q

معركة استعادة مدينة حلب السورية وما تبعها من تطورات بعد انهيار وهزيمة الجماعات المسلحة، التي انسحبت بعد ساعات على سيطرة قوات الجيش السوري على العديد من الاحياء والمناطق في هذه المدينة المهمة، ماتزال محط اهتمام واسع خصوصا وان خسارة حلب شكلت كما نقلت بعض المصادر، صفعة قوية لدول قدمت الكثير من الدعم للمعارضة السورية وعلى رأسها السعودية وقطر وتركيا، التي سعت اليوم الى تصعيد حربها الاعلامية واعتماد الفبركة الاعلامية، من اجل اثارة الرأي العام العالمي ضد الجيش السوري وباقي الحلفاء، فخسارة حلب هي نكسة كبيرة وربما قاضية للفصائل المسلحة التي تفتقر الى قيادة واهداف موحدة وتتبع اجندة خارجية. وقد الرئيس السوري بشار الأسد إن حسم المعركة لصالحه سيشكل "تحولا في مجرى الحرب" و"محطة كبيرة" باتجاه إنهاء النزاع المستمر منذ أكثر من خمس سنوات.

ويرى بعض الخبراء ان انتصارات الجيش السوري ستجبر الجماعات المسلحة والدول الداعمة، على اعتماد خطط جديدة وتقديم تنازلات مهمة، من اجل الحصول على مكاسب خاصة بعد هذه الهزائم الكبيرة كما انها ستسعى الى تخفيف خطابها المتشدد و مطالبها السابقة، بعد ان ادركت تحول موازين القوى في هذه الحرب. في هذا الشأن قال رياض حجاب المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات التي تمثل ما يسمى المعارضة السورية، إن الهيئة مستعدة للانضمام لمحادثات سلام يعتزم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عقدها بشرط أن يكون هدفها تشكيل حكومة انتقالية.

وقال للصحفيين في كوبنهاجن بعد اجتماع مع وزير خارجية الدنمرك أندرس سامويلسن إنه إذا كانت هناك نية لحل سياسي حقيقي لتشكيل حكومة انتقالية لها صلاحيات كاملة فإن الهيئة العليا للمفاوضات تؤيد هذا الحل السياسي. واستبعد الرئيس السوري بشار الأسد دوما التنحي في إطار حل سياسي ينهي الحرب وأعلن أنه حقق نصرا عسكريا كبيرا عندما استعادت قواته مناطق كانت تسيطر عليها المعارضة في حلب.

وقال حجاب الذي كان رئيسا لوزراء سوريا في وقت من الأوقات إن الهيئة العليا للمفاوضات تشكلت لإيجاد حل سياسي في سوريا وإنها ملتزمة بمحادثات السلام التي ترعاها الأمم المتحدة. وفي وقت سابق وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين -أقوى حليف لسوريا- إنه يعمل مع الرئيس التركي طيب إردوغان من أجل بدء جولة جديدة من محادثات السلام السورية بهدف التوصل إلى وقف لإطلاق النار على مستوى البلاد. وقال بوتين إن المحادثات الجديدة قد تجري في أستانة عاصمة قازاخستان وستكون مكملة للمفاوضات التي عقدت بشكل متقطع في جنيف بوساطة الأمم المتحدة. وأضاف للصحفيين "الخطوة التالية هي التوصل لاتفاق بشأن وقف شامل لإطلاق النار في كامل أنحاء سوريا."

زغاريد وهتافات

من جانب اخر خرقت زغاريد النساء فضاءات ريف سوري يقع على ضفتي حرب وتعالت أصواتهن من شرفات تطل على جسر الراموسة ترحب بخروج من تبقى من المسلحين وأسرهم في شرق حلب. وعند نقطة الراموسة التي كانت أحد خطوط التماس تجمّعت نحو عشرين حافلة وسيارة إسعاف لنقل الدفعة الأولى من المسلحين والجرحى من منطقة ظلت خارج سيطرة السلطات السورية على مدى خمس سنوات.

وقالت امرأة مسّنة في منطقة الحمدانية بالقرب من معبر الراموسة وهي ترفع يدها إلى السماء "الله يخلّصنا من ها الأزمة ونخلص منهم (المسلحون). ما جابولنا إلا الخراب والدمار. إنشاء الله اليوم نخلص وأرجع أشوف ابني اللي انخطف قبل أربع سنوات. ذهب إلى دوامه ولم يرجع .. بدي أعرف إذا ابني عايش أو ميت. حسبي الله ونعم الوكيل." وضمنت سوريا سلامة مقاتلي المعارضة وأسرهم الذين سينقلون إلى إدلب في شمال غرب سوريا.

