q

امتنعت الولايات المتحدة عن استخدام حق الفيتو عند التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي المرقم 2334 الذي أدان سياسة اسرائيل في بناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية المحتلة بعد حرب عام 1967 فيما وافق 14 عضوا من أعضاء المجلس مقابل صفر.

صدور القرار قد فاجأ العرب كما فاجأ اسرائيل، فقد اعتادت الولايات المتحدة أن تستخدم حق النقض (الفيتو) ضد أي قرار ينتقد أو يدين اسرائيل في المحافل الدولية وليس ذلك فحسب فقد صوت الى جانب القرار كل من بريطانيا وفرنسا حليفتا اسرائيل وهو أمر مفهوم فما كان ليتم دون التشاور مع الولايات المتحدة زعيمة التحالف الغربي. العرب أيضا اعتادوا على رؤية الموقف الأمريكي الداعم لإسرائيل منذ تأسيسها عام 1948- 1949 فهي الداعم الرئيس لها عسكريا وسياسيا وهي الممول الوحيد لبناء ترسانتها العسكرية بما فيها النووية وتلتزم سياسيا وعسكريا بالدفاع عنها في حالة تعرضها لأي تهديد من دول الشرق الأوسط العربية منها وغير العربية وخاصة ايران.

كان رد الفعل الاسرائيلي على لسان رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو هستيريا ومتهورا، فعلى اثر تداول صيغة مشروع القرار في أروقة مجلس الأمن قام بالاستعانة بالرئيس المنتخب دونالد ترامب بالضغط على مصر من خلال الاتصال برئيسها السيسي لسحب مشروع القرار لكونها هي أحد الاربعة الذين تقدموا به لمجلس الأمن. محاولة نتنياهو وترامب نجحت في ثني مصر عن السير به قدما، لكن الدول الثلاثة الأخرى وهي نيوزيلاندا وماليزيا وفنزويلا أصرت على التمسك به برغم الضغوط المكثفة عليها ونجحوا في الختام في اصداره.

الرئيس الاسرائيلي الغاضب من عدم استخدام الوفد الامريكي حق النقض وصف الموقف الأمريكي بالمخجل مدعيا "أن ادارة الرئيس أوباما ليس فقط لم تستخدم حق النقض لإفشال مشروع القرار لحماية اسرائيل من المتآمرين عليها في المحفل الدولي، بل تعاونت معهم خلف الكواليس وان اسرائيل تنظر قدما للعمل مع أصدقائها في مجلسي الكونغرس من الجمهوريين والديمقراطيين والرئيس المنتخب دونالد ترامب لإبعاد أية آثار سلبية على اسرائيل نتيجة القرار السخيف." وفي موقف غير مسبوق ردت الولايات المتحدة عن طريق الناطق باسم وزارة خارجيتها على تصريحات نتنياهو بالقول ان المسئولية عن صدور قرار مجلس الأمن يتحملها رئيس وزراء اسرائيل وحده نتيجة سياسة الاستيطان التي يتبعها.

غضب نتنياهو على الولايات المتحدة أشبه بغضب الطفل المدلل من أمه فيصطنع الصراخ والعويل ليزيد من اهتمامها به لتحقيق طلباته، فنتنياهو يعي تصرفاته جيدا فهو بذلك يستجدي المزيد من المساعدات العسكرية والدعم المالي والسياسي الأمريكي تماما كما حدث بعد التوقيع على الاتفاق مع ايران حول برنامجها النووي. فقد احتج نتنياهو على الاتفاق المبرم وهدد بهجوم استباقي لتدمير المواقع الصناعية التي تجري إيران ابحاثها النووية فيها للأغراض الطبية والعلمية والطاقة الكهربائية رغم انها تحت رقابة الأمم المتحدة. لقد اضطر الرئيس أوباما حينها أمام تلك التهديدات التي قد تجر الولايات المتحدة الى حرب لا ترغب هي في خوضها فأصدر وعوده السخية بزيادة المساعدات المالية الأمريكية لإسرائيل. وهذا ما سيحدث بالفعل خلال الأيام والأسابيع القادمة حيث ستشهد العلاقات الاسرائيلية–الأمريكية عصرا ذهبيا جديدا غير مسبوق بعد ان يستلم الرئيس المنتخب السيد دونالد ترامب مهام منصبه بعد العشرين من الشهر القادم.

كلنا شاهد على واقع السياسات الاسرائيلية تجاه الفلسطينيين، فخلال فترة الثماني والستين عاما من قيام دولة اسرائيل وحركة بناء المستوطنات على الاراضي الفلسطينية مستمرة دون توقف وان توقفت بعض الوقت فإنها لم تتراجع أبدا. وكما يصرح مسئوليها فأن الارض هي أرضهم كما صرح مندوب اسرائيل في مجلس الأمن بعد التصويت على القرار مباشرة ملوحا بكتاب التوراة اننا هناك منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام.

