q

قرارات الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب وحكومته القادمة، ماتزال من اهم القضايا داخل وخارج الولايات المتحدة الامريكية، فقد بدأت التحليلات والتوقعات والمخاوف كما نقلت بعض المصادر تتصاعد مع اقتراب موعد استلام مقاليد الحكم واختيار الطاقم الإداري، الذي سيحدد نهج سياسه ترامب الداخلية والخارجية والتمسك بتنفيذ وعوده التي اطلقها أثناء حملته الانتخابية. فقد نشرت مجلة "فورين بوليسي" تقريراً أوضحت فيه أن اختيار ترامب لبعض الشخصيات ستعيد إلى البيت الأبيض السياسات نفسها، التي سادت الولايات المتحدة عقب أحداث 11/9. وهذا يعني حتماً "العودة إلى مفهوم الحرب على الإرهاب؛ ما يزيد من مخاطر مواجهة طهران، والمزيد من القمع للحريات المدنية في الداخل الأمريكي". كم قالت صحيفة "واشنطن بوست" إن تعيين 3 شخصيات من ذوي المواقف المتشددة في قضايا الأمن الوطني والهجرة يعكس طريقة التفكير في المرحلة المقبلة. ويتوقع المحللون قيام الإدارة الجديدة بإلغاء بعض القوانين والقرارات السابقة واجراء تغيرات كثيرة قد تكون سببا في خلق ازمات ومشكلات مع خصوم ترامب في الداخل والخارج.

وفي هذا الشأن فقد أعلن المتحدث باسم الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، أن الاخير ينوي القيام بـ"أمور مهمة عدة" فور تسلمه سلطاته في البيت الأبيض، بينها إصدار مراسيم رئاسية تنقض قرارات سبق أن اتخذتها إدارة الرئيس باراك أوباما. وقال شون سبايسر في تصريح لشبكة "آي بي سي"، إن ترامب سيوقع سلسلة من المراسيم الرئاسية "لإلغاء كثير من التدابير والإجراءات التي تقررت خلال السنوات الثماني الأخيرة والتي فرملت النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل". وأضاف سبايسر "لن يكون أمرا واحدا بل أمورا عدة مهمة". ويتسلم ترامب مهامه في العشرين من الشهر الحالي، ومن المقرر أن يعود الأحد إلى نيويورك بعدما أمضى إجازة لبضعة أيام في فلوريدا.

وأكد المتحدث أن الرئيس المنتخب لن يتوقف عن استخدام تويتر للتواصل مع الأمريكيين بعد وصوله إلى البيت الأبيض. وقال في هذا الصدد "مع كل الاحترام الذي أكنه لكم، أعتقد أن وسائل الإعلام التقليدية مستاءة لكون أكثر من 45 مليون أمريكي يتبعونه على مواقع التواصل الاجتماعي، ولأنه قادر على إجراء حوار مباشر" مع الأمريكيين.

عصر ترامب

على صعيد متصل بدأ الكونجرس الأمريكي بقيادة الجمهوريين دورة جديدة حيث يشرع في وضع خطط لتنفيذ أجندة الرئيس المنتخب دونالد ترامب لخفض الضرائب وإلغاء برنامج (أوباما كير) وتخفيف الضوابط المالية والبيئية. ومنذ انتخابه في الثامن من نوفمبر تشرين الثاني أوضح الرئيس المنتخب أنه يرغب في الانتقال سريعا لتنفيذ الاقتراحات التي وضع الخطوط العريضة لها أثناء الحملة الانتخابية مثل تيسير قانون الضرائب وخفض معدلات ضريبة الشركات وإلغاء برنامج (أوباما كير) للتأمين الصحي ووضع برنامج بديل.

ويسعى الجمهوريون منذ وقت طويل للتخلص من برنامج (أوباما كير) ويصرون على أنه غير عملي ويعرقل نمو الوظائف. لكنهم يواجهون معضلة لتوفير التأمين الصحي إلى 13.8 مليون شخص يشملهم البرنامج وقد يفقدون هذا التأمين. ويهدف البرنامج إلى توفير التأمين الصحي للفقراء وتوسيع نطاق الغطاء التأميني للآخرين.

وسيكون الاجتماع الأول للكونجرس الخامس عشر بعد المئة في تاريخ الولايات المتحدة مليئا بالمراسم إذ سيؤدي أعضاء مجلس النواب البالغ عددهم 435 عضوا وثلث أعضاء مجلس الشيوخ المؤلف من مئة عضو اليمين الدستورية. ووسط المراسم سيتحرك الجمهوريون في مجلس النواب لتمهيد الطريق أمام إلغاء (أوباما كير). بحسب رويترز.

وسيأتي هذا في شكل تصويت على القواعد الحاكمة لإجراءات المجلس خلال فترته التي تمتد عامين. ويهدف الجمهوريون إلى منع الديمقراطيين من إبطاء أو عرقلة تشريع لإلغاء (أوباما كير) بسبب التكلفة المحتملة التي ستتحملها الخزانة الأمريكية جراء ذلك. وحذر ديمقراطيون بارزون من معركة شرسة على (أوباما كير). وقال ستيني هوير ثاني أكبر عضو ديمقراطي في مجلس النواب "سنقاتل بكل قوة لحماية قانون الرعاية الميسرة." ويريد المشرعون الجمهوريون أيضا تخفيف أو إلغاء ضوابط تهدف إلى التحكم في الانبعاثات الصناعية التي تلعب دورا في تغير المناخ والتراجع عن إصلاحات بالقطاع البنكي أجريت بعدما كادت بورصة وول ستريت أن تنهار في 2008.

المصادقة على انتخاب ترامب

الى جانب ذلك وبعد نحو شهرين على فوزه في الانتخابات الرئاسية في الثامن من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، صادق الكونغرس الاميركي بغرفتيه على انتخاب دونالد ترامب رئيسا. وترأس نائب الرئيس الاميركي جو بايدن الذي يتسلم بحكم منصبه رئاسة الكونغرس ايضا، اجتماعا مشتركا لمجلسي النواب والشيوخ، للتصديق على عدد الناخبين الكبار الذي حصل عليه كل من ترامب ومنافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون.

والمعروف ان الرئيس الاميركي لا ينتخب مباشرة من الشعب، بل يختار الناخبون ناخبين كبارا سبق وان اجتمعوا في التاسع عشر من كانون الاول/ديسمبر الماضي في كل ولاية من ولايات البلاد الخمسين. وحصل ترامب على 304 من الناخبين الكبار مقابل 227 لكلينتون. والفائز بحاجة لتأييد 270 من الناخبين الكبار للفوز. كما فاز مايك بنس بمنصب نائب الرئيس جامعا 305 من الناخبين الكبار.

وفي التاسع عشر من كانون الاول/ديسمبر الماضي قرر جمهوريان من الناخبين الكبار عدم تأييد ترامب، كما قرر خمسة من الناخبين الديموقراطيين الكبار عدم التصويت لكلينتون. ولا يمنع الدستور الناخب الكبير من التصويت لغير المرشح الذي قدم نفسه على انه يمثله خلال الانتخابات. وعمل نواب ديموقراطيون على عرقلة هذا التصديق عبر الكلام عن التدخل الروسي في الانتخابات او حصول خروقات للحقوق المدنية، او تسجيل خلل في عمل الانتخاب الالكتروني. بحسب فرانس برس.

الا ان جو بايدن رفض كل هذه الحجج لانها غير موقعة من قبل نائب او سناتور من كل من مجلسي النواب والشيوخ، كما تقضي بذلك القوانين الفدرالية. وحسم بايدن الديموقراطي الامر قائلا "انتهى الامر، النقاش ممنوع" ما اثار ضحك الجمهوريين وتصفيقهم. وتليت اسماء الناخبين الكبار الفائزين في كل ولاية من ولايات البلاد الخمسين. وفي نهاية الجلسة صرخ ثلاثة متظاهرين احتجاجا على التصديق على انتخاب ترامب، فاخرجوا من القاعة. وبات الان بامكان ترامب ان يقسم اليمين في العشرين من الشهر الحالي كما يقضي بذلك الدستور، ليصبح رئيس الولايات المتحدة.

