q

ثلاثة أركان لا مجال لإهمالها أو التشبث بغيرها، عندما يقرر الفرد، الجماعة، المجتمع، الدولة، الوصول الى البناء الناجع، هذه الأركان مترابطة مع بعضها لدرجة أن اعتماد أحدها، وإهمال الركنين الآخرين، لا يمكن أن يسهم في تحقيق النتيجة المبتغاة، وهذا يعني أن اعتماد الصبر وحده على الرغم من أهميته لن يقود الإنسان الى البناء الأصح، كذلك تعجز الإرادة وحدها عن تحقيق الهدف ذاته، وكذا الحال بالنسبة للإرادة التي لا تقترن برؤية عملية واضحة مدعومة بالصبر والتأني والإصرار التي تعد من أهم عناصر الصبر.

ربما يطرح أحدهم تساؤلات جوهرية حول السبل المتاحة لبناء المجتمع، فقد يكون هذا الهدف أهم من الفرد، أو الحزب، أو الجماعة، ولكن تبقى أهمية تحقيق البناء الناجع هدفا (فرديا وجماعيا) غاية في الأهمية، فالمجتمعات كما أظهرت لنا سجلات التجارب والوقائع، تبني نفسها بالإرادة، والصبر، والعمل المنظّم، وتنبذ المجتمعات المتقدمة جميع المعوقات التي تقف كحجر عثرة في طريق البناء السليم القائم على الأركان الثلاثة التي تحقق أقصى درجة ممكنة من النجاح والتفرد والتميز المستدام.

من الواضح أن الأركان التي تم اختيارها لم تحصل جزافا، فلكل ركن منها رحلة كبيرة في عالم البناء، فجميع المؤشرات الواقعية تدل على أن الدول المتميز ببنائها الرصين، قد بلغت درجة التميز والتفرد، بعد أن صممّت وقررت طرد القيم المتخلفة التي تتضاد مع قيم الصبر والإرادة والعمل، فيما بقيت مجتمعات ودول أخرى تتخبط في الجهل والاحتراب والتراجع الى الوراء، بسبب اعتناقها للقيم المتخلفة، وتمسكها بها، وكأنها دستور لا يجوز تجاوزه، وهكذا ترعى الدول والمجتمعات المتخلفة كل العادات الرديئة المضادة للأركان التي تُبنى على أساسها الدول والجماعات والأفراد على حد سواء، فالتضارب بين هذه الأركان والقيم المعيقة للبناء والتقدم أمر متوقّع، لاسيما أن هناك من يسعى لإدامة المعوقات حتى يبقى الجهل والكسل والتخلف عناصر تثقل كاهل الفرد والدولة والمجتمع.

لذلك من المهم أن يضع صناع القرار، والنخب في حساباتها ضمن البرمجة والتخطيط، تلك الأركان الثلاثة، تحقيقا للبناء المرسوم وتجاوزا للإشكاليات التي قد تعترض طريق البناء، كذلك من المهم جدا عدم تبرير التهرّب من المسؤولية الوظيفية أو العملية مع دعمها بعنصري الإرادة والصبر، بعد اعلان الصراع بحزم ضد منظومة القيم المتخلفة التي قد يحتمي بها بعض المسؤولين أو الموظفين ممن لا يؤمن بالأركان الثلاثة للبناء، بل هناك من لا يؤمن مطلقا إلا بما يحقق له منافع مادية آنية وفورية حتى لو كانت على حساب التخطيط طويل المدى أو ما يسمى بالمنهج الإستراتيجي للبناء.

لذلك لابد أن يكون هنالك تصدي قائم على الإرادة والصبر والعمل لكل من يسعى لتدمير أسس وقواعد البناء والتطوير الذاتي والجمعي، فثمة بعض المسؤولين من يكون مستعدّا لبيئة التخلف ومستأنسا بها ومتناغما معها، وربما يتطيّر الأركان التي تسهم بصورة فعالة في تحقيق البناء الناجع للفرد والدولة والمجتمع، ولعل الأسباب هنا واضحة كل الوضوح، فالعنصر أو الجهة او المسؤول غير مستعد لبذل أي مجهود كي يتصدى لمسؤولياته كونها تتطلب نوعا من الالتزام والجهد والجدية والإرادة والصبر والعمل المتواصل، ربما يحاول ربط ذلك بالمصلحة الفردية او العائلية او الحزبية، وعندما يصل الى نتيجة عدم الاستفادة فإنه سوف يتحول الى عامل او عنصر إعاقة لتحقيق أو إكمال البناء الناجع.

قد نجد هناك من يحتمي بالذرائع التي تجعله قادرا على التملص من القيام بمسؤولياته، ولكن في جميع الأحوال، يمكن كشف الحقيقة، وحالات التلكؤ لا يمكن إخفاؤها دائما، لهذا ينبغي رفض التقاعس والكسل والتذرع بأسباب واهية، ولابد أن يتم رصد الأسباب التي تكمن وراء السلوك الذرائعي، فهناك منظومة التربية التي يعيشها المجتمع المتأخر، فالطفل يفتح عينه وحواسه على محيط عائلي هو نفسه متأخر، ومتمسك بقيم بالية، لهذا تُبنى شخصية الطفل بزرع قيم بالية ترسخ في عقله ونفسه وتفكيره وسلوكه، وعندما يكبر الطفل ويعي الأشياء على حقيقتها، سوف يجد نفسه مكبلا بمنظومة من القيم والتقاليد والعادات البائسة التي لا تعترف بالصبر ولا تعتقد بالعمل كوسيلة للبناء، ولا ترى أية أهمية للإرادة في البناء والتطور المستدام.

ولذلك ينبغي التنبّه الى قضية مهمة تتعلق بالجانب التربوي داخل الحواضن الاجتماعية والدراسية وحواضن العمل على اختلاف أشكالها وأنواعها، فعندما ينتقل الطفل الى محيط أوسع من العائلة، أي الى المحيط المدرسي، فربما يعايش منظومة قيم بائسة، فالأطفال الذين يتواجد معهم يحملون نفس ما يجمله الطفل من قيم متراجعة، وكذلك بالنسبة للكادر التدريسي، كونهم نتاج المجتمع نفسه، فيبدأ الطفل رحلة جديدة مع القيم والعادات البالية المضادة لأركان البناء وهي ثلاثية الصبر الإرادة العمل، فتنمو معه حالة التهرّب من المسؤولية، وضعف الإرادة والخمول والعجز، الأمر الذي يشل قدرات الأفراد والمجتمع، ويجعل من فرص البناء الناجع غير متاحة أو تتم عرقلتها وتأخيرها بطريقة أو أخرى.

في مثل هذه الأوضاع الشائكة، والرفض لقواعد التغيير وأسس البناء، سوف يصبح الشعب كله متهرّبا من المسؤولية التي تقع على عاتقه، لذا نجد الجميع يرددون، هذا لا يعنيني، وماذا أفعل هذه حدود إمكانيتي، وغيرها من تبريرات، يرددها الجميع، ويتمسك بها الجميع، والنتيجة فشل مجتمعي شامل، يدل على غياب الإرادة والصبر والعمل على تحقيق البناء الناجع، وفقا للأركان الثلاثة التي لا يمكن أن يتحقق من دونها الأهداف التي يصبو إليها الجميع، ونعني بها تحقيق البناء الناجع للدولة والمجتمع.

اضف تعليق