q

وفاة رئيس مجلس تشخيص النظام في إيران علي أكبر هاشمي رفسنجاني عن عمر يناهز الـ82 عاماً، تركت وكما يرى بعض المراقبين الكثير من علامات الاستفهام حول مستقبل ايران السياسي، خصوصا وان هذا الرجل يعد من الرموز المهمة في التيار الديني، وله دور فعال ومؤثر في العديد من القضايا، ومر رفسنجاني كما نقلت بعض المصادر بمرحلتين تاريخيتين، الأولى تمتد من الثورة إلى عام 2005، والمرحلة الثانية تبدأ ما بعد هذا التاريخ، لكن في كلتا المرحلتين كان الرجل رجل النظام الأول، ويقول القيادي في التيار الإصلاحي محمد رضا خاتمي إن رفسنجاني شخصية لا مثيل لها في النظام الإيراني، وقد كان محل ثقة مؤسس الجمهورية الإسلامية الراحل آية الله الخميني. وهو من ساهم بوصول المرشد الإيراني علي خامنئي إلى قمة هرم السلطة السياسية وثبت دعائم نظام ولاية الفقيه بعد الإصلاح الدستوري لعام 1989.

كما لعب رفسنجاني دوراً كبيراً في وصول روحاني إلى الرئاسة، وهو ما جعله هدف لبعض الشخصيات المتشددة التي ترى ان رفسنجاني الذي استطاع كسب ثقة العديد من الرموز والقوى في ايران، كان داعماً قوياً للتيار المعتدل والإصلاحي، وكان دائماً مصدر قبول وتوافق بين رموز ذلك التيار، وتعد وفاة علي اكبر هاشمي رفسنجاني، ذلك السياسي البرغماتي المخضرم، ضربة قوية للرئيس حسن روحاني.

فروحاني الذي يعد نفسه للترشح لفترة رئاسية ثانية في أيار / مايو المقبل، خسر حليفا ثمينا وشخصية متنفذة كانت من الشخصيات المؤسسة للجمهورية الاسلامية. وهذا ما يفسر لماذا كان روحاني اول مسؤول ايراني بارز يحضر الى المستشفى الذي توفي فيه رفسنجاني. وتقول تقارير إن روحاني اجهش بالبكاء حزنا على حليفه السياسي.

إذ منح رفسنجاني روحاني كامل دعمه منذ انتخابات 2013، كما كان مدافعا صلبا عن الاتفاق النووي الذي ابرمته ايران مع القوى الدولية عام 2015. ولكن، وفي خضم التضاريس المعقدة للسياسة الايرانية، قد تمنح وفاة رفسنجاني التيار المعتدل والاصلاحي الموالي لروحاني المزيد من الزخم. ولعب رفسنجاني دورا مهما في السياسة الايرانية منذ الثورة الاسلامية عام 1979، إذ انتخب لفترتي رئاسة، كما تولى رئاسة مجلس الشورى. وفي السنوات الاخيرة، لعب دورا بارزا في الحركة الاصلاحية في ايران التي كانت تحاول ممارسة نفوذ معتدل على ايران ومرشدها الاعلى آية الله علي خامنئي.

استعراض للوحدة

وفي هذا الشأن احتشد مئات الآلاف من الإيرانيين في وسط طهران لتشييع جثمان الرئيس الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني في استعراض للوحدة تكريما للسياسي المثير للجدل. ودفن رفسنجاني الذي توفي عن 82 عاما إلى جوار آية الله روح الله الخميني الذي قاد الثورة الإيرانية في 1979 وأسس نظام الحكم الديني في البلاد. واستقطبت سياسات رفسنجاني لتحرير الاقتصاد وتحسين العلاقات مع الغرب مؤيدين ومنتقدين شرسين على حد سواء خلال حياته.

وفي حين جمعت الجنازة بين مؤيدين ومعارضين له في استعراض للتضامن والوحدة إلا أن هذا الاستعراض للوحدة شابته هتافات رددها آلاف من مؤيدي المعارضة وأيضا غياب الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي. وأبلغ شاهد عيان من طهران "البعض كانوا يرددون هتافات تطالب بالإفراج عن السجناء السياسيين وبعض المتشددين كانوا يهتفون (الموت لأمريكا). لكن لم تحدث أي مصادمات..الجميع تصرفوا باحترام."