ان مثل هذا التصريح يعنى ان الاراضي التي تحتلها اسرائيل وتلك التي ستستولي عليها عبر الاستيطان مستقبلا هي أراضي محررة وليست مغتصبة وبالتالي لن تعاد الى الفلسطينيين تحت أي ظرف. وبناء عليه وفق قول ممثل اسرائيل في مجلس الأمن على الفلسطينيين أن يعوا ذلك جيدا فكفاحهم لتحرير الاراضي المحتلة واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة هو مضيعة للوقت ولن يؤدي بهم الى أي شيء.

ان هذا الواقع يذكر برواية من الفولكلور الشعبي ربما من كتاب كليلة ودمنة أو علي بابا والأربعين حرامي. تقول الرواية ان رجلا كان يحاول انقاذ شخص موشك على الغرق في بحيرة فتقدم نحوه طالبا ان يعطيه يده لكي يسحبه بأمان الى اليابسة لكن الشخص الموشك على الغرق لم يستجب. وخلال ذلك مر من هناك رجل طاعن في السن فسأل، من الغريق أتعرفونه؟ فقالوا له انه حسقيل مقرض النقود فرد قائلا: ليس هكذا يخاطب مقرضي النقود. فنزل فورا الى الماء وصرخ في الغريق خذ يدي، عندها مد الغريق يده و أمسك بيد الشيخ وانقذ من الغرق. التفت الشيخ نحو الناس المتجمعين على شاطئ البحيرة قائلا، ان مقرضي المال لا يحبون أن يعطوا فكان الأجدر أن يقال له خذ يدي وليس اعطني يدك. فليس من المستغرب أبدا أن لا يعيد الاسرائيليون الاراضي الفلسطينية المنهوبة فهم كغيرهم من مقرضي المال لا يحبوا أن يعطوا.

لكن هذا لا يعني ان جميع اليهود مع سياسة التوسع ونهب أراضي الفلسطينيين فهناك ملايين اليهود في شتى انحاء العالم يعارضون السياسة الاسرائيلية تجاه الحقوق الفلسطينية ويدينونها وان جزءا واسعا من يهود الولايات المتحدة لا تعتبر اسرائيل ممثلة لهم أو ناطقة باسمهم. وفي اسرائيل نفسها هناك جزء من الرأي العام الاسرائيلي لا يشاطر حكومة نتنياهو سياساته المتطرفة والمتعجرفة اللاانسانية وغير الحضارية تجاه الشعب الفلسطيني الذي يتطلع الى العيش بسلام جنبا لجنب مع الشعب الاسرائيلي. فالشيوعيون وقفوا دائما مع الحقوق الفلسطينية وعارضو الاستيطان بدون تحفظ.

وهناك ايضا تجمع Meretz اليساري الذي يجمع في صفوفه الاشتراكيين الديمقراطيين والخضر ومستقلين وغيرهم ولهم ممثلوهم في المجلس النيابي الاسرائيلي لهم رأي مغاير تماما لآراء الحكومة ورئيسها نتنياهو. فقد صرحت رئيسة التجمع السيدة Zehava Galon تعليقا على قرار مجلس الأمن قائلة: " انني سعيدة بموقف الادارة الأمريكية من قرار مجلس الأمن الأخير فهو ضد سياسة اقتطاع الاراضي الفلسطينية وبناء المستوطنات عليها وليس موجها ضد اسرائيل. واضافت: قرار مجلس الأمن موجه مباشرة ضد القانون الذي أجاز للحكومة الاسرائيلية بناء المستوطنات وبه فقدت اسرائيل كل سمات الخجل بنفس الوقت الذي فقد العالم صبره".

ملحق: ملخص قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2334 الذي تضمن البنود المهمة التالية:

أكد القرار بأن اقامة المستوطنات على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 بما فيها القدس الشرقية غير شرعي ويشكل خرقا واضحا للقانون الدولي ويضع العراقيل أمام قيام دولتين وسيادة السلام بينهما.

يطالب القرار بأن تتوقف اسرائيل فورا وكليا عن أي نشاط استيطاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية وان تحترم التزاماتها بخصوص ذلك.

ان الأمم المتحدة لن تعترف بأي تغيير على حدود الرابع من حزيران يونيو 1967بما في ذلك القدس الشرقية عدا ما يتم الاتفاق عليه في المفاوضات بين الاطراف المعنية.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق