q
إسلاميات - الإمام الشيرازي

شورى المراجع وإنجاز الوحدة

رؤى من أفكار الامام الشيرازي

تزداد البلاد العربية والإسلامية تمزقا وحروبا وفقرا وقد أصبحت نهبا للذئاب والضباع المتطرفة التي اخذت تقتل وتحرق وتهدم وتغتصب بلا أي رادع، يقول الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي في كتابه السبيل الى انهاض المسلمين: (إن الاصطدام بسلسلة من المشاكل هو النتيجة الطبيعية للذين يعرضون عن ذكر الله ولا يطيعون أوامره في الدنيا، وفي الآخرة الخسران المبين، وقد رأينا قصة المسلمين في الدنيا بأُم أعيننا، فالمسلمون قد تشتتوا وتفرّقوا وصاروا طرائق قدداً، ونصبت الحدود المصطنعة بين بلادهم، فبينما كان المسلم أخ المسلم أصبح عدواً له (يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار)، نزلت هذه الآية في شأن الكفار، أما الآن فقد صارت منطبقة على المسلمين وها هم المسلمون متأخرون في كل مكان، ثقافياً وسياسياً واقتصادياً).

وقد انشغل بعض قادة المسلمين المخلصين كثيرا في تحقيق هذا الهدف، لاسيما مراجعنا العظام، إلا أن الأنظمة الاستبدادية السلطوية الحاكمة (التي تتضخم شعاراتها الوحدوية)، يحققون اجندة المعادين للمسلمين، بتمزيق نسيج الامة، وجعلها امة متناحرة متحاربة، ضعيفة لا تقوى على مواكبة العصر ومستجداته، خاصة العلمية منها، وهكذا يبقى المسلمون تحت سطوة الدول الكبرى، طمعا في خيراتهم، وخشية من اتفاق المسلمين، وتصدرهم لقيادة العالم في حال تمت هذه الوحدة على الوجه الأكمل والامثل.

ويقول الامام الشيرازي في السبيل: (إن أكل الثورة لأبنائها "طبيعي" في حالة غياب الوعي الجماهيري وفي حالة عدم توزيع القوة وانحصارها بفئة واحدة).

انقاذ الامة من التمزق

ولتخليص الامة من التشتت يؤكد الامام الشيرازي، (رحمه الله)، على نظرية شورى المراجع الفقهاء كمنطلق لوحدة الامة وتماسكها حيث يقول في كتابه القيم الموسوم بـ (الشورى في الاسلام): (إنّ عدم تطبيق الشورى سيجعل الفاصلة بين الحاكم والمحكومين شاسعة وكبيرة، فيأخذ كل طرف بقذف الطرف الآخر، وهنا يبدأ الصراع، فيأخذ الحاكم الـذي يسمي نفسه بالإسلامي بمهاجمة المسلمين ويقذفهم بمختلف أنحـاء التهم، ابتداءاً مـن ضد الثورة أو ضد الحاكم أو عملاء للاستعمار والأجنبي وانتهاءاً بأنهم رجعيون خرافيون، وانهم كسالى عاطلون، إلى غير ذلك من التُهم والافتراءات).

ويضيف الامام الشيرازي في نفس الكتاب:

(ليست المشكلة فقط في الحكام المستبدين والمتزلفين الذين يدورون حوله وينالون من ماله وجاهه، ولذا يسحقون وجدانهم فيطرونه ويكيلون الثناء والمديح له جُزافاً، ويعملون بأوامره حتى في قتل الأبرياء وهتك الأعراض ونهب الأموال. بل الطامة الكبرى في الرحم التي تولّد هؤلاء الحكام، وهي الأمة، فإذا لم تكن الأمةُ ضعيفة وفيها قابلية لتقبل الاستبداد، لما كان بإمكان الحكام الطغاة من السيطرة عليها، فالأمة إذا صارت كالجسم الضعيف تسلط عليها المرض من كل مكان، بينما الأقوياء لهم المناعة في طرده عن أجسامهم. ولذا فمهمة الوعاة رَفعُ هذا المرض عن الأمة حتى لاتستعد لتقبُّل المستبد، وحينذاك لا تجد أثراً منه، ولذا قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): (لولا… ما أخَذَ اللهُ علـى العُلماءِ أنْ لا يقّاروا على كِظةِ ظالـم ولا سَغَب مَظلوم لألقيتُ حَبْلَها على غارِبها ولسقيتُ آخـرِها بكأسِ أوّلِها).

المراجع حصن الامة

فالفقهاء والمراجع يجسدون إرادة الامة وهم قادرون على جمع طاقاتها في بوتقة واحدة لو تحقق مجلس لشورى الفقهاء المنتخب الذي سيصبح حصنا للامة وموحدا لها وضامنا لإرادتها الحقيقية بعيدا عن الاستئثار والتفرد.

يقول الامام الشيرازي في كتاب الشورى في الإسلام:... الفقهاء بأنفسهم، وهم في قمة التعقل والعدالة (بعد المعصومين عليهم آلاف التحية والسلام) لا يحتكرون الأمر لأنفسهم، وهم العالمون بأنّ الاستشارة خير مظهر لأوجه الرأي، وتوصلهم إلى أَحسن النتائج. فإذا طبِّقت الاستشارة في كل هذه الشؤون، من القرية إلى المدينة، ومن اتحاد الطلبة إلى أكبر إدارة للشؤون الاجتماعية، تظهر الكفاءات، وتتقدم عجلة الحياة إلى الأمام بسرعة كبيرة.

