q

استطاع الرئيس السوري بشار الأسد بعد التدخل العسكري الروسي الكبير، أن يقلب الطاولة على جميع خصومه، حيث نجح الاسد وكما نقلت بعض المصادر الذي بقي لسنوات محور حملات عنيفة من دول غربية وعربية تطالب برحيله، في تكذيب كل التوقعات، نتيجة قناعة بعدم وجود بديل له، وخصوصا بفضل دعم لا شائبة فيه من روسيا وايران، وفق ما يرى محللون. وخلال ما يقارب الست سنوات، استند الاسد الى جيش استنفدت قواه في معارك قاسية، لكنه بقي وفيا للنظام، والى جهاز استخبارات مخلص وشريحة من الشعب، بعضها موال وبعضها يخشى الجهاديين. في المقابل، واجه معارضة مشتتة ومنقسمة لم يشأ داعموها يوما التدخل عسكريا الى جانبها.

ويقول الدبلوماسي الهولندي السابق والخبير في الشؤون السورية نيكولاس فان دام "لطالما كان الامر بالنسبة الى الاسد معركة حياة او موت. لم يكن خيار وقف الحرب مطروحا لديه اصلا. فإما النصر او الهزيمة". ويرى مؤلف كتاب "القتال من اجل السلطة في سوريا" ان "النظام يمتلك خبرة عمرها نصف قرن حول كيفية البقاء في السلطة. كما يحظى بدعم الجيش والاجهزة الامنية". ووصل بشار الاسد (51 عاما) الى السلطة في العام 2000 بعد وفاة والده الرئيس السابق حافظ الاسد الذي حكم سوريا بقبضة من حديد طيلة ثلاثين عاماً. ومع اندلاع "الربيع العربي"، واجه الاسد حركة احتجاجات ضخمة في العام 2011، تدخلت فيها دول وجهات مختلفة سعت الى تدمير سوريا من اجل تحقيق مصالحها في المنطقة.

ولدمشق علاقة وثيقة مع موسكو وطهران تعود الى اكثر من اربعين عاما، اي الى مرحلة الاتحاد السوفياتي من جهة والحرب العراقية الايرانية في الثمانينات من جهة ثانية. ويقول الباحث في العلوم السياسية في المعهد العالي للدراسات الدولية والتنمية في جنيف سهيل بلحاج "هي علاقة قديمة قائمة على لقاء المصالح المادية والاستراتيجية والايديولوجية، هي مصالح ما زالت قائمة حتى اليوم". ويوضح "اثبت النظام السوري ايضا منذ بدء هذا التحالف انه حليف موثوق به عسكرياً واستراتيجياً وسياسياً وايديولوجياً واقتصادياً". مع مرور الوقت منذ بدء النزاع السوري، خسرت الفصائل المقاتلة تدريجيا الكثير من الدعم..

صحة الأسد

وفي هذا الشأن ذكرت وسائل إعلام أن الرئيس السوري بشار الأسد التقى مع رجال صناعة من دمشق تضرروا من الحرب في أول اجتماع له ترد أنباء بشأنه منذ سريان شائعات عن اعتلال صحته. واستقبل الأسد أصحاب الشركات من العاصمة وريفها لبحث التحديات التي يواجهونها خلال الصراع الذي يمر بعامه السادس حاليا. ونشرت الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا) صورا للأسد في اجتماع ونقلت عنه إشادته بإسهامات رجال الصناعة في الاقتصاد السوري الذي دمرته الحرب.

وسرت تكهنات في الأيام الأخيرة على وسائل التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الإخبارية بأن الأسد (51 عاما) في حالة حرجة مستشهدة بشائعات عن إصابته بجلطة أو حتى إصابته بالرصاص. ونفت الحكومة السورية شائعات عن تردي الحالة الصحية للرئيس بشار الأسد وقالت إنه "يمارس مهامه بشكل طبيعي تماما". وقال مكتب الأسد في بيان "إن رئاسة‭ ‬الجمهورية إذ تنفي كل هذه الأخبار جملة وتفصيلا وتؤكد عدم صحتها على الإطلاق وبأن الرئيس الأسد بصحة ممتازة."

وذكرت سانا أن الأسد تحدث هاتفيا مع نظيره الفنزويلي نيكولاس مادورو في أول تقرير لوسائل إعلام حكومية يعرض بالتفصيل لأنشطة الأسد منذ ظهور شائعات تردي حالته الصحية. وفي العام السابع عشر له في الرئاسة باتت للأسد اليد العليا في الحرب السورية بمساعدة حليفيه روسيا وإيران اللتين حولتا مشاركتهما العسكرية دفة الصراع لصالحه. واستعاد الجيش السوري وحلفاؤه منطقة وادي بردى قرب دمشق فيما يمثل ضربة جديدة لمقاتلي المعارضة الذين يحاربون منذ سنوات لإسقاط الأسد. وجاءت استعادة وادي بردى بعد أسابيع من إجبار جماعات معارضة على الانسحاب من مناطق سيطرت عليها لسنوات في شرق حلب آخر معقل حضري كبير لها في سوريا. بحسب رويترز.

وتمثل استعادة السيطرة على حلب بالكامل أهم مكاسب الأسد حتى الآن في الصراع. ولا تزال أجزاء من سوريا خارج سيطرته بما في ذلك محافظة دير الزور بشرق البلاد الخاضعة لسيطرة تنظيم داعش بالإضافة إلى أجزاء كبيرة في الشمال تسيطر عليها جماعات كردية وجيوب من الأراضي تسيطر عليها المعارضة في غرب سوريا.

الدفاع عن البلاد

الى جانب ذلك أكد الرئيس السوري بشار الاسد في مقابلة ان الدفاع عن بلاده يتقدم على ما يمكن ان تقوم به محكمة العدل الدولية لجهة ملاحقة مسؤولين سوريين، واصفا المؤسسات الدولية بانها "مسيسة ومنحازة". واجرت وسائل اعلام بلجيكية المقابلة مع الاسد قبل صدور تقرير لمنظمة العفو الدولية يتهم السلطات السورية بتنفيذ اعدامات جماعية شنقا خلال خمس سنوات بحق 13 الف معتقل في سجن صيدنايا قرب دمشق.

وقال الاسد في المقابلة التي نقلتها وكالة الانباء السورية الرسمية (سانا) "نعرف جميعا أن مؤسسات الأمم المتحدة ليست حيادية، إنها منحازة بسبب النفوذ الأميركي والفرنسي والبريطاني بشكل رئيسي (...) إنها مسيسة وتعمل على تنفيذ أجندة تلك البلدان". وجاء ذلك ردا على سؤال حول احتمال قيام محكمة العدل الدولية بملاحقة مسؤولين سوريين بارتكاب جرائم ضد الانسانية وجرائم حرب. واضاف الاسد "بالنسبة لي كرئيس، عندما أقوم بواجبي، والأمر نفسه ينطبق على الحكومة وعلى الجيش، في الدفاع عن بلدنا، فإننا لا ننظر في هذه القضية ولا نكترث لها". وتابع "علينا أن ندافع عن بلدنا بكل الوسائل، وعندما يكون علينا أن ندافع بكل الوسائل الممكنة، فإننا لا نكترث لهذه المحكمة أو أي مؤسسة دولية أخرى". بحسب فرانس برس.

وأقرت الجمعية العامة للامم المتحدة في 22 كانون الاول/ديسمبر الماضي تشكيل مجموعة عمل مهمتها جمع ادلة حول جرائم حرب في سوريا، في خطوة قد تمهد لملاحقة مسؤولين امام القضاء. واعتبرت دمشق وقتها القرار مخالفا لميثاق الامم المتحدة ويشكل "تدخلا فاضحا في الشؤون الداخلية لدولة عضو في الامم المتحدة". واتهمت منظمة العفو الدولية في تقرير النظام السوري بتنفيذ إعدامات جماعية سرية شنقا بحق 13 الف معتقل، غالبيتهم من المدنيين المعارضين، في سجن صيدنايا قرب دمشق خلال خمس سنوات من النزاع في سوريا.

تركيا وبقاء الأسد

على صعيد متصل قال محمد شيمشك نائب رئيس وزراء تركيا إنه لم يعد بوسع أنقرة أن تصر على تسوية الصراع في سوريا بدون مشاركة الرئيس بشار الأسد إذ أن الحقائق على الأرض تغيرت كثيرا. وأصرت تركيا منذ وقت طويل على ضرورة مغادرة الأسد السلطة من أجل تحقيق سلام دائم في سوريا لكنها باتت أقل إصرارا على رحيله بشكل فوري منذ تقاربها في الآونة الأخيرة مع روسيا التي تدعم الرئيس السوري وقبيل محادثات سلام مزمعة في قازاخستان.

