q

يبدو ان أثار ما عرف بـ "الربيع العربي" شملت جميع مفاصل الدول العربية التي ظهرت فيها رياح هذا التغيير، ومنها السياحة التي عانت وبشكل هائل من هذا الربيع الذي شل مفاصلها، اذ وكما هو معلوم ان السياحة نشاط موسمي يتأثر بأي حالة من الاضطراب الأمني والسياسي، وهذا مااصاب المنطقة العربية في الأونة الأخيرة وهو مألقى بظلاله على النشاط السياحي في المنطقة، اذ في مصر شكل اسقاط الفرع المصري لتنظيم الدولة الاسلامية الارهابي طائرة ركاب روسية فوق سيناء في 31 تشرين الاول/اكتوبر 2015 ومقتل جميع ركابها ال224 ضربة قاتلة لقطاع السياحة المتداعي اساسا منذ الانتفاضة التي اطاحت الرئيس الاسبق حسني مبارك عام 2011.

وقررت روسيا وبريطانيا، ويشكل مواطنيهما نحو40% من السياح حسب الارقام الرسمية، ايقاف رحلاتهم لكل مصر وشرم الشيخ على التوالي ما شكل ضربة قاتلة لموسم اعياد الميلاد وراس السنة العام الفائت وهو ما يمثل ذروة الموسم السياحي بالبلاد.

وتدر السياحة التي تعد احد اهم اعمدة الاقتصاد المصري قرابة 20% من العائدات بالعملات الاجنبية، وبلغت عائدات السياحة 6،2 مليار دولار العام 2015 بانخفاض نسبته 15% مقارنة بالعام السابق، بحسب الاحصاءات الرسمية، وزار مصر 6.3 مليون سائح عام 2015 مقابل قرابة 15 مليونا العام 2010.

وهي ارقام اقل بكثير من خطة الحكومة الهادفة لجذب 20 مليون سائح للبلاد بحلول العام 2020 وتحقيق عائدات 26 مليار دولار عبر حملة ترويجية، وانخفض عدد السياح الروس العام 2015 إلى 2.3 مليون من 3.1 مليون عام 2014 اثر قرار موسكو تعليق الرحلات قبل موسم الشتاء حيث كان من المفترض وصول مئات الالاف، وفي شباط/فبراير، صرح رئيس الوزراء شريف إسماعيل للتليفزيون الرسمي إن قطاع السياحة خسر قرابة 1.3 مليار دولار اثر إسقاط الطائرة الروسية.

الارهاب والسياحة في مصر

تخوض مصر حربا شرسة مع الفرع المصري لتنظيم الدولة الإسلامية الذي يتخذ من شمال سيناء معقلا له قُتل فيها مئات من عناصر الشرطة والجنود، ويتحدث المسؤولون كثيرا عن أن مصر "تحارب الإرهاب" وهو نفس الشعار الذي ترفعه المحطات الفضائية المحلية باستمرار.

وشهد العام 2015 ضربات متتالية لقطاع السياحة بدءا من إحباط محاولة للهجوم على معبد الكرنك الشهير في الاقصر في حزيران/يونيو ثم مقتل ثمانية سياح مكسيكيين في أيلول/سبتمبر بنيران الجيش عن طريق الخطأ واخيرا حادث إسقاط الطائرة الروسية.

وتسعى مصر لإنعاش قطاع السياحة لضخ مزيدا من النقد الاجنبي في اقتصادها المتداعي، وأدى شح موارد العملات الاجنبية مع استمرار الاستيراد بكميات كبيرة الى موجة غلاء مستفحلة في اسعار السلع والخدمات.

السياحة في تونس وتدني الايرادات

تراجعت ايرادات السياحة في تونس خلال الاشهر التسعة الاولى من العام باكثر من 8% مقارنة مع الفترة نفسها في 2015 بحسب ارقام رسمية.

وبحسب ارقام نشرتها وزارة السياحة من الاول من كانون الثاني/يناير الى 30 ايلول/سبتمبر - اي نهاية الموسم السياحي - سجلت تونس ايرادات ب1,8 مليار دينار (730 مليون يورو) مقابل 1,97 مليارا العام الماضي (800 مليون يورو) اي تراجع نسبته 8,4%، وبلغ التراجع 34,1% مقارنة مع الاشهر التسعة الاولى من 2014 قبل هجمات الجهاديين على متحف باردو وشاطىء في سوسة في اذار/مارس وحزيران/يونيو 2015 (60 قتيلا بينهم 59 سائحا اجنبيا).

وبفضل نتائج جيدة خلال شهر ايلول/سبتمبر فان العدد الاجمالي للاقامة في الفنادق في 2016 (14,84 مليونا) اصبح لاول مرة اعلى من 2015 (14,01).

وبحسب ارقام المكتب الوطني للسياحة التونسية فان تراجع الزيارات منذ عام ونصف سجل في الاسواق الفرنسية (50% في 2014 و2016) والايطالية والالمانية (اكثر من 70%) والبريطانية (94,7%)، الا ان عدد السياح الروس ازداد الى الضعف خلال عامين (ليصل الى اكثر من 400 الف سائح) دون ان يعوض خسائر الاسواق التقليدية.

