q

قد يكون البعض لم يسمع من قبل عن مشروع (جينوغرافيك بروجيكت) الذي أطلقته الجمعية الجغرافية الأمريكية على موقعها (ناشيونال جيوغرافيك) في بداية عام 2005 لدراسة وفحص أصول البشر ومنابتهم. لكن من المؤكد أن كثيرا منهم اطلعوا على أول خريطة بشرية، نشرها الموقع، وقامت قناة (العربية) ببثها في برامجها، وهي الخارطة التي أثارت لغطا لم يهدأ إلى الآن.

المدهش والغريب في الخارطة البشرية التي نشرت في وسائل الإعلام أنها أثبتت خلاف ما تدعيه بعض البلدان، ولاسيما منها البلدان العربية؛ التي تعتز بعروبتها، والتي صدعت رؤوسنا بأناشيدها التي تتغنى بالعروبة، وتمجدها بلا انقطاع، في وقت تتهم أكثر العرب نقاء بالأعجمية، إذ تبين من الخارطة المثيرة للجدل أن دولاً عربية عديدة، ينحدر أغلب سكانها من أصول غير عربية، مثل: مصر ولبنان وتونس.

فمصر التي تتربع على عرش أكبر الدول العربية من حيث السكان، والتي تطلق على نفسها اسم (جمهورية مصر العربية)، أثبتت الخريطة البشرية والتحليلات العلمية أن أغلب سكانها ليسوا عرباً، حيث خلص المشروع إلى أن المصريين من أصول عربية لا تتجاوز نسبتهم الـ 17% فقط من مجموع السكان، بينما تعود أصول 68% من المصريين إلى شمال إفريقيا، ونسبة الـ 15% المتبقية تعود لأصول ومنابت مختلفة ولكنها غير عربية.

وبالتالي تبين أن نسبة العرب في لبنان أكثر منها في مصر، فبحسب الخارطة البشرية هناك 44% من السكان اللبنانيين هم من أصول عربية، و 14% منهم من أصول يهودية، و10% أصولهم من آسيا، و 5 % من أصول أوروبية.

لكن النتيجة الأكثر غرابة تخص الجمهورية التونسية التي تبين حسب الخارطة البشرية أن العرب فيها لا يشكلون سوى نسبة 4% فقط من مجموع السكان، بينما الغالبية الساحقة التي تمثل نسبة 88% هم من أصول أفريقية والـ 8 % المتبقية من أصول ومنابت مختلفة.

وللذين يتهمون إيران بأنها عدوة العرب الأول واللدود؛ التي أضمرت لهم الشر عبر التاريخ، هيأت الخارطة البشرية مفاجأة غريبة من العيار الثقيل جدا، إذ تبين أن نسبة 56 % من الشعب الإيراني هم من أصول عربية، و24% منهم تعود أصولهم إلى جنوب آسيا، وتمثل نسبة الـ 20% الباقية من الإيرانيين خليطا من الأقليات والأصول والأعراق والمنابت المختلفة.

وعلى خلاف إيران نجد في بريطانيا التي طالما اتهمت بالهجان، باعتبار أن أغلب سكانها من المهاجرين ذوي الأصول المختلفة، أن 69% من سكانها هم من الأعراق الأصلية التي استوطنت في بريطانيا العظمى وأيرلندا.

فهل يعني هذا أن بعض بلداننا العربية سوف تعيد النظر في أولوياتها الإنتمائية، لتبني وفقا للمعطيات الجديدة خطوط علاقات جديدة، قد تغير علاقتها بالجغرافية والانتماء؟ وهل ستعيد بعض البلدان التي تدعي العروبة النظر في علاقتها من أبناء عمومتها الذين يسكنون في إيران؟

وأخيرا ألا يعني هذا أن البشر مهما اختلفت أصولهم وقومياتهم وانتماءاتهم وألوانهم وأجناسهم هم مجرد خلطة واحدة تكونت ونتجت من أجناس شتى تضم جميع الطيف البشري، بما يعني أن فينا وفي تكويننا تدخل الكثير من المكونات البشرية الأخرى البعيدة جغرافيا عنا؛ بما يدعونا إلى أن نحترم إخوتنا وأبناء عمومتنا وأقربائنا من البشر الآخرين، بدل أن نضمر لهم الشر، ونقابلهم بالعداوة؟!!

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق