q

تنصرف كلمة "الصحافة" إلى معنيين: الأول هو المعنى الضيق، ويشمل المطبوعات الدورية كالصحف اليومية أو الأسبوعية. والثاني هو المعنى الواسع، ويشمل إلى جانب الصحافة المطبوعة أو المكتوبة، الصحافة المسموعة أو المرئية، وكذلك الصحافة الالكترونية.

وفي كل الأحوال، يمكن تعريف "الصحافة" أنها المهنة التي تقوم على جمع وتحليل الأخبار والتحقق من مصداقيتها وتقديمها للجمهور. وهي تقوم بإخبار العالم بما يحصل، وتثقيف النّاس وتعليمهم بعض العلوم والقيم والأخلاق والمتعة والتّسلية... يقول الدكتور عبد اللطيف حمزة في هذا الجانب: (ان مسؤولية الحربين الأولى والثانية، ومسؤولية التوتر الدولي والبطالة والفقر والمرض والكراهية والبغضاء التي شاعت بين الشعوب وكانت السبب في إشعال نار هذه الحروب، ومسؤوليات التفرقة العنصرية وما تجره من الويلات على كثير من البلاد المتخلفة والمتحضرة على السواء، ومسؤولية القيم الأخلاقية التي انحطت هذه الأيام. كل هذه المسؤوليات الجسام إنما تقع على عاتق الصحافة).

منذ أن وجدت الصحافة، وهي جزء من الجهاز السياسي للدولة. ومن الأهمية بمكان القول إن ما تقوم به الصحافة -اليوم- هو الكشف عن مواطن الخلل والمشاكل التي تحدث في الدولة، فكل شيء يحدث في الدولة يمكن من خلال الصحافة أن يتم الكشف عنه وملاحقته إلى أن يتم تصويبه وعلاجه. كما تعد الصحافة وسيلة مهمة في الكشف عن الفساد وملاحقة الفاسدين وإثارة قضايا الرأي العالم التي تهم أفراد الشعب كافّة، كون قضايا الفساد تعتبر من القضايا المهمة التي من الممكن أن تؤثر على مسيرة الدولة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

ولكي تؤدي الصحافة دورها المجتمعي، وتعبر عن الحقيقة كما هي، لابد أن تكون مستقلة وحرة. وتعني حرية الصحافة، حرية الشخص في أن يقول أو يكتب ما يفكر به دون أن يطارد، وتشمل الحرية في استقصاء الإخبار وتلقيها وإذاعتها بأي وسيلة كانت دون التقييد بالحدود الجغرافية، وبأي شكل سواء كانت مكتوبة أو شفهية أو مطبوعة، وبأي وسيلة يختارها الشخص. كما تعني حرية الصحافة عدم تدخل الحكومة فيما ينشر، أو عدم فرض إرادتها على الصحافة بإلزامها بنشر أو الامتناع عن نشر مادة معينة، مادامت لا تتجاوز في ذلك حدود القانون.

نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 19 على أن "لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار، وتلقيها وإذاعتها بأي وسيلة كانت، دون تقيد بالحدود والجغرافية". وجاء في العهد الأممي للحقوق المدنية والسياسية، التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1966: المادة (19) "أن لكل إنسان الحق في اعتناق ما يشاء دون مضايقة، ولكل إنسان الحق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار، وتلقيها ونقلها إلى الآخرين في أي قالب وبأي وسيلة يختارها، ودون اعتبار للحدود".

ونص إعلان اليونسكو حول إسهام وسائل الإعلام في دعم السلام العالمي والتفاهم الدولي وتعزيز حقوق الإنسان ومكافحة العنصرية والتحريض على الحرب للعام 1978 في المادة الثانية "أن ممارسة حرية الرأي والتعبير وحرية الإعلام المتعارف عليها كجزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان وحرياته الأساسية هي عامل جوهري في دعم السلام والتفاهم الدوليين".

ليس هذا وحسب؛ بل عد الوصول إلى المعلومة التي تحتفظ بها الدولة جزء من حرية التعبير وحرية الصحافة، حيث نص التقرير الخاص للأمم المتحدة حول حرية الرأي والتعبير 1993: "إن حرية التعبير تتضمن الوصول إلى المعلومات التي تحتفظ بها الدولة، وتلقى التزامات إيجابية على الدول لضمان الوصول إلى المعلومات".

في الواقع، عندما يعمل الصحفيون في بيئة آمنة، يكون من الأسهل على المواطنين الانتفاع بالمعلومات الجيدة التي يقدمونها، ويمكن أن تصبح أهداف مجتمعية كثيرة قابلة للتحقيق، كضمان الحكم الديمقراطي؛ والحد من الفقر؛ وحماية البيئة؛ وتمكين النساء؛ وتحقيق العدالة؛ وبناء ثقافة حقوق الإنسان...

إلا أن الأمور لا تسير بالاتجاه الصحيح دائما، ذلك أن الصحفيين لا يمارسون مهنة الصحافة في العديد من دول العالم في أجواء طبيعية تمكنهم من نقل الحقيقية للجمهور، بل يتعارضون -وبشكل مستمر-إلى العديد من الانتهاكات والتجاوزات التي تعرقل نشاطهم، وتحد من وصولهم إلى المعلومة.

