد. ومع ذلك قال محللون إن المخاطر ستكون أكبر إذا ما نفذت كوريا الشمالية التي تمتلك قدرات نووية تهديدها باختبار صاروخ عابر للقارات يمكنه إصابة الولايات المتحدة.

وقال المسؤول إن من المرجح أن يدرس ترامب ومساعدوه فرض عقوبات أمريكية مالية جديدة وزيادة الوحدات البحرية والجوية والتدريبات العسكرية المشتركة في منطقة شبه الجزيرة الكورية وما حولها والتعجيل بنصب نظم الدفاع الصاروخي الجديدة في كوريا الجنوبية. وقد أوضح ترامب أنه يعتقد أن الصين لم تبذل ما فيه الكفاية لاستخدام نفوذها في لجم برامج بيونجيانج النووية والباليستية. بحسب رويترز.

وأضاف المسؤول الأمريكي أن ترامب سيصعد الآن ضغوطه على بكين لكنه سلم بأن للصين حدود لن تتجاوزها خاصة فيما يتعلق بتطبيق العقوبات بسبب مصالحها في تجنب زعزعة استقرار كوريا الشمالية. ومع ذلك لم يتضح حتى الآن ما إذا كانت الإدارة الجديدة ستتجاوز نهج أوباما وتركز على فرض "عقوبات ثانوية" على شركات وكيانات تساعد برامج التسلح الكورية الشمالية وكثير من هذه الكيانات في الصين.

مواصلة الضغط

على صعيد متصل حثت واشنطن بكين على مواصلة الضغط على كوريا الشمالية للعودة إلى المحادثات التي تهدف إلى منع بيونجيانج من القيام بمزيد من المبادرات في برنامج أسلحتها في انتهاك لقرارات الأمم المتحدة. وقالت وزارة التجارة الصينية إنها ستعلق كل واردات الفحم من كوريا الشمالية اعتبارا من 19 فبراير شباط. وجاء هذا الإعلان في إطار جهود بكين لتنفيذ عقوبات دولية ضد كوريا الشمالية.

وقامت بيونجيانج في وقت سابق باختبار صاروخ باليستي متوسط المدى في أول تحد مباشر للمجتمع الدولي منذ تولي دونالد ترامب الرئاسة في الولايات المتحدة في 20 يناير كانون الثاني. وقالت إدارة ترامب إنه يجب على الصين أن تفعل المزيد للضغط على بيونجيانج. وقال متحدث باسم الخارجية الأمريكية في إشارة إلى كوريا الشمالية "يجب على كل الدول أن تنفذ بشكل كامل وشفاف كل قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة بجمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية. "نواصل حث الصين على ممارسة نفوذها الفريد بوصفها أكبر شريك تجاري لكوريا الشمالية لإقناع بيونجيانج بالعودة إلى المحادثات الجادة بشأن نزع السلاح النووي." بحسب رويترز.

وقالت وزارة التجارة الصينية إن حظرها لواردات الفحم من كوريا الشمالية سيظل ساريا حتى 31 ديسمبر كانون الأول. وأعلنت الصين في ابريل نيسان من العام الماضي إنها ستحظر واردات الفحم من كوريا الشمالية امتثالا للعقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة واستهدفت حرمان كوريا الشمالية من الأموال اللازمة لبرامجها للصواريخ النووية والباليستية. ولكنها استثنت الشحنات التي تستهدف"صالح الشعب" وليس لها صلة بالبرامج النووية أو الصاروخية.

دفاع عن النفس

من جانبها قالت كوريا الشمالية إن تجاربها الصاروخية هي "إجراءات للدفاع عن النفس" ورفضت انتقادات مجلس الأمن الدولي للتجربة التي أجرتها لكن الولايات المتحدة طالبت بتحرك دولي ضد برنامج بيونجيانج التسلحي. ومثل إطلاق كوريا الشمالية صاروخا باليستيا أول تحد مباشر من جانبها للمجتمع الدولي منذ تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منصبه في 20 يناير كانون الثاني. وندد مجلس الأمن الدولي بالتجربة الصاروخية ودعا الدول الأعضاء إلى "مضاعفة الجهود" لتطبيق العقوبات على بيونجيانج لكنه لم يعط أي مؤشر على الإجراء الذي قد يتخذه.

وقال جهاز المخابرات الكوري الجنوبي إن مدى الصاروخ يتجاوز ألفي كيلومتر. ووصل إلى ارتفاع نحو 550 كيلومترا وحلق لمسافة 500 كيلومتر تقريبا صوب اليابان قبل أن يسقط في البحر إلى الشرق من شبه الجزيرة الكورية. وكان هان تاي سونج السفير الجديد لكوريا الشمالية لدى الأمم المتحدة في جنيف خاطب مؤتمر نزع السلاح بعد يوم من توليه منصبه. وقال أمام المؤتمر الذي شارك فيه 61 عضوا "اختبارات الإطلاق المختلفة التي أجرتها كوريا الشمالية لبناء قدرات للدفاع عن النفس هي من دون استثناء إجراءات للدفاع عن النفس لحماية السيادة الوطنية وسلامة الشعب من التهديدات المباشرة من جانب قوى معادية. وأضاف "يرفض وفدي بقوة أحدث بيان لمجلس الأمن وجميع قرارات الأمم المتحدة ضد بلادي."

وقال ممثل الولايات المتحدة السفير روبرت وود "كل الجهود الرامية إلى تطوير أسلحة كوريا الشمالية النووية وقدراتها الصاروخية يجب أن تتوقف." وأضاف وود "إذا كان هناك وضع يتطلب إجراء دوليا جماعيا لضمان أمننا فهو هذا الوضع." وقالت الصين الحليفة الرئيسية لكوريا الشمالية إن التجربة الصاروخية تنتهك قرارات مجلس الأمن الدولي لكنها دعت جميع الأطراف إلى "ممارسة ضبط النفس". وأضافت إن السبيل لنزع فتيل الأزمة هو من خلال الحوار. بحسب رويترز.

وذكر هان أن شبه الجزيرة الكورية المنقسمة "لا تزال أكبر بؤرة ساخنة في العالم يلوح فيها خطر الحرب بشكل مستمر." وأدان التدريبات العسكرية المشتركة التي تجريها كوريا الجنوبية والولايات المتحدة سنويا بالإضافة لما وصفه بالتهديدات النووية والابتزاز تجاه بلاده. وقال "إنه حق مشروع في الدفاع عن النفس أن تمتلك دولة ذات سيادة رادعا قويا للتصدي لمثل هذه التهديدات من قوى معادية تهدف إلى الإطاحة بالدولة والنظام الاشتراكي."

الى جانب ذلك قال خبراء أمريكيون إن صورا التقطها قمر صناعي تكشف أن كوريا الشمالية استأنفتْ تشغيل مفاعلها النووي الرئيسي لإنتاج البلوتونيوم في يُونْغْبْيُونْ تجسيدا لبرنامجها النووي الذي يصفونه بالعسكري، رغم العقوبات الدولية المفروضة عليها المرتبطة بنشاطاتها النووية. ويُعتقَد على مستوى مؤسسات خبيرة أمريكية أن كوريا الشمالية تملك ما يكفي من مادة البلوتونيوم لإنتاج عدة قنابل نووية في حال واصلتْ تشغيل مفاعلها. وإذا صحت هذه الأقوال فإن هذا المسعى يضيف توترا للتوتر القائم منذ سنوات بين بيونغ يونغ والمجموعة الدولية بشأن برامجها في هذا المجال، لا سيما منذ إعلانها في شهر أيلول/سبتمبر إجراءها خامس اختباراتها النووية بنجاح. والعقوبات الدولية على كوريا الشمالية ألحقت بها أضرارا اقتصادية بالغة وزادت في عزلتها السياسية على المستوى الدولي.

اضف تعليق