وطالبت بعض الهتافات بإطلاق سراح رئيس الوزراء السابق مير حسين موسوي وأيضا مهدي كروبي الرئيس السابق للبرلمان الذي خسر انتخابات الرئاسة المتنازع حولها في 2009 والتي فاز فيها رئيس البلاد آنذاك محمود أحمدي نجاد. وكان موسوي وكروبي كلاهما قد رفضا نتائج تلك الانتخابات ووضعا قيد الإقامة الجبرية في حين واجه رفسنجاني الذي ساندهما عزلة سياسية مع أسرته. ويوصف رفسنجاني بأنه من "أعمدة الثورة" وتمتع بنفوذ كبير في كيانات رئيسية لاتخاذ القرار في إيران. وفي خطوة اعتبرت في ذلك الحين اقتساما للسلطة لعب دورا مهما عام 1989 لتعيين آية الله علي خامنئي لخلافة الخميني بوصفه الزعيم الأعلى الجديد لإيران.

وانتخب رفسنجاني رئيسا للبلاد بعد ذلك ببضعة شهور. لكن صداقتهما تحولت تدريجيا إلى خصومة لانحياز الرئيس البراجماتي للإصلاحيين الذين شجعوا الحريات بينما يطبق خامنئي تفسيرا محافظا للقيم الأساسية للجمهورية الإسلامية. وفي رسالة التعزية قال خامنئي إن الخلافات السياسية لا يمكن أبدا أن تقضي على صداقة امتدت 60 عاما مع رفسنجاني. وعلقت في الشوارع لافتات تحمل صورة للرجلين وهما يتحدثان معا ويبتسمان كصديقين حميمين.

ونقلت وكالة الجمهورية الإسلامية الإيرانية للأنباء عن محسن نجل رفسنجاني قوله في الجنازة "حاول آية الله هاشمي طول حياته إنقاذ الثورة الإسلامية... أراد الحفاظ على وحدة إيران." وأم خامنئي صلاة الجنازة على رفسنجاني في فناء جامعة طهران حيث ألقى الرئيس الراحل الكثير من خطب الجمعة. وأدى الصلاة ساسة وقادة عسكريون وشخصيات دينية من مختلف التيارات. وشيع جثمان رفسنجاني في نعش معدني وضعت عمامته البيضاء فوقه في جنازة في شارع الثورة في وسط طهران حيث خرج مئات الآلاف رغم برودة الطقس لوداعه. بحسب رويترز.

وتبث قنوات التلفزيون الرسمي مراسم تشييع الزعيم الراحل على الهواء مباشرة منذ الساعات الأولى من الصباح وهو ما يبرز الاحترام الجماهيري الكبير للرئيس السابق. ومن بين المشيعين قائد الحرس الثوري قاسم سليماني ورجل الدين السني البارز مولوي عبد الحميد وعدد من أحفاد الخميني بل وبعض نجوم السينما وهو ما يظهر تمتع رفسنجاني بالاحترام بين أطياف مختلفة من الإيرانيين. كان رفسنجاني عضوا في مجلس الخبراء وهو الهيئة الدينية التي تختار الزعيم الأعلى أكثر شخصية نفوذا في إيران. ويعني غيابه عن هذا النقاش -عندما يحدث- أن احتمالات أن يصبح براجماتي الزعيم الأعلى القادم لإيران تضاءلت.

وتراجع نفوذ الرئيس الاسبق داخل مؤسسات الدولة في السنوات الماضية حتى ان اثنين من ابنائه سجنا. وفي عام 2013 رفض مجلس صيانة الدستور ترشيحه لرئاسة الجمهورية بحجة "سنه المتقدمة".وحضر مهدي ابن رفسنجاني الذي يقضي حاليا حكما بالسجن لعشر سنوات لامور تتعلق ب"الامن الوطني"، وبسبب تورطه ب"اعمال احتيال واختلاس" إلى المستشفى لوداع جثمان والده. وكانت الشرطة ترافق مهدي أثناء تواجده بالمستشفى.

اما ابنته فايزة هاشمي فقد اعتقلت وحكم عليها بالسجن ستة اشهر في نهاية العام 2012 بعد ادانتها ب"الدعاية المعادية للنظام". ويتهم مهدي وفايزة بالمشاركة في تظاهرات العام 2009 التي نددت باعادة انتخاب محمود احمدي نجاد رئيسا للبلاد، وبالتزوير الذي شاب هذه الانتخابات. وقمعت قوات الامن بشدة هذه التظاهرات ما ادى الى وقوع عشرات القتلى. وفي عام 2009 دعم مقربون من رفسنجاني ترشيح مير حسين موسوى ضد احمدي نجاد.

وبعد اربع سنوات وبدعم من رفسنجاني والرئيس الاسبق محمد خاتمي، انتخب حسن روحاني رئيسا في حزيران/يونيو 2013 متفوقا على مرشحين محافظين. وفي شباط/فبراير 2016 حقق رفسنجاني انتصارا رمزيا على المحافظين عندما فاز بعضوية مجلس الخبراء المكلف تسمية المرشد الاعلى وحتى اقالته. ودأب رفسنجاني خلال السنوات الماضية على الدعوة الى مزيد من الحرية السياسية والثقافية والاجتماعية. وكان من اشد الداعين لاقامة حوار مع الولايات المتحدة التي لا تزال العلاقات معها مقطوعة منذ 37 عاما. واعلن رفسنجاني دعمه للاتفاق النووي الذي وقع بين ايران والقوى الكبرى في تموز/يوليو 2015.

ضربة للإصلاحيين

وبوفاة الرئيس الإيراني الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني يُحرم الإصلاحيون في إيران من حليف قوي ويتعزز موقف المحافظين المعادين للغرب قبل انتخابات رئاسية ستحدد مدى انفتاح طهران على العالم. وتعني أيضا خسارة مهارات رفسنجاني في التوسط بين القوى المختلفة أن المنافسات داخل نظام إيران القائم على حكم رجال الدين والحكم الجمهوري قد تخرج عن نطاق السيطرة الأمر الذي سيشكل اختبارا لاستقرار النظام.

وأججت وفاته المخاوف لدى الإصلاحيين في وقت ترتفع فيه الروح المعنوية للمحافظين مع انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة. ويعتقد المحافظون أن ترامب سيتبنى سياسات صارمة عدوانية تجاه إيران ستقوض محاولات الإصلاحيين لإقامة روابط مع واشنطن. وقال مسؤول إيراني كبير طلب عدم نشر اسمه بسبب حساسية المسألة "كان رفسنجاني قوة توازن مهمة في نظام إيران السياسي المعقد." وتابع "قد يضر غيابه كثقل موازن ضد المحافظين بالمعتدلين والمؤسسة على حد سواء."

وتوفي رفسنجاني وهو شخصية عملية كانت تفضل السياسات الليبرالية على الصعيد السياسي والاقتصادي نتيجة أزمة قلبية عن 82 عاما. وكان رفسنجاني رفيقا لمؤسس الجمهورية الإسلامية الراحل آية الله روح الله الخميني وكان واحدا من أعمدة الثورة الإسلامية عام 1979. وفي أعقاب وفاة الخميني لعب دورا في اختيار آية الله علي خامنئي لتولي منصب الزعيم الأعلى وهو أقوى منصب في إيران.

وبوفاته يخرج من المشهد حليف قوي من وراء الكواليس للرئيس حسن روحاني الذي من المتوقع أن يسعى للفوز بفترة ثانية في انتخابات مايو أيار. وتسبب فوز روحاني في 2013 ونجاحه في إنهاء نزاع نووي استمر لأكثر من عقد مع الغرب في إضعاف المحافظين. وإذا استعاد المحافظون منصب الرئاسة فمن المتوقع أن يشددوا القيود على الحريات الاجتماعية والسياسية. وقال مساعد مقرب إن رفسنجاني "كان يتصرف دائما كوسيط كلما اشتد النزاع الداخلي بشكل قد يضر بالجمهورية الإسلامية."

وقال سعيد ليلاز وهو محلل سياسي مقيم في طهران "لا أحد لديه المصداقية السياسية والثورية ليحل محله.. خلقت وفاته فراغا سياسيا كبيرا في إيران." وقد يمكن هذا خامنئي من إحكام قبضته على التسلسل الهرمي للحكم. ورغم أن خامنئي ينظر بشك للغرب فإنه يحاول أن يبقى بمنأى عن السياسة بموازنة مصالح حلفائه المحافظين وخصومهم السياسيين. ويملك خامنئي بصفته الزعيم الأعلى سلطات تتضمن قيادة القوات المسلحة والقدرة على تعيين كبار الشخصيات بما في ذلك رئيس القضاة ومدراء الوكالات الأمنية وأجهزة الإذاعة والتلفزيون الرسمية.

