q

تتوالى الازمات على منطقة الخليج يوماً بعد يوم، فبعد ان تنفست الصعداء من الخروج من الأزمة المالية العالمية عام 2008، والتي عصفت بأقتصادات معظم دول العالم، وبضمنها دول الخليج لاسيما السعودية التي كانت تستثمر الكثير من اموالها عبر الصناديق السيادية في الخارج في الولايات المتحدة وغيرها، والتي بسبب ذلك تحملت خسائر هائلة، اذ وصل ماتكبدته دول منطقة الخليج لوحدها الة مايقارب الـ 450 مليار دولار، وعقب هذه الأزمة، وبعد انقشاع غيومها، سرعان ماتلبدت سماء هذه المنطقة بغيوم سوداء اخرى، تمثلت بتهاوي أسعار النفط الى معدلات قياسية، حتى صلت الى ان يكون سعر البرميل الواحد 30 دولار بعد ان تخطى سعره الـ 110 دولار، وفي السعودية التي تشكل ايراداتها النفطية مايقارب الـ 90% من اجمالي ايراداتها في الموزانة العامة، فأن تأثير ذلك كان كبير على السعودية لاسيما بعد مشاركتها في الحرب ضد اليمن، وعلى الرغم من انها نجحت في تفادي أزمة اقتصادية نتيجة هبوط أسعار النفط هذا العام ، الا انه من المرجح أن تظل التوقعات غامضة فيما يتعلق بالمالية العامة وآفاق النمو حسبما يرى رجال أعمال واقتصاديون بارزون.

ويبدو أن الخفض الكبير للإنفاق الحكومي هذا العام سيقلص عجز الموازنة -الذي بلغ 367 مليار ريال (98 مليار دولار) العام الماضي- بصورة كبيرة عن التقديرات الأولية المعلنة من قبل الحكومة، كما ساعد إصدار سندات سيادية بقيمة 17.5 مليار دولار الشهر الماضي على فتح آفاق الاقتراض الخارجي أمام الرياض وهو ما قد يحد من عملية السحب من الاحتياطيات الأجنبية ويساعد على انحسار مخاوف خفض قيمة العملة ويمنح الحكومة مزيدا من الوقت كي يتكيف الاقتصاد مع عصر النفط الرخيص في المستقبل القريب.

وتمكنت الحكومة من تحقيق هذه الانتصارات دون رد فعل سياسي كبير. فبينما يعبر المواطنون العاديون عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن استيائهم من قرارات التقشف يبدي آخرون تفهما للضرورة التي استدعت اتخاذ هذه الإجراءات فيما يثني رجال الأعمال على السلطات لتبني مثل هذه الإجراءات الحاسمة.

ويبقى السؤال الأهم: هل ستتمكن الحكومة من مواصلة خفض عجز الموازنة بوتيرة سريعة دون الدفع بالاقتصاد إلى الركود؟ خاصة ان استمر تخفيض الانفاق العام بشكل متوالي قد يضر مستقبلاً بالمشروعات الاستثمارية الحكومية.

اذ يرى مازن السديري رئيس الأبحاث لدى الاستثمار كابيتال السنة المقبلة سيكون فيها قدر كبير من الضبابية لكن من غير الواضح أنه سيكون هناك نزول كبير.. ربما لن يكون هناك تحسن كبير لكن الأوضاع لن تكون أسوأ، كما ان القطاع الخاص يواجه الكثير من التحديات التي قد تقف عائقا أمام النمو.

أزمات تلوح بالآفق

يتوقع مصرفيون على تواصل مع المسؤولين الاقتصاديين في المملكة أن يأتي عجز الموازنة لعام 2016 -والذي سيعلن عنه مع إعلان موازنة 2017 أواخر ديسمبر كانون الثاني- أقل كثيرا من التقديرات الأولية البالغة 326 مليار ريال.

