q

التجهيل المتعمَّد يعد أحد أهم الأركان التي تقوم عليها سياسة الأنظمة الفردية.. فيصبح بذلك عنصرا داعما لبقاء النظام السياسي الفاشل فترة أطول.. وقد لوحظ أن سياسة التجهيل.. تعد من الأساليب الرئيسة التي تعتمدها الأنظمة الفردية.. كي تضمن بقاءها.. وتضرب معارضيها.. ذلك أن الفهم يعني زوال الجهل.. ومن ثم زوال أرباب الجهل.

هذا الخطر الذي يتشكل ضد النظام السياسي القمعي، يبدأ بفهم الفرد لحقوقه، فإذا فهم الفرد هذه الحقوق كما تنص عليها القوانين، سوف يثور على الظلم، لاسيما إذا آمن بأن حقوق الإنسان تمثل المبادئ الأخلاقية أو المعايير الاجتماعية التي تصف نموذجاً للسلوك البشري الذي يفُهم عموما بأنه حقوق أساسية لا يجوز المس بها.. مستحقة وأصيلة.. لكل شخص لمجرد كونها أو كونه إنسان.. ملازمة لهم بغض النظر عن هويتهم أو مكان وجودهم أو لغتهم أو ديانتهم أو أصلهم العرقي أو أي وضع آخر.

وحمايتها منظمة كحقوق قانونية في إطار القوانين المحلية والدولية، وهي كلّية تنطبق في كل مكان وفي كل وقت ومتساوية لكل الناس، تتطلب التناظر مع سيادة القانون وتفرض على المرء احترام الحقوق الإنسانية للآخرين، ولا يجوز ولا ينبغي أن تُنتزع إلا نتيجة لإجراءات قانونية واجبة تضمن الحقوق ووفقا لظروف محددة. فمثلا، قد تشتمل حقوق الإنسان على التحرر من الحبس ظلما والتعذيب والإعدام. وهي تقر لجميع أفراد الأسرة البشرية قيمة وكرامة أصيلة فيهم. وبإقرار هذه الحريات فإن المرء يستطيع أن يتمتع بالأمن والأمان، ويصبح قادراً على اتخاذ القرارات التي تنظم حياته.

إن العالم كله يتفق على بنود خاصة بحماية حقوق الإنسان.. ويعد احترام هذه الحقوق أمرا لا نقاش فيه.. فالاعتراف بالكرامة المتأصلة لدى الأسرة البشرية وبحقوقها المتساوية الثابتة يعتبر ركيزة أساسية للحرية والعدل وتحقيق السلام في العالم.. وإن ازدراء أو التغاضي وإغفال حقوق الإنسان.. لهو أمر يفضي إلى كوارث ضد الإنسانية.. وأعمالا همجية.. آذت وخلّفت جروحا وشروخا عميقة في الضمير الإنساني.. ولهذا فإنه من الضروري والواجب أن يتولى القانون والتشريعات الدولية والوطنية.. حماية حقوق الإنسان لكي لا يشهد العالم والإنسانية مزيدا من الكوارث في هذا الجانب الذي لا يزال هشّا ركيكا خصوصا في الدول الضعيفة حقوقيا في ظل أنظمة محصّنة بالاستبداد.

هاجس الحقوق في التفكير البشري لم يخفت يوما.. إنه شيء تكويني.. مخلوق مع فطرة البشر.. لهذا السبب يُقال أن حقوق الإنسان حقوق متأصلة في جميع البشر.. مهما كانت جنسيتهم، أو مكان إقامتهم.. أو نوع جنسهم.. أو أصلهم الوطني أو العرقي.. أو لونهم.. أو دينهم.. أو لغتهم.. أو أي وضع آخر.. إن لنا جميع الحق في الحصول على حقوقنا الإنسانية على قدم المساواة وبدون تمييز.. وجميع هذه الحقوق مترابطة ومتآزرة وغير قابلة للتجزئة.

ينقص مجتمعاتنا وعي الناس بحقوقهم.. أساليب التثقيف على الحقوق غير كافية.. المنظمات لا تقوم بواجبها كما يجب.. لم يتم توظيف وسائل الاتصال لإنعاش الحقوق وجعل هزيمة القمع والتكميم مسألة وقت.. أو هي أمر محتوم.. كثيرا ما يتم التعبير عن حقوق الإنسان العالمية.. وتضمن.. بواسطة القانون وفي شكل معاهدات.. والقانون الدولي العرفي.. ومبادئ عامة.. أو بمصادر القانون الدولي الأخرى.. ويرسي القانون الدولي لحقوق الإنسان التزامات على الحكومات بالعمل بطرق معينة أو الامتناع عن أعمال معينة.. من أجل تعزيز وحماية الحريات الأساسية الخاصة بالأفراد أو الجماعات.. متى ما كان الفرد مثقفا حقوقيا.. فاهما لحرياته.. مطبقا لها.. وحاميا إياها من الطغيان.. تصبح جميع الحقوق مصانة.

تنقصنا جوانب عديد في هذا المحفل الحقوقي الهام.. الأسباب كثيرة.. هناك نقص ذاتي.. الفرد لا يعتني بنفسه.. لا يثقف عقله حقوقيا ولا يزيد من خزين معلوماته.. النخب مثل المحامين ودعاة الحرية والمنظمات القانونية المستقلة لا تؤدي ما عليها.. عندها خلل أيضا.. لم يتم تجيير ثورة الاتصال لصالح الحريات في مجتمعاتنا ومنها المجتمع العراقي.. مهم الى أبعد الحدود أن ينمّي الفرد بنك معلوماته الحقوقية.. لدينا رسالة الحقوق للإمام السجاد.. كنز من المعلومات لا ينضب.. علينا توظيفه بصورة حسنة مستفيضة.. حتى نصل غايتنا القصوى وهي حفظ حقوقنا وحرياتنا.. عملنا من المفترّض أن يكون متشابكا.. الكل يعمل مع الكل.. في نزعة عمل حقوقية هائلة متواصلة غير قابلة للتوقف.

مطلوب أن نفهم حقوقنا جيدا.. من يعرفها عليه أن يعلّمها للآخرين.. واذا فهمها الكل.. يضعف الحاكم المتنمّر.. في الأفق تلوح حقوق مدنية وأخرى سياسية.. ثمة اجتماعية أيضا.. وتعليمية وصحية.. منظومة حقوق متماسكة متداخلة مع بعضها.. فجميع حقوق الإنسان غير قابلة للتجزئة.. سواء كانت حقوقا مدنية وسياسية.. مثل الحق في الحياة.. وفي المساواة أمام القانون وفي حرية التعبير.. أو اقتصادية واجتماعية وثقافية، مثل الحق في العمل والضمان الاجتماعي والتعليم.. أو حقوقا جماعية مثل الحق في التنمية وفي تقرير المصير.. فهي حقوق غير قابلة للتجزئة ومترابطة ومتآزرة.. وفي هذه الحالة تصبح كالسد المنيع.. تقف كالبنيان المرصوص.. لا يمكن اختراقه من أي كان.. مهما كانت قوته وظلمه أو تنمّره.

هناك أساليب تنحو إلى التحايل.. يستظل بها بعض الحكام ممن لا يفهم سوى لغة النار.. يلجأ هؤلاء الى التجزئة والتفرقة وإثارة الخلافات.. يتخذون من التجهيل درعا يحتمون به.. يحاولون إحداث شرخ في جدار الحقوق المتداخل.. من البديهي أن عدم التمييز مبدأ شامل في القانون الدولي لحقوق الإنسان.. والمبدأ موجود في جميع المعاهدات الرئيسية لحقوق الإنسان.. ويوفر الموضوع الرئيسي لبعض الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان.. مثل الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري.. والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.. وهكذا من غير الممكن تجزئة الحقوق.. لكن الحاكم او السياسي المنبوذ يبقى يصر أن لا وحدة ولا اتحاد بين الحقوق.. وفي رأيه لا وجود للحقوق بكل المجالات.. لاسيما التثقيفية.

بالضد من ذلك.. هناك حقوق تشمل الحريات.. والإعلام.. والسياسة.. وسبل العيش.. والتعبير.. وحقوق الثقافة.....إلخ.. أو ما تسمى بالحقوق الثقافية.. وهي الحقوق المتعلقة بالفن والثقافة، ويفهم كلاهما من منظور واسع.. والهدف من هذه الحقوق هو ضمان أن الناس والمجتمعات كي يمتلكوا إمكانية الوصول إلى الثقافة المكتملة.. الحقوق الثقافية تعد من أهم المضامين التي تهدف إلى التمتع بالأفكار الجيدة ومكوناتها في ظل ظروف المساواة وكرامة الإنسان وعدم التمييز.. الحكومة المريضة.. والحاكم المتخلف وحده يسبح ضد التيار.. ويرفض جميع الحقوق خصوصا الثقافية.. لأنها تتحد مع الفهم والمعرفة لتطرد الجهل وتفشل سياسة التجهيل.

أن نطور فهم الحقوق هذا هو الأهم.. وأن يفهمها الناس بلا استثناء.. هذا ركن مهم.. أن نطبقها نتمسك بها.. هذا أمر لا يحتاج الى نقاش أو اتفاق.. أي الجميع يلتقون عند نقطة واحدة.. هي رفض التجهيل.. وإفشال هذه السياسة.. حتى يكون المجتمع بأفراده كلهم مثقفا حقوقيا.

اضف تعليق


التعليقات

عادل
العراق
مقال هام جدا يقودنا بالنتيجة الى ان التنازل عن الحقوق اساس الكوارث والظلم2016-12-13