علماء أنقذوا الامة

إننا عندما نتكلم عن قدرة المراجع العظام على تحقيق هذا الهدف الكبير (وحدة المسلمين)، فإننا ننطلق من أرضية الواقع والشواهد التاريخية التي اثبتت امكانية تحقيق ما ذهبنا إليه، لاسيما أن مبدأ التشاور بين مراجع الامة في متناول اليد، وهو اسلوب حضاري طبقه المسلمون في ادارة شؤونهم منذ العهد النبوي الكريم، كما أن تاريخ المراجع العظام يؤكد وجود الشخصيات والعقول والارادات القادرة على انتهاج الشورى كسبيل للوصول الى أكثر الاهداف صعوبة وتعقيد.

يقول الامام الشيرازي في (المرجعية الاسلامية): (إذا ما نظرنا إلى التاريخ فسنلتقي بسجل حافل مملوء بصور مشرقة عن حياة العلماء الذين أدوا الأدوار الكبيرة في حياة الأمّة الإسلاميّة... فهناك من العلماء من أنقذ الأمّة من الضياع في متاهات التيارات المنحرفة... وهناك من العلماء من صان وحدة المسلمين كالعلاّمة الحلي قدس الله روحه) من خلال التعاون والاتفاق كما حصل أيضا في ثورة العشرين بالعراق تشكيل الدولة العراقية الحديثة. لذلك فان منهج الشورى بين المراجع سيكون طريقا لتحقيق الوحدة السياسية والاقتصادية بين مختلف الجماعات في الابلاد الإسلامية.

وهذا يستدعي بطبيعة الحال جملة من الاستعدادات والخطوات التمهيدية اللازمة لإنجاز ذلك، فمن دون الاستعداد والتفاهم والتقارب بين مراجع المسلمين، ومن ثم التشاور حول الخطوات الاجرائية الممكنة، لا يمكن ان تتحقق أهداف المسلمين المصيرية، لاسيما أننا نمتلك تاريخا حافلا بإنجازات المراجع والعلماء الاجلاء، الذين انتهجوا منهج التشاور فيما بينهم، فتمكنوا من صيانة وحدة الامة وتمكنوا من درء مخاطر الفرقة والفتنة عنها.

وتحقيق هذا الهدف المصيري سيتم، اذا ما توافرت له المتطلبات والمستلزمات والشروط اللازمة، عبر خطوتين:

الخطوة الاولى: أن تكون هناك وحدة داخلية بين مراجع الشيعة وهذا يستدعي نبذ الخلافات وتوحيد الاراء بين مراجع المسلمين كافة، وأن يتم ترك الخلافات كافة، والتشاور حول الكيفية التي يمكن ان تحقق وحدة المسلمين بصورة تامة، مع التخطيط للعمليات الفعلية والاجرائية في هذا المجال، ولاشك أن هذه الخطوة تتطلب حوارات متبادلة بين مختلف الاطراف لتحقيق الانسجام والتقارب، علما أن الاهداف المصيرية الجهد الكبير لتقريب وجهات النظر وتعزيز الثقة وحبل القواسم المشتركة، التي من شأنها رأب الصدع وتحقيق مصلحة الامة.

الخطوة الثانية: وهي تتعلق بأهمية بل حتمية تحقيق الانسجام بين عموم المسلمين مع الإبقاء على المعتقدات المتنوعة لكل طائفة لأن المهم هو أن يتم تحقيق الوحدة السياسية والاقتصادية بل الجغرافية وترك الخلافات الصغيرة، والعمل ضمن رؤية الشورى التي تجعل قادة المسلمين على كلمة ورؤية واحدة، هدفها الاول والاخير خدمة المسلمين كافة، من دون تفريق بين مكون او آخر.

ويرى الامام الشيرازي ان، (الوحدة الإسلامية كشعار وكبديل لعواطف غير نابعة من القلب شيء سهل، أما إلباسها لباس الواقع المباشر، فهو بحاجة إلى طرح متكامل، يلف الأمة والدولة من ناحية، ومختلف الاتجاهات التقليدية والمراجع والعلماء من ناحية ثانية). فالوحدة لا تعني عدم البحث والحوار والدفاع عن المعتقد، بل تعني التنسيق والتعاون في قبال العدو المشترك وفي نقاط الاشتراك، بل إن الوحدة المبنية على فتح باب الحوار بحرية تامة ستكون أعمق وأوثق، وستدفع نحو التقارب الثقافي والفكري أكثر فأكثر، وغيرها ليس أكثر من تظاهر ونفاق عادةً، وبعبارة أخرى ينبغي أن تتكامل قيمة الوحدة مع قيمة الحرية لا أن تلغيها.

ان قوة الامة ستزداد وتكبر وتتعاضد وتتعاون بالشورى والتعددية والتنوع والحوار واحترام الآخر وحمايته، اما الاستفراد والاستبداد والاستئثار وإلغاء الآخر وقمعه ماديا ومعنويا فإنها ستؤدي الى تشرذم الامة وسقوطها في الحضيض.

اضف تعليق