وهناك توقعات أن يبلغ العجز هذا العام 190 مليار ريال فيما توقع بنك الاستثمار الرائد جدوى للاستثمار أن يبلغ العجز 265 مليار ريال. ومن شأن ذلك أن يتيح الفرصة للرياض أن تعلن تحقيق تقدم كبير في جهودها الهادفة للقضاء على عجز الموازنة بحلول عام 2020.

لكن جزءا كبيرا من هذا التقدم لا يعود لخفض الإنفاق بصورة مستدامة بقدر ما يعود إلى تأخر سداد المستحقات التي تدين بها الحكومة لشركات في قطاع المقاولات وقطاع الرعاية الصحية ولبعض شركات الاستشارات التي ساعدت في رسم ملامح الإصلاحات الاقتصادية.

وبحسب الأهلي كابيتال انكمش القطاع غير النفطي على أساس سنوي خلال ربعين من الأرباع الثلاثة حتى يونيو حزيران بينما انكمشت أرباح الشركات السعودية المدرجة اثنين بالمئة في الربع الثالث من العام الجاري.

وربما يعقب ذلك أداء أسوأ. فبعدما خفضت الحكومة علاوات وبدلات القطاع العام الذي يعمل فيه نحو ثلثي العاملين السعوديين يقدر محللون أن يؤدي ذلك لخفض الدخل القابل للإنفاق بنحو عشرين بالمئة، وأحال البنك المركزي قدرا من هذا الألم للبنوك بعدما أمرها بإعادة جدولة القروض الاستهلاكية والعقارية.

وأفاد أحد كبار مديري الصناديق في الرياض خفض رواتب العاملين بالقطاع العام كان صدمة سينعكس أثرها على الاقتصاد في الأشهر القليلة المقبلة... بالنسبة لقطاع الشركات سيكون الربع الأول من العام المقبل هو الأسوأ، وأضاف أن من المتوقع بدء تعافي الاقتصاد في النصف الثاني من 2017. لكن ثمة عدة عوامل تشير إلى أن التعافي ربما سيكون بطيئا وغير مؤكد.

ويرى مسؤول رفيع أخر بإحدى الشركات الكبرى في الرياض إنه ربما يغادر المملكة خلال العامين المقبلين بين مليون ومليوني وافد من نحو عشرة ملايين وافد يعملون في المملكة إذ سيدفع التباطؤ الاقتصادي الشركات إلى الاستغناء عن قدر كبير من العاملين علاوة على سعي الحكومة لتوفير قدر كبير من الوظائف التي يشغلها الأجانب في القطاع الخاص للمواطنين السعوديين، وبينما سيؤدي ذلك إلى تراجع تحويلات الأجانب وهو ما سيعزز أداء ميزان المدفوعات السعودي فإنه من الناحية الأخرى سيمثل عبئا ثقيلا على النمو.

ويقدر محلل اقتصادي سعودي أن يرتفع معدل البطالة السعودي إلى 13 بالمئة العام المقبل من 11.6 بالمئة حاليا، ومن شأن التطبيق المزمع لضريبة القيمة المضافة في دول الخليج عند خمسة بالمئة في عام 2018 أن يعزز المالية العامة لكنه سيلقي بظلاله على الاستهلاك.

وأشار اخر على انه وبالرغم من إقرار ضريبة القيمة المضافة التي تؤثر سلبا في حجم الطلب فإن نسبة الضريبة المحددة عند خمسة بالمئة قد تحد من تأثيرها على الطلب خاصة وان القطاعات التجارية ربما عمدت لتقليص هوامش ربحيتها لتقليل انعكاس الضريبة على الأسعار وبالتالي حجم المبيعات، وأن ما سيؤثر في الطلب بالتالي سيؤثر على قطاعات الأعمال وهو خروج عدد كبير من العمالة التي تغذي الطلب المحلي بشكل واضح.

ويثار سؤال مهم هنا وهو كيف ستتجه السلطات لتنفيذ قدر كبير من الإصلاحات لدعم القطاع الخاص الذي لا يعتمد على إيرادات النفط في الوقت الذي تحد فيه إجراءات التقشف من الطلب؟

خاصة اذا ماعلمنا ان السعودية قررت رفع رسوم تأشيرات الدخول للأعمال على أراضيها بنسبة 700% لمواجهة انخفاض أسعار النفط، اذ أصبح رسم تأشيرة الدخول للأعمال لمدة ستة أشهر مع دخول وخروج لعدة مرات ثلاثة آلاف ريال (730 يورو) مقابل 400 ريال (97 يورو) سابقا كما قال مدير مكتب الخليج للاستشارات "غالف كونسالتينغ هاوس" علاء صيام.

وان غالبية الدول الأخرى معنية بهذه الزيادة ويمكنها أيضا أن تختار تأشيرة لسنة أو سنتين تكلف خمسة آلاف ريال (1215 يورو) وثمانية آلاف ريال (1945 يورو) لكل منها، وتأشيرات الدخول للأعمال لمجرد دخول المملكة تكلف حاليا ألفي ريال (486 يورو) وهي أكثر مما كانت عليه سابقا، اذ أن الزيادة الكبرى على تعرفات تأشيرات الدخول يمكن أن تثني هذه الشركات عن العمل في المملكة.

السعودية تقترض من السوق الدولية لأول مرة

لأول مرة في تاريخها، باشرت السعودية مباحثات مع مستثمرين محتملين لإطلاق طرح للسندات الدولية مقومة بالدولار الأمريكي في أول عملية اقتراض للمملكة من السوق الدولية، وهذا لمواجهة المشاكل المالية التي تعانيها جراء تدهور أسعار النفط منذ منتصف عام 2014، وأفادت المصادر الرسمية عن بدء السلطات السعودية مباحثات مع مستثمرين محتملين لإطلاق طرح للسندات الدولية بالدولار في أول اقتراض للمملكة من السوق الدولية، وأنجزت وزارة المالية نفس، برنامجا دوليا لإصدار أدوات الدين وقامت بتعيين عدد من البنوك الاستثمارية العالمية والمحلية لتنسيق سلسلة من الاجتماعات مع مستثمري أدوات الدين، كما "قامت بتكليف هذه البنوك الاستثمارية بإدارة وترتيب أول طرح للسندات الدولية المقومة بالدولار الأمريكي مندرجة تحت هذا البرنامج".

وتبلغ قيمة الإصدار السعودي حوالي 15 مليار دولار، وهو مايكفي لمواجهة المشاكل المالية التي تعانيها جراء تدهور أسعار النفط منذ منتصف عام 2014، وانخفاض إيرادات المملكة - أكبر مصدر للنفط في العالم - جراء ذلك، وأضاف أن السعودية سبق وأن اقترضت من السوق الداخلية إلا أن هذا الإصدار سيكون أول عملية اقتراض للحكومة من السوق الدولية.

وبحسب أرقام نقلا عن وزارة المالية، بلغ إجمالي الديون المباشرة على الحكومة مع نهاية آب/أغسطس، زهاء 273,8 مليار ريال (نحو 73 مليار دولار أمريكي)، وأن ديون الحكومة ارتفعت تدريجا منذ العام 2014، إذ بلغت في نهايته 44,3 مليار ريال (11,8 مليار دولار)، بينما وصلت في نهاية 2015 إلى 142,2 مليار ريال (37,9 مليار دولار).

ووفقا للإحصاءات الرسمية، تراجع الاحتياطي السعودي من 732 مليار دولار في 2014، إلى 562 مليار دولار في آب/أغسطس 2016، حيث أعلنت المملكة في نيسان/أبريل "رؤية السعودية 2030"، وهي خطة طموحة تهدف لتنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط الذي يشكل منذ عقود، المصدر الأكبر للإيرادات الحكومية.

