q

على الرغم من حالة التعافي النسبي الذي يشهده اقتصاد الولايات المتحدة، اكبر اقتصاد عالمي والذي تأثر سلباً جراء الأزمة المالية العالمية، لا يزال هذا الاقتصاد المهم وكما يقول بعض الخبراء يواجه الكثير من التحديات والمشكلات سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، التي دفعت الحكومة الأمريكية الى اعتماد خطط وإجراءات جديدة تحفز اقتصادها، وتزعج الخصوم السياسيين الذين يعارضون العديد من الخطط والبرامج الإصلاحية، التي ينادي بها الرئيس بارك واوباما وهو ما قد يزيد حالة القلق على المستقبل الاقتصادي للولايات المتحدة الأمريكية لدى بعض الاقتصاديين الذين يعتقدون ان هذه الخلافات والأزمات السياسية المتواصلة ستكون سببا في حدوث انتكاسات أخرى.

من جانب آخر يرى بعض الخبراء ان قوة الدولار الأمريكي وارتفاع سعر صرفه أمام العملات الرئيسية العالمية خلال الفترة الماضية، قد أسهم بدعم قوة اقتصاد الولايات المتحدة، وتعافيه، مسجلًا أفضل أداء في مؤشرات النمو، والتشغيل، والتصنيع مقارنة بباقي الاقتصادات الكبرى، وسط توقعات بقرب رفع معدل الفائدة. لكن هذا الصعود القوي للعملة الأمريكية ألقى بظلاله القاتمة على الاقتصاد، وبحسب بعض المصادر الإعلامية فان قوة الدولار قد أسفرت عن خسائر حقيقية للشركات الأمريكية، وقد أعلنت العديد من الشركات الأمريكية الكبرى عن ارباح منخفضة بسبب ارتفاع قيمة الدولار، حيث تقوم ببيع أحجام كبيرة من السلع في الأسواق الخارجية، ولكنها تحصل على المقابل المادي بالعملات الأجنبية منخفضة القيمة مقابل الدولار. وأشارت بنوك استثمارية أمريكية إلى أن ارتفاع سعر الدولار سيؤدي إلى تراجع عائدات الشركات الأميركية بنحو 12 مليار دولار حتى نهاية العام الجاري.

الموازنة والتحديات

وفي هذا الشأن فقد اقترح الرئيس الأمريكي باراك أوباما موازنة بقيمة 3.99 تريليون دولار للسنة المالية 2016 تشعل معركة مع الجمهوريين بخصوص برامج لدعم الطبقة المتوسطة يتم تمويلها من خلال زيادات ضريبية على الشركات والأمريكيين الأثرياء. وتتوقع الموازنة عجزا بقيمة 474 مليار دولار بما يعادل 2.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. وقال بعض كبار المسؤولين بالحكومة الأمريكية إن الموازنة تتوقع استقرار العجز عند هذا المعدل خلال فترة تبلغ عشرة أعوام.

وتجسد موازنة أوباما اقتراحات تضمنها خطابه بخصوص حالة الاتحاد وتساهم في إبراز أولويات الحزب الديمقراطي خلال العام الأخير من فترة رئاسته وبداية الحملة الانتخابية الجديدة لانتخابات 2016. غير أنها وثيقة سياسية بقدر ما هي خارطة طريق مالية وستتطلب موافقة الكونجرس الذي يهيمن عليه الجمهوريون كي تدخل حيز التنفيذ.

وقال مسؤول بالحكومة في عرض مسبق للموازنة "نأمل بأنه من خلال وضع... رؤية اقتصادية واضحة تركز على الطبقة المتوسطة والنمو الاقتصادي أن نستطيع إجراء محادثات بناءة (مع الجمهوريين) ونحرز تقدما على مدار العام." وذكر مسؤولون أن الموازنة تنطوي على خفض العجز نحو 1.8 تريليون دولار خلال فترة الأعوام العشرة المقبلة عبر إصلاح الرعاية الصحية والضرائب والهجرة لكن التوقعات تفترض دعم الجمهوريين لبرامج أوباما وهو أمر مستبعد.