وقبل الثورة في 2011 كانت السياحة تمثل 10% من اجمالي الناتج الداخلي في تونس ولم تعد تتعدى اليوم 7%، والازمة الحالية في القطاع السياحي تؤثر على اقتصاد البلاد الذي لم يتحسن منذ سقوط نظام زين العابدين بن علي.

تحذيرات من تفاقم ازمة السياحة في تونس

حذرت نقابة أصحاب الفنادق في تونس من تفاقم ازمة قطاع السياحة في وقت دعت المركزية النقابية الى الاضراب للمطالبة بزيادة اجور العاملين في القطاع بنسبة 6% بسبب غلاء المعيشة، وحذر بن صالح رئيس "الجامعة التونسية للنُزل" (نقابة اصحاب الفنادق) من ان الاضراب المقرر يومي 17 و18 سبتمبر/ايلول الحالي ستكون له "انعكاسات سلبية جدا" على السياحة، داعيا الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية) الى إلغائه، وفي 2015 انخفضت ايرادات السياحة الى 2،3 مليار دينار (حوالي مليار يورو) مقابل 3,6 مليار دينار (1,45 مليار يورو) في 2014.

وتساهم السياحة، خارج اوقات الازمات، بنسبة 7 بالمئة في الناتج الداخلي لتونس وتشغل 400 الف شخص بشكل مباشر وغير مباشر.

من جهة اخرى أظهرت بيانات رسمية أن عدد السائحين الأجانب القادمين إلى تونس سجل تراجعا حادا من جديد في النصف الأول من هذا العام وذلك بعد يوم من الذكرى السنوية الأولى لهجوم نفذه مسلح وأسفر عن مقتل 38 شخصا، وأظهرت بيانات وزارة السياحة انخفاض عدد السائحين الأجانب بنسبة 21.5 بالمئة في الأشهر الستة الأولى من عام 2016 مقارنة بالفترة ذاتها قبل عام.

وهبط عدد السائحين الأجانب إلى 1.82 مليون زائر في الفترة من يناير كانون الثاني إلى يونيو حزيران من 2.32 مليون زائر في الفترة ذاتها من العام الماضي، وتراجع عدد السائحين البريطانيين إلى ثمانية آلاف فقط من 190 ألفا في النصف الأول من عام 2015، وفي العام الماضي تراجع عدد الزائرين الأجانب إلى 5.5 مليون شخص وهو أدنى مستوى خلال عقود بعد أن علقت العديد من شركات السياحة والرحلات البحرية الأوروبية عملها في أعقاب هجوم سوسة.

من جهتها صرحت وزيرة السياحة التونسية سلمى اللومي الرقيق إن تونس تتوقع جذب 5.5 مليون سائح أجنبي هذا العام وهو نفس عدد العام الماضي تقريبا بعد تعزيز الأمن في الفنادق والتركيز على أسواق جديدة، وتمثل السياحة ثمانية في المئة من الناتج المحلي الإجمالي وتوفر آلاف الوظائف وهي مصدر أساسي للعملة الأجنبية، وساهم تراجع الإيرادات التي انخفضت بنسبة 35 في المئة العام الماضي وبقيمة 1.5 مليار دولار في تراجع الدينار التونسي إلى مستويات قياسية أمام الدولار واليورو.

من خلال هذه المؤشرات يتضح لنا مدى تضرر السياحة في المنطقة العربية، ويبدو ايضاً ان الوضع في تدهور مستمر، فمصر مازالت تصارع الزمن من أجل استقرار وضعها الاقتصادي والأمني، وتونس هي الأخرى باتت مايحصل في المنطقة يؤثر فيها، وحتى لبنان البلد الذي يعتمد بشكل كبير على السياحة عانى من فورة الربيع العربي ومايحصل في سوريا، وبما ان اكثر سواح لبنان من الخليج فماحصل من تدني في اسعار النفط انعكس على الوضع الاقتصادي في دول الخليج ومواطنيها، كما انهم صارو يبحثون عن وجهات جديدة كأوروبا، لاسيما وانه على سبيل المثال نجحت الامارات ان تمنح مواطنيها القدرة على السفر لأوروبا من دون تأشيرة دخول شنغن، وحتى العراقيون الذي مثلوا للبنان ومصر تعديل لكفة الميزان لصالح السياحة في البلدين، الا انهم سرعان ماباتوا يبحثون عن وجهات سياحية اخرى مثل جورجيا واذريبجان ودول اخرى، فضلا عن ذلك وبما ان السياحة ليست كالصناعة، فهي تتأثر بأي شيء وكل شيء وأن كان من قبيل الصدفة، فأن السياحة في المنطقة مهددة بالخطر، وان كان مايجري في المنطقة يتجاوز حدود الصدفة بكثير.

اضف تعليق