وسجلت المملكة في العام 2015، عجزا ماليا قياسيا بلغ 98 مليار دولار، ما دفع مجلس الوزراء إلى اتخاذ إجراءات تقشف شملت خفض الدعم عن مواد أساسية، وخفض رواتب الوزراء وتعويضات المسؤولين، وإثر جلسته الأسبوعية ، فوض المجلس وزير المالية "بالتباحث في إطار لجنة التعاون المالي والاقتصادي لدول الخليج العربية في شأن مشروع الاتفاقية الموحدة لضريبة القيمة المضافة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ومشروع الاتفاقية الموحدة للضريبة الانتقائية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والتوقيع عليهما".

معضلة إصدار السندات

ينشغل مستثمرون محتملون في أول إصدار لسندات حكومية سعودية بسؤال أساسي ألا وهو كيف سيحل السعوديون المعضلة بين الحجم والتسعير، ويتعين على أي مصدر أن يختار بين جمع أقصي ما يستطيع من أموال وبيع أدوات الدين بأرخص سعر ممكن. لكن مع الجولة الترويجية التي تعقدها السعودية في الولايات المتحدة هذا الأسبوع فإن الخيار يبدو صعبا على وجه الخصوص.

ومع استهداف الموازنة العامة لعام 2016 عجزا بقيمة 87 مليار دولار وشح السيولة المصرفية في البلاد فإن هناك صعوبة متزايدة في بيع كمية ضخمة من الديون محليا كما تتعرض الرياض لضغوط لزيادة حجم إصدارها الدولي من السندات.

ودفع هذا بعض المصرفيين كي يتوقعوا أن يصل حجم الإصدار إلى 15 مليار دولار أو أكثر وربما يتجاوز حجم إصدار الأرجنتين البالغة قيمته 16.5 مليار دولار في أبريل نيسان والذي كان أكبر إصدار لأدوات الدين السيادية بالأسواق الناشئة على الإطلاق.

الا ان قرار الرياض معقد لأن باكورة إصداراتها سوف تضع أساسا مرجعيا للمبيعات المستقبلية لأدوات الدين ليس فقط من قبل الحكومة ولكن من قبل مجموعة من الشركات السعودية التي تنوي جمع أموال من الخارج، وقد يقنع هذا السعوديين بالتخلي عن مليارات الدولارات من حجم الإصدار من أجل إبقاء العائد على إصدار السندات التي ستكون لآجال خمسة أعوام وعشرة أعوام و30 عاما منخفضا.

وعلى الرغم من أن المسؤولين السعوديين لم يقدموا مقترحات محددة بشأن التسعير في الجولة الترويجية التي عقدوها في لندن، يذكر مصرفيون منخرطون في الصفقة إن المملكة ترغب في تسويق نفسها باعتبارها دولة من دول مجموعة العشرين بدلا من كونها سوقا ناشئة لذا فإنها تهدف إلى نطاق ضيق لتسعير السندات، لكن العديد من المستثمرين يتطلعون إلى السندات القطرية كمقياس للإصدار السعودي وبغض النظر عن الحجم فإن من المتوقع بشكل واسع أن يدفع السعوديون المزيد من العوائد.

وأصدرت قطر سندات لأجل خمس سنوات بقيمة 3.5 مليار دولار في مايو آيار بفائدة 120 نقطة أساس فوق عائد سندات الخزانة الأمريكية وأخرى بقيمة 3.5 مليار دولار لأجل عشر سنوات بفائدة 150 نقطة أساس وثالثة بقيمة ملياري دولار لأجل 30 عاما بفائدة 210 نقطة أساس، حيث تحظى قطر بتصنيف عند درجة Aa2 من قبل وكالة موديز وعند درجة AA من قبل ستاندرد آند بورز وفيتش وتفوق تصنيف السعودية بما يتراوح بين درجة وأربع درجات استثمارية، فضلا عن ذلك قد يطلب بعض المستثمرين علاوة بسيطة للمخاطر السياسية التي يعتقدون أنه لم يتم وضعها في الاعتبار من قبل التصنيفات.

