q

عمر ستار

بغداد، العراق - بعد مطالب تغيير المفوّضيّة العليا المستقلّة للانتخابات، اشترط الزعيم الشيعيّ مقتدى الصدر تغيير القانون الانتخابيّ، قبل مشاركة تيّاره الشعبيّ الواسع في الانتخابات المقبلة، ليتلاقى مرّة أخرى مع مطالب التيّار المدنيّ الذي يعتبر استبدال قانون الانتخابات الحاليّ بمثابة الأولويّة، والخطوة الأهمّ في إنهاء التكتّلات الطائفيّة التقليديّة القائمة.

ووصف الصدر في خطبة الجمعة في 23 أيلول/ سبتمبر الماضي قانون الانتخابات الحاليّ بـ"المجحف"، وربط تغييره بـ"تغيير الوجوه البائسة الفاسدة لتحصيل أغلبيّة إصلاحيّة يستطيع من خلالها فسطاط الإصلاح تغيير واقع العراق المرير، وإنقاذه من الاحتلال والميليشيات والإرهاب والفاسدين".

لكن ومنذ عام 2005، لم تطرأ تعديلات كبيرة على قانون الانتخابات، فبقي نظام القائمة وتحوّل من المغلقة بالكامل إلى القائمة شبه المغلقة في عامي 2010 و2014، وتحوّل العراق من دائرة واحدة إلى 18 دائرة (بعدد محافظات البلاد)، وتمّ أخيراً اعتماد نظام قديم في توزيع الأصوات هو نظام "سانتليغو". وبهذا الشكل، فإنّ صوت الناخب يبقى للقائمة التي اختار أحد مرشّحيها، حتّى وإن لم يتمكّن هذا المرشّح من الفوز، حينها سيتحوّل الصوت إلى مرشّح آخر ضمن القائمة نفسها، وبحسب التسلسل.

ولعلّ أكثر عيوب القانون الحاليّ هو السماح بتجاوز المرشّحين عدد أصوات العتبة الانتخابيّة (عدد الأصوات اللازم للفوز في كلّ دائرة انتخابيّة)، وتوزيع الأصوات الفائضة على باقي المرشّحين من القائمة نفسها، الأمر الذي أدّى إلى صعود مرشّحين إلى البرلمان والمجالس المحليّة، على الرغم من حصولهم فعليّاً على عدد قليل من الأصوات وخسارة آخرين حصدوا مئات أو آلاف الأصوات، لكنّها لم تصل إلى العتبة الانتخابيّة.

ولم يقدّم تيّار الصدر حتّى الآن مقترحاً جديداً لقانون الانتخابات، كما لم يبيّن ما هو التغيير المطلوب الذي يطمح إليه التيّار من خلال استبدال القانون الانتخابيّ. توجّه "المونيتور" بهذه الأسئلة إلى المتحدّث الرسميّ باسم الهيئة السياسيّة للتيّار الصدريّ جواد الجبوري الذي أوضح أنّ "رئاسة التيّار الصدريّ شكّلت لجنة من خبراء القانون لدراسة التعديل المطلوب في قانون الانتخابات، وهناك مسوّدات عدّة مطروحة للنقاش".

وأردف قائلاً: "لكنّ الخطوط العريضة لتشريع قانون انتخابيّ جديد هي الدوائر المتعدّدة، والانتخاب الفرديّ المباشر، أو القوائم المفتوحة بالكامل".

وعن عدد الدوائر المقترحة، أوضح الجبوري: "يجب أن تكون أكثر من 18 دائرة حتّى تكون الانتخابات معبّرة في شكل حقيقيّ عن الشعب العراقيّ، والبرلمان ممثّلاً لكلّ المناطق في البلاد. ولكنّ السؤال الذي ندرسه الآن هو هل سيتمّ تقسيم الدوائر على أساس عدد المواطنين أم على أساس عدد الناخبين في كلّ دائرة".

وتنصّ المادّة 49 من الدستور العراقيّ على أن "يتكوّن مجلس النوّاب من عدد من الأعضاء بنسبة مقعد واحد لكلّ مئة ألف نسمة من نفوس العراق". وبحسب بيانات وزارة التخطيط حول عدد سكّان العراق، يتوجّب أن يكون هناك 351 نائباً في البرلمان، إلّا أنّ قانون الانتخابات جعل مقاعد البرلمان 328 مقعداً.

وأرسل الصدر في 28 أيلول/سبتمبر الماضي رسالة إلى زعيم التحالف الوطنيّ الشيعيّ (الكتلة البرلمانيّة الأكبر) عمّار الحكيم تضمّنت 14 شرطاً قبل بقاء كلتة الأحرار التابعة إلى التيّار الصدريّ في هذا التحالف، من بينها شرط تغيير قانون الانتخابات. وأعلن الحكيم في اليوم ذاته موافقته على معظم تلك الشروط، الأمر الذي يعني أنّ تغيير الانتخابات أو تعديلها باتا في حكم المؤكّد، ولكن في غياب الرؤى الواضحة حتّى الآن حول شكل القانون الجديد.

وقال النائب عن التحالف الوطنيّ سالم المسلماوي لـ"المونيتور" إنّ "التحالف وافق على شروط الصدر، ولا يمانع في تعديل قانون الانتخابات، خصوصاً وأنّ البلاد مقبلة على انتخابات محليّة (مجالس المحافظات) في بداية العام المقبل". وأشار إلى أنّ "تعديل القانون يجب أن يكون بتوافق كلّ الأطراف السياسيّة، وأن تكون النسخة الجديدة من القانون عادلة ومعبّرة عن تطلّعات الشعب العراقيّ".

واللافت أنّ حلفاء الصدر من التيّار المدنيّ، والذين أعلنوا تأييدهم شروط الصدر في تغيير قانون الانتخابات، يمتلكون تصوّراً مختلفاً لقانون الانتخابات. ففي الوقت الذي تسعى الهيئة السياسيّة للتيّار الصدريّ إلى زيادة عدد الدوائر الانتخابيّة، قال القياديّ في التيّار المدنيّ وعضو لجنة تنسيقيّة بغداد جاسم الحلفي لـ"المونيتور" إنّ "التيّار المدنيّ يسعى إلى تشريع قانون انتخابيّ يجعل العراق دائرة انتخابيّة واحدة، وبنظام القائمة المفتوحة، وباعتماد طريقة الباقي الأقوى في توزيع الأصوات على المرشّحين"، معتبراً أنّ "الدوائر المتعدّدة تشتّت أصوات الناخبين ولا تضمن تساوي القيم".

وأشار الحلفي إلى أنّ "التيّار المدنيّ سيناقش مع تيّار الصدر إمكان تقديم مسوّدة مشتركة لقانون الانتخابات الجديد والعمل سويّة على تمريره، وإنهاء العمل بالقانون الحاليّ، كونه قانوناً غير عادل، وتمّ تشريعه حتّى يلائم الكتل الكبيرة فقط".

بدورها، تحتاج المفوّضيّة العليا المستقلّة للانتخابات من ثلاثة إلى أربعة أشهر للإعداد للانتخابات، في حال إقرار قانوني انتخابيّ جديد، بحسب عضو مجلس المفوّضيّة مقداد الشريفي الذي أوضح لـ"المونيتور" أنّ "التحضير لأيّ انتخابات يتمّ عبر جداول زمنيّة معيّنة، فهناك مثلاً مدّة محدّدة لتحديث سجلّات الناخبين، وأخرى للإعداد اللوجستي، ولتدريب كوادر المفوّضيّة على القانون الجديد وغيرها"، لافتاً إلى ضرورة "مراعاة ذلك من قبل البرلمان في حال تمّ تعديل قانون الانتخابات".

وعليه، فإنّ التأخير في تغيير قانون الانتخابات في ظلّ اختلاف الرؤى والمواقف حول شكل التغيير المفترض وطبيعته، يرجّح احتمال تأجيل الانتخابات المحليّة المقرّرة في نيسان/أبريل من العام المقبل، لا سيّما وأنّ كتلاً مثل المواطن بزعامة عمّار الحكيم، والوطنيّة بزعامة إياد علّاوي طالبت بدمج الانتخابات المحليّة مع الانتخابات العامّة في عام 2018 "لتقليل النفقات وتحرير المدن المحتلّة من "داعش""، فيما هدّد الصدر بمقاطعة الانتخابات المقبلة، في حال لم يتغيّر القانون الانتخابيّ، ولم تستبدل المفوّضيّة العليا المستقلّة الانتخابات.

اضف تعليق