q

يتجه المشهد السياسي في فلسطين المحتلة، التي تعاني من أزمات ومشكلات كبيرة بسبب هيمنة الاحتلال الإسرائيلي، نحو مزيد من الانشقاق والانقسام بين الشخصيات والأحزاب والحركات السياسية الفلسطينية، التي تسعى وبحسب بعض المراقبين الى تحقيق مكاسب خاصة، الأمر الذي اثر سلبا على إدارة السلطة الوطنية وابعد القضية الفلسطينية، التي كانت أول واهم القضايا العربية والعالمية عن مركز الاهتمام، فالتنظيمات والاحزاب والحركات الفلسطينية كما نقلت بعض المصادر، تعاني اليوم من أزمة داخلية وخارجية تتجلى في تراجع دورها وتراجع قاعدتها الجماهيرية، بالإضافة إلى انعدام الوعي وضعف وترهل المؤسسات، فهنالك أزمة ثقة داخل هذه التنظيمات، وضعف في العلاقة بين القيادات والقواعد الجماهيرية.

ولعل المشكلات والازمات الراهنة التي تعاني منها حركة التحرير الفلسطينية "فتح" بسبب الخلاف بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ومحمد دحلان، والتي ووصفها البعض بأنها خلافات شخصية، هي اليوم من اهم قضايا في فلسطين، خصوصا وان البعض اشار الى ان هذه الخلافات ربما ستتحول الى صراع جديد في الفترة المقبلة قد يسهم بتفكك الحركة، وهو ما سيكون له تأثير سلبي على القضية الفلسطينية باعتبار أن حركة فتح هي الحركة الأم للقضية الفلسطينية، وأكدا على ضرورة تسوية الخلافات وفق ما هو متبع داخل مؤسسات الحركة والقانون بعيداً عن شخصنة الخلافات.

ويرى بعض المراقبين ان الرئيس الفلسطيني محمود عباس يسعى ومن خلال بعض القرارات الى

إحكام قبضته على الحياة السياسية وتركيز مزيد من السلطات في يديه، وإخماد أي أصوات معارضة لسياساته، وهو ما تثير غضباً شعبياً واستياءً لدى الفصائل والقوى السياسية، حيث منحت المحكمة الدستورية العليا الفلسطينية مخراً، الرئيس محمود عباس صلاحيات تمكنه من إلغاء الحصانة البرلمانية عن أي نائب في المجلس التشريعي. وقالت المحكمة الدستورية العليا في قرار لها نشرته الوكالة الرسمية الفلسطينية "لرئيس دولة فلسطين محمود عباس الصلاحية الكاملة لرفع الحصانة عن أي عضو مجلس تشريعي في غير أدوار انعقاد المجلس التشريعي." وتعطل المجلس التشريعي الفلسطيني الذي جرى انتخاب أعضائه في عام 2006 بعد سيطرة حركة حماس على قطاع غزة في عام 2007 ولم تجر انتخابات جديدة رغم انتهاء السنوات الأربع التي نص عليها القانون الأساسي الفلسطيني الذي هو بمثابة الدستور لانتخاب مجلس جديد.

ويمنح القانون الأساسي الرئيس الفلسطيني صلاحية إصدار القوانين والتشريعات بمراسيم رئاسية في حال تعطل المجلس التشريعي لأي سبب. ورفضت حماس التي يشكل أعضاؤها أغلبية في المجلس التشريعي قرار المحكمة وقال سامي أبو زهري الناطق باسمها "قرار ما يسمى بالمحكمة الدستورية أن رئيس السلطة له الصلاحية الكاملة لرفع الحصانة عن نواب التشريعي مرفوض وباطل قانونا." ويرى مراقبون أن الهدف من هذا القرار الصادر عن المحكمة كان النائب محمد دحلان المفصول من حركة فتح.