وقالت وزارة الدفاع الروسية إن روسيا ستستخدم طائرات بدون طيار لمراقبة نقل المقاتلين وأسرهم في 20 حافلة برفقة عشر سيارات إسعاف عبر ممر آمن. وكان اتفاق سابق لوقف إطلاق النار توسطت فيه روسيا أقوى حليف للرئيس السوري بشار الأسد وتركيا التي تساند المعارضة قد انهار بعد تجدد القتال ولم تنفذ عملية الإجلاء كما كان مقررا لها في ذلك الوقت. وإلى جانب الحافلات الخضراء التابعة للدولة السورية التي نقلت المسلحين تجمع عدد من أبناء الأحياء وغيرهم وهم يتابعون مع الصحفيين آخر التطورات.

وقال أسامه الصالح (40 عاما) وهو يرتدي زياً عسكرياً "جئت إلى هنا لأشاهد هذا اليوم التاريخي .. نحن شعب عانى كثيراً من وجود المسلحين وأنا هنا لأكون شاهداً على هزيمتهم بأم العين." ومن وسط الشارع صرخ رجل عجوز يرتدي جلبابا وهو يقول "انهزموا انهزموا .. خمس سنوات من الموت اليومي والتهجير والقصف والفقر وانقطاع المياه والكهرباء. اليوم حلب ستتوحد. لا شرقية ولا غربية حلب واحدة وستعود أجمل مما كانت."

وقال وسام الزرقا وهو مدرس لغة إنجليزية بالمنطقة الخاضعة للمعارضة إن أغلب الناس يشعرون بسعادة لمغادرتهم سالمين لكنه أضاف "البعض غاضب لأنهم يتركون مدينتهم. رأيت بعضهم يبكي وهذا هو ما شعرت به." وجاء اتفاق الإجلاء تتويجا لتقدم سريع حققه الجيش السوري وحلفاؤه على مدى أسبوعين دفع المعارضين للتراجع إلى جيب أصغر كثيرا بالمدينة تحت وطأة ضربات جوية مكثفة ونيران مدفعية. وباستعادة السيطرة على حلب يكون الأسد قد أثبت قوة تحالفه العسكري الذي تدعمه القوات الجوية الروسية ومقاتلون شيعة من مختلف أرجاء المنطقة.

وكان المعارضون يحظون بدعم من الولايات المتحدة وتركيا ودول خليجية لكن هذا الدعم جاء أقل من المساندة العسكرية المباشرة التي قدمتها روسيا وإيران للأسد. وقلب قرار روسيا بنشر قواتها الجوية في سوريا قبل 18 شهرا موازين الحرب لصالح الأسد بعد تقدم المعارضة في غرب سوريا. وإضافة إلى حلب استعاد الأسد معاقل من المعارضة قرب دمشق هذا العام. وبدأت عملية خروج المسلحين مع قيام عناصر من الجيش السوري بإزالة السواتر الترابية التي كانت تفصل بين منطقتين شرقية وغربية. وعند أعلى عامود كهرباء في معبر الراموسة وقف أحد عناصر الجيش السوري حاملاً علم بلاده وصعد إلى العامود وعلقّه وهو يصرخ بعبارات عن سوريا الموحدة. بحسب رويترز.

ومن أمام مدخل قصره في دمشق هنأ الأسد الشعب السوري بما وصفه "تحرير" حلب وقال إن ما يحدث اليوم هو كتابة تاريخ. وأضاف الأسد "كنا نحدد الزمن بما قبل الميلاد وما بعد ميلاد السيد المسيح .. قبل نزول الوحي على سيدنا رسول الله وبعد نزول الوحي ونقول في الوضع السياسي قبل سقوط الاتحاد السوفيتي وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي .. بين الحربين العالميتين وبعدهما وهكذا." ومضى يقول "الأحداث الكبرى في العالم تحول الزمن إلى تاريخ .. واليوم -ليس فقط الوضع السوري والإقليمي بل الدولي- سنقول قبل تحرير حلب وبعد تحرير حلب."

عمليات الإجلاء

في السياق ذاته توقفت عمليات الإجلاء من آخر مناطق خاضعة لسيطرة مقاتلي المعارضة في حلب السورية بعد أن طالب مسلحون موالون للحكومة بإخراج المصابين من قريتين شيعيتين يحاصرهما مقاتلو المعارضة. وتوقفت عمليات الإجلاء في اليوم الثاني وسط اتهامات متبادلة بين كل الأطراف بعد صباح شهد تسارعا في وتيرة عمليات الإجلاء.