ويرى البعض ان هناك اختلاف في التصنيف الائتماني، فمستثمري الولايات المتحدة الأمريكية أيضا لديهم وجهة نظر مختلفة بشأن السعوديين، فهم سيضعون في اعتبارهم الانخراط السعودي في اليمن وعجز الموازنة الأكبر بكثير وبعض الضبابية السياسية، وأنه حتى لو أصدر السعوديون مليار دولار فقط فسيتعين عليهم مع ذلك دفع فائدة أكثر من قطر.

ويمكن ذكر إن تصويت الكونجرس الأمريكي الشهر الماضي في السماح لأقارب ضحايا هجمات 11 سبتمبر بمقاضاة الرياض قد يكون له تأثير محدود، اذ سيكون له تأثير في حركة سوق الأسهم السعودي بعد تمرير القانون. وسوف يؤثر على الحجم الذين سيكون بمقدورهم إصداره أيضا.

وبشكل أساسي توقع مستثمر محتمل في السندات السعودية أن يتم تسعير العائد على الشرائح الثلاث للسندات السعودية بين 30 و60 نقطة أساس فوق العائد الذي دفعته قطر. وتوقع آخر 25 نقطة أساس كعلاوة للسندات الصادرة لأجل خمس سنوات و50 نقطة أساس لسندات 30 عاما.

التقشف الحكومي ودخول موظفي القطاع العام

اذ صرحت شركة "جدوى للاستثمار" التي تتخذ من الرياض مقرا لها، ان السحوبات النقدية من اجهزة الصرف الآلي والدفع باستخدام البطاقات المصرفية في نقاط البيع اظهرت اشارات ضعف في 2016، واضافت سيؤدي خفض بدلات العاملين في القطاع الحكومي الى تراجع انماط الاستهلاك في الشهور القادمة".

وهذا يبدو واضحاً من خلال اعتماد السعودية التقويم الميلادي لدفع رواتب الموظفين في القطاع العام، بدل الهجري في موعد سداد رواتب العاملين ، وذلك بهدف تقليص النفقات الحكومية، لكون عدد أيام السنة الميلادية يزيد عن أيام السنة الهجرية، في خطوة تدخل ضمن إجراءات تقليص النفقات الحكومية، وسيتقاضى الموظفون في القطاع العام الرواتب نفسها بموجب هذا الإجراء، لكنها ستكون محتسبة على عدد أيام عمل أكثر من السابق، لكون عدد أيام السنة الميلادية يزيد عن أيام السنة الهجرية.

ويساهم الإجراء في الملاءمة بين مواقيت سداد رواتب القطاع العام والسنة المالية الحكومية بين كانون الثاني/يناير وكانون الأول/ديسمبر، وان الاجراء سيدخل حيز التنفيذ بدءا من الأول من تشرين الأول/أكتوبر، بعد أيام من إقراره في مجلس الوزراء، توازيا مع إقرار سلسلة إجراءات تقشف شملت خفض رواتب الوزراء بنسبة عشرين بالمئة، والمكافآت السنوية لأعضاء مجلس الشورى 15 بالمئة.

ويناهز عدد السعوديين العاملين في القطاع العام ضعف عدد مواطنيهم العاملين في القطاع الخاص. وغالبا ما يحظى موظفو القطاع العام بامتيازات اضافية، منها ساعات عمل أقل وإجازات أطول.

منجهة اخرى حث مفتي السعودية المواطنين على دعم إجراءات التقشف الحكومية قائلا إن القرارات التي صدرت في الآونة الأخيرة هي إجراءات مؤقتة تقتضيها المصلحة العامة، وفي إحدى أشد الإجراءات الرامية لخفض الإنفاق أمر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز هذا الأسبوع بخفض رواتب الوزراء وأعضاء مجلس الشورى 20 بالمئة و15 بالمئة وخفض المستحقات المالية لموظفي القطاع العام.

جدولة القروض العقارية والاستهلاكية

ذكرت مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي) إنها أصدرت تعليماتها إلى البنوك العاملة في المملكة لإعادة جدولة القروض العقارية للعملاء المتأثرين بتعديل الدخل الشهري نتيجة خفض بدلات وعلاوات القطاع الحكومي في ظل هبوط أسعار النفط، ويشير القرار إلى تنامي الضغوط على الاقتصاد السعودي بعد تضرر إيرادات أكبر مصدر للنفط في العالم جراء هبوط أسعار الخام أكثر من النصف منذ 2014 إلى ما دون 50 دولارا للبرميل. وسجلت المملكة عجزا قياسيا في الموازنة بلغ 98 مليار دولار العام الماضي.

وأصدر العاهل السعودي عددا من الأوامر الملكية بتقليص رواتب ومزايا الوزراء وأعضاء مجلس الشورى وخفض مكافآت العاملين في القطاع الحكومي وذلك في أحدث خطوة تتخدها المملكة لتقليص الإنفاق، وبحسب تقديرات محللين تشكل البدلات ما يصل إلى 30 بالمئة من دخل المواطنين العاملين بالقطاع الحكومي.

وبلغت قيمة القروض العقارية المقدمة من البنوك التجارية للأفراد 108.2 مليار ريال (28.9 مليار دولار) بنهاية الربع الثاني من العام بحسب بيانات البنك المركزي، وذكر بيان نشر في الموقع الإلكتروني للمؤسسة إن قرار إعادة جدولة القروض العقارية يأتي "نظرا لاحتمال تأثر الدخل الشهري لبعض العملاء الحاصلين على تمويل عقاري مما سينعكس على قدرتهم على سداد التمويل ورغبة في معالجة أوضاعهم المالية."

ووضع المركزي عددا من الضوابط المتعلقة بإعادة الجدولة أبرزها الحصول على موافقة العميل وعدم تقاضى أي رسوم إضافية أو تغيير نسبة الفائدة الثابتة التي سبق الاتفاق عليها وعدم تقليص الخدمات والمميزات التي كان يحصل عليها العميل قبل إعادة الجدولة مثل التغطية التأمينية، كما طالب المركزي السعودي البنوك بإعادة جدولة القروض الاستهلاكية للعملاء المتأثرين بتعديل الدخل الشهري بعد تقليص العلاوات والبدلات.

وما يمكن ان يشكل سؤالاً او استفساراً هنا، هو قدرة السعودية في حلحلة الاوضاع، لاسيما وان اوضاعها الاقتصادية باتت مرتبطة بوضعها السياسي الخارجي، فحربها ضد اليمن مازالت مجهولة النهاية، وهذا مايعني زيادة في النفقات العسكرية، ومحاولتها للضغط على اعضاء أوبك لتحجيم الانتاج من اجل المحافظة على معدل جيد لاسعار النفط، مازال لم يحظى بتأييد الأغلبية خاصة من مصدرين لهم وزن ثقيل كالعراق وإيران وغيرها، وهذا ماقد يدفع السعودية الى السحب من احتياطاتها الاجنبية لمواجهة الاوضاع اقتصادياً في الداخل وضمان استمرار تمويل الانفاق العسكري الخارجي، وهو مايدفعنا الى سؤال اخر، ماهي حدود السعودية في السحب من احتياطاتها ومدى قدرتها للتحمل؟! وهل ستتجه في الأخير الى صندوق النقد للاقتراض الخارجي؟! يبدو ووفقاً للمعطيات الحالية، إن كل شيء وارد.

اضف تعليق