وقال مسؤول سابق مقرب من روحاني عبر الهاتف "سيكون الزعيم (الأعلى) أكثر حذرا في تجنب التورط بأي صراع سياسي. لكنه سيقدم دعمه الكامل لتعزيز الأيديولوجية الثورية." وبموجب نظام "ولاية الفقيه" يملك الزعيم الأعلى سلطات هائلة وينبغي أن يبقى بعيدا عن الصراعات السياسية. وكان رفسنجاني يدلي بدلوه في السياسات المحلية والأجنبية ودعا لتبني سياسات مفتوحة في الداخل والخارج ودعم المعارضة المعتدلة التي شككت في نتائج انتخابات 2009 الرئاسية التي أقر خامنئي بصحتها.

وقال مساعد رفسنجاني "صداقته الممتدة لأكثر من 50 عاما مع الزعيم منحته مكانة فريدة للتعبير عن أفكاره وتحقيق التوازن عندما يشتد الخلاف السياسي الداخلي... خسارته ضربة للمعسكر المعتدل. سيؤدي غيابه لتطرف الأجواء." وضمن مسيرته المهنية التي امتدت لأكثر من نصف قرن تولى رفسنجاني معظم المناصب المهمة في النظام السياسي الإيراني بما في ذلك رئاسة البرلمان وقيادة القوات المسلحة ثم الرئاسة من 1989 إلى 1997.

ويقول المحلل مئير جاودانفر إنه "آجلا أم عاجلا ستصل القوى المتشددة والمعتدلة المتناحرة إلى شبه توازن." وقال جاودانفر وهو محاضر في مركز هرتزيليا المتعدد المجالات في إسرائيل "لأنه من دون ذلك فإن اختلال التوازن قد يقوض استقرار النظام. هذا سيناريو سيود أي زعيم أعلى أن يتفاداه سواء كان خامنئي أو خليفته." ويقول معظم المحللين إن وفاة رفسنجاني هي ضربة للائتلاف البراجماتي المعتدل لأنه كان القوة الدافعة وراء فوز روحاني في الانتخابات السابقة.

وقال جمشيد باجويان وهو أستاذ في جامعة العلامة الطبطبائي "سيضعف هذا روحاني الذي فشل في الوفاء بوعوده الأخرى مثل تحسين الاقتصاد." وذكر جاري جي.سيك وهو أكاديمي أمريكي ومحلل متخصص في شؤون الشرق الأوسط أن نتيجة الانتخابات تعتمد على قدرة روحاني "على إقناع الإيرانيين بأنهم أفضل حالا في ظل وجود الاتفاق النووي.. وأنه قادر على الدفاع عن مصالح إيران أفضل من أي خيار بديل."

وفقد الكثير من الإيرانيين إيمانهم بروحاني لأنه لم يتمكن من تحسين الوضع الاقتصادي رغم تخفيف العقوبات في يناير كانون الثاني الماضي بموجب الاتفاق النووي الذي تم التوصل عليه مع القوى العالمية الست في 2015. وفرض الاتفاق قيودا على أنشطة إيران النووية مقابل رفع معظم العقوبات. ويقول نشطاء وجماعات حقوقية إن تركيز روحاني على تحسين العلاقات مع الغرب وتعزيز الاقتصاد حال دون وفائه بوعوده بتخفيف القيود الاجتماعية والسياسية. وقال محمد حسين زاده وهو موظف حكومي "أشعر بالأسف لوفاة رفسنجاني لكن علي التفكير في أطفالي. الحياة مكلفة للغاية. الأسعار ترتفع كل يوم." وتابع قوله "وعد روحاني بالكثير من الأشياء.. لكن أنظر لحالنا. نحن أفقر من قبل. لكني سأصوت له رغم ذلك لأننا سيتعين علينا الاختيار بين سيء وأسوأ."

وأبدى خامنئي تأييده للاتفاق النووي في ظل مخاوفه من أن المصاعب الاقتصادية قد تؤدي لانهيار المؤسسة. لكنه انتقد فشل الاتفاق في تحقيق تحسن اقتصادي سريع. ورغم رفع الكثير من العقوبات لا تزال بنوك ومستثمرون أوروبيون كبار ينأون بأنفسهم عن التعامل التجاري مع إيران لأسباب منها العقوبات الأمريكية التي لا تزال مفروضة من جانب واحد. بحسب رويترز.

وقال ترامب وهو جمهوري خلال حملته الانتخابية إنه سيتخلى عن الاتفاق النووي. وسيتم تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة يوم 20 يناير كانون الثاني الجاري. وقال المحلل حميد فرحوشيان "سيفضل المتشددون سياسة أمريكية عدوانية. سيضغطون على روحاني حتى لو فاز في الانتخابات. هذا سيعني أنه سيكون في المنصب لكنه لن يكون مسؤولا."

تعزية من دول الخليج

الى جانب ذلك أرسلت أربع دول عربية خليجية تعازيها في وفاة الرئيس الإيراني السابق على أكبر هاشمي رفسنجاني معبرة عن تقديرها لقائد انتهج نهجا عمليا وسعى إلى تقارب إقليمي لكن لم يرد أي تعليق من الرياض المنافس الرئيسي لإيران في منطقة الخليج. وأعرب قادة البحرين والكويت وقطر والإمارات العربية عن تعازيهم في وفاة رفسنجاني الذي يعد من مؤسسي الجمهورية الإسلامية وكان له تأثير قوي على الساحة السياسية الايرانية التي تتنافس فيها عدة فصائل.

وساعد التنافس بين إيران ودول الخليج العربية خاصة السعودية في اندلاع أعمال عنف واضطرابات في الشرق الأوسط مستمرة منذ نحو عشر سنوات. ففي سوريا والعراق ولبنان واليمن يساند كل من الطرفين قوى طائفية تحارب بالوكالة وتسعى لمد نفوذها أو أنها في حرب معلنة. لكن رفسنجاني كان باستمرار يدعو إلى تحسين العلاقات مع دول الخليج العربية وكان معروفا بعلاقاته الطيبة مع مسؤولين سعوديين بارزين وكان ينظر إليه باعتباره شخصية محورية كان بإمكانها حل مشكلة تنامي التوترات بين القوى المتنافسة في المنطقة في السنوات المقبلة.

وكتب أنور قرقاش وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية على حسابه الرسمي على تويتر يقول "وفاة علي أكبر هاشمي رفسنجاني أحد أصوات الواقعية السياسية والاعتدال الإيراني، ارتبط اسمه بالجمهورية والثورة ضد الشاه." وقدم وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد آل خليفة الذي تربط بلاده علاقات متوترة مع إيران تعازيه في وفاة رفسنجاني على تويتر. وتتهم الرياض طهران بإثارة المشاكل في البحرين وحتى في السعودية ذاتها. وتتهم إيران السعودية بالتآمر مع الولايات المتحدة على تدميرها. بحسب رويترز.

وقال رفسنجاني في حديث في أغسطس آب 2015 لموقع المونيتور الإلكتروني إن إيران ليس لديها بالأساس مشكلات مع السعودية أو أي دولة عربية أخرى "لأنها دول إسلامية ونحن دولة إسلامية ونعتبر التعاون معها أولوية." ونقل عنه قوله إن الأحداث الجارية في سوريا والعراق واليمن والبحرين ضمن عدد من القضايا التي أوجدت "الفرقة" لكن إذا ما قررت إيران والحكومات العربية العمل معا فسيكون من الممكن تطبيع الوضع. ونسب إليه قوله كذلك "أنا أعتقد حقيقة أن ذلك ممكن. لكن يتعين أن نرى إلى أين تقود هذه الأحداث وهذا أمر في غاية الأهمية." وأرسلت برقيات عزاء كذلك من قوات عربية موالية لإيران منها جماعة حزب الله اللبنانية وجماعة الحوثي اليمنية.

من هو رفسنجاني؟

ولد الرئيس الإيراني السابق، هاشمي رفسنجاني، واسمه الكامل علي أكبر هاشمي رفسنجاني، عام 1934 في بلدة رفسنجان، بمحافظة كرمان الإيرانية. وهو من عائلة ثرية عرفت بزراعة وتجارة الفستق، وتلقى تعليمه الديني في مدينة قم، المقدسة عند الشيعة، وأصبح عام 1958 من أتباع مؤسس الثورة الإيرانية، روح الله خميني، وحصل على درجة "حجة الإسلام" وهي ثاني أعلى درجة في العلوم الدينية عند الشيعة، بعد درجة "آية الله".