فعلى سبيل المثال عرقل الجمهوريون تشريع إصلاح الهجرة في مجلس النواب بينما تفترض الموازنة الموافقة على هذا التشريع. وتتوقع الحكومة الأمريكية استمرار انخفاض معدل البطالة وتتنبأ بوصوله إلى 5.4 بالمئة في 2015. ويبلغ معدل البطالة حاليا 5.6 بالمئة. وتخصص الموازنة 14 مليار دولار لدعم الدفاعات الأمنية الإلكترونية الأمريكية بعد سلسلة من عمليات الاختراق الكبيرة. بحسب رويترز.

وتدعو الموازنة إلى فرض ضريبة استثنائية بنسبة 14 بالمئة على أرباح تقدر بنحو 2.1 تريليون دولار حققتها شركات مثل جنرال اليكتريك ومايكروسوفت في الخارج مع فرض ضريبة نسبتها 19 بالمئة على الأرباح المستقبلية للشركات في الخارج. وتقترح الموازنة زيادة نسبتها سبعة بالمئة في الإنفاق المحلي والعسكري. وعلى صعيد السياسة الخارجية قال البيت الأبيض إن الموازنة تتضمن تمويل الجهود الرامية لهزيمة مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية ودعم حلف شمال الأطلسي والحلفاء الأوروبيين ضد روسيا.

تحسّن سوق العمل

من جانب آخر سجل سوق العمل الأمريكي 257 ألف فرصة عمل إضافية الشهر الماضي، والإحصائية تشير إلى زيادة حادة في عدد فرص العمل في شهري ديسمبر/كانون أول ونوفمبر/تشرين ثاني. وكان شهر يناير/كانون ثاني هو الشهر الحادي عشر على التوالي الذي شهد فيه سوق العمل تسجيل أكثر من 200 ألف فرصة عمل جديدة. وقالت وزارة العمل إن 147 ألف فرصة عمل إضافية سجلت في كل من شهر نوفبر/تشرين ثاني وديسمبر/كانون أول، وبهذا وصل عدد فرص العمل الجديدة 414 ألفا و 329 ألفا على التوالي.

وقد بلغ معدل فرص العمل الجديدة في الشهور الثلاثة الماضية 336 ألفا، وهو أفضل معدل لثلاثة شهور منذ 17 عاما. وكان المعدل في العام الماضي 197 ألفا. وقد بلغت نسبة البطالة 5.7 %، بينما ارتفع عدد العاملين والذين يبحثون عن فرص عمل. وأدى الارتفاع السريع في وتيرة الاستخدام إلى رفع معدل الأجور بمعدل 12 سنتا في الساعة، لتبلغ 24.75 دولارا في شهر يناير، وهو أعلى ارتفاع منذ عام 2008. وقد ارتفع معدل أجر الساعة بنسبة 2.2 في المئة العام الماضي. ويقول الخبير الاقتصادي الأمريكي بول آشوورث إن سوق العمل الأمريكي "يغلي"، وانه سيدفع البنك المركزي الأمريكي إلى رفع نسبة الفائدة البنكية. بحسب بي بي سي.

وقد زاد عدد العاملين في الولايات المتحدة 3.2 مليون شخص خلال السنة الماضية. ويتوقع الخبير الاقتصادي راسل برايس ازدياد الأجور مع انتعاش سوق العمل. وقد ارتفعت مبيعات السيارات بنسبة 14 في المئة في شهر يناير/كانون ثاني مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي.

ضحايا الورقة الخضراء

على صعيد متصل تواجه الشركات الاميركية الكبرى من غوغل الى فورد مشكلة ارتفاع سعر الدولار الذي يضر بصادراتها ويحد من هامش تحركها ويخفض ارباحها. وقال تشاد موتري الخبير الاقتصادي في مجموعة الضغط الصناعية "ناشيونال اسوسيشن اوف مانيفاكتيرر" ان "الدولار القوي يضر بنمو الشركات الاميركية". واكد المحلل لدى ستاندرد اند بورز هاورد سيلفربلات ان "الصادرات الاميركية اغلى والغموض الذي يلف المستقل يزداد".