وقال الأمين العام للأمم المتحدة بان جي مون للصحفيين "حلب الآن هي المرادف للجحيم...أعبر عن بالغ أسفي لاضطرارنا لوقف تلك العملية." وانقسمت حلب إلى مناطق خاضعة لسيطرة مقاتلي المعارضة وأخرى خاضعة لسيطرة الحكومة خلال الحرب الأهلية الدائرة منذ ما يقرب من ست سنوات لكن مكاسب سريعة حققها الجيش السوري وحلفاؤه بدأت في منتصف نوفمبر تشرين الثاني سلبت مقاتلي المعارضة أغلب الأراضي التي كانوا يسيطرون عليها في غضون أسابيع.

وتقول روسيا إن الجيش السوري بسط سيطرته على كل الأحياء في شرق حلب على الرغم من أن القوات الحكومية تواصل محاصرة مناطق معزولة استمر مقاتلو المعارضة في المقاومة فيها. واتهمت مصادر في جماعات المعارضة المسلحة مقاتلين موالين للحكومة بفتح النار على قوافل الحافلات التي تقل الخارجين من شرق حلب ونهبهم. ونفى مصدر عسكري سوري الاتهامات لكنه قال إن القافلة عادت أدراجها.

وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن مسلحين موالين للحكومة أوقفوا مجموعة من سيارات الإسعاف وعربات تقل المئات من المدنيين والمقاتلين في نقطة للتفتيش جنوب غربي حلب. وعادوا فيما بعد لجيب المعارضة في المدينة. وقال قائد بالمعارضة في حلب إن مقاتلي المعارضة في شرق حلب في حالة استنفار بعد أن منعت قوات موالية للحكومة المدنيين من المغادرة ونشرت أسلحة ثقيلة على الطريق المؤدي إلى خارج المنطقة.

وقال مصدر رسمي سوري إن عملية الإجلاء توقفت بسبب محاولة مقاتلي المعارضة اصطحاب أسرى معهم ومحاولتهم أيضا إخفاء أسلحة في حقائبهم. ونفت جماعات المعارضة في حلب ذلك. لكن الإعلام الحربي لجماعة حزب الله اللبنانية المؤيدة للحكومة السورية قال إن محتجين قطعوا طريقا مؤديا إلى خارج المدينة مطالبين بإجلاء المصابين من قريتي الفوعة وكفريا الشيعيتين في محافظة إدلب المجاورة.

وقال مسؤولون من المعارضة ومن الأمم المتحدة إن إيران -وهي أحد الحلفاء الرئيسيين للنظام السوري- طالبت بضم القريتين إلى اتفاق وقف إطلاق النار الذي تجري بموجبه عمليات الإجلاء من حلب. وقال مصدر في المعارضة السورية المسلحة إن جبهة فتح الشام المعروفة سابقا باسم جبهة النصرة كانت آخر جماعة من جماعات المعارضة التي تحاصر القريتين التي توافق على السماح للمصابين بالمغادرة. لكن مصدرا في النصرة نفى ذلك.

وقال مسؤول سوري إن عمليات الإجلاء المتوقفة من شرق حلب ستستأنف بمجرد السماح بخروج المصابين من قريتي الفوعة وكفريا الشيعيتين المحاصرتين. والفوضى المحيطة بعمليات الإجلاء من شرق حلب تعكس مدى تعقيد الحرب التي تشمل عدة جماعات وقوى أجنبية متدخلة لصالح طرفي النزاع.

وقالت منظمة الصحة العالمية إنه جرى إبلاغ وكالات الإغاثة المشاركة في عمليات الإجلاء بمغادرة المنطقة دون تقديم أسباب. وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن عدد من غادروا المدينة في قوافل الحافلات وسيارات الإسعاف منذ بدء الإجلاء بلغ في المجمل ثمانية آلاف شخص من بينهم نحو ثلاثة آلاف مقاتل وأكثر من 300 مصاب. وقالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) إن أكثر من 2700 طفل تم إجلاؤهم من شرق حلب خلال 24 ساعة فقط لكن المئات لا يزالون محاصرين.

