q

من الغريب على من يعدون أنفسهم "إعلاميين"، كيف أنهم يقدمون مهنيتهم وخبراتهم ضحية بين يدي الحاكم المستميت والخائف من شبح الهزيمة؟ وهل يعتقدون أن هذا الحاكم – أي حاكم- يهتم بالمعايير والمبادئ والقيم، عندما يكون مصيره على المحك؟ إلا اللهم؛ ينتقل الاعلامي من منصّة الثقافة والمعرفة بين أوساط المجتمع والامة، الى منصّة الدعاية بين يدي الملك او الزعيم المفدّى، عندها يكون الاحتراف والاتقان للدعاية والادعاء، ذات الاتجاه الواحد في الخطاب، بدلاً من مسؤولية الكلمة التي يفترض ان تكون قوساً صاعداً ونازلاً بين الاعلامي والكاتب وبين المخاطب، ثم يقبلون بالمصير المحتوم، وهو الفشل والنتائج العكسية، لأن فشل التضليل وحجب الحقائق، يعني سطوع شمس الحقيقة يوماً ما على الجميع.

ومن أبرز وسائل الدعاية لدى الحكام المهددين بكرسي الزعامة؛ السبّ؛ الذي يُراد له التقليل من شأن الطرف المقابل، او إضفاء شيء من السخرية والاستهجان بشخصيته، بهدف زعزعة مصداقيته في عيون الناس، ومن ثم الحصول على أكبر مساحة من التأييد الجماهيري في ساحة المواجهة.

وكان معاوية بن أبي سفيان من رواد هذه التجربة الغريبة في حينها، وربما كانت الوسيلة الوحيدة له لمواجهة جبهة الحق والفضيلة وكل ما يتوافق مع الفطرة الانسانية، فهل لديه ما هو أفضل...؟!.

منذ الايام الاولى من توليه الحكم وما يدّعيه بـ "إمرة المؤمنين" بعد توقيع بنود الهدنة مع الامام الحسن، عليه السلام، أمر ولاته في الامصار بإدراج سب أمير المؤمنين، عليه السلام، ضمن مفردات الخطابة من على المنبر يومياً في مساجد المسلمين في مشارق الارض ومغاربها، وكان في مقدمة المستهدفين أهل الكوفة الذين شهدوا بنود وثيقة الهدنة، وكيف انه صارحهم بكل وقاحة بأن جميعها "تحت قدمي"، ومنها مسألة سبّ أمير المؤمنين من على المنابر، فأمر واليه على الكوفة، المغير بن شعبة، المعروف بقربه منه، بأن "لاتتحمّ عن شتم علي وذمّه، والترحم على عثمان والاستغفار له، والغيب على اصحاب علي والإقصاء لهم وترك الاستماع منهم...".

هنا تبدو مفارقة كبيرة في جدوائية هذه التجربة والاسلوب في مواجهة الخصم، ففي حقبة معاوية، ربما لم يعلم أحد بأمر انتهاك بنود الهدنة، سوى أهل الكوفة والمناطق القريبة، فيما بقي مسلمون في بلاد فارس ومصر وغيرها، بعيدون عن تفاصيل الاحداث، فعندما يدمج الخطيب على المنبر بين كلمات الافتتاح بالثناء والحمد لله –تعالى- مع سبّ وشتم أمير المؤمنين، عليه السلام، ترتسم صورة في الاذهان، بأن ثمة سنّة جديدة في الدين عليهم اتباعها. ولكن ماذا عن الوقت الحاضر، وقد تحول العالم الى قرية صغيرة، مع سرعة انتشار الاخبار حول العالم؟.

وقد سبق الهجمة الدعائية الاخيرة من قبل الصحيفة السعودية الصفراء، انعكاس عالمي هو الاول من نوعه في تاريخ الزيارة الاربعينية على الاطلاق، حيث جاءت هذه الزيارة في استطلاع لمؤسسة "غالوب" الاحصائية المعروفة في اميركا والعالم، وتحدث عن تفوق الشعب العراقي على شعوب العالم بالدرجة الاولى في الكرم والعطاء لأناس لا يعرفهم، ثم جاءت على صفحات جريدة "الغارديان" البريطانية بانها تمثل أكبر تجمع بشري في العالم لأداء الشعائر دينية.

هذا تحديداً هو الذي دفع الاعلام السعودي – إن صحّت التسمية- للجوء الى السبّ والقذف والاساءة للحفاظ على ما تبقى من زوايا مظلمة في أذهان المتابعين والمتأثرين بهذا الاعلام، فما كانت النتيجة؟.

انتقلت الزيارة الاربعينية عالمياً؛ من الاعلام ومؤسسات الاستطلاع والإحصاء، الى المنظمات العالمية، مثل منظمة الصحة العالمية، فالذين بايعوا وشايعوا وتابعوا لنشر التقرير الكاذب، ظنّوا أنهم يوثقون عملهم ويضفون عليه مسحة من المصداقية عندما يربطونه بمنظمة عالمية، واذا بالتقرير ينقل الحدث الحسيني العظيم الى مساحة أوسع في العالم، ليس هذا وحسب، بل ينعكس على اصحابه تماماً بالخزي والفضيحة فيما يقذفون به الآخرين.

وكما أن التاريخ والاجيال عرفت منكرات معاوية ودجله في الدين والسياسة من خلال منهج السب والشتم لأمير المؤمنين، عليه السلام، وما رافق ذلك من انكشاف للحقائق، فان الاعلام السعودي يقتفي الأثر، ربما من حيث لا يريد الى حتفه ونهايته المحتومة.

واذا كان يحزّ في نفس كل غيور المساس بشرف العراقيات المؤمنات اللاتي لهن الدور التاريخي والجهادي في إبقاء جذوة الحسين متقدة في النفوس حتى اليوم، فان الوجه الآخر للقضية، أن هذه المرأة اليوم ستكون حديث الرأي العام الغربي، فمن هي المرأة العراقية...؟! ولماذا يجب أن تغامر صحيفة معروفة بسمعتها وتاريخها لتلويث سمعة هذه المرأة؟ فلابد أن وراء هذه المرأة أمرٌ كبير، حتى تحولت الى رقم في المواجهة المحتدمة اساساً بين جبهتين في المنطقة؛ الجبهة الاولى يمثلها اتباع أهل البيت، عليهم السلام، الذين يقاتلون ويناظلون من أجل قيم سامية ومبادئ انسانية، والجبهة الاخرى التي تمثل كرسي الحكم والديكتاتورية والتضليل والخداع.

اذا كانت صورة الحشود البشرية قد انتشرت عبر وسائل الاتصال السريعة، فان هذه المرة سيكون الدور للمرأة الحسينية التي تثبت للعالم كيف أنها تصنع الخبز وتستخرجه من التنور المسجور بيدها لتقدمه الى الزائرين، وتلك التي تأخذ الحليب من الابقار لديها وتوزعه ساخناً على المشاة بين البصرة وكربلاء، وغيرها كثير من المشاهد المثيرة التي لن يسبق لنساء العالم أن شاهدنها من قبل من أي شعب من الشعوب.

والنتيجة؛ انتصار جديد للحق والفضيلة والقيم السماوية، وهزيمة أخرى للتضليل والخداع وكل السياسات المُهينة لكرامة الانسان.

اضف تعليق