ولائحة ضحايا الورقة الخضراء تضم اهم المجموعات الاقتصادية في البلاد، من قطاع الصناعات الغذائية الى التكنولوجيا مرورا بالمنتجات الصيدلانية والمواد الاستهلاكية.. ولم يوفر الوضع اي قطاع. وقال مكتب "فاير-آبس" ان ارتفاع سعر الدولار سيؤدي الى تراجع عائدات الشركات الاميركية بمقدار 12 مليار دولار حتى نهاية السنة.

وعلى الامد القصير، تسمح عقود التأمين على تقلبات اسعار الصرف التي وقعتها بعض الشركات مثل غوغل بالحد من الخسائر. لكن المحللين يرون ان الفائت في الارباح سيزداد في الاشهر المقبلة. وارتفع سعر الدولار بشكل كبير منذ نهاية حزيران/يونيو مقابل العملات الاخرى مستفيدا من تحسن الاقتصاد الاميركي والتوقعات بزيادة معدلات الفائدة في الولايات المتحدة. وقد اصبح سعره مقابل اليورو في مستويات غير مسبوقة منذ 2003.

وفي كل مرة يطرح التحليل نفسه: اذا كان الدولار قويا فان القدرة التنافسية للمنتجات الاميركية تتراجع ويصبح بيعها في الخارج اصعب. وترى "بروكتر اند غامبل" المجموعة المنتجة لشفرات الحلاقة جيليت ان قوة الدولار ستؤدي الى خفض رقم اعمالها السنوي بنسبة خمسة بالمئة وارباحها بنسبة 12 بالمئة، اي 1,4 مليار دولار على الاقل. والامر نفسه في "كيمبرلي كلارك" المنتجة للمناديل الورقية كيلينكس والتي يتوقع ان تتراجع عائداتها بين 3 و6 بالمئة هذه السنة بسبب ارتفاع سعر العملة الاميركية.

ومن الشركات التي قد تكون الاكثر تأثرا مجموعة دوبون للصناعات الغذائية التي تحقق ستين بالمئة من مبيعاتها في الخارج. وسيحرمها ارتفاع سعر الدولار من ستين سنتا للسهم من الارباح هذه السنة. وتشير الى الآثار السلبية للدولار بدرجات متفاوتة مجموعات ماكدونالدز زآي بي ام ومايكروسوفت وبفايزر وفيسبوك. وحتى آبل ليست محصنة. فهي تتحدث بشكل واضح عن "رياح معاكسة" واضطرت لرفع اسعار منتجاتها في روسيا في مواجهة تراجع سعر الروبل امام الدولار.

ويضع ارتفاع سعر الدولار الشركات الاميركية امام خيار صعب بين رفع اسعار منتجات التصدير مجازفة بذلك بزبائنها الذين قد يتوجهون الى شركات منافسة او عدم التحرك وتحمل النتيجة في نتائج ادائها مع تراجع الهوامش والارباح. واضطرت شركة كواليتي فلوت ووركس التي تنتج لواقط لخزانات وتسجل نصف مبيعاتها في الخارج، لخفض اسعارها بنسبة عشرين بالمئة لتحافظ على قدرتها التنافسية في مواجهة منافسيها الآسيويين. وقد ارجأت عمليات توظيف.

وفي بعض الاحيان يتحول ارتفاع سعر الدولار الى عقوبة مزدوجة كما حدث لكاتربيلار المنتجة للآليات الثقيلة التي تأثرت في وقت واحد بانخفاض اسعار النفط وارتفاع اسعار الصرف. وبالنسبة لشركات اخرى، مثل مونسانتو المتخصصة بالمنتجات المعدلة وراثيا يتبخر ببساطة التوفير الذي نجم عن انخفاض سعر النفط. في المقابل تستعد الشركات الاجنبية المنافسة لجني ثمار هذا الوضع. بحسب فرانس برس.