الحصانة البرلمانية

وفي هذا الشأن قال مسؤول فلسطيني رفيع إن الرئيس محمود عباس رفع الحصانة البرلمانية عن خمسة نواب في المجلس التشريعي الفلسطيني. وأضاف حسن العوري المستشار القانوني لعباس "استجاب الرئيس لطلب من النائب العام برفع الحصانة عن عدد من النواب في المجلس التشريعي لاستكمال التحقيق معهم بخصوص شكوى تقدم بها مواطنون وقضايا أخرى." وأوضح العوري أن النواب الذين رفعت الحصانة عنهم هم جمال الطيراوي وشامي الشامي ونجاة أبو بكر وناصر جمعة وجميعهم نواب عن حركة فتح في المجلس التشريعي الفلسطيني. وقالت النائبة نجاة أبو بكر "لم نتسلم قرارا رسميا بهذا الخصوص (رفع الحصانة) وإن كنا قد سمعنا بذلك."

ويرى مراقبون أن هذا القرار يأتي في إطار الصراعات الداخلية في حركة فتح التي برزت خلال المؤتمر السابع للحركة والذي نجح عباس فيه في استبعاد الموالين للقيادي محمد دحلان المفصول من فتح. ومن أبرز الأسماء التي تم رفع الحصانة عنها النائب الطيرواي الذي رفض المشاركة في المؤتمر السابع للحركة احتجاجا على الطريقة التي تم فيها اختيار أعضاء المؤتمر العام السابع لحركة فتح. ويسكن الطيراوي في مخيم بلاطة الذي شهد في الأشهر الأخيرة اشتباكات مسلحة بين قوات الأمن الفلسطينية ومسلحين من المخيم سقط فيها قتلى من الجانبين. بحسب رويترز.

ويرى مراقبون أن هذا القرار سيؤدي إلى زيادة التوتر في المخيم وهو الأكبر بين مخيمات الضفة الغربية. وكتب الطيراوي على صفحته على فيسبوك ما يمكن وصفه برسالة تحد قال فيها "واكذبوا كما شئتم ولفقوا التهم كما أردتم ولكني أقسم برب العباد وقدسية الانتماء أن أبقى كما عهدني أبناء الفتح وأبناء شعبي". ومنحت المحكمة الدستورية العليا مؤخرا عباس صلاحية رفع الحصانة عن نواب المجلس التشريعي.

عباس يعزز قبضته

من جانب اخر أظهرت النتائج النهائية لانتخابات حركة فتح أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبقى قبضته القوية على الحركة بعد أن واصل الموالون له الهيمنة على أعلى هيئة لصنع القرار داخلها. وقال محللون فلسطينيون إن نتيجة التصويت الذي جرى خلال أول مؤتمر لحركة فتح منذ سبع سنوات لا تشير إلى أي تغيير في سياسة السعي إلى حل الدولتين مع إسرائيل.

ويأتي الاجتماع في وقت يمثل تحديا لعباس بعد انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة وهو حدث يراه كثير من الإسرائيليين دعما لسياسة البناء الاستيطاني الإسرائيلية على الأراضي المحتلة التي يريدها الفلسطينيون لإقامة دولتهم. وتوقفت محادثات السلام الإسرائيلية الفلسطينية منذ عام 2014.

وأظهرت النتائج الرسمية لانتخاب اللجنة المركزية لحركة فتح أن 16 على الأقل من 18 مقعدا بالانتخاب ذهبت للموالين لعباس. وأعيد انتخاب عباس كزعيم لفتح في اليوم الأول للمؤتمر ويمكنه اختيار ثلاثة مندوبين آخرين للجنة المركزية المكونة من 21 عضوا. وأشارت النتائج إلى خليفين محتملين لعباس وهما مروان البرغوثي الذي يقضي أحكاما متعددة بالسجن مدى الحياة في سجن إسرائيلي بعد إدانته بالقتل خلال الانتفاضة الفلسطينية 2000-2005 والمسؤول الأمني السابق جبريل الرجوب.

وحصل البرغوثي على أكبر عدد من الأصوات لنيل مقعد في اللجنة وجاء بعده الرجوب. وكان يفترض أن يعقد المؤتمر قبل نحو عامين لكن الانقسامات السياسية سواء داخل فتح أو بين الحركة ومنافستها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أدت إلى تأجيله مرارا.