وقال شيمشك في جلسة عن سوريا والعراق في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس "فيما يتعلق بموقفنا من الأسد.. نعتقد أن معاناة الشعب السوري والمآسي يقع اللوم فيها بكل وضوح على الأسد بشكل مباشر. لكن علينا أن نتحلى بالنهج العملي والواقعية." وتابع يقول "الحقائق على الأرض تغيرت كثيرا وبالتالي لم يعد بوسع تركيا أن تصر على تسوية بدون الأسد. هذا غير واقعي." كان المتحدث باسم الرئيس التركي رجب طيب إردوغان قال إن أنقرة ما زالت تعتقد أن عودة السلام إلى سوريا وتوحدها بات مستحيلا في وجود الأسد لكنها تريد أن تتقدم "خطوة بخطوة" وانتظار نتيجة محادثات السلام في أستانة.

وقال الأسد كذلك في تصريحات لوسائل إعلام فرنسية إن حكومته مستعدة "للتفاوض حول كل شيء" بما في ذلك وضعه داخل إطار الدستور السوري لكنه أشار إلى أن أي دستور جديد يجب أن يطرح في استفتاء مضيفا أن الأمر يرجع للشعب السوري في انتخاب الرئيس. ويصر معارضوه منذ بدء الحرب الأهلية المستمرة منذ نحو ست سنوات على رحيله عن السلطة بموجب أي اتفاق سلام مستقبلي. لكن منذ أن انضمت روسيا إلى الحرب إلى جانبه في أواخر عام 2015 تعزز وضع حكومته على أرض المعركة بدرجة كبيرة مما أعطاه ثقلا أكبر الآن بالمقارنة بأي وقت مضى منذ بداية الحرب. وتشعر أنقرة الآن على ما يبدو بقلق إزاء تنامي النفوذ الكردي في سوريا أكثر من قلقها إزاء الإطاحة بالأسد فأصبحت تدعم المسعى الدبلوماسي.

جدول زمني

الى جانب ذلك قال وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون إن بلاده "منفتحة" بشأن جدول زمني لتخلي الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة ولم يستبعد الانضمام إلى روسيا في العمل العسكري ضد مقاتلي تنظيم داعش. وتساءل جونسون أمام النواب البريطانيين عما إذا كانت إدارة الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب تدرك تماما حجم النفوذ الإيراني في سوريا وقيمة الاتفاق النووي الذي أبرم بين طهران والقوى العالمية الكبرى.

وقال جونسون للجنة العلاقات الدولية بمجلس اللوردات "لا توجد خيارات جيدة هنا (في سوريا). لقد ظللنا نصر لفترة طويلة على شعار ينادي بضرورة رحيل الأسد ولم نتمكن في أي مرحلة من المراحل من تحقيق ذلك. "إذا كان هناك إمكانية لترتيب مع الروس يسمح للأسد بالتحرك صوب الخروج ويقلص في نفس الوقت نفوذ الإيرانيين في المنطقة بالتخلص من الأسد ويسمح لنا بالانضمام مع الروس في مهاجمة داعش واجتثاثها من على وجه الأرض ...فربما يكون ذلك سبيلا للمضي قدما." بحسب رويترز.

وبريطانيا جزء من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة وتشارك في الغارات الجوية على داعش في سوريا والعراق. وموقف الحكومة البريطانية هو أنه لا حل ممكنا للصراع السوري من دون الإطاحة بالأسد. كما ينتقد الوزراء البريطانيون التدخل العسكري الروسي دعما للأسد. بيد أن جونسون قال إن ثمة حاجة "للواقعية بشأن الطريقة التي تغير بها المشهد ولأن نفكر من جديد" مشيرا إلى أن من المتصور أن الأسد قد يترشح لانتخابات مستقبلية. وأضاف "وجهة نظرنا هي أن الأسد يجب أن يرحل وهو موقفنا منذ فترة طويلة. لكننا منفتحون بشأن كيفية حدوث ذلك والجدول الزمني لحدوثه." وتابع أن إدارة ترامب يجب أن تدرك أن أي اتفاق مع روسيا بشأن إنهاء الصراع السوري سيشمل أيضا "تسوية مع إيران" وهي حليف رئيسي آخر للأسد.

اضف تعليق