خطاب التنصيب

في السياق ذاته يعمل ترامب مع معاونين على كتابة خطاب التنصيب الذي سيلقيه في 20 كانون الثاني/يناير ليشكل حجر الزاوية لولايته، مستلهما الرئيس الجمهوري السابق رونالد ريغان (1981-1989). وبعدما استشهد خلال الحملة الانتخابية بالرؤساء السابقين جون كينيدي وفرانكلين روزفلت الديموقراطيين والجمهوري أبراهام لينكولن، من المتوقع أن يعود الرئيس في هذه المناسبة إلى "الصراحة" التي تميز بها ريغان. غير أن رجل الأعمال الثري البالغ من العمر 70 عاما لا يكتب خطابه وحده، بل سيكون المحرر الرئيسي لهذا الخطاب ستيفن ميلر، وهو شاب من كاليفورنيا كان مستشارا لوزير العدل في الإدارة المقبلة جيف سيشنز وسبق أن وقع خطاب ترامب في المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري.

وفي 1981، بعدما باشر رونالد ريغان خطابه شاكرا سلفه، أعلن أن "الولايات المتحدة تواجه محنة اقتصادية واسعة النطاق". كما وعد بإصلاح النظام الضريبي وأشاد بمزايا حرية الأعمال، وهما ملفان طبعا سنواته الثماني في السلطة. وقال "في ظل الأزمة الحالية، الدولة ليست الحل لمشكلتنا، بل الدولة هي المشكلة". ويقول المقربون من ترامب أنه لم يحدد بعد الموضوع الرئيسي لخطابه، لكن من المتوقع أن تكون مسألة تخفيف الأعباء عن الشركات بهدف إصلاح اقتصاد يعتبره في أزمة، من أولوياته.

وقال المتحدث باسم الرئيس المنتخب دان سبايسر إن ترامب خصص الكثير من الوقت خلال أعياد نهاية السنة لمناقشة مسودات الخطاب مع مستشاريه الرئيسيين وإعادة قراءتها. ويشكل خطاب التنصيب انطلاقة عهد رئاسي جديد وغالبا ما يحدد هو نفسه الرئيس. ففي خطاب تنصيبه، أعلن كينيدي (1961-1963) أن "الشعلة سلمت إلى جيل جديد من الأميركيين"، مجسدا بذلك المنعطف الذي سلكته الولايات المتحدة في الستينيات. وخاطب الأميركيين قائلا "لا تسألوا ما يمكن لبلادكم أن تفعل من أجلكم، بل ما يمكنكم أنتم أن تفعلوه من أجل بلادكم"، داعيا بذلك الى حس بالخدمة الوطنية ما زال مستمرا حتى اليوم.

وقبل ذلك بعقود، سعى روزفلت (1933-1945) إلى تعزيز الثقة في بلد كان تحت وطأة أزمة الكساد الكبير، مشددا على أن "الأمر الوحيد الذي يجب أن نخافه هو الخوف نفسه". أما لينكولن (1961-1965) فسعى إلى تضميد جراح الحرب الاهلية، فحض الأميركيين على التطلع الى المستقبل "من دون ضغينة لأي كان، وبمحبة للجميع". كذلك يستعين ترامب بالمؤرخ دوغلاس برينكلي وبمستشارين له منذ زمن طويل مثل ستيف بانون، مستشاره المقبل في الشؤون الاستراتيجية الذي يجسد رؤية قومية متجذرة في اليمين المتطرف الشديد المواقف.

وقال برنكلي إنه بحث مع ترامب "نوعا من تاريخ للرئاسة ولخطابات التنصيب الماضية" وتطرقا الى أبرز الوعود الرئاسية. وقال "كان مهتما جدا بأول إنسان خطا على سطح القمر وبصورة القمر، فتكلمنا قليلا عن ذلك"، في إشارة الى وعد الرئيس كينيدي بإرسال رجل الى الفضاء في خطابه بجامعة رايس بولاية تكساس (جنوب). والخطاب الذي سيلقيه ترامب لن يكون مؤشرا الى سياسته فحسب، بل سيسمح أيضا بتقييم ميزاته كخطيب وقدرته على توسيع الأفق أمام الأميركيين.