وقال جان بول آغون رئيس مجلس ادارة شركة لوريال ان الفصل الرابع "سيكون جيدا" بفضل تحسن سعر الدولار. واضاف ان انخفاض سعر اليورو يؤدي الى التشجيع على شراء مساحيق التجميل والزينة التي تنتجها الشركة الفرنسية، على حساب منافساتها الاميركيات مثل ايستي لودر. ويجعل تراجع العملة الاوروبية اسعار المعدات الثقيلة الالمانية أفضل وكذلك يفترض ان تجد مجموعة ايرباص لصناعة الطائرات نفسها في وضع افضل من منافستها الاميركية بوينغ. اما الين الضعيف فيعود بالفائدة على مجموعات تويوتا وهوندا ونيسان خلافا لجنرال موتورز و"اف سي ايه يو اس" (كراسلر سابقا)، بما انها تستطيع منح علاوات بدون ان تخشى من تدهور هامش ماليتها.

تقلبات الأسواق المالية

في السياق ذاته قال بنك التسويات الدولية إن التقلبات المفاجئة التي شهدتها الأسواق المالية في الفترة الأخيرة تشير إلى أن تلك الأسواق أصبحت أكثر حساسية للأحداث غير المتوقعة محذرا من أن التفاؤل الحالي يقف على أرضية هشة. ويحوم مؤشر ام.اس.سي.آي لأسهم جميع دول العالم قرب أعلى مستوياته في عدة سنوات بعدما تعافى من موجة بيع في أغسطس آب وأكتوبر تشرين الأول.

وجاءت الانخفاضات بفعل عدم التيقن بشأن آفاق الاقتصاد العالمي والسياسة النقدية إضافة إلى التوترات الجيوسياسية وقال بنك التسويات إن الانخفاضات الحادة والمفاجئة تشير إلى هشاشة الأسواق. وقال البنك في نشرة فصلية "كانت تلك التحركات المفاجئة (في أكتوبر تشرين الأول) أكثر حده من مثيلاتها في أغسطس آب حينما شهدت الأسواق المالية العالمية أوضاعا مواتية أعقبت تصحيحا مفاجئا.

"يشير ذلك إلى أن مزاج التفاؤل الحالي في الأسواق المالية يقف على أرضية هشة" مضيفا أن التطورات في الآونة الأخيرة تشير إلى أن الأسواق أصبحت "أكثر هشاشة". وتابع "شهدت أسواق الأسهم العالمية هبوطا سريعا في أوائل أغسطس آب ومنتصف أكتوبر تشرين الأول. أظهرت التحركات الحادة للأسعار أثناء التعاملات في منتصف أكتوبر تشرين الأول أن الأسواق أصبحت أكثر حساسية حتى تجاه المفاجآت الصغيرة." بحسب رويترز.

يأتي التقرير بعدما حذر البنك في سبتمبر أيلول من أن أسعار الأصول المالية "مرتفعة" وأن تقلبات السوق مازالت "هادئة على غير المعتاد" نظرا لسياسات التيسير النقدي التي تنتهجها البنوك المركزية في أنحاء العالم. ومنذ ذلك الحين أنهى مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) برنامجه الشهري لشراء السندات بينما أعطى بنك اليابان المركزي دفعة للأسواق العالمية من خلال التوسع في برنامج الإنفاق التحفيزي الضخم وخفضت الصين أسعار الفائدة بشكل غير متوقع مضيفة إلى الإجراءات التحفيزية من البنك المركزي الأوروبي. وقال بنك التسويات الدولية إن هذا التباين في السياسات النقدية إضافة إلى صعود الدولار في الآونة الأخيرة ربما يكون له "تأثير عميق" على الاقتصاد العالمي وبصفة خاصة في الأسواق الناشئة حيث توجد لشركات كثيرة التزامات كبيرة بالدولار.

اضف تعليق