q
آراء وافكار - وجهات نظر

الاقتصاد الموازي

دائماً ما نطالع في نشرات الاخبار والصحف والمواقع الالكترونية مصطلحات مثل الاقتصاد الموازي والسوق الموازية والاقتصاد غير المنظم والاقتصاد الاسود واقتصاد الجريمة والاقتصاد غير الرسمي والاقتصاد الثاني ...الخ من التسميات المختلفة، ومن أجل بيان هذا المصطلح سنحاول صهر كل هذه التسميات في بوتقة ومسمى الاقتصاد الموازي، من اجل تقريب الصورة اكثر عن هذا النوع من الاقتصاد، اذ يعرف الاقتصاد الموازي بأنه ((كافة الانشطة المولدة للدخل التي لاتسجل ضمن حسابات الناتج القومي، اما لتعمد اخفاءها تهرباً من الالتزامات القانونية المرتبطة بالكشف عن هذه الأنشطة، واما ان هذه الانشطة تعد مخالفة للنظام القانوني السائد في البلد)). ومن التعريف يظهر لنا ان ثمة هناك نشاطين او مجالين يعدان هما المكون الرئيسي للاقتصاد الموازي، الأول منها هي تلك الأنشطة القانونية المولدة للدخل الا انها غير مسجلة في منظومة حسابات الدولة، وهو مايعرف عند الجميع بمصطلح (الاقتصاد غير المنظم)، والذي تدخل في نشاطه بحسب منظمة العمل الدولي جميع الوحدات الاقتصادية التي تنتج السلع والخدمات من اجل توليد الدخل والعمالة للاشخاص، والتي تعمل بدرجة متدنية من التنظيم، مع عدم فصل الملكية عن العمل والادارة كعوامل اساسية للانتاج ويغيب عنها التسجيل لدى الدوائر الرسمية. اما الثاني فيتمثل في الانشطة الاقتصادية غير القانونية والمحظورة وغير المسجلة في حسابات الدخل القومي، بسبب طبيعة تلك الأنشطة التي لاتسمح بتسجيلها رسمياً، وتعرف الأنشطة من هذا النوع بمايعرف بـ (الاقتصاد الأسود) او (اقتصاد الجريمة).

ان هذا التقسيم لأنشطة الاقتصاد الموازي مهم للدولة، من أجل فهم كيفية التعامل مع أنشطة هذا الاقتصاد كلُ على حدة، اذ لايمكن النظر الى ان أنشطة الاقتصاد غير المنظم على انها ذاتها هي أنشطة اقتصاد الجريمة التي تتمثل بالتهريب والسرقة والتجارة بالسلاح والمخدرات والبشر بما فيها الارهاب وغسيل الاموال والفساد الاداري وغيرها من الانشطة المحظورة، لذ نجد الكثير من الدول انتهجت سياسات واستراتيجيات مختلفة من أجل الحد من ظاهرة الاقتصاد الموازي، مثل محاولة دمج أنشطة الاقتصاد غير المنظم ضمن الاقتصاد المنظم وعبر وسائل مختلفة منها الدعم المالي والتسويقي كتقليل الضرائب وتقديم القروض والسلف، والحد من الروتين الاداري وغير ذلك من الوسائل، على العكس منه اقتصاد الجريمة الذي تعمل الدولة على الحد منه عبر التشريعات القانونية التي تحد من توسع انشطته، ومحاربة الجريمة المنظمة والفساد الاداري والمالي واعتماد وسائل الشفافية والحوكمة والعمل على توفير السلع والخدمات سواء عبر مؤسسات القطاع العام او عبر مؤسسات القطاع الخاص، حتى لايمثل ذلك ذريعة للبعض من أجل اتخاذ التهريب وسيلة لتوفير هذه السلع خاصة اذا ماكانت تلك السلع مرتبطة بشريحة كبيرة من المجتمع كالادوية والسلع الغذائية وماشابه، وبصورة عامة ومهما اختلفت طبيعة وأنشطة الاقتصاد الموزاي تبقى هناك عوامل مشتركة تؤدي الى ظهوره واتساع نطاق أنشطته وأن اختلفت المقاييس في ذلك، فعلى سبيل المثال ينتشر ويتسع نطاق أنشطة الاقتصاد غير المنظم التي تضم الاعمال المنزلية والورش الصغيرة والعمل للحساب الخاص غير المسجلة والمولدة للدخل وايضاً الباعة المتجولين او العمل بعد وقت الدوام الرسمي لموظفي الدولة وغير ذلك الى اتساع فجوة الفقر وانخفاض مستوى الدخول وارتفاع حجم البطالة انخفاض المستوى التعلميمي والتأهيلي والفني للافراد، وايضاً بسبب التعقيد الاداري من اجل استحصال الموافقات الرسمية للقيام بالمشروعات او غياب وانعدام البنى التحتية وقلة المحفزات المادية والتسويقية للقيام بالمشاريع بالاضافة الى ضعف طاقات الدولة ومحدودية أجهزتها وقدرتها على تسجيل هكذا انشطة والمتمثلة بصعوبة حصر هذة الانشطة ومتابعتها وتخلف الجهاز الضريبي وعدم عدالته، وفي الجهة المقابلة نجد ان اسباب ظهور واتساع انشطة الاقتصاد الاسود او اقتصاد الجريمة تختلف عن الاسباب التي تؤدي الى ظهور الاقتصاد غير المنظم، والتي منها ضعف التشريعات القانونية وغياب القانون وعدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي يضاف لها التناحر الاجتماعي وتفكك المجتمع فضلا عن اتساع ظاهر الجريمة المنظمة اما لاسباب اقتصادية او لاسباب اخر غير ذلك قد تكون سياسية او اجتماعية، فضلا عن انتشار الفساد الاداري في مفاصل مؤسسات الدولة.