ومنذ ذلك الحين كافح عباس لتهميش المعارضة خاصة من جانب محمد دحلان وهو مسؤول أمني سابق ومسؤول سابق في فتح يقيم حاليا في منفاه الاختياري في منطقة الخليج وأصبح ناقدا لاذعا لعباس. وفي حين حافظ دحلان على بعض الدعم في فتح خفض عباس عدد الأشخاص المدعوين للمؤتمر إلى 1400 عضو من 2500 في آخر مؤتمر عام 2009 من أجل الحد من نفوذ منافسه. وفُصل دحلان أيضا من الحركة. بحسب رويترز.

وقال المحلل السياسي الفلسطيني هاني المصري "الرئيس هو المنتصر." وأضاف "نتائج المؤتمر تعني الاستمرارية سواء في اللجنة المركزية أو البرنامج السياسي" في إشارة إلى اتفاقات السلام المؤقتة التي تعود لفترة التسعينات والتي حددت مسار إقامة دولة فلسطينية إلى جوار إسرائيل. وبعد المؤتمر ستجتمع اللجنة المركزية الجديدة وتنتخب من أعضائها نائبا لعباس داخل الحركة. ويقول بعض المراقبين إنه خلال الأشهر المقبلة قد يتأكد كذلك تعيين هذا الشخص نائبا لرئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. وإذا حدث ذلك يقول مسؤولون فلسطينيون إنه قد يكون تأكيدا للمرشح كخليفة لعباس. ويقول منتقدو عباس الذي وصل إلى السلطة قبل 11 عاما إن اختيار خليفة له أمر طال انتظاره. ويريدون أيضا إجراء انتخابات عامة جديدة. وانتخب عباس لفترة أربع سنوات في 2005 وأجريت آخر انتخابات برلمانية في 2006.

سجن دحلان

في السياق ذاته قالت مصادر فلسطينية إن محكمة جرائم الفساد قضت بسجن محمد دحلان القيادي المفصول من حركة فتح ثلاث سنوات "غيابيا" في قضية تتعلق باختلاس المال العام. ويأتي قرار المحكمة في وقت تشتد فيه الصراعات الداخلية الفلسطينية وخاصة بين الرئيس محمود عباس ودحلان الذي يعتبره كثيرون من أقوى المرشحين لخلافة الزعيم الفلسطيني. وقال رفيق النتشة رئيس هيئة مكافحة الفساد في كلمة له في مؤتمر حول عمل الهيئة أن محكمة جرائم الفساد أصدرت حكما على محمد دحلان بالسجن ثلاث سنواتً، ويتعذر تنفيذ القرار لعدم تواجد دحلان في الأراضي الفلسطينية. وأضاف النتشة ان القضية تتعلق باختلاس حوالي 16 مليون دولار عندما كان دحلان يشغل منصبا قياديا في السلطة الفلسطينية.

وطالب دحلان في وقت لاحق في تصريحات صحفية نشرها على صحفته على فيسبوك بتشكيل لجنة وطنية خاصة لبحث الاتهامات بحقه وقال "أعلن عن التزامي المسبق بكل ما ينتج عنها." وأوضح دحلان في تصريحاته "خلال فترة عملي كمستشار أمن قومي لم استلم أي مبلغ مالي من وزارة المالية." بحسب رويترز.

وكان دحلان الذي يقيم في أبو ظبي منذ سنوات قد رفض قرارات المحاكم الفلسطينية السابقة التي اتهمته بالفساد كما رفض قرار الرئيس عباس بنزع حصانته البرلمانية متهما الرئيس الفلسطيني باستخدام القضاء لإبعاد خصومه السياسيين عن دائرة صنع القرار في حركة فتح والنظام الفلسطيني. وقال مسؤول في النيابة العامة طلب عدم ذكر اسمه انه مع صدور القرار يصبح محمد دحلان فارا من العدالةً. وأضاف "إذا أراد دحلان إعادة محاكمته يتوجب عليه تسليم نفسه أولاً".

اضف تعليق