q

لورا روزن

 

واشنطن – وراء الدراما والفوضى التي نجدها في البيت الأبيض مع ترامب - مراكز القوى المتنافسة، والمؤتمرات الصّحفيّة العدائيّة التي يسخرون منها بدون رحمة في برنامج "ساترداي نايت لايف"، والتّسجيلات المسرّبة عن اتّصالات ترامب الهاتفيّة بالقادة الحلفاء، والتغريدات التّحريضيّة على تويتر في أغلب الأحيان، والغضب بشأن ما اعتُبِر كإهانة أثناء مشاهدة برنامج "مورنيغ جو" – نجد كادرًا من المثقّفين العسكريّين الجدّيّين من أصحاب الخبرة في مجلس الأمن القومي يضعون سياسات ترامب للشّرق الأوسط.

لكن لم يتّضح بعد ما إذا كان رئيسهم سيرحّب بجهودهم وخبراتهم الكبيرة في ساحات المعركة. تشمل تلك الخبرات المساعدة على وضع الاستراتيجيّة لقمع التمرّد في العراق بعد الغزو الأميركي، ورؤية تلك المكاسب تضيع في ما بعد في أعقاب انسحاب الولايات المتّحدة من العراق في العام 2011 وقيام تنظيم الدّولة الإسلاميّة (داعش) في ما بعد. لكن على الرّغم من خبرتهم، هناك ميل، بما أنّ كلّ إدارة أميركيّة جديدة تأتي وتنتقد التي سبقتها، إلى خوض الحرب الأخيرة مجدّدًا، حتّى مع تطوّر الوضع على الأرض.

مع أنّ مستشار الأمن القومي لترامب، الجنرال المتقاعد في الجيش والمدير السابق لوكالة استخبارات الدّفاع مايكل فلين، برز في الحملة الرّئاسيّة الأميركيّة للعام 2016 – بما في ذلك قيادته لهتافات "اسجنوها!" المثيرة للجدل – إنّ كبار ضباط الاستخبارات العسكريّة السّابقين من زملائه الذين تولّوا مناصب رفيعة في مجلس الأمن القومي لتقديم النّصائح بشأن سياسة الشّرق الأوسط، يحظون باحترام كبير في الأوساط العسكريّة، حتّى ولو كانوا أقلّ بروزًا أو ظهورًا على الرّأي العام.

الكولونيل المتقاعد في الجيش الأميركي ديريك هارفي، الذي يقود فريق الشّرق الأوسط في مجلس الأمن القومي بصفته المساعد الخاصّ للرّئيس ومنسّق شؤون الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا في البيت الأبيض، يُعزى إليه الفضل في اكتشاف الطّبيعة والتّركيبة للتمرّد العراقي الذي نشأ بعد الغزو الأميركي في العام 2003 وحلّ الجيش العراقي.

الكولونيل جويل رايبورن، الذي يتولّى منصب مدير مجلس الأمن القومي لشؤون العراق، وإيران، ولبنان وسوريا، هو ضابط في مخابرات الجيش كتب التّقرير الرّسمي للجيش الأميركي بشأن حرب العراق، فضلاً عن كتابه المتاح للعامّة الصّادر في العام 2015، بعنوان، "العراق بعد أميركا: رجال أقوياء، وطائفيّون، ومقاومة".

الكولونيل المتقاعد بالجيش الأمريكي الدكتور مايكل بيل، الذي يتولّى منصب مدير مجلس الأمن القومي لشؤون الخليج، كان ضابطًا في أوروبا والشّرق الأوسط وخبيرًا استراتيجيًا في هيئة الأركان المشتركة. وقد قدم إلى مجلس الأمن القومي بعد أن كان مؤخّرًا مستشارًا لكليّة شؤون الأمن الدولي في جامعة الدّفاع الوطني. (يائيل لمبيرت، مسؤول توظيف في سلك الخدمة الخارجيّة الأميركي كان في عهد أوباما كبير مدراء مجلس الأمن القومي للشؤون الإسرائيليّة الفلسطينيّة، يشغل حاليًا منصب مدير مجلس الأمن القومي لشؤون مصر، والأردن وإسرائيل وفلسطين، بحسب المصادر. وتجدر الإشارة إلى أنّ المسؤولين الصّحفيّين في البيت الأبيض ومجلس الأمن القومي لم يجيبوا على استفسارات المونيتور بشأن التّعيينات).

قال الموظّف السّابق في وكالة المخابرات المركزيّة ومجلس الأمن القومي كين بولاك إنّ ديفيد بتريوس، قائد القوات الأميركيّة السّابق في العراق وأفغانستان ومدير وكالة المخابرات المركزيّة في ما بعد، هو من اختار بعناية هارفي ورايبورن ليضعا استراتيجيّة زيادة القوّات للقضاء على التمرّد في العراق وترسيخ الاستقرار فيه. وقال بولاك، الذي يعمل الآن مع مؤسّسة بروكينغز، للمونيتور، إنّ "هؤلاء الرجال جميعهم هم تحت حماية بتريوس".

وقال إنّ "هؤلاء ضباط عسكريّون غير عاديّين. يتمتّع كلّ من ديريك [هارفي] وجويل [رايبورن] بمعرفة هائلة بالشّرق الأوسط. وقد انتقاهما بتريوس للعودة إلى العراق لزيادة القوّات، في حرب على مستوى عالٍ". وأضاف بولاك، "كان بحاجة إلى رجال أذكياء للغاية يفكّرون بطريقة غير عاديّة، بطريقة عسكريّة".

وقال بولاك، "أدّوا جميعهم دورًا فعالاً في عمليّة زيادة القوّات. [أدركوا] أنّ الأمر مرتبط بالتطوّرات السّياسيّة والاقتصاديّة، وبحماية الجيش للنّاس الطّيّبين، بقدر ما هو مرتبط بقتل الأشرار – في الواقع، التّقليل من أهميّة قتل الأشرار، والاعتراف بأنّ القوّة العسكريّة جزء واحد من المعادلة فقط".

وبحسب خبير آخر، كان هارفي "مسؤول الاستخبارات العسكريّة على الأرض الذي كشف بذكاء طبيعة التمرّد العراقي عندما كان الجميع يحاول فهم المسألة في الأيّام الأولى من حرب العراق"، وفق ما أفاد به حسن حسن الذي أجرى مقابلة مع هارفي حول كتابه الذي ألّفه بالاشتراك مع مايكل ويس، والذي يحمل عنوان، "داعش: داخل جيش الإرهاب".

وقال حسن للمونيتور عبر البريد الالكتروني، مستقيًا المعلومات من كتابه، إنّ هارفي، الذي كان يعمل آنذاك مع فرقة العمل المشتركة المختلطة 7، في المقر الأميركي في العراق، "وجد أنّ التّمرّد السّنّي كان مزيجًا من الموالين لصدام، وهم عراقيّون سنّة أغضبتهم سياسات اجتثاث حزب البعث بعد الحرب وحلّ الجيش العراقي ما ترك الآلاف عاطلين عن العمل بين ليلة وضحاها. ومع أولئك، كان هناك بعثيّون سابقون أصبحوا متطرّفين في تسعينيّات القرن الماضي نتيجة للحملة الإيمانيّة التي أطلقها صدام حسين في أعقاب حرب الخليج الأولى".

وقال حسن عن تصوّر هارفي الأوّل لحوافز الثّورة العراقيّة، "كان الاستنتاج أنّ الهويّة العربيّة السّنيّة، والبحث عن السّلطة الضائعة والهيبة، هما الدّافع وراء التمرّد السّني".

انضمّ هارفي إلى وكالة استخبارات الدّفاع كمحلّل مدني في العام 2006 بعد أن قضى 26 عامًا كضابط في استخبارات الجيش متخصّص في قضايا الشّرق الأوسط. بعد العمل معه في العراق، قام بتريوس، الذي كان آنذاك قائدًا للقوّات الأميركيّة في أفغانستان، بضمّ هارفي في ما بعد "لإنشاء وكالة المخابرات الخاصّة به داخل [القيادة المركزيّة الأميركيّة]، بحسب ما أفاد به بوب وودوارد في كتاب "حروب أوباما". وكتب وودوارد أنّه انطلاقًا من مقرّ القيادة المركزيّة الأميركيّة في تامبا بفلوريدا، ومع العمل 15 ساعة في اليوم، استنتج هارفي أنّه "يمكن الفوز بحرب [أفغانستان]، لكنّ الحكومة الأميركيّة سيكون عليها تقديم التزامات ضخمة طويلة الأمد لسنوات، الأمر الذي قد لا يستسيغه النّاخبون".

لكنّ رؤية المكاسب التي حقّقتها الولايات المتّحدة في وجه التمرّد في العراق تضيع بعد أن سحب أوباما القوّات الأميركيّة في العام 2011 كانت تجربة محبطة للغاية بالنّسبة إلى كثيرين ممّن هم تحت حماية بتريوس وغيرهم من خرّيجي القيادة المركزيّة الأميركيّة، حول تامبا، حيث كان يعمل هارفي كمستشار وأستاذ في جامعة جنوب فلوريدا في الأعوام الأخيرة بعد تقاعده من وكالة استخبارات الدّفاع، بحسب خبير في خلية تفكير أطلع هارفي على بحثه.

وقال الخبير في خلية التفكير للمونيتور، مشترطًا عدم الكشف عن هويّته، "أعتقد أنّه من أجل فهم ديريك [هارفي]، عليك أن تفهم محيطه ما بعد العمل الحكومي في تامبا، حيث كان يتفاعل مع أشخاص من [قيادة العمليّات الخاصّة]/القيادة المركزيّة الأميركيّة. تامبا لديها وجهة نظر محدّدة للغاية حول الطّريقة التي انتهت بها الأمور".

وقال الخبير، "هم يعتقدون أنّنا خسرنا العراق. وأنّ أوباما أضعف موقفنا".

وشرح الخبير في خلية التفكير أنّه لدى إطلاع هارفي على المعلومات في الإطار الزمني للعام 2014، تمحورت أسئلته حول "إيران، وإيران، وإيران". "كان مركّزًا للغاية على كيفيّة صدّ أنشطة [إيران] المؤذية."

كان هارفي أيضًا "مدافعًا كبيرًا عن فلين" عندما كان هذا الأخير في وكالة استخبارات الدّفاع، بحسب ما قاله الخبير في خلية التفكير. قيل إنّ فلين، الذي عمل كرئيس لوكالة استخبارات الدّفاع بين عامي 2012 و2014، أجبر على ترك منصبه قبل عام من انتهاء ولايته بسبب تصادمه مع رؤساء الاستخبارات المدنيّة، بمن فيهم مدير الاستخبارات القوميّة. وقد تحدّث فلين، 59 عامًا، عن خيبة أمله في ما وصفه إهمالاً من جانب إدارة أوباما لما رآه كزعزعة متزايدة في الاستقرار في العراق وقيام داعش، وزعم أنّ التّقارير الاستخباراتيّة التي كانت تصل إلى البيت الأبيض عندما كان رئيسًا لوكالة استخبارات الدّفاع كانت، برأيه، تقلّل من أهميّة الخطر المتنامي.

وقال فلين للصّحفي جيمس كيتفيلد في خبر نشرته صحيفة "بوليتيكو" يوم 16 تشرين الأوّل/أكتوبر بعنوان "كيف أصبح مايك فلين أكثر جنرالات أميركا غضبًا"، "قرأت الإحاطات الرّئاسيّة اليوميّة ومحاضر اجتماعات نواب مجلس الأمن القومي، فاتّضح لي إلى حدّ كبير أنّ الإبلاغ عن الخطر الإرهابي المطروح في سلسلة قيادة أجهزة الاستخبارات كان شديد الاختلاف عمّا كان يُعرَض في المستويات العليا من الحكومة". وأضاف فلين أنّ "المعلومات الاستخباراتيّة أظهرت بوضوح أنّ تنظيم القاعدة وفروعه لم يكونوا فارّين، بل كانوا في الواقع يتوسّعون بشكل سريع. كان عدد الهجمات الإرهابيّة يرتفع، والعراق يبدأ بالاشتعال من جديد. إذًا هذه كانت كذبة أوباما الكبيرة - أنّ العدوّ كان في حالة فرار، وأنّنا كنّا نهزم هؤلاء الأشخاص".

وفقًا لمساعديه، كان هارفي متعاطفًا مع مخاوف فلين.

وقال الخبير إنّ هارفي "كان يُعتبَر بارعًا، ومشاكسًا بعض الشّيء... وإنّه يتمتّع بملامح في شخصيّته تشبه إلى حدّ ما الجنرال فلين". "هما يتمتّعان بذكاء متّقد. عندما يكونان مقتنعين بأنّهما يعرفان حقيقة أمر ما، يصبّان كامل تركيزهما عليه.... وذلك خلق أحيانًا مشاكل وقطع العلاقات التي كان يتمتّع بها في وكالة استخبارات الدّفاع".

يتشارك هارفي ورايبورن أيضًا رؤية فلين الكئيبة لإيران، وذلك نظرًا أيضًا إلى تجربتهما كشاهدين على قتل الميليشيات المدعومة من الحرس الثّوري الإيراني للقوّات الأميركيّة والحليفة في العراق بالعبوات النّاسفة.