تقول الأمم المتحدة "توافرت في السنوات الأخيرة أدلة مثيرة للقلق على حجم وعدد الاعتداءات التي تستهدف السلامة البدنية للصحفيين والإعلاميين، والأحداث التي تؤثر في قدرتهم على ممارسة حرية التعبير ومنها التهديد بالمقاضاة، وعمليات الاعتقال والسجن التي يتعرضون لها، والتدابير المتخذة لمنعهم من مزاولة عملهم الصحفي، وعدم التحقيق في الجرائم المرتكبة في حقهم وعدم مقاضاة المسؤولين عن هذه الجرائم"

وحسب تقارير "مراسلون بلا حدود" فإن ثلث سكان العالم يعيشون في بلدان تنعدم فيها حرية الصحافة، والغالبية تعيش في دول ليس فيها نظام ديمقراطي أو حيث توجد عيوب خطيرة في العملية الديمقراطية. وقد أصدرت منظمة "مراسلون بلا حدود" في 2 تشرين الثاني 2016، قائمة بأسماء صيادي حرية الصحافة، تضم نبذة عن سيرة 35 من رؤساء الدول والسياسيين، كان من بينهم الرئيس التركي؛ رجب طيب أردوغان!

وقال تقرير "منظمة مراسلون بلا حدود" الذي ذكر جملة من صيادي حرية الصحافة منهم اردوغان إن " اساليب هؤلاء الصيادين تختلف على المستوى التقني، لكن الهدف واحد. فبينما يلجأ بعضهم إلى التعذيب والقتل عبر "أجنحته المسلحة" يفضل البعض الآخر الاعتقالات الجماعية والاحتجاز التعسفي. وهناك فئة أخرى تستعين بطرق ملتوية ووسائل أكثر مكراً، من خلال قوانين مكافحة الإرهاب تارة وتوجيه تهمة القدح في الذات الملكية تارة أخرى، أو باللجوء إلى أساليب الخنق المالي مثلاً "

يبدو أن حرية التعبير وحرية الصحافة في تركيا، بدأت تتلاشى بشكل ملحوظ في عهد الرئيس التركي اردوغان الذي أصبح من أكثر رؤساء العالم قمعًا للصحافة وحرية التعبير! ففي عهده، تمت مصادرة صحف وقنوات تليفزيونية، واعتقل عدد كبير من الصحفيين، وأغلق موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي، فضلا عن إطلاق رجال الأمن في الشوارع للقبض على أي متظاهر أو محتج يعترض على إدارته.

وهو أمر دعا الاتحاد الأوربي ومنظمات دولية لإصدار بيانات إدانة، ومطالب بتحسين أوضاع حرية الصحافة في ظل مساعي تركيا للانضمام للاتحاد. فقد دعا الاتحاد الأوربي تركيا إلى احترام حرية الإعلام، بعد أن اقتحمت الشرطة التركية صحيفة "زمان" المعارضة للرئيس أردوغان، والتي فرضت عليها الحراسة القضائية...

وقال المكتب الدبلوماسي للاتحاد الأوربي، في بيان له، إن "الاتحاد الأوربي شدد مرارا على أن تركيا، وبوصفها دولة مرشحة للانضمام إلى الاتحاد، عليها أن تحترم المعايير والممارسات الديمقراطية العليا، بما فيها حرية الإعلام" وجاء في البيان أن "الإعلام الحر والمتعدد والمستقل يشكل إحدى ركائز المجتمع الديمقراطي عبر تسهيل التدفق الحر للمعلومات والأفكار وضمان الشفافية والمحاسبة، وأن أي دولة، وخصوصا تلك التي تتفاوض على الانضمام للاتحاد، يجب أن تضمن الحقوق الأساسية، بما يشمل حرية التعبير ومحاكمات قضائية مناسبة تتماشى مع الاتفاقية الأوربية حول حقوق الإنسان". وقال الأمين العام للمنظمة كريستوف دولوار: إن السلطات التركية تضطهد الصحفيين أكثر مما تتعرض لجهاديي تنظيم داعش...

بناء على ما تقدم، ولضمان حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة في العديد من الدول ومنها تركيا، فان هناك الكثير من الأمور ينبغي أخذها بنظر الاعتبار، وهي:

1. يقتضي أن تتخذ الدول تدابير إيجابية واستباقية من بينها إيلاء اهتمام كاف وتخصيص موارد كافية من أجل منع الاعتداءات على الصحفيين، وكل من يعبر عن رأيه، ويكون هناك خطر تعرضهم للمضايقة بسبب هذه الآراء، واتخاذ تدابير خاصة للتصدي لتلك الاعتداءات بما في ذلك توفير الحماية.

2. يقع على الدول الالتزام بالتحقيق في أية تهديدات وأعمال عنف، بسرعة وشمولية وفعالية، بواسطة هيئات مستقلة ونزيهة.

3. إن انتهاك بعض الدول والجماعات حق الصحفيين في حرية التعبير وحرية الصحافة، لا يمثل اعتداء على الصحفيين فحسب، بل يُشكل انتهاكا لحق الجمهور في الحصول على المعلومات أيضا.

4. على الأمم المتحدة أن تعلن وبشكل واضح عن إدانتها لعمليات العنف التي تُرتكب بحق الصحفيين في تركيا.

5. أن تلزم هيئات الأمم المتحدة تركيا بالتحقيق في الجرائم المرتكبة ضد الأشخاص لمنعهم من ممارسة حرية التعبير ومحاكمة مرتكبي هذه الجرائم بفعالية.

6. يجب كفالة جبر الضرر للصحفيين الذين انتُهكت حقوقهم في تركيا. وينطوي الجبر عموما على تعويض مناسب، وتدابير الترضية كالاعتذارات العلنية، وإجراء تغييرات في القوانين والممارسات ذات الصلة.

...................................................

** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات/2009-Ⓒ2017

هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...

هـ/7712421188+964
http://ademrights.org
[email protected]

اضف تعليق