وأظهرت صور أرسلها ناشط كان ينتظر لمغادرة الجزء الذي تسيطر عليه المعارضة من شرق حلب حشودا تقف في الشوارع وسط المباني المهدمة ويرتدي أفرادها معاطف ثقيلة وسط أجواء الشتاء والبرد القارس. وامتلأت الشوارع بسيارات خاصة وحافلات صغيرة تحمل الأمتعة على سطحها فيما جلس أشخاص فوق الأنقاض أو بجوار حقائبهم ومتعلقاتهم. وفي رسالة للصحفيين قال الناشط إن الأطفال جائعون ويبكون وإن الناس مرهقة ولا يعرفون إن كانت حافلات ستأتي لتنقلهم.

وذكرت منظمة الصحة العالمية أن نحو 200 مريض ممن تم إجلاؤهم وصلوا إلى ثمانية مستشفيات مكدسة بالفعل في الجزء الغربي الخاضع لسيطرة الحكومة من حلب وفي إدلب وفي تركيا. وتقول الأمم المتحدة إن 50 ألف شخص لا يزالون داخل الجزء الخاضع لسيطرة المعارضة من حلب. ومحافظة إدلب التي تسيطر جماعات إسلامية متشددة على أغلبها ليست وجهة مفضلة لمقاتلي المعارضة أو المدنيين الخارجين من شرق حلب. وتتعرض إدلب بالفعل لضربات جوية سورية وروسية لكن ليس من الواضح إن كانت الحكومة ستشن هجوما بريا أم ستكتفي بحصر مقاتلي المعارضة هناك في الوقت الراهن.

وقالت تركيا إن من الممكن أيضا إقامة مخيم في سوريا قرب الحدود التركية لإيواء الخارجين من حلب. وقال مسؤولون أتراك إن هناك موقعين محتملين على بعد نحو ثلاثة كيلومترات ونصف داخل سوريا لإقامة المخيم الذي سيستوعب ما يصل إلى 80 ألف شخص وأضافوا أنهم يتوقعون وصول ما يصل إلى 35 ألفا. وستواصل تركيا استقبال المرضى والمصابين القادمين من حلب في مستشفياتها.

وقال سيرجي رودسكوي المسؤول في وزارة الدفاع الروسية إن نجاح قوات الحكومة السورية في السيطرة على شرق حلب يهيئ الأجواء للتوصل لحل سلمي للصراع في سوريا. وأضاف أن كل المدنيين وأغلب مقاتلي المعارضة غادروا الأحياء التي كانت المعارضة تسيطر عليها من المدينة وأن أكثر من 3400 مقاتل من "المعارضة المعتدلة" سلموا أسلحتهم. بحسب رويترز.

ودمرت الحرب حلب التي كانت في السابق مركزا اقتصاديا مزدهرا يضم مواقع أثرية شهيرة. وقتلت الحرب أكثر من 300 ألف شخص وتسببت في أسوأ أزمة لاجئين في العالم وسمحت بصعود تنظيم داعش. واضطرت الولايات المتحدة للجلوس في مقعد المتفرج فيما شنت قوات الحكومة السورية وحلفاؤها ومنهم روسيا هجوما على مقاتلي المعارضة في شرق حلب انتهى بوقف لإطلاق النار.

حلب وموازين القوى

من جانب اخر اعتبرت بثينة شعبان المستشارة السياسية والإعلامية للرئيس السوري بشار الأسد، أن "تحرير حلب من الإرهاب" يعد نقطة مفصلية ستغير وجه المعركة في سوريا وموازين القوى إقليميا ودوليا. وأضافت مستشارة الأسد، في مقابلة مع قناة "المنار"، أن "هذا الإنجاز مؤشر ليس فقط للقضاء على الإرهاب في سوريا وإنما لاتخاذ موقف عالمي ضده ولمصلحة الشعوب التي تناضل من أجل سيادتها ومستقبل بلدانها وقرارها المستقل". بحسبCNN.

وتوقعت شعبان أن "سوريا وإيران والمقاومة وكل من يؤمن بالحق العربي هو الذي سيقود مستقبل هذه المنطقة"، قائلة إن "المستقبل هو للشعوب والدول والحكومات التي تقف قولا وفعلا ضد الإرهاب"، وفقا لما نقلته وكالة الأنباء السورية الرسمية. ورأت شعبان أن "ميزان القوى العالمي قد تغير وأن روسيا اليوم والصين والقوى الحليفة هي التي تقود المشهد الدولي وليس الولايات المتحدة والغرب"، وأضافت: "هدف الغرب هو دعم الإرهابيين حيث لا يوجد إرهاب لوحده دون دعم قوى خارجية.. والشعوب كلها أصبحت تعرف من الذي يدعم الإرهاب ومن الذي هو ضده".

اضف تعليق