q

هناك تشابه في الكثير من المفاصل بين تاريخي المانيا والعراق، سواء مايتعلق منها بالروح الامبراطورية او الروح العسكرية التي شكلت الملامح الرئيسية لكلا الدولتين.

تميز العراق بانبثاق أربع امبراطوريات على ارضه منذ فجر التاريخ، وهذه الامبراطوريات هي (الاكدية – البابلية – الاشورية – العباسية). وقد عرف عن هذه الامبراطوريات انها جمعت وصهرت جميع الاقوام في كياناتها رغم شدة الاختلافات والتنافر. حتى قيل عن بابل انها كانت تتكلم بألف لسان.. وكان ثلاثة وعشرون اميرا من فارس يدفعون الجزية لاحد ملوك اكد، وبغداد عاصمة الخلافة الاسلامية في العصر العباسي.

اضافة الى هذا التميز في الروح الامبراطورية، هناك تميز من نوع اخر وسم الشخصية العراقية منذ تشكلها وحتى الوقت الحاضر، فهي الشخصية الوحيدة التي جمعت المتناقضات في داخلها، فقد جمعت البداوة والتحضر، والقسوة في المواقف والشفافية في البوح، والشعر بعذوبته وصيحات الحرب..

تميز اخر يشكل صورة العراق الجغرافية والتاريخية والنفسية، وهو انه كان خلاصة الحضارات التي تشكلت على ارضه بسبب هذا الامتزاج بين الثقافات والشعوب والقبائل التي استوطنت ارضه، والتي أثر فيها واثرت فيه. يضاف اليه تفرد اخر، قد يعد ثلمة في هذه اللوحة المتكاملة، وهو الموقع الجغرافي الذي يضيق عليه ويحاصره والذي كان محفزا دائما لكسر هذا الحصار وهذه العزلة، من خلال النزاعات والحروب التي خاضها مع الدول التي شكلت طوقا حوله وتخشى نهوضه..

في الطرف المقابل، شهد التاريخ الاوربي حقبتين مهمتين من الروح العسكرية، وهي الروح التي تميزت بها اسبارطة التي تجعل الام الاسبارطية تخاطب ولدها وهو ذاهب الى الحرب (عد بدرعك او محمولا عليه) اي منتصرا او مكرما بمقتلك (كان من تقدير المحارب الاسبارطي ان تحمل جثته على ترسه) وكان ذلك قبل ظهور الامبراطورية الرومانية التي عرف عنها النزوع الشديد للانضباط العسكري، وهو ما اثر بشكل فاعل على نفسية الفرد الروماني.. هذه الروح العسكرية كانت المانيا هي الوريثة الشرعية لها، من خلال فترة الحكم البروسية وطروحات نيتشة حول تفوق الجنس الالماني..

مرت المانيا مثلما مر العراق قبلها بالكثير من الانكسارات التي ساهمت فيها الدول المحيطة بها، لأنها ايضا تخشى ولاتزال نهوض الروح الالمانية.

انكسرت المانيا في الحرب العالمية الاولى، وفرض عليها طوق من الحصار، كما اقتطع جزء من اراضيها، ومنعت من صنع السلاح، الا انها نهضت من جديد لتصبح الدولة الاقوى في اوربا، لتعود من ثم الى الانكسار في الحرب العالمية الثانية، وليأخذ مشروع مارشال بيدها للنهوض من جديد، وها هي اليوم واحدة من اكثر دول العالم تطورا ونهوضا..

هناك تشابه اخر اثرت الحديث عنه في القسم الثاني من الموضوع، وهو النازية والبعث..

حتى العام الماضي لم ينته الجدل حول النازية في المانيا، حيث أكد وزراء العدل بالولايات الألمانية عزمهم حظر نشر كتاب (كفاحي) للزعيم النازي أدولف هتلر بعد انتهاء مدة ملكيته الفكرية له في الحادي والثلاثين من شهر ديسمبر من سنة 2015.

وفي حيثيات استمرار الحظر ان (الكتاب مثال مخيف على الكتابة التي تحتقر الإنسان).

ويرى وزراء العدل الألمان أن القانون الحالي الذي يجرم التحريض الطائفي يكفي لمنع إعادة نشر الكتاب غير أنهم دعوا النواب العامين بالولايات الألمانية إلى مناقشة الجوانب القانونية لمنع إعادة نشر الكتاب مع المدعي العام الاتحادي الألماني.

ورغم وجود نسخة إلكترونية للكتاب يمكن تحميلها بسهولة من شبكة الإنترنت إلا أن المسؤولين الألمان ينتابهم دائما قلق بشأن الحمولة الرمزية لإعادة طباعته بشكل رسمي في البلاد حيث وزع من الكتاب نحو عشرة ملايين نسخة سنة 1943 وحدها.

المانيا ورغم مرور اكثر من نصف قرن على انتهاء الحرب العالمية الثانية، وحظرها للنازية، ورغم قطعها اشواطا طويلة في الممارسة الديمقراطية والليبرالية، الا انها لازالت متخوفة من عودتها عن طريق كتاب واحد، في وقت يستميت الكثير من الساسة العراقيين لمنع حظر البعث، ولا اقصد به الحزب فقط، بل الفكر والروح الشريرة والسلوك المنحرف الذي طبع به الشخصية العراقية طيلة عقود طويلة، ويريدون نفخ الروح فيه واعادته الى الحياة مرة اخرى، تحت شعارات التوافق السياسي والمصالحة الوطنية..

مشروع القانون المزمع التصويت عليه، لايترك البعثيين وعوائلهم في الشارع، انه يضمن لهم رواتب تقاعدية حالهم حال المتقاعدين الاخرين، وهو بالمقابل يرفض العفو او التسامح مع القتلة والمجرمين، على حساب الضحايا الذين يدونون اسماءهم في سجلاته حتى اللحظة الراهنة..

التشابه العراقي – الالماني في الكثير من مفاصله، يمكن ان يؤشر لحقيقة واعدة، وهي ان على العقل السياسي العراقي، ان يضع لها الاستراتيجيات المناسبة إذا اريد للعراق ان ينهض من جديد، وهو نهوض لازالت الكثير من القوى الاقليمية تحاول ان تعيقه.

 

اضف تعليق