وسواء كان الامر متعلق بالاقتصاد المنظم او اقتصاد الجريمة فأن الأثار ستكون مشتركة متمثلة بفقدان الحصيلة الضريبية، وكمثال لذلك قدرت ادارة الضرائب الاميركية مستوى الخسارة الناتج عن التهرب الضريبي بما يقارب 90 مليار دولار 1981، كما يترك الاقتصاد الموازي اثاراً على سياسات الاستقرار الاقتصادي، بسبب تشويه المؤشرات الخاصة بطرق علاج المشاكل الاقتصادية من خلال تشوه المعلومات وعدم دقة البيانات الاحصائية فيما يتعلق بتقدير انشطة الاقتصاد المنظم وكذلك في تقدير انشطة الاقتصاد الموازي وحجمها، وهذا ماسينعكس سلباً على معدلات البطالة والتضخم والنمو الاقتصادي في البلد.

اذ يرى (جوتمان) والذي يعد أول من أشار لهذه الظاهرة عام 1977 في كتابه الاقتصاد السفلي، ان مايقارب ربع القوة العاملة في اميركا تعمل او لها صلة بالاقتصاد الموازي، اما فيما يخص معدلات النمو فتشير التقديرات الاحصائية الى ان معدل نمو الاقتصاد المنظم بلغت عام 1978 مايقارب الـ 8,11%، في حين كانت معدلات النمو الخاصة بالاقتصاد الموزاي قد بلغت الـ 9,16%، وتمتد اثار ذلك لتشمل مستويات التضخم ايضاً، اذ تميل الاسعار في الاقتصاد الموازي الى التزايد بمعدلات اقل عن تلك السائدة في الاقتصاد المنظم، وبصفة خاصة عندما يكون الاقتصاد الموازي منافساً للاقتصاد المنظم، وذلك كون ان الاسعار في الاقتصاد المنظم ستضاف اليها الاعباء الضريبية والادارية، ولايتوقف الامر عند هذا الحد بل يمتد الى السياسة النقدية والتأثير فيها من خلال ان الطلب على النقود بدافع المبادلات او المعاملات لابد وان يضاف الى الدوافع الاساسية لاحتفاظ بالنقود، الا ان مثل هذا الطلب على النقود لن يكون حساساً للتغيرات الحاصلة في معدلات الفائدة، لأن الحاجة الى تجنب دفع الضريبة والرغبة في عدم الكشف عن ممارسة انشطة خفية تكون قوية للغاية، ولذلك تقل مرونة الطلب على النقود بالنسبة لمعدل الفائدة في الاقتصاد ككل.

اما فيما يتعلق بأثار الاقتصاد الموازي على اسعار الصرف او مايسمى بالسوق الموازية، فأن تثبيت معدلات الصرف الاجنبي عند مستويات تختلف بصورة جوهرية عن معدلات الصرف الحقيقية يعد احد الخصائص المهمة لنظم الصرف الاجنبي في الدول النامية، وبهدف المحافظة على استقرار معدلات الصرف هذه، فأن الحكومات تقوم بفرض القيود بهدف تخفيف الضغوط على العرض المحدود من الصرف الاجنبي، ومن اهم هذه القيود هو فرض قيود على تدفق رؤوس الاموال الى الخارج، لاسيما في حالة زيادة الطلب على النقد الاجنبي في مواجهة العرض المحدود منه، وفي ظل هذه الظروف تكون الفرصة سانحة لبروز اسواق الصرف الموازية، بهدف توفير النقد الاجنبي للمعاملات التي نظام الرقابة على الصرف بتمويلها، غير ان السوق السوادء(الموازية)، غالباً ماتعمل في ظل اطار من الحرية فيما يتعلق بالعرض والطلب، لذلك ينظر البعض الى معدلات الصرف السائدة في السوق الموازية للنقد الاجنبي على انها تعكس المعلات الحقيقية للصرف والتي يجب ان تسود في غياب الرقابة على الصرف، وعليع فأن عمل هذه الاسواق سوف يحدث سوف ينعكس وبشكل كبير على الاحتياطيات الدولية وتدفقات السلع والخدمات والاصول من من والى خارج هذه الدول، ولذلك فأن فهم عمل هذا الاسواق يعد من القضايا الاساسية لرسم السياسات الاقتصادية التي أصبحت واقعاً يفرض نفسه بقوة على الواقع المالي والاقتصادي للدولة.

اضف تعليق