لكن الواقع أن رجل الأعمال الثري أكثر ارتياحا حين يتكلم عن نفسه ويخاطب أنصاره الأكثر تطرفا منه حين يلقي خطابات مكتوبة مسبقا. والاستثناء الملفت في ذلك هو الخطاب الذي ألقاه عند تعيينه مرشحا للرئاسة خلال المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري في كليفلاند (شمال) في تموز/يوليو. وكان ذلك الخطاب مستوحى من خطاب ريتشارد نيكسون (1969-1974) خلال مؤتمر الحزب الجمهوري عام 1968. بحسب فرانس برس.

والقى نيكسون في تلك المناسبة خطابا عرض فيه نظرة متشائمة للولايات المتحدة وقال فيه "حين ننظر إلى أميركا، نرى مدنا يلفها الدخان والنيران (...) نسمع صفارات سيارات الشرطة في الليل". وبعد أربعين عاما، عبر ترامب عن هذا الشعور المقلق ذاته في كليفلاند، فقال أمام الناشطين الجمهوريين إن "المؤتمر يجري في وقت تشهد بلادنا أزمة"، مؤكدا أن "الهجمات على شرطتنا والارهاب في مدننا، يهددان نمط عيشنا". ودعوة نيكسون الى "قيادة جديدة في أميركا" تحولت في خطاب ترامب الى رفض "للسياسيين أنفسهم" الذين تسببوا بالمشاكل. وقال "أنا صوتكم. أنا وحدي يمكنني إصلاح كل ذلك".

أوباما وانتقال السلطة

من جانب اخر اتهم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما بإطلاق "تصريحات نارية" ووضع "عراقيل" تعيق انتقال السلطة. وكتب قطب العقارات الذي انتخب رئيسا للولايات المتحدة على تويتر "لقد بذلت اقصى ما في وسعي لتجاهل العراقيل العديدة والتصريحات النارية للرئيس أوباما. كنت اعتقد أن عملية الانتقال ستتم بسلاسة. ولكن لا!". ولم يحدد ترامب العراقيل أو التصريحات التي يتحدث عنها.

وبعد يومين من الانتخابات، عقد الرجلان لقاء في المكتب البيضاوي لوضع حد لأشهر من حملة انتخابية قاسية، وشددا على رغبتهما في إتمام عملية انتقال السلطة بسلاسة. وصرح أوباما الذي يغادر منصبه في 20 كانون الثاني/يناير أنه "واثق" بفوزه لو أتيح له ان يترشح لولاية ثالثة. من جهة أخرى، أبدى ترامب في تغريدتين على تويتر دعمه لإسرائيل بعد تبني مجلس الأمن الدولي الجمعة قرارا يدين الاستيطاني الاسرائيلي في الاراضي الفلسطينية وقبل كلمة لوزير الخارجية جون كيري عن الشرق الأوسط. بحسب فرانس برس.

وكتب على تويتر "لا يمكن ان نستمر في السماح بمعاملة اسرائيل بازدراء تام وعدم احترام". واضاف "كانوا معتادين على وجود صديق كبير في الولايات المتحدة، لكن الامر لم يعد كذلك، وبداية النهاية كانت الاتفاق السيء مع ايران (حول النووي)، والآن دور الامم المتحدة. ابقي قوية يا اسرائيل، العشرين من كانون الثاني/يناير قريب جدا". وسرعان ما رد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتناياهو شاكرا ترامب على "صداقته الحارة ودعمه المطلق لاسرائيل". وللمرة الاولى منذ 1979، لم تستخدم الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) بينما كانت تساند اسرائيل في هذا الملف البالغ الحساسية. وقد سمح امتناعها عن التصويت باعتماد القرار.

اضف تعليق