وعارض مع الخميني سياسة شاه إيران، محمد رضا بهلوي، القائمة على عصرنة إيران، وبعد نفي خميني في 1962، أصبح رفسنجاني أحد رجاله في إيران، وكان مكلفا بجمع الأموال لدعوته. وسجن رفسنجاني من 1975 إلى 1978 في إيران بتهمة الانتماء إلى تنظيم إرهابي يساري. وبعد الانقلاب على الشاه، وعودة الخميني إلى إيران عام 1979، أصبح رفسنجاني أحد مساعديه المقربين، وشارك في تأسيس الحزب الجمهوري الإسلامي. وتسلم منصب مساعد وزير الداخلية في حكومة مهدي بازركان أول حكومات ما بعد الثورة.

وانتخب بعدها رئيسا للبرلمان خلال الحرب العراقية الإيرانية، والقائد الأعلى للقوات المسلحة بالوكالة. وكان رفسنجاني في قلب الاتصالات بين الولايات المتحدة وإيران وحصول طهران على أسلحة من إسرائيل بموافقة أمريكية، عام 1985، عرفت القضية بفضيحة إيران غيت، التي كادت أن تطيح بالرئيس رونالد ريغان. ويعتقد أن رفسنجاني هو من أقنع الخميني بقبول وقف إطلاق النار في الحرب مع العراق التي انتهت عام 1988.

وأصبح رفسنجاني ثاني أقوى شخصية في النظام الإيراني. وانتخب رفسنجاني رئيسا للجمهورية عام 1989، بنسبة 95 في المئة، وعزز سلطته في منصب كان ضعيفا، أمام سلطة مرشد الثورة، وانتهج سياسات تميل إلى فك العزلة عن إيران وإعادة علاقاتها مع الدول الأوروبية. وسعى إلى جذب الاستثمارات الغربية وتشجيع القطاع الخاص بهدف إنعاش اقتصاد البلاد المتردي، وطبق مشروع التنظيم العائلي، خلافا للسياسات السابقة التي كانت تشجع على زيادة المواليد.

ولكن محاولات الانفتاح على الغرب وتحرير الاقتصاد لم تمنع استمرار انتهاك حقوق الإنسان وقمع المعارضة في البلاد، وإن كانت فترة رفسنجاني عرفت بعض الانفتاح الثقافي. وعمدت حكومة رفسنجاني في التسعينات إلى قمع المسيرات والمظاهرات التي خرجت احتجاجا على الوضع الاجتماع والاقتصادي والسياسي. وأعيد انتخاب رفسنجاني رئيسا عام 1993، ولكن بعدد أصوات أقل بكثير من الفترة الأولى، كما كانت نسبة المشاركة ضعيفة أيضا.

وتولى رفسنجاني رئاسة مجلس تشخيص مصلحة النظام عدة مرات، وهي هيئة تفصل في الخلافات بين البرلمان ومجلس صيانة الدستور. وفي الانتخابات التشريعية عام 2000، سجل رفسنجاني نتيجة ضعيفة إذ حل في المركز الثلاثين في طهران، وحصل على مقعد الدائرة الأخير. ولكن مجلس صيانة الدستور أقر بحدوث تزوير في الانتخابات، وأمر بإعادة حساب الأصوات، وحصل رفسنجاني بعدها على المركز العشرين، وهو ما اعتبره البعض تلاعبا، فقرر رفسنجاني الاستقالة والتخلي عن مقعده في البرلمان.

وترشح رفسنجاني للانتخابات الرئاسية عام 2005، ولكنه خسر أمام محمود أحمدي نجاد، ثم انتخب عام 2007 في مجلس الخبراء وهي هيئة تختار المرشد الأعلى، وتراس هذه الهيئة، بالموازاة مع مجلس تشخيص مصلحة النظام. وفي عام 2009، عبر رفسنجاني عن معارضته للرئيس محمود أحمدي نجاد، ودعم صراحة منافسه مير حسين موسوي، الذي كان رئيسا للحكومة من 1981 إلى 1989.

اضف تعليق