وقال بولاك إنّ "كلّ هؤلاء الرّجال خرجوا من تلك التّجربة العسكريّة، في العراق وأفغانستان، حيث لم يكن الإيرانيّون في صفّنا. كان الإيرانيّون يدعمون بدرجة كبيرة الأشخاص الذين يقتلوننا. وبالتالي ما رأوه كان قيام إيران بشنّ حرب علينا مع حصانة نسبيّة".

وأضاف بولاك أنّ هارفي ورايبورن أصيبا بخيبة أمل عند انسحاب أوباما من العراق، واعتقاده بأنّ "الانسحاب سيحسّن الأوضاع".

قال دبلوماسي سابق من المنطقة لم يرد إسناد الكلام إليه، "عملوا جميعهم في العراق"، مشيرًا إلى هارفي ورايبورن وفريقهما. "خسروا عددًا كبيرًا من الجنود والزّملاء في العراق بسبب العبوات النّاسفة الإيرانيّة".

وأكمل الدّبلوماسي الإقليمي السّابق بقوله "إنّهم يعرفون تعقيد المسألة. هم يميّزون بين الإسلام السّياسي والنّظام القبلي والنّاس العاديّين فحسب. هم عملوا في العراق لسنوات طويلة. ولديهم [آراء] جيّدة وحكيمة".

وأضاف أنّهم مؤخّرًا، "يفكّرون كيف سيمارسون ضغطًا إضافيًا على الأسد. كيف ستقام المناطق الآمنة، ومناطق الحظر الجوّي، و[ما هي] الخيارات، جغرافيًا، أين يمكن أن يكونوا.... هم لا يثقون بروسيا".

وقال الدّبلوماسي السّابق أنّ مجلس الأمن القومي في عهد أوباما ربّما كان أكثر عقلانيّة لكنّ فريق فلين يتمتّع بـ"فهم أفضل وعملي أكثر على الأرض". وأضاف أنّه في الوضع المثالي، سنرى "شخصًا ما بين" العقلاني والتّنفيذي.

نظرًا إلى استعمال العبوات النّاسفة المدعوم من إيران وهجمات الميليشيا التي استهدفت قوّات أميركيّة في العراق، والضّغط الإيراني المبلَّغ عنه على رئيس الوزراء العراقي آنذاك نوري المالكي الذي قضى على خيارات تعزيز القوّات الأميركيّة في العراق في العام 2011؛ الملفت هو غياب أيّ هجمات كبيرة مدعومة من إيران على القوّات الأميركيّة التي عادت إلى العراق منذ العام 2014 لمساعدة القوّات العراقيّة والكرديّة على محاربة داعش.

مع ذهاب فلين إلى منصّة البيت الأبيض الأسبوع الماضي للإنذار "بأنّنا نوجّه تحذيرًا رسميًا لإيران"، بعد قيامها باختبار لصاروخ باليستي إيراني يوم 29 كانون الثاني/يناير، قال مسؤولون كبار في الإدارة إنّ إيران عليها اتّخاذ الخيار بشأن "سلوكها في المنطقة" المزعزع للاستقرار.

لكن بما أنّ كلّ إدارة أميركيّة جديدة تأتي وتنتقد التي سبقتها – كما فعل أوباما بقرار بوش غزو العراق في العام 2003، وكما فعل ترامب بقيام أوباما بترك فراغ في العراق ملأه داعش وأيضًا بقرار بوش غزو العراق – هل من خطر بأن يكون الأشخاص تحت حماية بتريوس يخوضون الحرب التي تركوها منذ بضعة أعوام، على الرّغم من تطوّر الوضع على الأرض والتزام القوّات الأميركيّة والإيرانيّة في العراق بما يشبه الهدنة الباردة على ما يبدو؟

قال بولاك إنّ هؤلاء "ليسوا أشخاصًا توقّفوا عن الاهتمام بالشّرق الأوسط عندما استلم أوباما الحكم. هم يدركون جيّدًا أنّ الميليشيات المدعومة من إيران لا تهاجم الولايات المتّحدة [في العراق]. هذا لم يغب عن ضباط المستوى المتوسّط".

لكنّ المسألة بحسب بولاك هي مقدار النّفوذ الذي سيتمتّعون به.

وأضاف، "هؤلاء رجال أذكياء للغاية وقادرون... [وسيحرصون] على أن يحصل رئيسهم على وجهات النّظر المتنوّعة. لكنّهم لا يعطون الأوامر".

http://www.al-monitor.com/

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق