q

غالبا ما يرتبط ذكر المعارضة البرلمانية مرادفا لعبارة حكومة الظل التي تعتبر مقياسا لتوازن النظام البرلماني في بريطانيا، لكن ما لا يذكر عن تلك الحكومة ان وزرائها حقيقيون ويمارسون مهامهم الرقابية في الظل وعلى بعد امتار من مكاتب الوزراء الفعليين.

وتعتبر حكومة الظل مؤسسة مستقلة بذاتها يمثلها رئيس المعارضة في مجلس العموم والذي يحمل لقب (زعيم المعارضة التابع لصاحب الجلالة) ويتقاضى لقاء منصبه راتبا مجزيا ومقاربا في الامتيازات مع رئيس الحكومة الفعلي الذي يسمى هناك بالوزير الاول والذي يرجع الى رئيس حكومة الظل ويشاوره في الامور العامة والحساسة التي يستحسن الاجماع الوطني بشأنها، وفي مثال على ما تقدم يقول المفكر السياسي اندريه هوريو ان الوزير الاول كلمن آتلي تباحث مع زعيم المعارضة ونستون تشرتشل عام ١٩٤٧ في قضية الانسحاب البريطاني من الهند سياسيا وعسكريا، وكذلك فعل هارولد ولسن ومستر هيث حول مشكلة روديسيا بعد اعلان استقلالها في عام ١٩٦٥. لذا فالمعارضة لا ترتبط هنا بالثقة بين الحزبين بقدر ما تعتمد على التواصل الذي يقف حائلا تجاه الاخلال بأهم المبادئ البرلمانية القائمة على التوازن البعيد عن الديكتاتورية وعلى الرقابة الصارمة المفضية الى الاداء الحكومي الافضل للمواطن.

هذا جزء مما كتبته في مقال بجريدة الصباح بعنوان (على هامش النظام البرلماني) في الثالث من ايار عام ٢٠١٠ حينما بدأت بوادر معارضة حقيقية في العراق آنذاك بعدما افضت نتائج الانتخابات التشريعية قوائم متقاربة في النتائج ودعوات لممارسة معارضة برلمانية جادة وبناءة.

وان كنا اليوم نفتقد الى جزئية المعارضة السياسية فلا نشعر بأهميتها، ويُعمل احيانا اكثر من ذلك بمعزل عن الشريك الفائز رغبة بالاستئثار بالسلطة ومميزاتها احيانا وبفقدان الثقة بالمقابل احيانا اخرى.. ولا يُرى المعارض لأنه لا يتمتع برقم انتخابي يؤهله للحديث في القضايا السياسية، فان نظرة الى النظام البرلماني العراقي وادائه السياسي، تؤكد:

خلو النظام من اية معارضة حقيقية وبالذات من مجموعة الفائزين في الانتخابات والاتجاه دائما الى حكومة وحدة وطنية او شراكة وطنية بحجة تنوع المكونات وضرورة تمثيلها، وهو ما يفقد النظام اهم ميزاته التفاعلية والمصوبة لأدائه.

خلو البرلمان من اية معارضة داخلية، وما موجود لا يتعدى محاولات فردية فقدت مصالحها او جاءت الى البرلمان على حين غفلة من الكتل البرلمانية المخضرمة التي احتكرت السلطة والمعارضة.

اما نظرة الى الشارع، فانه يتميز بالتالي:

وجود معارضة حقيقة لها مطالب واقعية لكنها لا تستطيع ايصالها الى الحكومة او البرلمان، لأنها ان مرت عبر بوابة الكتل السياسية فإنها ستصبح عرضة للمساومات والاتفاقات التي تفرغها من محتواها، ومنها مثلا مطالب الشارع الثلاث: الرواتب المتأخرة وتسريح الاجراء اليوميين، مفردات الحصة التموينية الغائبة وصرخات النازحين الصامتة.

قيام الاعلام بدور المعارض من خلال تبني قضايا الشارع وتحمل مسؤولية ايصال صوته الى أُذنْ الحاكم، وللأسف لم ينجح الاعلام في هذه المهمة؛ الا ما ندر؛ لان اغلب الوسائل الاعلامية مملوكة لأحزاب واشخاص ويتحكم في قرارها المصلحة الخاصة وضغوطات السلطة قبل غيرها.

ان ازمة المعارضة السياسية وغيابها امر يحتاج الى مراجعة حقيقية ووقفة جادة من بعض القوى والكتل البرلمانية التي ابعدتها المناصب والمغريات عن الاستجابة الى صوت الشارع او حتى سماع انينه، فالتنازل عن المناصب والتحول الى المعارضة السياسية ليس عيبا او خسارة مثلما هو سائد في الممارسة السياسية الحالية، بل هو قرار سياسي: جريء اولا؛ يستجيب لمطالب الشارع ويتجاوب معها. وعملي ثانيا؛ يقوي من النظام السياسي ويحيي الآمال بمستقبله. وناجح ثالثا؛ لأنه يترجم الى اصوات في صناديق الاقتراع عند أقرب فرصة.

ان ادارة الازمات غير السياسية بدون معارضة سياسية، عملية ليست منطقية لحد الان، فتأخر الرواتب لا يحتاج الى حلول بعيدة الامد في مؤتمرات اقتصادية او بحلول جزئية بصرف راتب شهر واحد لان متطلبات الموظف المتراكمة منذ اشهر ستعيده حتما بعد ايفاء جزء منها الى الشارع خلال ايام، واهمال قوت الشعب وتناقص عديد مفردات البطاقة التموينية لن يصب في مصلحة احد، وتفاقم معاناة النازحين وعدم تبني مطالبهم في شتاء قاسي عمل غير انساني... كل ذلك ان بقي على هذه الوتيرة قد يشعل ثورة جياع لا تهدأ او تنطفئ لانهم سيكونوا امام خيارين احلاهما مر: اما التظاهر المستمر لحين تلبية كل مطالبهم واكثر او الاتجاه الى العنف في رد فعل سلبي سببه كتل تحتكر سلطة لا معارضة فيها ولا تستجيب لمعاناة ابنائها.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق